خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة الجديدة للبرلمان
الجمعة 20 أكتوبر 2016 – 17:44:31
• المواطن هو الأهم في الانتخابات وليس المرشح أو الحزب
• من حق المواطن أن يتلقى جوابا عن رسائله وحلولا لمشاكلة
• بدون المواطن لن تكون هناك إدارة
• من معاناة ألمواطنين: الشطط في استعمال السلطة والنفوذ وتعقيد المساطر وصعوبة الحصول على الوثائق
• من غير المفهوم أن تسلب الإدارة حقوق المواطن وهي المسؤولة عن صيانة الحقوق
• النجاعة الإدارية معيار لتقدم الأمم
• نزع الملكية لا يكون إلا في الحالات الضرورية القصوى للمصلحة العامة ويستلزم تعويضا مطابقا للأسعار المعمول بها في تاريخ العملية مع تبسيط مساطر الحصول عليه. من منبر الشعب، خاطب جلالة الملك منتخبي الأمة، والحكومة، والأحزاب السياسية والجمعيات ومسؤولي المؤسسات والإدارة العمومية، بمناسبة افتتاح الولاية التشريعية الجديدة، بلغة تحمل جملة من المآخذ على أداء الإدارة العمومية، في علاقاتها مع المواطنين، اعتبارا إلى أن الإدارة الناجعة عماد لأي إصلاح وجوهر تحقيق التنمية والتقدم المنشود.
جلالة الملك اعتبر أيضا أن المرحلة المقبلة تتطلــــب من المؤسســات التشريعية والتنفيذية «الانكبـــاب الجــاد» على القضايــــا والانشغـــالات «الحقيقية» للمواطنين والدفـــع بعمل المصالح العمومية إلى تغييــــر نمــط انشغالها وتحسين مردودية خدماتها وطريقة تعاملها مع المواطنين، مركزيا وجهويا ومحليا، لأن ذلك يشكل «جوهر» عمل الإدار ة العمومية في تحقيق التنمية وتشجيع وتطوير الاستثمار، وذلك عبر آليات تقريب المرافق والخدمـات من المواطـــن من أجل قضاء حاجاته اليومية البسيطة . وذكر جلالته منتخبي الأمة ومسؤولي القطاعات الحكومية بأن تدبير شؤون المواطنين وخدمة مصالحهم «مسؤولية وطنية» و «أمانة جسيمة» وأن كل تهاون في هذا المجال مرفوض وغير مقبول. كما أنه من غير المقبول أيضا أن يعمد بعض من فوض إليهم أمر تدبير شؤون المواطنين أن يقدموا مصالحهم الشخصية أو مصالح أحزابهم على المصلحة العامة والخدمة العامة، لأن «المواطن هو الأهم في الانتخابات وليس المرشح أو الحزب»، ولأن العمل السياسي يفترض وضع المواطن «فوق كل اعتبار».
ولاحظ جلالة الملك أن العديد من المواطنين يلجؤون إلى جلالته لالتماس مساعدته في حل مشاكل استعصى عليهم حلها ، ومصالح صعب عليهم تحقيقها عبر القنوات العادية للإدارة ، التي يظهر أن بعض مصالحها لا تقوم بواجبها وأن «هناك خللا ما في مكان ما» وأنه حين يلتمس المواطنون من جلالته قضاء حاجاتهم البسيطة، أو التشكي من ظلم أصابهم، فقد يعني ذلك أن أبواب الإدارة سدت في وجوههم أو أن الإدارة قصرت في خدمتهم. ولاحظ جلالة الملك أن الإدارة المغربية تشهد نقائص عدة، منها ضعف في الأداء والجودة، وغياب روح المسؤولية لدى العديد من الموظفين الذين يعتبرون أن مناصبهم توفر لهم «مخبأ» يضمن لهم «راتبا شهريا دون محاسبة». بينما المطلوب من كل مسؤول إداري أو سلطوي «أن يقوم على الأقل بواجبه» في خدمة المواطنين ومساعدتهم على حل المشاكل التي تعترضهم داخل الإدراة، من الاستقبال إلى التواصل، مرورا بمعالجة الملفات والوثائق وتقديم الحلول المناسبة ، ذلك أنه «من حق المواطن أن يتلقى جوابا عن رسائله وحلولا لمشاكله».
وأثار جلالة الملك، قضية تهم المواطنين بدرجة عالية، إنها مشكلة نزع الملكية الني غالبا ما تعالج بنزعات مزاجية ويحصل فيها ظلم كثير. وذكر جلالته بأن الإدارة التي من واجبها صون حقوق المواطنين لا يقبل منها أن تسلب هذه الحقوق دون أن تكون قرارات نزع الملكية مبنية على الضرورة القصوى للمصلحة العامة، على أن يتم التعويض على أساس الأسعار المعمول بها في نفس زمن القيام بالعملية ، مع تبسيط المساطر الإدارية والقضائية.ذلك أن المواطنين يشتكون من طول وتعقيدات تلك المساطر ومن عدم تنفيذ الأحكام ، خاصة في مواجهة الإدارة، وتساءل جلالته كيف لمسؤول أن يعرقل حصول مواطن على حقوقه بعد أن يكون قد صدر بشأنها حكم قضائي نهائي.
جلالة الملك تحدث بلغة آلاف المواطنين المتضررين من عمليات نزع الملكية عبر تراب المملكة، في ظروف أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها كانت جائرة، وجائرة أيضا التعويضات التي يكرهون على قبولها وهي عادة ما تكون مجحفة ولا تتناسب وأثمان «رواج وقته» ـ كما يدون في التوثيق العدلي ـ ولا يتمكن أصحابها منها، على تفاهتها، إلا بعد طول انتظار ومعاناة. الخلـــل في الإدارة العموميـــة خلال، أخطرها الشطط في استعمال السلطة والنفوذ بصورة مفرطة وفي غير وجه حق، الأمر الذي يفضي إلى خلق جو من العداء بل القطيعة بين المواطنين وإدارتهم ويدفع إلى ردود فعل غير مؤتمنة العواقب.
ومن تلك الخلال تعقد المساطر وصعوبة الحصول على الوثائق وفي هذا الباب أثار جلالة الملك مسألة علاقات مغاربة العالم مع المصالح الدبلوماسية المغربية وأيضا مسألة تطبيق مدونة الأسرة بما ينتج عن ذلك من مشاكل عائلية واجتماعية. تعقيدات الإدارة العمومية وسوء تدبير الشأن العام ــ وهي أمور تسري على جل الإدارات المركزية والمحلية والجماعية ــ لها «إسقاطات» سلبية أيضا على مشاريع الاستثمار وفرص التشغيل رغم إحداث المراكز الجهوية والشباك الوحيد، حيث إن عدم المساعدة على حل المشاكل المترتبة عن وضع ملفات الاستثمار بسبب التعقيدات الإدارية، يدفع المستثمر إلى اليأس والتخلي عن مشاريعه ويحرم المغرب من فرص الاستثمار الذي هيأت الدولة له العديد من التحفيزات والتشجيعات .
وفي هذا الباب أيضا ألمح جلالة الملك إلى أن النجاعة الإدارية تساهم في النهوض بالتنمية وفي جلب الاستثمارات الوطنية والأجنبية -وفي تعزيز الثقة في المغرب. خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة، تضمن دعوة صريحة للحكومة والبرلمان والأحزاب والنقابات والجمعيات والموظفين إلى التحلي بروح الوطنية والمسؤولية من أجل بلورة حلول حقيقية للارتقاء بعمل المرافق والرفع من جودة الخدمات المقدمة للمواطنين ، وذلك عبر إصلاح الإدارة الذي يتطلب تغييرا جوهريا في السلوك والعقليات. كما يتطلب إيجاد تشريعات جيدة تضع المرفق الإداري العمومي في خدمة المواطن، وتوفير ظروف مناسبة لتكوين وتأهيل الموظفين وتمكينهم من فضاء ملائم للعمل ومن ظروف التحفيز والتشجيع والمحاسبة، مع تعميم الإدارة الإلكترونية بطريقة تتيح الولوج المشترك للمعلومات بين مختلف القطاعات والمرافق .
واعتبر جلالة الملك في نهاية خطابه السامي أن الجهوية المتقدمة أصبحت واقعا ملموسا «يجب أن ترتكز عليه الإدارة، في تقريب المواطن من الخدمات والمرافق، ومن مركز القرار». كما شدد جلالته على ضرورة بلورة وإخراج ميثاق متقدم للاتمركز الإداري ، مواكبة لمتطلبات المرحلة، وعلى واجب الجميع الانخراط في المشروع التنموي الذي يقوده جلالته والذي يتطلب انخراط الجميع في الرفع من نجاعة وجودة الإدارة العمومية .