استقبلناها على وقع مقتل شهيد شاحنة أزبال الحسيمة وودعناها على نعي شهيدي “ساندريات” جرادة من أجل رغيف أسود بطعم العلقم
جريدة الشمال – عزيز كنوني ( حراك2017 )
الجمعــة 05 ينــاير 2018 – 10:58:01
• انتهت سنة 2017 كما بدأت على وقع “حراكات” شعبية” من الشمال إلى الجنوب، تفاعل معها الشعب كثير من التعاطف، ومن الدعم ، لل شك، لوجود”قوائم مشتركة” في المعاناة والتهميش واللامبالاة، ..وما يطلق عليه، مغربيا، بـ “الحكرة” …فمن الحسيمة إلى جرادة، مرورا بوزان، و زاكورة، وآسفي ومراكش، إلى غيرها من المدن التي أعيى الصبر أهلها ولم يعد لأقراص المسكنات من فعالية لديها….
إخفاق الحكومة البيجيدية، بـ “لواءيها” عن احتواء الأزمات دفعها إلى “معانقة” الحل الأمني” الذي ما حل يوما قضية ولا حقق غاية، بل إنه إنما يترك لدى المواطن شعورا بالضعف والظلم والغبن والهوان، شعور ينتقل من الآباء إلى الأبناء، لتختزنه الذاكرة الجماعية، في عملية حفر مستمر، يديم ألم الجرح الغائر.
لا ينكر إلا جاهل أو جاحد أو مغرور، وجود نقط مضيئة في سيرورة الأحداث التي طبعت السنة التي رحلت، غير مأسوف على رحيلها، وأهم تلك النقط ، الخطابات الملكية بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء وعيد العرش ويوم افتتاح الدورة الجديدة للبرلمان، التي جاءت بنبرة انتقادية حادة، لتدبير الشأن العام المطبوع بالاختلالات التي عجلت بإعفاء عدد من المسؤولين ، في حكومة سعد الدين العثماني الذي كلفه جلالة الملك بتشكيل الحكومة البيجيدية الثانية في 17 مارس الماضي، بعد إعفاء عبد الإله بنكيران في الظروف الدقيقة التي نعرف.
ومعلوم أن قرار الإعفاء الذي مس وزراء من حكومة العثماني وبنكيران، جاء على خلفية ملف “الحسيمة منارة المتوسط”، إعفاء ذكّـر المسؤولين بأن سيف المحاسبة وإن لم ينزل اليوم على رقابهم، فإنه نازل غدا، لا حالة، ليقتص للشعب ممن تهاونوا في الخدمة العمومية، وهي خدمة “مدفوعة الأجر” وبشكل مريح، ولا يتطلب الوصول إليها سوى “توفيق أقدار” أو طيب مزاج ! …..
ثم إن السنة شهدت منجزات هامة في مجلات القضاء والحريات العامة ، وإنجازات وجيهة في المجال الاقتصادي، تأتي على رأسها مدينة محمد السادس الصناعية بطنجة، واستقطاب طنجة للمزيد من الصناعات الحديثة القوية، والترخيص للبنوك التشاركية، ونجاح المغرب في السيطرة التامة على الوضع الأمني عبر العديد من العمليات التي كان لها رجع صدى إيجابي على مستوى أوروبا والعالم.
إلا أنه كانت للسنة التي نودع، سلبيات كثيرة، كان لها تأثير سيء على المزاج العام للمواطنين، الذين يطالعون كل يوم في الصحافة الوطنية ويتابعون على التلفزات العالمية أخبار تتصل بمظاهر الفساد تتصدر بعضها أخبار تخص بعض النافذين من “فئة” “خدام الدولة” ، هذا التعبير الذي استفز مشاعر المواطنين وترك لديهم الإنطباع بأن “خدمة الدولة” لا يحدها “لا إيمان ولا قانون” ( ni loi, ni foi !). نفس الانطباع يتشكل لدى المواطنين وهم يقفون على التفاوت الفاحش بين سكان مختلف جهات المغرب الذي يبدو أنه لم يتخلص، بعد، بالكامل، من التصنيف الاستعماري الشهير ” النافع والأقل نفعا” !!!…
…
هذا التفاوت الخادش” للمواطنة يتمثل في النقص الفاضح في البنيات الحضرية والقروية، بين منطقة وأخرى، وجهة وأخرى، التي هي حق من حقوق المواطنة الأساسية ومن متطلبات الحياة الكريمة من فضاء اجتماعي مناسب وتعليم وشغل ومواصلات ، وخدمات صحية ضرورية لاستمرار الحياة البشرية، وغيرها مما يشكل في بعض الجهات ، بنيات تحتية وفوقية أساسية، وفي جهات أخرى ضربا من “كماليات” لا قبل لأهلها بها !…
ولعل حادث سيدي بوعلام بالصويرة سيظل شاهدا على أوضاع الفقر والهشاشة التي تعيشها مناطق شاسعة من المغرب، حد أن تغامر نسوة قرويات بحياتهن ، ليس بسبب “اللهطة” التي عللت بها وزيرة “مخرققة” (يعنى أنها تضع فوق رأسها خرقة) بل بسبب الفقر والجوع والهشاشة.
حقيقة إن المغرب وضع مخططات لتقريب المناطق بهدف تعميم الاستفادة من ثروات البلاد، ولكنها مخططات تصطدم بـ “الاختلالات” الناتجة عن عدم تقدير المسؤولية، وقلة الحزم في القيام بالواجب، الامر الذي أدى إلى تجمد العديد من المشاريع، بل وضياع بعضها وما رصد لها من اعتمادات هائلة، وهذه الصحافة الوطنية تتحدث ، اليوم، عن اختلالات في برنامج “مراكش، حاضرة متجددة” بكلفة 630 مليار !… الذي كان ثمرة اتفاقية شراكة تم التوقيع عليها سنة 2013،
فهل سيلتحق برنامج “مراكش حاضرة متجددة” ببرنامج “الحسيمة جوهرة المتوسط” لتشهد المدينة الحمراء ارتدادات قوية لزلزال الحسيمة، خاصة إذا حشر قضاة العزيز ادريس جطو أنوفهم في الملفات الثقيلة التي بدأ يتضح، بحسب ما روته بعض المنابر الصحافية، أن بعض وحدات المشروع لم تخضع للدراسات العلمية والتقنية بالشكل الكامل، ووجود تداخل في اختصاصات المتدخلين وعدم التنسيق فيما بين المصالح الخارجية والمجلس الجماعي….يعني جل مكونات ملف اختلالات مخطط “المنارة” !!!…..
أحداث مدينة الفحم، جرادة، التي ودع المغرب على خلفية ملفها المؤلم، سنة 2017، والتي ذهب ضحيتها شقيقان من محترفي “السندريات” أو “الحواسي”، والتي يبدو أن التعامل “الرسمي” معها لم يكن “سليما” ، وفي مستوى المسؤولية ، حيث ضغطت السلطات المحلية من أجل دفن الضحيتين ليلا، من باب الاحتراز الأمني، ربما، إلا أن التفكير في هذا الأمر يعبر عن جهل تام بظروف المرحلة، وبأصول المجتمع المغربي وتقاليده وتدينه ونضجه السياسي.
ولا شك أن “التدخل الأمني” المرفوض من طرف مختلف المنظمات الحقوقية بالمغرب، الذي قوبل به حراك الريف وحراك العطش بوزان وزاكورة، وحراك الغبار الأسود بالقنيطرة، وحراك الإختناق “الكيماوي” بآسفي، وفي غيرها من المناطق، والذي كان له الأثر الوخيم، على مجرى الأحداث في هذه المناطق، دفع السلطات إلى محاولة تهدئة الوضع بمدينة “جرادة” بالرغم من الإنزال الأمني الملحوظ، والسعي إلى “امتصاص” غضب السكان ، عبر دعوة عامل الإقليم ووالي الجهة إلى اجتماع لتدارس حاجات المواطنين.
وأمام مطالب ممثلي السكان بالعمل لتحقيق شيء من العدالة في المجال التنموي، وتعزيز البنيات التحتية، والنهوض بالأوضاع الاجتماعية، وتسريع إنجاز المشاريع المتعثرة كالمجزرة والمسبح والحي الصناعي، وتيسير تنقل الأشخاص والبضائع داخل الإقليم من خلال إنجاز الطرق وإصلاح المسالك بالوسط القروي”. وتوفير بدائل اقتصادية عن مناجم الفحم الحجري التي أغلقت نهائيا سنة 2000،والتي اجتمعت حولها، في الماضي، جل اقتصاديات المدينة، تحدث العامل عن إقليم جرادة وما “يتميز به من وفرة من الموارد البشرية الطموحة، وأعلن أنه “سوف” يتم العمل على استثمار كل ذلك من أجل تنمية الإقليم !!!.
وهكذا أطلت علينا سنة 2017 بحدث “طحن” شهيد “شاحنة الأزبال” بالحسيمة، وما ترتب عن ذلك اليوم المشؤوم من أحداث وأهوال، وودعنا هذه السنة التي قيل إنها كانت سنة “استثنائية” ، على وقع حراك جماهيري واسع، بمدينة جرادة، بعد استشهاد الشقيقين “الحسين” و “جدوان” ، 23″ و 30 سنة، من أجل “رغيف أسود” بطعم العلقم !..