ذكرى الأعياد المجيدة الثلاثة “عيد العودة” و”عيد الانبعاث” و”عيد الاستقلال” 16 ـ 17 ـ 18 نونبر من كل عام “خطاب طنجة” سنة 1947 كان “بداية النهاية” لوجود الاستعمار المتعدد الجنسيات بالمغرب
الأربعاء 23 نوفمبر 2016 – 18:12:30
مرَّت أيّـام 16 و 17 و 18 نوفمبر، التي تخلد ذكرى الأعياد الثلاثة المجيدة، “عيد العودة”، و”عيد الانبعاث”، و”عيد الاستقلال” الذي بشر به الراحل محمد الخامس، في أول خطاب له بعد عودته المظفرة إلى أرض الوطن.
ولوْلاَ بعض المقالات الصحافية ، هنا وهناك، وبعض الإشارات الإذاغية والتلفزية، لما انتبه المغاربة إلى حلول حلول ذكرى “الأعياد الثلاثة المجيدة” التي ترمز إلى انبعاث عهد جديد بالنسبة للمغرب والمغاربة ، تحقق بفضل كفاح العرش والشعب الذي تزعم نضاله قادة الرعيل الأول من زعماء الحركة الوطنية ، علال الفاسي والحين الوزاني والشيخ المكي الناصري وعبد الخالق الطريس، الذين قادوا كفاح الشعب المغربي وأطروا نضاله وانتفاضاته ضد المستعمر، وعملوا على بلورة الوعي الوطني لدى عامة الشعب، وخاصة الشباب الذين تلقوا داخل المدارس الحرة تعليما وطنيا شكل وعيهم بالقضية الوطنية، وعبأهم لمعركة النضال من أجل الاستقلال والحرية والوحدة.
وقد اختفت من أدبيات هذا العام ذكرى “الأعياد المجيدة الثلاثة” ، لينحصر الاهتمام في عيد الاستقلال الذي، على أهميته القصوى، ورمزيته العظيمة وقدسيته اعتبارا لأنه حرر المغرب من ربق الاستعمار وأعاد له كرامته وحريته، إلا أن هذه الدكرى المجيدة لم بحتفى بها كما كان يحدث في الخوالي من السنين والأعوام، أو كما يحتفل بأمثالها في غيرنا من الشعوب والأمم. وحدها مندوبية المقاومة وجيش التحرير استفردت، كعادتها، بالاحتفال بهذه الذكرى عبر برنامج وطني نظمته في بعض جهات البلاد وتضمن مهرجانات خطابية ولقاءات مع بعض المناضلين والمقاومين وأعضاء جيش التحرير وصبحيات تربوية لفائدة الشباب، وتسليم أوسمة ملكية إلى بعض مناضلي الصحراء المغربية الذين أبلوا البلاء الحسن في مقاومتهم للاستعمار الاسباني منذ ثلاثينات القرن الماضي بصفة خاصة.
ذلك أنه بعد الاعلان عن استقلال “إيكس ليبان” بانطلاقت عمليات جيش تحرير الجنوب، نهاية الخمسينات حيث نجحت المقاومة الصحراوية في تضييق الخناق على المستعمر الاسباني عبر عمليات هجومية ناجحة ما بين 1957 و 1958، خاصة ضد منارة بوجدور التي تمخضت عن أسر عدد من الجنود الاسبان، كما تم احتلال مدينة السمارة في نفس الشهر وضربت مجموعات أخرى كلا من الترارزة وأدرار وبئر أم كرين، وحمادات تندوف وأم العشائر والعيون والعرقوب وتابلوكت وسيدي إفني وغيرها من المدن والمواقع إلى أن تم التغلب على انتفاضة الصحراويين بواسطة عملية “إيكوفين” الفاشية إثر تخالف الجيش الاسباني والجيش الفرنسي من أجل مواجهة المد العسكري لجيش تحرير الجنوب المغربي.
فهل فتر شعور المغاربة بنشوة الانتصار في أم معارك النضال التي خاضها الشعب المغربي قاطبة من أجل الاستقلال والوحدة ، أم إنخا “هموم الدنيا” أنستنا أننا نمر بواحدة من أغلى ذكريات كفاحنا الوطني ، يوم عاد محمد الخامس إلى أرض الوطن وبيده مشعل الحرية والانعتاق ، يحمل إلى شعبه الوفي، بشرى نهاية عهد الحجر والحماية وبزوغ فحر الحرية والاستقلال، ويؤسس لمغرب جديد وحديث، سرعان ما هوت عليه المطامع والمصالح الضيقة لمن كانوا بالأمس القادة والقدوة، وساهموا في تعبئة الشعب قاطبة من أجل معركة التحرير والوحدة وعودة محمد الخامس إلى عرشه وبناء الدولة الجديدة. وبالرغم من إعلان استقلال 1955، الذي وإن رفضه عدد من السياسيين ، بدعوى أنه لا يحقق الاستقلال الكامل ، إلا أنه شكل مرحلة هامة، وفق مبدإ “خذ وطالب”، على درب التحرير الشامل ، الذي لا زالت طريقه طويلة أمامنا لنصل إلى تحرير أرض مغرب الحسن الأول ــ وقد نشرنا خارطة لها في عدد “الشمال” الأسبوع الماضي ــ بصحاريه والجيوب الشمالية التي لا زالت بأيدي “الصديقة” اسبانيا .
لعل غريزة التحكم والتسلط لبعض فئات “المناضلين” الأوائل هي التي دفعتهم إلى محاولة الاستفراد بالحكم وإلغاء مكونات الحركة الوطنية الأخرى، وارتكاب كوارث إنسانية بشعة لم يكن يتصورها مغرب الاستقلال ولا يتوقعها، من اختطافات واعتقالات وهمجية وتقتيل داخل معتقلات رهيبة أقيمت بتزكية من جهة أمنية معلومة، منحازة إلى جهة الإقصاء والاستغلال، ليدخل المغرب في دوامة من العنف وعدم الاستقرار ، تركت جراحا قد لا تندمل رغم مجالس الاستماع ولجان التقصي وهيئة الإنصاف والمصالحة التي لم تحقق إنصافا ولا مصالحة ، والحديث في هذا الباب حديث حزن وشجو شجون ! إلا أن طيبوبة الشعب المغربي ونبله واتصافه بخلق التسامح وتعلقه بقيم التساهل، خصال حميدة جعلته يتجاوز الفتن المفتعلة والمحن والظلم وينخرط في بناء الوطن ، وراء العرش، الضامن لاستقلاله وحريته والمؤتمن على حقوقه في العدل والإنصاف والمساواة والاستقرار.
وفي هذا الإطار، إطار التلاحم القوي بين الشعب والعرش، يندرج الاحتفال بالأعياد الثلاثة، في ذكراها الواحدة والستين، هذه الذكرى المترسخة في قلوب ووجدان المغاربة وفي ذاكرتهم الوطنية ، حيث إنها تجسد انتصار إرادة الشعب والعرش في الدفاع عن استقلال المغرب ووحدة ترابه وتحقيق إشعاعه الحضاري والثقافي بين دول العالم.
كما أنها تشكل ملحمة وطنية كبرى حافلة بالدروس والعبر وببطولات الشعب المغربي وتضحياته من أجل عودة الشرعية المتمثلة في رجوع محمد الخامس إلى عرشه وشعبه وإعلان إلغاء وثيقة الحماية البغيضة، التي فرضت على المغرب سنة 1912 والتي قاومها أحرار الشعب المغربي عبر انتفاضات متتالية ابتدأت يثورة الريف المجيدة التي قادها أمير التحرير محمد عبد الكريم الخطابي، وتلتها معارك جبل لهري وبوغافر ومعارك الصحراء المغربية وغيرها من معارك التحرير إلى أن أعلن الشعب ثورته القاضية ، بعد أن امتدت يد المستعمر إلى رمز السيادة الوطنية ، محمد الخامس والعرش العلوي المجيد.
ولعلَّ “خطاب طنجة” التاريخي، الذي ألقاه محمد الخامس يوم عاشر أبريل 1947، خلال “زيارة الوحدة”، تعتبر أبرز محطات النضال الوطني من أجل الحرية والاستقلال والوحدة حيث أبرزالملك الراحل محمد الخامس طيب الله ثراه، التحامه الكامل مع الحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال والحرية والوحدة كما أكد انتماء المغرب إلى العالم العربي والاسلامي ضداعلى مطامع الاستعمار الذي كان يخطط لضم المغرب إلى “الاتحاد الفرنسي” للمستعمرات الفرنسية في إفريقيا. إن زيارة طنجة كانت بداية الخاتمة حيث اشتد صراع السلطات الاستعمارية مع العرش، صراع أدى إلى أحداث 20 غشت 1953، وانطلاق ثورة “الملك والشعب” التي انتهت بالعودة المظفرة لمحمد الخامس وأسرته الكريمة إلى شعبه وعرشه، ونقلت المغرب من “الجهاد الأصغر” إلى “الجهاد الأكبر” وفق المقولة التاريخية لمحمد الخامس والتي طبعت نهاية عهد الاستعمال بانطلاق “الأعياد المجيدة الثلاثة” التي يحتفا بهاالشعب المغربي أيام 16 و 17 و 18 توفمبر من كل سنة .
رَحِمَ الله شهداء الاستقلال وبارك في كافة مناضلات ومناضلي الحركة الوطنية من أجل الحرية والاستقلال والوحدة. عاش المغرب !