« لا تبحثوا عن قبري في التـراب، بل في قُلوبكم »
الجمعة 11 مارس2016 – 11:38:26
«لا تبحثوا عن قبري في التراب، بل في قلوبكم»
منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، اهتممت بالأدب الجغرافي زمن المرينيين..وقرأت أهم منجز الأدب الرحلي لتلك الفترة التاريخية التي أشرت على تحول سياسي وفكري وثقافي في المغرب، بل في الغرب الإسلامي بعد هزيمة موقعة العقاب.. ولاشك أن الأدب الجغرافي المريني ذو صلة قوية بتلك التحولات.. قرأت رحلات: ملء العيبة فيما جمع بطول الغيبة لابن رشيد السبتي، ومستفاد الرحلة والاغتراب للتجيبي السبتي، ونفاضة الجراب في علالة الاغتراب لابن الخطيب، ورحلة العبدري..
وقرأت قبل ذلك بسنوات رحلة ابن بطوطة، لكني عمقت النظر والبحث فيها بفضل دروس أستاذي البحاثة عبد القادر زمامة حفظه الله، وبحوث صديقي العزيز الدكتور عبد السلام شقور حفظه الله..وأما إشكال قبر ابن بطوطة، فقد حسمه العلماء منذ قرون، حيث فصل ابن حجر في كتابه عن ابن بطوطة أن الرجل لم يدفن بطنجة، وأكد ذلك ابن الخطيب في رسالته التي وجهها إلى قاضي تامسنا ابن بطوطة ( والرسالة موجودة في كتابه : نفاضة الجراب) ملتمسا منه مساعدته لتملك أرض بالمنطقة (وقد كان ابن الخطيب ميالا إلى حب التملك على عادة الغرناطيين).
وفي عصر السلطان الحسن الأول، وقع الاهتمام بموضوع قبر ابن بطوطة.. وتمت عملية الحسم العلمي في هذا الموضوع من طرف العالمين الجليلين:السكيرج وكنون.. وفي فترة تدويل طنجة، اهتم باحثون إنجليز بالموضوع لاعتقادهم بأن قبر ابن بطوطة في طنجة هو ضرب من الوهم أو الشائعة أو أكاذيب التاريخ.. ولد ابن بطوطة في طنجة وليس من الضرورة أن يموت بها «وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير» (لقمان-34) وفي منتصف تسعينيات القرن الماضي، قدر لي أن أشارك في ندوة دولية حول ابن بطوطة بمدينة الدار البيضاء، إلى جانب أساتذة علماء (المؤرخ والديبلوماسي المرحوم عبد الهادي التازي والأستاذان أحمد التوفيق وعبد الفتاح كيليطو، وهذا الأخير قدم قراءة علمية حول رحلة ابن بطوطة وسمها ب: نص برأسين) تحصل لدى المشاركين في هذه الندوة العلمية الوطنية اقتناع بأن ما يسمى راهنا بقبر أو ضريح أو مزارة ابن بطوطة لاتتضمن بقايا جسده، فالرجل أنهى حياته قاضيا بتامسنا.
لماذا أقول كل هذا الكلام؟ – لأن مدينة طنجة تحتاج إلى مشروع ثقافي كبير يحمل اسم المواطن العالمي ابن بطوطة، وهذا المشروع لابد أن يهتم به المختصون المنزهون عن الفصول والغايات الظرفية. – ابن بطوطة شخصية عالمية جابت أطراف المعمور بدءا من المغرب فمصر فالسودان فالشام فالحجاز فالعراق، ففارس فتهامة فاليمن، فعمان فالبحرين فتركستان فما وراء النهر، فالهند فالصين فبلاد التتار فأواسط إفريقيا؛ ألا تستحق هذه الشخصية العالمية متحفا يضم مواد فنية وأثرية وخطية ورمزية من كل البلاد التي عاش فيها مدة سبع وعشرين سنة، على غرار ماقام به الإسبان في إقليم ويلبا تجاه كريستوفال كولون وتحديدا ب: الرابطة ؟ أعتقد أن هذا المتحف هو الكفيل بأن يكون منطلقا لمشروع أكبر هو مركز ابن بطوطة الدولي للتربية على قيم التسامح، وقد يشكل رافدا للسياحة الثقافية المنشودة. – طنجة الكبرى لا تحتاج إلى ترميمات لفضاءات وهمية، بل تحتاج إلى مشاريع قائمة بقوة الكم والكيف على غرارما يغرس بها الآن من أشجار النخيل. كفـى من استغلال أكاذيب التاريخ، ومزيدا من الاعتبار بالتاريخ الحقيقي..