ذ. الطُرِّيس زعيم الوحدة
جريدة الشمال – عبد المجيد الإدريسي ( عبد الخالق الطُرِّيس )
الإثنين 05 فبراير 2018 – 14:59:49
هو كتاب أنيق من القطع الكبير ذو جودة عالية . بين دَفَّتيْه 217صفحة بخط مغربي جميل ، يؤمُّ صوراً للأستاذ عبد الخالق الطريس مع مختلف الشخصيات ، من بينها صاحب الجلالة محمد الخامس و الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي و الرئيس جمال عبد الناصر ، رحمهم الله جميعاً . أخذ الغلاف زخرفة من ثلاثة صورمن فن”الموزاييك” ، لكلِّ شكل منهم مربعان متداخلان و غيرُ متطابقين ، ذي ثمانية أضلاع . بالبند العريض في أسفله(الغلاف) جاء العنوان بخط كاليغرافي ، بريشة رسام مبدع . وقد اعتمد الكاتب في أبحاثه على ستّ مؤلفات رئيسية ، للأساتيذ ، علال الفاسي و الحسن بنساسي و محمد عزوز حكيم و أحمد زياد . و على مقالات نُشرَت على شتى المنابر الإعلامية الوطنية ، و التي اقتطف منها 28مقالاً لشخصيات أدْلت بها في حقِّ الأستاذ الطريس ، زعيم الوحدة كما جاء على لسان محمد العربي المساري رحمه الله . و كما قال عنه الأستاذ عزيز كنوني( الكاف بثلاثة نقط )، الأستاذ الطريس سيظلُّ اسماً خالداً في تاريخ المغرب الحديث . نعته ذ.علال الفاسي بأخي و حبيبي .
كما استعمل المؤلف ألفـاظــًا بـاللّغة العربية الخالصة من الجنس الأدبي المحلي و القومي للنصِّ السرْدي لوضعه في عدة سياقات ، من نمط المحاكات لإنتاج موضوع شخص الطريس مع الأحداث التي استدعتْ شخصيات متعددة في زمان ما . للتعبير فصاحة عن القيمة المضافة تجنح إلى بيان سليم . لقد استطاع مؤلف الكتاب أنْ يتحكم في صياغة السيرة الذاتية التي عاشها الأستاذ الطريس لصلته ( المؤلف ) بمهنة الصحافة التي تعمل على تصوير الذات و تنأى عن غراميات الخيال . وفي سرْد السيرة الذاتية انصهاراً في الزمكان ، مما لا يعرفه عامة الناس من الأحداث في تاريخ الحركة الوطنية و السياسية ، هو نضال مرير يجب أنْ يعلمه القراء و الباحثون . كما قال قاسم أمين ” إنَّ الوطنية الصادقة تعمل و لا تعلن عن نفسها ” .
استحضر المؤلف محطات من ذاكرة الزعيم من خلال خطبه المدوِّية ك “حفريات ” تاريخية تشهد له بمواقف وطنية ذي استراتيجية مستقبلية . كان خطيباً متميِّزاً يستقطبُ الجماهير الشعبية و يتحكم في وعْيِ المتلقي لاتساع أفقه في علميْ النفس و الاجتماع حتى يتمكن من إقناع الطبقة الدنيا و السيطرة عليها . من المحطات الهامة التي نقب عنها الكاتب : تأسيس المعهد الحرّ سنة 1935م و حزب الإصلاح الوطني سنة 1936م و رئاسته سنة 1937م وقبل ذلك ، بعض المنابر الإعلامية ك “الحياة الأسبوعية ” سنة 1934م . بتاريخ 14/02/1943م تقدم الأستاذ الطريس و ذ. المكي الناصري بوثيقة المطالبة بالاستقلال باسم حزبيْهما إلى سلطات الحماية الإسبانية . و كان يشغل منصباً سياسياً مع الإدارة المحتلة . و بعد الاستقلال كان وزيراً للعدل و سفيراً بمدريد و القاهرة مرتين . ثمَّ برلمانياً عن مدينة تطوان و رئيس الفريق الاستقلالي به . و كان أيضأ عضو في الكتلة الوطنية للأحزاب الديمقراطية . سيكون غبناً لحقوق هؤلاء الوطنيين التقصير في الاعتراف لهم بالإيثار . وقد أسهم الكاتب في تطوير البحث عن فكر الطريس في العلوم الإنسانية ، عند متَّسع لهامش حرية الرأي . من أجل دراسة العوامل العديدة ، الثقافية و الوطنية و السياسية و حتى الإكراهات التي أسهمتْ في السيرة الذاتية للأستاذ عبد الخالق الطريس . انتهى المؤلف إلى فرار طائفة من الموريسكيين بدينهم و استقرارهم بتطاون سنة 1571 للميلاد بعيْدَ معارك البشارات بتاريخ1568/1571م أيام الملك فيليبي الثاني بمملكة غرناطة . منهم أسرة ” البولودي الطريس ” . اهتمَّ الكاتب بأوَّل جدٍّ وهو السادس لعبد الخالق الطريس ، حطَّ رحاله بتطاون من أنساب ” البولودي الطريس ” . و بعد حواليْ قرنين من الزمان لاستوْطانهم مدينة تطاون (1571/1770م) ، حظيَ المهدي بن محمد الطريس بأوَّل منصب أمين الديوانة بطنجة سنة 1770م في عهد السلطان محمد الثالث بن عبد الله الخطيب بن إسماعيل بن علي الشريف المتوفى بمكناس (1710/1790/) . ولم يذكر المؤلف قبل ذلك أيُّ نوع من المهنة أوْ الصنعة التي كانوا يحترفونها ، لا قبل مقدمهم من الأندلس و لا عندما استضافهم أهل المغرب . إلى أنْ انتهى بموضوع البحث بشخص ذ.عبد الخالق الطريس ، ولادته و منشأه و وفاته ، (26/5/1910م- 27/5/1970م) .
لعلَّ الكاتب بدأ يؤرِّخ لهذه الأسرة عندما ألبِستْ حُلة الطبقة الأرستوقراطية باعتلاء المهدي الطريس أمانة الديوانة ، و ليس قبل ذلك، ربما لمنحها نوعا من الهالة ! غير أنَّ ذ. عبد الخالق الطرِّيس استطاع أنْ يُحوِّلَ تلك الأرستوقراطية إلى نوع من الشعبية داخل أسرته . تمكن هو أنْ يؤثر في تربيته الأرستوقراطية بدَلاً أنْ تؤثر هي فيه ( جاء ذلك على لسان ذ.أحمد زياد) . تلك هي إحدى المميِّزات الوطنية لانصهاره في الطبقة الدنيا و استقطابها في خطبه . بنظرية كلّ شخص يستمع لكلِّ ما يريد أنِ يستمع إليه . الطُرِّيس كان يخاطب المتلقي باللغة و الأسلوب و الفكر الذي يناسب الطبقات الشعبية . يتحدثُ إلى الجماهير ، تارة يجهر و ينهر بأغلال الاستعمار و تارة بحِلم الرشيد ، ليتبوَّأ مقام الزعيم .
إننا نناقش ، عمل الأستاذ طارق حيون ، و نكرِّمه و نحتفي ببحثه ، وهو الذي يُنْتسبُ إلى حقل الكتابة الصحفية، و يستمدُّها من حقل السرد الأدبي أكثر منه ، من المنهج التأريخي . شرح المؤلف بذكاء و بإيحاء إلى القارئ فكرة انماج حزب الإصلاح الوطني إلى حزب الاستقلال ، كان أمراً طبيعياً و موقفاً عظيماً للأستاذ عبد الخالق الطريس ، إذ القول ، إنَّ الكفاح من أجل الاستقلال كان لا بُدَّ أنْ يفضي إلى وحدة الحزبين ، و يُرادِف بين وحدة المغرب و وحدة الحزبين ، و تعليقهما على “مشجب ” نظرية إجهاض تقسيم جغرافية المغرب و وحدته الترابية من المؤامرة الاستعمارية الإسبانية لمحاولة “ترميم” نظام الحماية بالشمال في 12/10/1955م ، ، وقد أعلنتْ إسبانيا أنَّ ما يجري بين السلطان محمد بن يوسف و فرنسا ، لم يكن يعني المنطقة الخليفية في الشمال . فأراد الطريس أنْ يحبط المخطط الفرنكاوي بإدماج حزب الإصلاح الوطني في حزب الاستقلال ، كيْ تشعر إسبانيا أنها أمام الأمر الواقع ، و أنَّ وحدة الحزبين من وحدة المغرب ! فهذا التوحيد هو الذي أجهض مناورات الحماية الإسبانية بشمال المملكة . و قد جعلها ( الاندماج ) تُذعِنُ بعد أسابيع للاعتراف باستقلال المغرب ووحدة ترابه ، فأُطلِقَ على الأستاذ عبد الخالق الطُرِّيس لقب ” زعيم الوحدة “.
فهل يستكين المؤلف لكل هذه القضايا دون إعمال النظر النقدي فيها ؟ لا أقول هناك نوعٌ من الضبابية في عملية الإدماج ، إنما يُصبحُ صعباً على المتلقي أو القارئ في أيِّ زمان أنْ يقبل بسهولة بفكرة ” الوطنية” أنَّ وحدة الحزبين من وحدة البلاد ! حجةُ الوطنية ليستْ مرفوضة في ذاتها بل حوْلَ طبيعة الوطنية ، ليستْ كافية لبلاغة الحجج .
فالإنسان ربما لا يمكنه أنْ يتمتع بالكفاءة في جميع المجالات الوطنية و السياسية . فقد كان لحزب الإصلاح الوطني مؤسسات تنفيذية و مركزية مخوَّلٌ لها صناعة قرار الإدماج ، كيْ لا تتعمَّم سلطة المعرفة فتُصبح انفرادية ، و نوعٌ من “الدُّغمائية “. فمن الهفوات الاعتماد على شخصية وحيدة سياسية و وطنية و إنْ كان لا اعتراض عليها في هذين المجالين ، و حتى و إنْ امتلكتْ الخبرة ليستْ متناً و سنداً لاتخاد مثل هذا القرار التاريخي ! فالقضية مازالت تُرْوى و لا تُطوى .
و ليس اتباع الهوى فيما يقال و لا يقال … .