“دور الخطاب الإعلامي الموريتاني في تكوين الرأي العام الوطني: الإذاعة الرسمية أنموذجا”
الجمعة 28 يوليوز 2017 – 16:46:50
نــوقشت بآداب تطوان رسالة الطـــالب الموريتاني الحضرامي الشيخ في موضوع “دور الخطاب الإعلامي الموريتاني في تكوين الرأي العام الوطني: الإذاعة الرسمية أنموذجا” بإشراف الدكتور حميد المرابط يوم الخميس 25 شوال 1438 / 20 يوليوز 2017 ، ونال صاحبها درجة مشرف جدا.
وفيما يلي تقريـر عنهـا :
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على نبيه محمد الأمين ، وبعد:
فإن الله جل جلا له نشر الرحمة، وأسبغ النعمة، وأمر المسلم بشكرهما كي يجني الثمار، ويقطف الأزهار، وإن من شكر نعم الله إظهار الشكر للمنعم، حيث ورد عن نبينا محمد عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم قوله: من لا يشكر الناس لا يشكر الله.
وانطلاقا من الحديث الشريف أزجي شكرا ومحبة لمن سكنوا سويداء فؤادي في القرب والبعاد. فشكر عام لأهل المملكة المغربية الطيبين، فنعم الأهل هم ، فقد حلّلت أهلا، ورحبت سعدا، منذ وطأت قَـدَمـاي أرض المملكة.
فكانوا كما قال المتقدم :
وما عهدي بناس أي ناس …. تواصوا بالمكارم والمعالي
شكر خاص لجامعة عبد المالك السعدي ممثلة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، حيث نهلت من مَعينها الصافي.
أيُّها الحضور الكريم إن كليتنا العامرة رسمت محبة العلم وتكريم العلماء، وقد وجَدتني أنشد: نزلت على آل المهلب طالبــــــا …. بعيدا عن الأوطان في زمن المحل
فما زال بي معروفهم وافتقادهم …. وبـرهم حتـى حسبتهـم أهلــي.
وشُكر أخصُّ به أساتذتي الكرام كل باسمه، حيث أناروا لي الطريق، وذللوا الصعاب، فكان هذا البحث ثمرة تربيتهم العلمية الطيبة.
وكـأنّـي بالقـائـلِ يَرمُز إليهم بقوله:
شكرت جميل صنعكم بدمعى …. ودَمعُ العين مقياس الشعور
لأول مرّة قد ذاقَ جَفنــــــــي …. على ما ذاقـه دمع السرور.
وأخصُّ بـالذّكر هـذه الـوُجـوه المُشرقة التي تَجشَّمَت عَنـاءَ الفحص والتقويم. فسهروا الليالي في تقليب الأوراق، رغم كثرة المشاغـلِ و الالتــزامـــات .
وهم:
أولاـ حلية الأولياء، وسراج الأدباء، ومصقع البلغاء . أستاذي وشيخي د. حميد المرابط . الذي قبل الإشراف على البحث، حيث رعاه مذ كان فكرة إلى أن استوى على عوده بحثا قائما.
بدأت وكان الفضل منك عودا …. فمن عذراء تردف بالعوان.
تقاصر البلغاء دونك حظا …. كما قصر السماع عن العيان .
أسبغ الله عليك النعمة، وأدام عليك الصحة والعافية.
ثانياـ العالم النحرير، والشاعر القدير. د. أحمد هاشم الريسوني
أمحيي معاهد رسم الأدب …. ومبقي مشاهد فخر العرب
ومن نظم الفضل نظم الجمان …. ومن سبك الشعر سبك الذهب.
ثالثاـ الباحث الثبت والخطيب المفوه والمحقق المدقق والحقوقي :
الدكتور عبد اللطيف شهبون الذي يصدق عليه قول الشاعر:
إذا قال لم يترك مقالا لقائل…… مصيب ولم يثن اللسان على هجر
يصرف بالقول البنان إذا انتحى…….. وينظر في أعطافه نظر الصقر
رابعا مؤرخ البلدان، الباحث في العمران ، سائس الإدارة بالميزان د. مصطفى الغاشي نائب العميد ورئيس مركز الدكتوراه. “
وفائتَ كل منطق بليغ …. بطول الباع واليد واللسان
خامساـ سليل الشرفاء : الدكتور عبد الرحيم الإدريسي
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته … والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا فيما يخص الكلمة التي يجب أن تقال بدون مجاملة في حق صرحنا العلمي الحصين.
أما ما يتعلق بالأطروحة فهي موسومة ب”دور الخطاب الإعلامي الموريتاني في تكوين الرأي العام الوطني: الإذاعة الرسمية أنموذجا” وكما تعلمون فقد تطورت وسائل الإعلام وتعددت في السنوات الأخيرة بفضل التقدم العلمي والثورة التكنولوجية، وانفجار الوسيط الاتصالي، وثورة المعلومات التي شهدها القرن العشرون. وقد أصبح الإعلام – في عالمنا المعاصر – سلاحا استراتيجيا ذا حدين، يرجح كفة هذا الطرف على ذاك، وقد يتحكم في مصيره في هذا الزمن الموصوف بالعولمة التي تعمل على إعادة تشكيل العالم وصياغته فكريا وسياسيا واقتصاديا…. إلخ، بما يخدم مصلحة القوي الذي بيده زمام الحل والربط.. إن الخطاب الإعلامي صنف من الخطابات المتغلغلة في أعماق الحياة الاجتماعية المؤثرة فيها، والمتأثرة بها، مقامه من المقامات التي لها السيادة في سلم الخطابات المعرفية الأخرى.
وقد شهد القرن الحادي والعشرون تقدما كبيرا وهائلا في ثورة الاتصال والمعلومات، فمن إعلام تقليدي انبثق عنه إعلام إلكتروني، ومن إعلام إلكتروني انبثق عنه إعلام رقمي إلكتروني، بحيث أصبحت الأخبار تتداول بين الناس كل ثانية، وكل دقيقة، وفي كل ساعة بصورة آنية مستمرة. ولعل من الطبيعي بالنظر إلى التطورات التكنولوجية الهائلة في مجال الاتصال وما نتج عنه من خصائص جديدة على البيئة الاتصالية الجديدة، أن تنعكس هذه المتغيرات الحديثة على الإذاعة المسموعة باعتبارها إحدى الوسائل الإعلامية التقليدية.
وقد اتّضحَ أنَّ الإذاعة المسموعة بشكل عام لم تكن غائبة عن هذا المشهد فقد استفادت هي الأخرى من التقنيات المتطورة التي أتاحتها الأقمار الصناعية وأجهزة الكومبيوتر، فضلا عن ما وفرته التقنية الرقمية من إمكانيات مذهلة أدت إلى نقاء الصوت ودمج المعلومات مع الخدمات الصوتية في الأشكال الإعلامية الجديدة التي عرفت باسم (الملتي ميديا).
من هنا تبدو الأهمية الكبيرة التي احتلتها الإذاعة من بين وسائل الخطاب الإعلامي قديما وحديثا، ومن هذا المنطلق تسعى هذه الأطروحة إلى الكشف عن أثر البيئة الاتصالية الحالية على عملية تأثير هذه الوسيلة – باعتبارها من أقدم وسائل الخطاب الإعلامي في هذه البلاد – على الرأي العام الوطني، والكشف كذلك عن ذلك الدور الذي لعبته في تشكيل وتكوين وحتى خلق رأي عام وطني قادر على مسايرة التطورات الحاصلة في العالم، وقادر على فهم وتفسير وقراءة ما يدور حول وطنه من أحداث من جهة أخرى، ومن أجل فهم دور الإذاعة الرسمية في تكوين الرأي العام، وكذا فهم الأهمية التي يحتلها الخطاب الإعلامي بشكل عام – كخطاب له أساليبه وأدواته ووسائله ومقوماته، قسمنا هذه الأطروحة إلى بابين: قمنا في الباب الأول بتوضيح الجانب المفاهيمي والتاريخي والنظري للخطاب الإعلامي منطلقين من العام إلى الخاص، ومن الخاص إلى الأشد خصوصية.
أما الباب الثاني فقد خصصناه للإطار التاريخي والتطبيقي للوسيلة المدروسة (الإذاعة الرسمية) من خلال مراحلها التاريخية، وكذا مفهوم وأنواع الرأي العام، والدور الذي لعبته الإذاعة منذ الاستقلال ولحد الآن في تكوين وتماسك الرأي العام الوطني.
والحقيقة أن أي باحث في هذا المجال سيصطدم بندرة المراجع التي تناولت الموضوع فالواقع أنه لا توجد دراسات اهتمت بدور الخطاب الإعلامي في الإذاعة الوطنية في تكوين الرأي العام الوطني – حسب علمي – وإنما هناك دراسات عامة وقليلة جدا تتحدث عن الإعلام الموريتاني بشكل عام، ولعل الدراسة التي نشرها الخليل النحوي في الموسوعة الصحفية العربية، كانت من أهم ما كتب عن الإعلام الموريتاني، بالإضافة إلى الصحافة الموريتانية : الطريق إلى الإصلاح، لعبد الله ولد محمدو، ثم إذاعة موريتانيا ورحلة المصير للسني عبداوه، وبعض بحوث الإجازة في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، بموريتانيا والمعهد العالي للإعلام والاتصال في المغرب، أما ما عدا ذلك فلا علم لنا به، لذلك كان اعتمادنا إلى جانب المقابلات الشفوية المباشرة والميدانية والأرشيف الصوتي للإذاعة على بعض المصادر المختلفة التي تتناول تاريخ الإعلام العربي، فضلا عن بعض المقالات والمقابلات الإعلامية التوثيقية التي تتناول موضوع الإعلام الموريتاني بصفة عامة وقد انطلق البحث من سؤال رئيسي تفرعت عنه أسئلة ثانوية على الشكل التالي : ما دور خطاب الإذاعة الرسمية في خلق وتكوين الرأي العام الوطني؟ حيث أن وسائل الإعلام بصفة عامة تعتبر من الوسائل المؤثرة في تشكيل الوعي لدى المجتمعات، وقد دفع ذلك الباحثين إلى الاهتمام بما تقدمه هذه الوسائل، وتتبع الآثار التي يمكن أن تتركها المادة الإعلامية، ومضامينها من أنماط تفكير وتفسير الرأي العام بمختلف أنواعه.
وعلى هذا فإن البحث يحاول تتبع وسائل الإعلام ودراسة تأثير خطابها على الوعي المجتمعي بشكل عام، بهدف الوقوف على النتائج المترتبة على متابعة الجمهور الإذاعي لتلك المادة المقدمة في خطاب الإذاعة الرسمية، أو بمعنى أدق التوصل إلى نتائج علمية وعملية عبر الدراسة الموضوعية لأهم إفرازات الخطاب الإذاعي الموريتاني على علاقة الرأي العام المتمثل – في هذه الأطروحة – في مستمعي الإذاعة، بما تقدم هذه الوسيلة التي تعتبر من أقدم الوسائل الإعلامية في موريتانيا.
ويمكن توضيح مشكلة الدراسة من خلال ما أفرزه التساؤل الرئيس من تساؤلات فرعية على النحو التالي:
ـ هل ما زالت الإذاعة الرسمية تتمتع بالجماهيرية في ظل التطور الحاصل في المشهد الإعلامي الموريتاني؟
ـ ما حقيقة الدور الذي تقوم به الإذاعة الوطنية في التأثير على الرأي العام الموريتاني؟
ـ هل تصالح الخط التحريري للإذاعة الوطنية مع واجبات تحرير المجال السمعي البصري في موريتانيا؟
ـ هل يعاني الخطاب في الإذاعة الرسمية من التنافس الحاصل في المشهد الإعلامي الموريتاني بصفة عامة؟ وتوصل البحث إلى أن خطاب الإذاعة الرسمية مر في تكوين وخلق وتشكيل الرأي العام الوطني بثلاث مراحل مهمة ودخل بعد ظهور الإعلام الجديد، وتحرير المجال السمعي البصري في موريتانيا مرحلة رابعة وهامة خاصة أن الدولة في هذه المرحلة تنازلت عن هذا الفضاء السمعي البصري، وحولت المؤسسات الإعلامية الرسمية إلى مؤسسات خدمة عمومية.
وبعد دراسة هذه المراحل والاستعانة بنماذج من البرامج في الإذاعة الوطنية يبدو جليا أن الخطاب الإذاعي الرسمي ظل يخلق – بشكل أو بآخر – رأيا عاما وطنيا، حيث رأينا مدى تفاعل المستمعين مع البرامج، خاصة النموذجين السياسي والديني، وقد اتضح أيضا أن الإذاعة الوطنية ما زالت تتمتع بنسبة كبيرة من تلك الجماهيرية التي حافظت عليها لفترات طويلة، نظرا لغياب البديل على المستوى الوطني. وعلى هذا يمكن القول إن الخطاب الإعلامي للإذاعة الرسمية ساهم مساهمة كبيرة في تشكيل وتكوين الرأي العام الوطني، وفي تشكيل الوطن بصفة عامة، وكان محكوما في كل مرحلة بتوجهات النظام القائم منذ الاستقلال ولحد الآن.
كما توصلت الأطروحة من خلال المساطر البرامجية إلى الاستنتاجات التالية:
* البرامج في الإذاعة الرسمية مازالت تحظى بقدر كبير من المتابعة, حيث رأينا أن الرأي العام ـ الذي تجلى في كمية المستمعين ـ تفاعل مع النماذج التطبيقية التي استعرضنا إيجابا في الغالب وسلبا في النادر وهذا ما يجعلنا نقول إن هذه النماذج البرامجية التي ـ رأيناـ تتمتع بثقة نسبة معتبرة من الرأي العام الوطني,
* الخطاب الإذاعي الرسمي بدأ بمرحلة كانت صعبة، نظرا لكونه نشأ في ظل دولة متنازع على وجودها أصلا، وكان حريصا على أن يخصص كل توجهاته للتعبئة للانتماء لهذا البلد، وفي هذه المرحلة ظلت الإذاعة ناطقا رسميا باسم الدولة، وكرس النظام الأحادية في المجالين السياسي والإعلامي.
واستمرت هذه المرحلة من 1960 وحتى حسم عملية الاعتراف على مستوى المنظومة العربية والدولية سنة 1973.
* مرحلة التَوجُه التنموي الذي سيطرَ – إن لم نقل استبد مباشرة بعد نهاية المرحلة السابقة – بالمسطرة الإذاعية، وكأن الدولة بعد أن حصدت وحسمت عملية الاستقلال تريد أن تعزز مجهوداتها بالجهود التنموية التي يقوم بها القادة في هذه المرحلة، وانتهت سيطرة هذه المرحلة بظهور التعددية التي ستبدأ معها مرحلة جديدة عام 1991.
* مرحلة التعدُدية: لاحظنا أنه منذ سنة 1991 ظهرت تشققات البعد التعددي، أو على الأقل طرأ جديد ومستجد على المضامين الجديدة وهو البعد التعددي، من خلال إفساح المجال لبعض من الرؤية المغايرة والنقدية. تجسيدا لما تحقق بعد إعلان التعددية، وإن كان ثمة انسلاخ دائم – في الخط التحريري للإذاعة – بين مستوى النصوص وبين مستوى تطبيقاتها العملية – كما لاحظنا – حتى بعد دخول الإذاعة في المرحلة الرابعة، وبعد تحرير المجال السمعي البصري في موريتانيا. وعموما يمكن القول إن الصفات والسمات البارزة للخطاب الإذاعي الموريتاني، هو توزعه وتنوعه في الاهتمامات التي تطال البعد التعبوي والتنموي والتعددي، بحساب الأنظمة القائمة، حينها والسياقات الضاغطة للمشهد الإعلامي بصفة عامة.
* الخطاب السياسي المعارض أيضا: لم يجد النفاذ إلى الإذاعة حتى بعد تحويلها إلى إذاعة خدمة عمومية. ورغم هذا كله توصلت الأطروحة إلى أن الخطاب الإذاعي الرسمي يواجه تحديات كبيرة، هذه التحديات منها أساسا:
* أن الإذاعة لم تعد الفاعل أو القناة الوحيدة في موريتانيا، حيث إنه حسب الإحصائيات فإن كل المدن الموريتانية مربوطة بالكهرباء والإنترنت، وهذا مما يعزز التنافسية ويطرح على الخطاب الإذاعي تحديات جمة من أجل تأكيد وتعزيز ذاتيته مقارنة بخطاب وسائل الإعلام الأخرى. * التوجه الكبير الذي يشهده العالم من حيث اندماج الصوت والصورة في «الميلتي ميديا» يفرض على الإذاعة أيضا – دون أن تتخلى عن خصوصياتها الخاصة بها – أن توائم وأن تنافس داخل هذا المناخ التنافسي بصفة عامة الذي نشهده كثيرا عند ظهور كل وسيلة إعلامية جديدة.
* على الإذاعة أن تتصالحَ مع واجبات قانون تحرير المجال السمعي البصري الذي يفرض تحولها من إذاعة رسمية إلى إذاعة خدمة عمومية تضمن النفاذ لمختلف الفاعلين السياسيين وأصحاب المظالم والمواطنين بصفة عامة، وأعتقد أن هذا التحدي يجب أن تعمل الإذاعة على مواجهته وتجاوزه حفاظا على جماهيريتها من جهة، وعلى صناعة الرأي العام الوطني من جهة ثانية. صحيح أن الخطاب الإذاعي الرسمي ما زال يحظى – كما بينا – بثقة كبيرة لدى الرأي العام الموريتاني، نظرا لارتباط الإذاعة بالخبر الرسمي، إلا أن الخط التحريري الذي دأبت عليه الإذاعة في ظل الحزب الواحد، ما زالت تنهجه في ظل التعددية، وهو ما يعد انتهاكا واضحا للقانون.
* غياب دراسات التأثيــر: بمعنى أن الخطاب الإذاعي الرسمي منذ نشأته وهو يكتفي بدور المرسل الذي يرسل رسالة إلى أسفنجة تمتصها لاحقا دون أن يعير كبير اهتمام إلى مستوى رجع الصدى، دراسات التأثير غائبة، وكذلك دراسات الكمية المرتبطة بمسألة التأثيرات المحتملة لخطاب الإذاعة في جمهوره وأعتقد أن حضور هذه الدراسات قد يشكل جزءا يعزز من هذه الرؤية الشمولية لمستوى تأثير وتأثر الإذاعة كوسيلة ناقلة للخطاب أو مستوى تأثر الجمهور كمستقبل لهذه الوسيلة.
* البرامج في الإذاعة الـرَسمية على الرغم من أنها تحظى بنسبة معتبرة من مختلف مشارب الرأي العام الموريتاني فإنها أيضا تبدو طويلة جدا وغير متماسكة, مما قد يعرض المستمع للضياع وعدم التركيز. وهذا ما يجعلنا نوصي بإعادة النظر في طريقة تقديم البرامج وجعلها تتماشى مع التطورات الإعلامية وذلك من خلال تقديمها في قوالب جديدة قابلة لشد انتباه الجمهور الذي يتوفر له العديد من البدائل, داخل الوطن وخارجه.
* منافسة وسائل التواصل الاجتماعي: وكمثال على هذه المنافسة نذكر برنامج البلاغات الشعبية الذي كان من أكثر فقرات الإذاعة متابعة يوميا، وقد حصلت الإذاعة من خلاله على جائزة بمناسبة نجاح هذا البرنامج على المستوى الإفريقي، لكن لم يعد له اليوم معنى، نظرا لمنافسة وسائل التواصل الاجتماعي التي وفرت مهنة التواصل بين المواطنين بسرعة فائقة وبكل سهولة، وهذا ما يفرض على الإذاعة أن تحسن أداءها على مستوى الشكل وعلى مستوى المضمون، حتى توائم وتواكب هذا المناخ التنافسي الجديد.
* انعدام التكوين وإعادة التأهيل المستمر للطواقم الإذاعية: وأعتقد أنه يتعين في هذا الصدد وجود صحفيين محترفين يمكن أن يقدموا الخطاب الإذاعي حسب المواصفات والمعايير المهنية والدولية المطلوبة، أو على الأقل قادرين على إنتاج خطاب إعلامي مؤثر في الرأي العام، وهذا ما يجعلنا نوصي بالتكوين وإعادة التأهيل المستمر للكادر البشري الذي يعد ركنا مهما من أركان الخطاب الإعلامي بصفة عامة والإذاعي بشكل أخص.
* أصبحت الإذاعة اليوم تعاني أيضا من منافسة التلفزيونات خاصة أننا نعيش اليوم في عصر الصورة. صحيح أن الإذاعة لها خصائصها التي تضمن لها البقاء، لكن لا شك أنها منذ ظهور التلفزيون الموريتاني سنة 1982 أصبحت منافسة في عملية التأثير هذه على الرأي العام الوطني، وهذا ما يتطلب تحسين مخرجات الخطاب الإذاعي حتى يكون قادرا على مسايرة هذا الركب الاتصالي الجديد .
* الإذاعات الدولية التي أصبحت تبث في أنوا كشوط على FM كإذاعة فرنسا الدولية، وإذاعة ميدي1 والجزيرة باتت تزاحم الإذاعة في التأثير على الرأي العام الموريتاني، خاصة عندما يتعلق الأمر بالرأي العام السياسي.
* ظهور الإذاعات الخصوصية الوطنية التي أصبحت تنافس الإذاعة الرسمية على جميع المستويات، فعلى المستوى السياسي: يبدو سقف الحرية في هذه المحطات أقوى، والطيف السياسي الذي تنفتح عليه، والمساحة التي تعطي للرأي الآخر غير الرسمي أكبر مما يعطيه الخطاب الإذاعي الرسمي، وعلى مستوى البرامج الثقافية والاجتماعية أصبحنا نتابع غالبيتها على الإذاعات الخصوصية، سواء كانت برامج دينية أو برامج شبابية أو ترفيهية، وهذا ما يجعلنا نقول إن هذه الإذاعات الخاصة تزاحم وتنافس الإذاعة الرسمية في صناعة الرأي العام الوطني بدون شك صحيح أن لهذه المحطات هي الأخرى مشاكل وتحديات كبيرة – لسنا بصدد الحديث عنها – تحد من تأثير خطابها على الرأي العام الوطني، ولكن سقف الحرية الذي أتاحته المحطات الخاصة، ومقص رقيب الإذاعة الرسمية وفر مادة إعلامية خصبة لهذه المحطات استطاعت من خلالها منافسة الإذاعة الرسمية إلى حد كبير.
إذن أعود لأخلص فأقول إن الإذاعة ساهمت مساهمة كبيرة في تكوين الرأي العام الوطني، وفي تأسيس الدولة الوطنية، وكانت مدنية في كل مرحلة من مراحلها لسيطرة بعد تعبوي أو تنموي أو تعددي بحساب التوجهات السياسية والسياقات الإعلامية الضاغطة.
وأعتقد أيضا أن الهشاشة ما زالت قائمة على مستوى المحطات الإذاعية الخاصة والنزعة السلطوية ما زالت مستبدة ومسيطرة على خطاب الإذاعة العمومية (الرسمية)، وعندما نعمل على تحسين مخرجات الخطاب في المؤسسات الإعلامية الخاصة نكون قد حققنا إنجازا، وعندما نعمل على تخفيف تلك النزعة السلطوية في مؤسسات الإعلام الرسمي، وتكريس نفاذ مختلف الفاعلين إلى الإعلام نكون أيضا قد حققنا إنجازا كبيرا، يزيد لا محالة من فاعلية الخطاب الإعلامي الموريتاني، ويعزز من دوره في تكوين الرأي.