” خالد مشبال – الإعلامي الذي لم يفقد ظله “
جريدة الشمال – أسامة الزكاري ( خالد مشبال )
باختصار، فتجربة خالد في المجال الإعلامي تقدم صورة واضحة عن نزوعات ” جيل التحول “، أو الجيل المخضرم لمغرب الاستعمار ثم الاستقلال. إنه جيل الوطنية الصادقة والثبات على الموقف والانخراط في معارك المغرب الكبرى من أجل تحصين البلاد والقطع مع معالم النكوص وترسيخ دولة الحق والكرامة.
وداخل هذا المسار العام، استطاع خالد مشبال تحت صخرة العطاء الإعلامي الراشد، عبر محطات عديدة، انطلقت من مدينته تطوان، وعبرت الحدود والفيافي في الطريق نحو أرض الكنانة، وانتهت بالانخراط الكامل والصوفي في ترصيص معالم دولة الإعلام الحر والنزيه، من خلال الأثير الإذاعي والصحافة المكتوبة والمنشورات الثقافية المجددة. ونظرا لخصوبة هذا الغنى ولتشعب مسارات عطاء خالد مشبال الإعلامي والمثقف والسياسي، أمكن القول إننا أمام تجربة سامقة تستحق أن تكون موضوع تكريم اعتباري من طرف الدولة والمجتمع، اعترافا منهما بقيمة الرجل المهنية والإنسانية أولا، ورفعا عنه – ثانيا – لكل أشكال الحيف التي طالت وضعيته الإدارية بعدما أحيل على التقاعد في ظروف تاريخية تحكمية معروفة وفي إطار انتقامي لا تخفى بواطنه. لقد كان الهدف من هذا المنحى الانتقامي في التعامل مع الوضعية الإدارية لخالد مشبال، إجباره على الركون إلى ” نظيمة الصمت ” وإخراسه إلى الأبد، بعد أن كان قد نجح في بلورة رؤى مجددة وجريئة من موقعه كمسؤول عن إذاعة طنجة خلال عهدها الذهبي بين سنتي 1984 و1995، الأمر الذي أقلق حراس العهد القديم داخل وزارة الداخلية والإعلام – آنذاك -، فكان ما كان …
ومع ذلك، لم يركن خالد إلى الصمت، بل تابع مساره بهمة وبثبات، عبر إطلاق مشاريع غير مسبوقة في المجال الإعلامي وفي مجال تلقي المعرفة والثقافة، وعلى رأسها مشروع سلسلة ” شراع ” ثم جريدة ” الشمال ” التي تعد أول جريدة جهوية بالمغرب، يرؤيتها العميقة وبمعايير عملها الرصينة وبالتزاماتها الأخلاقية الراشدة. لكل ذلك، ظل المهتمون والمتتبعون يطالبون خالد بإنقاذ ذاكرته الواحدة / المتعددة من الضياع عبر الشروع في تدوين خباياها، مادامت هذه الذاكرة قد أضحت ملكا لمغاربة المرحلة، ومادامت ظلالها الوارفة تمتد – في تقاطعاتها وفي منعرجاتها – لتغطي مجمل تحولات مغرب الزمن الراهن. فالرجل يعد شاهد عصره وضميره المتقد وصوت إعلامه الحر والنزيه. ونتيجة لهذه الإرادة الحديدية في قهر المرحلة وإكراهاتها، أصبح خالد يحمل صورة مرجعية داخل المشهد الإعلامي الوطني الراهن، بل تجاوز الأمر إلى التحول إلى رائد زمانه، الأمر الذي عكسته مجمل الكتابات والأعمال التي تناولت سيرته بالبحث وبالتوثيق وبالاستثمار.
في إطار هذا الاهتمام المتزايد بالنبش في سيرة خالد مشبال، يندرج صدور كتاب “خالد مشبال – الإعلامي الذي لم يفقد ظله ” للأستاذين حسن بيريش وعبد الرزاق الصمدي، وذلك خلال مطلع السنة الجارية ( 2014 )، في ما مجموعه 224 من الصفحات ذات الحجم المتوسط. والعمل – في الأصل – سلسلة من حلقات ممتدة كانت قد نشرت على صفحات جريدة ” الاتحاد الاشتراكي ” في شكل مرويات مستقاة من ذاكرة الرجل. لم يعتمد الكتاب على أية وثائق مكتوبة ولا عن شواهد مادية مباشرة، ولكنه انبرى لاستنفار ذاكرة الرجل لتقديم متن شفوي شيق استطاع أن يعيد تركيب مجمل الوقائع التي طبعت مسيرة الرجل على امتداد عمره المديد. هي رحلة شيقة مع الزمن، تقدم الوقائع، وتحلل سياقاتها، وتفكك عناصر الإبداع والعطاء لدى الرجل، وتكشف عن الخبايا وعن ” الأسرار” المسكوت عنها في سيرته وفي تجاربه. ولعل من العناصر الرئيسية التي أضفت قيمة استثنائية على الكتاب، لغته المتميزة والطيعة والتي أضفت على العمل بعدا نبيلا، ابتعدت به عن انحطاط خطابات التآمر والحقد والتجني، وتجاوزت عبره دوائر تصفية الحسابات الضيقة مع الأفراد ومع المؤسسات، لترتقي إلى مستوى إنتاج خطاب تداولي سامي لا شك وأنه يكتسب كل عناصر المصداقية التي تضفي على العمل قيمة اعتبارية غير متنازع حولها. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل ما يقدمه الكتاب من معطيات مثيرة ومن حقائق غير مسبوقة عن سيرة الرجل وعن تحولات المرحلة، فالمؤكد أن الأمر لا يزال في حاجة إلى المزيد من النبش ومن الحفر ومن التجميع، اقتناعا بأن ذاكرة الرجل لازالت تحمل الكثير من الخبايا التي ظلت مؤجلة من بين ثنايا متن الكتاب. ولعل هذا ما أدركه الأستاذ عبد اللطيف شهبون عندما كتب قائلا : ” مازال الكثير في ذاكرة ( خالد مشبال – الإعلامي الذي لم يفقد ظله )، ينتظر النشر والقراءة .. كما ينتظر إنصاف الدولة التي حرمته من أبسط حقوقه الإدارية … ” ( ص. 219 ).
فتحية لهذا العلم الشامخ في سموه، وتحية للأستاذين حسن بيريش وعبد الرزاق الصمدي على مبادرتهما بإخراج العمل إلى النور، تكسيرا منهما لضغط نزوعات الجحود ولمكر آلة المحو ولتبعات استئصال العناصر المشعة لذاكرة المرحلة، في الحال وفي المآل…