شاعر و قصيدة ابن زيدون ” (394- 463 هـ / 1003- 1071م)
جريدة الشمال – بقلم : عبد القادر الغزاوي ( شاعر )
الجمعــة 05 ينــاير 2018 – 12:21:42
• أقدم إلى القراء الكرام بصفة عامة وإلى محبي الأدب العربي وعشاق الشعر العربي بصفة خاصة جماعة من الشعراء العرب الذين خلدهم شعرهم الرائع والجميل من القديم والحديث ، وكذا مختارات من روائع شعرهم الخالد، دون الأخذ بعين الاعتبار ترتيبهم الزمني وعصورهم الأدبية . وقد أعملت جهدي المتواضع ما استطعت لأقدم إليكم هذه الطائفة الشعرية الرائعة المختارة حتى تنال إعجابكم وتروقكم ، وأن ينال هذا الاختيار إقبالكم واستحسانكم. لأني لا أختار ما تختارون ، ولا أنتم مختارون ما أختار ، لكم اختياركم ولي اختياري..
5) ابن زيدون (394- 463 هـ / 1003- 1071م)
الشاعر و العاشق السجين … ومن الحب ما سجن
هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب ابن زيدون المخزومي الأندلسي ، ولد بقرطبة سنة 394 هـ/ 1003 م . ينتمي إلى أسرة الجاه والقضاء والعلم والأدب . وقد تعلم ودرس على أحسن وأفضل رجال العلم والأدب ، فأكب على التحصيل والدراسة حتى أصبح كاتبا وشاعرا ، فشاع إسمه بين علماء وأدباء قرطبة ، وبات فحلا من فحول الشعر العربي ، ونجما من نجوم الأدب الأندلسي . وذاع صيته وانتشر شعره وأدبه نظرا لغزارة ثقافته وعلمه . وقد لقب ب ” بحتري الأندلس ” تشبيها ببحتري المشرق .
لقد هام بحب ولادة بنت المستكفي الخليفة الأموي وكانت جميلة وأديبة تنظم الشعر، حيث كان يعتبر الفارس الوحيد الذي ظفر بحب ولادة، والمحب الذي يهواها بكل جوارحه ومشاعره، وكان يريدها لوحده لتعيش في مملكة قلبه . فعاش ابن زيدون قصة حب متبادل بينه وبين الشاعرة ولادة إذ أغرم بها أيما إغرام، لما تضمنته من مشاعر متبادلة بينهما في الحب والغزل والهجر والحرمان . وتطورت هذه العلاقة من سيء إلى أسوأ، وخلقت له خلافات وخصومات واصطدامات مع المتنافسين معه على حبها، خاصة خصومته مع الشاعر أبو عامرابن عبدوس، الملقب بالفأر الذي هو الآخر كان يحبها وينافسه في حبها، إلا أن ابن زيدون بات محبا قنوعا بما تجود عليه من الحب والوصال . يقول في إحدى قصائده في هذا الموضوع :
سأقنع منك بلحظ البصـــــــر *** وأرضى بتسليمك المختصر
ولا أتخطى التماس المنـــــى *** ولا أتعدى اختلاس النظـــر
أصونك من لحظات الظنــون *** وأعليك عن خطرات الفكــر
وأحذر من لحظات الرقيــــب *** وقد يستخدم الهوى بالحذر
وكانت ولادة مصدر إلهام له في نظم أجمل القصائد الشعرية ، وسببا في تفجير طاقته الشعرية والإبداعية، فأعطانا أروع القصائد الشعرية التي لا زالت خالدة وأشهرها ” قصيدة أضحى الثنائي “، التي لا زالت تحظى بالقراءة والدراسة والتحليل . وقد لحن وغنى بعض أبياتها الملحن والمطرب أحمد البيضاوي ، بالإضافة إلى مطربين آخرين .
أما في العمل السياسي ، فقد اتصل ابن زيدون بابن جهور فاتخذه وزيرا له ، ولقب بذي الوزارتين . ولما ساءت العلاقة بينهما حبسه ، فأرسل إليه ابن زيدون رسائل استعطاف إلا أنها لم تحقق مراده ، فهرب من السجن وقصد بني عباد في إشبيلية ، حيث أسند إليه المعتضد وزارته . وبقي بها ولم يعد إلى قرطبة إلا بعد أن تولي الحكم فيها أبو الوليد بن جهور وأعاد له منصبه الوزاري . وظل ينتقل بين قرطبة وإشبيلية إلى أن توفي يإشبيلية سنة 463 هـ / 1071 م ، أيام المعتمد على الله بن المعتضد .
لقد تناول ابن زيدون في شعره جميع أغراض الشعر العربي : المدح والهجاء والغزل والاستعطاف والشكوى والرثاء والعتاب والوصف . وكان ابن زيدون بارعا في الشعر وبارعا في النثر . وله ديوان شعري ، والرسالة الجدية التي بعث بها إلى ابن جهور يستعطفه ويطلب عفوه. والرسالة الهزاية وهي رسالة انتقام كتبها على لسان ولادة ، بعث بها إلى ابن عبدوس يسخر منه ويعبث به .
قصيدة أضحى التنائي : القصيدة النونية التي قالها ابن زيدون في عشيقته ولادة بنت المستكفي وهو في السجن وأرسلها إليها ، يستعطفها ويذكرها بأيام الوصال الماضية ، وهي من أشهر قصائده ، وتعتبر من القصائد الغزلية الشهيرة بالمشرق وبالمغرب، وهي طويلة، وقد تناولتها مجموعة من كتب الأدب والشعر بالدرس والتحليل والشرح . وعارضها جماعة من الشعراء في حياته وبعد مماته . وقد لحن وغنى الملحن والمطرب أحمد البيضاوي بعضا من أبياتها . بالإضافة إلى جماعة من الملحنين والمطربين العرب . يقول في مطلعها:
أضْحَى التّنائي بَديلاً عنْ تَدانِينَــــــا، وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينـــَا
ألاّ وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ، صَبّحَنــــا حَيْنٌ، فَقَامَ بِنَا للحَيْنِ نَاعيِنــــــَا
مَنْ مبلغُ الملبسِينا، بانتزاحِهــــــــمُ، حُزْناً، معَ الدهرِ لا يبلى ويُبْلينَا
أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنــــــا أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينــــــــا
غِيظَ العِدا مِنْ تَساقِينا الهوَى فدعَوْا بِأنْ نَغَصَّ، فَقالَ الدهر آمينَـــــا
فَانحَلّ ما كانَ مَعقُوداً بأَنْفُسِنَـــــــــا؛ وَانْبَتّ ما كانَ مَوْصُولاً بأيْدِينَــا
وَقَدْ نَكُونُ، وَمَا يُخشَى تَفَرّقُنـــــــــا، فاليومَ نحنُ، ومَا يُرْجى تَلاقينَـا
يا ليتَ شعرِي، ولم نُعتِبْ أعاديَكــم، هَلْ نَالَ حَظّاً منَ العُتبَى أعادينَـا
لم نعتقدْ بعدكمْ إلاّ الوفاء لكُـــــــــمْ رَأياً، ولَمْ نَتَقلّدْ غَيرَهُ دِينـــــــــَا
ما حقّنا أن تُقِرّوا عينَ ذي حَسَــــدٍ بِنا، ولا أن تَسُرّوا كاشِحاً فِينَــا
كُنّا نرَى اليَأسَ تُسْلِينا عَوَارِضُــــه، وَقَدْ يَئِسْنَا فَمَا لليأسِ يُغْرِينَـــــا
بِنْتُم وَبِنّا، فَما ابتَلّتْ جَوَانِحُنَـــــــــا شَوْقاً إلَيكُمْ، وَلا جَفّتْ مآقِينَـــــا
نَكادُ، حِينَ تُنَاجِيكُمْ ضَمائرُنـــــــــــا، يَقضي علَينا الأسَى لَوْلا تأسّينَا
حَالَتْ لِفقدِكُمُ أيّامُنا، فغَــــــــــــــدَتْ سُوداً، وكانتْ بكُمْ بِيضاً لَيَالِينَـا
مختارات من شعره :
1) قصيدة إني ذكرتك : يقول في مطلعها :
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقـــــــــا ، والأُفق طلق ومرأى الأرض قد راقـا
وللنسيم اعتلال في أصائلـــــــــــه ، كأنه رق لي فاعتل إشفاقــــــــــــــــا
والروض عن مائه الفضي مبتسم ، كما شققت عن اللبات أطواقــــــــــــا
نلهوا بما يستميل العين من زهـر ، جال الندى فيه حتى مال أعناقــــــــا
كأن أعينه ، إذ عاينت أرقــــــــي ، بكت لما بي ، فجال الدمع رقراقـــــا
2) ومن قوله حين ودع ولادة ذات يوم :
ودع الصبرَ مُحبٌ ودعـــك *** ذائع من سره ما استودعك
يقرع السن على أن لم يكن *** زاد في تلك الخطى إذ شيعك
ياأخا البدر سَنَاء وسنـــــــا *** حفظ الله زمانا أطلعــــــــــك
إن يطل بعدك ليلي فَلكَــــــم *** بتٌ أشكو قصر الليل معــــك
3) وقال معرضا بولادة وابن عبدوس :
أَكرِم بِوَلّادَةٍ ذُخراً لِمُدَّخِـــــرٍ *** لَو فَرَّقَت بَينَ بَيطارٍ وَعَطّـــــــارِ
قالوا أَبوعامِرٍ أَضحى يُلِمُّ بِها *** قُلتُ الفَراشَةُ قَد تَدنو مِنَ النــــارِ
عَيَّرتُمونا بِأَن قَد صارَ يَخلُفُنا *** فيمَن نُحِبُّ وَما في ذاكَ مِن عــارِ
أَكلٌ شَهِيٌّ أَصَبنا مِن أَطايِبِـــهِ *** َ عضاً وَبَعضاً صَفَحنا عَنهُ لِلفـــارِ
4) قصيدة كم ذا أريد ولا أراد : هذه القصيدة يغنيها عبد الهادي بلخياط من تلحين حميد بن إبراهيم .
يقول في مطلعها :
كمْ ذا أريدُ ولا أرادُ؟ *** يا سوء ما لقيَ الفــؤادُ
أُصفي الودادَ مُدلَّلاً، *** لْمْ يَصْفُ لي مِنْهُ الوِدَادُ
يقضي عليّ دلالُـــهُ، *** في كُلّ حِينٍ، أوْ يَكــــادُ
كيفَ السّلُوُّ عنِ الّذي *** مثوُاهُ من قلبي السّوادُ؟
ملكَ القلوبَ بحسنِهِ، *** فَلَها، إذا أمَرَ، انْقِـــــيادُ
يا هاجرِي كمْ أستفيدُ *** الصّبرَ عَنْكَ، فَلا أْفَـــــادُ ُ
المراجع :
ـ ديوان ابن زيدون . شرح وتحقيق محمد سيد كيلاني . الطيعة الثانية 1956 م
ـ ديوان ابن زيدون . تحقيق حنا الفاخوري . الطبعة الأولى 1990 م
ـ أنخيل جنثالث بالنثيا . كتاب “تاريخ الفكر الأندلسي”، نقله إلى العربية حسين مؤنس، الطبعة الأولى 1955م
ـ ابن بسام . كتاب “الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة”، القسم الأول. المجلد الأول. تحقيق : إحسان عباس
ـ زكي مبارك . كتاب الموازنة بين الشعراء. أبحاث في أصول النقد وأسرار البيان. الطبعة الثانية 1936م
ـ خير الدين الزركلي . كتاب الأعلام . الجزء 1 . الطبعة الثالثة 1969 م
ـ جودت الركاب . في الأدب الأندلسي . الطبعة الثالثة السنة 1970 م
ـ شوقي ضيف . كتاب الفن ومذاهبه في الشعر العربي . الطبعة السادسة
ـ إمليو غرسية غومس . كتاب الشعر الأندلسي . ترجمة حسين مؤنس . الطبعة الثانية 1956م
ـ مصطفى الشكعة . كتاب الأدب الأندلسي موضوعاته وفنونه . الطبعة الثالثة 1975م .