شاعر و قصيدة : الحُصْري القيرواني
جريدة الشمال – بقلم: عبد القادر الغزاوي ( شاعر )
الخميــس 25 ينــاير 2018 – 12:01:53
( توفي سنة 488هـ / 1095م )
شاعر فقد نور البصر ووُهِب قوة البصيرة
هو أبو الحسن علي بن عبد الغني الفهري المقرئ الضرير القيرواني. وهو ابن خالة أبي إسحاق الحُصْري صاحب كتاب “زهر الأدب” . وكان ضريرا. وتتلمذ على يد كبار علماء وأساتذة عصره بالقيروان، حيث يقول فيهم :
كانت تُعد القَيروان بهــــــــم إذا *** عُد المنابر زهرةَ البلـــــــدان
وزَهتْ على مصر وحُق لها كما *** تزهو بهم وغَدتْ على بغدان
وقد بات ملما بمبادئ اللغة العربية وفنون الشعر، ودرس علوم القرآن فتخصص فيه، وكذا علوم الحديث والفقه والعقائد. قال عنه زكي مبارك في كتاب الموازنة : ( ويمكن الحكم بأنه كان خبيرا بأسرار اللغة العربية، فإن التأليف في علم القراءات يدل على ذلك، ويمكن الحكم أيضا بأنه كان بصيرا بشؤون الحياة، فإن في الاغتراب وصحبة الملوك عونا على فهم دقائق الوجود ). لقد رحل إلى الأندلس خلال القرن الخامس الهجري. وتمكن من الاتصال ببعض ملوك الطوائف الذين كانوا في عصره، فاتصل بالمعتمد بن عباد ومدحه بقصائد ، وألف له كتاب ” المستحسن من الأشعار “. بعد سقوط ملوك الطوائف عاد إلى المغرب فوافته المنية بمدينة طنجة سنة 488هـ / 1095 م. والحصري من الشعراء الذين اشتهروا بأشعارهم وهو صاحب القصيدة المشهورة التي مطلعها : ياليلُ الصب متى غده . له ديوان شعر، ومنظومته الرائية في قراءة نافع تبلغ 209 بيتا، وكتاب المستحسن من الأشعار، وديوان اقتراح القريح واجتراح الجريح، ورسائل الحصري وغيرها من التأليف المتنوعة الموضوع شعرا ونثرا.
قصيدة ياليلُ الصبٌ متى غدُه : قصيدة طويلة وهي رائعة من روائعه الشعرية، وتعتبر من أشهر القصائد العربية، فقد شغلت معظم الشعراء وخاصة الذين عارضوها وهم كثر، ونالت إعجاب الجميع والمطربين والملحنين، فتهافتوا على تلحين بعض أبياتها. ومن الشعراء الذين عارضوها أذكر بعضهم تجنبا للإطالة، أحمد شوقي وأبو القاسم الشابي وبشارة الخوري، وجميل صدقي الزهاوي ومفدي زكرياء ومحمود بيرم التونسي… وقد غنت المطربة فيروز بعض أبياتها .
والقصيدة حسب بعض المراجع الأدبية أنها قيلت في مدح الأمير أبي عبد الرحمان محمد بن طاهر صاحب مرسية بالأندلس، وذلك تفنيد وشاية الشتم التي بلغت إلى الأمير ويبرؤ نفسه منها. يقول في مطلعها :
يَا لَيْلُ الصَّبُّ مَتَى غَدُهُ *** أَقِيَامُ السَّاعَةِ مَوْعِــدُهُ
رَقَـدَ السُّمَّـارُ فَأَرَّقَـــــهُ *** أَسَفٌ للبَيْنِ يُـــــــرَدِّدُهُ
فَبَكاهُ النَّجْمُ ورَقَّ لــــهُ *** ممّا يَرْعَاهُ ويَرْصــــُدُهُ
كَلِفٌ بِغَزَالٍ ذي هَيَـــفٍ *** خَوْفَ الوَاشِينَ يُشَرِّدُهُ
نَصَبَتْ عَيْنَايَ لَهُ شَرَكَاً *** في النَّوْمِِ فَعَزَّ تَصَيُــّدُهُ
وَكَفَى عَجَبَاً أنِّي قَنــِصٌ *** للسِّرْبِ سَبَانِي أَغْيَــدُهُ
صَنَمٌ للفِتْنَةِ مُنْتَصِـــــبٌ *** أَهْوَاهُ وَلا أَتَعَبَّـــــــــدُهُ
صَاحٍ والخَمْرُ جَنَى فَمِهِ *** سَكْرَانُ اللَّحْظِ مُعَرْبِدُهُ
يَنْضُو مِنْ مُقْلَتِه ِ سَيْفَـاً *** وَكَأَنَّ نُعَاسَاً يُغْمِــــــدُهُ
فَيُرِيقُ دَمَ العُشَّاقِ بِــــهِ *** والويلُ لِمَنْ يَتَقَلَّـــــــدُهُ
كَلاّ، لا ذَنْبَ لِمَنْ قَتَلــَتْ *** عَيْنَاهُ وَلَمْ تَقْتُلْ يَــــــدُهُ
يَا مَنْ جَحَدَتْ عَيْنَاهُ دَمِ *** وَعَلَى خَدَّيْهِ تَــــــوَرُّدُهُ
خَدَّاكَ قَدْ اعْتَرَفَا بِدَمِــي *** فَعَلامَ جُفُونُكَ تَجْحَــدُهُ
إِنِّي لأُعِيذُكَ مِنْ قَتْلِـــي *** وَأَظُنُّكَ لا تَتَعَمَّــــــــدُهُ
بِاللهِ هَبِ المُشْتَاقَ كَرَىً *** فَلَعَلَّ خَيَالَكَ يُسْعِــــــدُهُ
مَا ضَرَّكَ لَوْ دَأوَيْتَ ضَنَى *** صَبٍّ يُدْنِيكَ وَتُبْعِـــــدُهُ
لَمْ يُبْقِِ هَوَاكَ لَهُ رَمَقَـــاً *** فَلْيَبْكِ عَلَيْهِ عُـــــــوَّدُهُ
وَغَدَاً يَقْضِي أَوْ بَعْدَ غَدٍ *** هَلْ مِنْ نَظَرٍ يَتــــَزَوَّدُهُ
يَا أَهْلَ الشَّوْقِ لَنَا شَرَقٌ *** بِالدَّمْعِ يَفِيضُ مُــوَرَّدُهُ
يَهْوَى المُشْتَاقُ لِقَاءَكُمُو *** وَصُرُوفُ الدَّهْرِ تُبَعِّـدُهُ
مَا أَحْلَى الوَصْلَ وَأَعْذَبَهُ *** لَولا الأَيَّامُ تُنَكِّــــــــــدُهُ
بِالبَيْنِ وَبِالْهِجْرَانِ ، فَيَا *** لَفُؤَادِي كَيْفَ تَجَلـــــُّدُهُ
الحُبُّ أَعَفُّ ذَوِيهِ أَنَـــــا *** غَيْرِي بِالْبَاطِلِ يُفْسِـــدُهُ
3 ) مختارات من شعره ::
1)قصيدة وهبت قوايَ للحَدَق الضِّعافِ
وهبت قوايَ للحَدَق الضِّعافِ *** وإن كانَت بسفكِ دَمي تُكَافـــــي
فكانت الضّعف قُوَّتها عَلينـــا *** وهل ذا الطَّبعُ إِّلا في السُّــلافِ
شُغِلنا عن مُساعدةِ اللواحِــــي *** بشاغِلَةِ الحجيجِ عن الطَّـــــوافِ
خضبتُ الشّيبَ أَخْدَعُها فقالت *** تَشَبَّهَتِ الحمامَةُ بالغُــــــــــــــدَافِ
فقلت صدقت لم أنكرت منّي *** وأنت عفيفةٌ بنت العفــــــــــــافِ
فقالتْ بيننا في الشَّيْبِ خُلْـفٌ *** ويُفتِينا بِمسألةِ الخــــــــــــــــلافِ
ولمّا أينعتْ رُمّانتاهــــــــــــــا *** ونادَى الوَصْلُ حيَّ على القِطَـافِ
تَأَذَّتْ فيهما بفَمِي فقالـــــــــتْ *** شمائلُ عاشِقٍ وفعال جـــــــــــافِ
2) قصيدة أَتعَبَني بَعدَكَ البَقاء:
أَتعَبَني بَعدَكَ البَقــــــــاء *** وَفي وَفاتي لَكَ الوَفــــاءُ
أَودَيت فَاِستَفتَح المُعَزّي *** أَن يحسنَ الصَبرُ وَالعَزاءُ
أَجَلُّ خَطبٍ فِراقُ حِـــبٍّ *** كانَ لِسقمي هُوَ الشفــــاءُ
أَظلَمَ دَهرٌ أَنارَ مِنـــــــهُ *** هَل بَعدَ إِظلامِهِ ضِيــــــاءُ
أَجمَدَ أَمواهنا جُمـــــادى *** أَلا دُموعاً هِيَ الدِمـــــــاءُ
بَكى وَلَو أَنَّني صَفــــاةٌ *** لَفاضَ مِنّي عَلَيكَ مــــــاءُ
أَلَستَ قَلبي وَخِلبَ كَبدي *** أَصابَني فيهِما القَضـــــــاءُ
الحَمدُ لِلَّهِ لا اِعتِـــراضٌ *** عَدلٌ مِنَ اللَهِ ما يَشــــــاءُ
3) وقال :
أقول له وقد حيا بكـــأس *** لها من مسك رقته ختـــــــــامُ
أَمن خديك تُعْصر قال كلا *** متى عُصرتْ من الورد المُدامُ
4) وقال أيضا :
إذا كان البياضُ لباسَ حُـزْنٍ *** بأندلُسٍ فذاكَ من الصَّـــوابِ
ألم تَرَني لبستُ بياضَ شيبِي *** لأَنِّي قد حزِنتُ على الشَّبـابِ
×××
المراجع :
ـ الحصري أبو الحسن علي : الديوان قصيدة ياليل الصب متى غده .
ـ زكي مبارك : كتاب الموازنة بين الشعراء أبحاث في أصول النقد وأسرار البيان الطبعة الثانية السنة 1936 م . الصفحة 109 .
ـ ابن بسام أبو الحسن علي : كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة . تحقيق إحسان عباس المجلد الأول القسم الرابع ص 192 ـ 205 ط 1 . 1979 م .
ـ خير الدين الزركلي : كتاب الأعلام الجزء 4 الصفحة 300 ط 15السنة 2002 م .
ـ جودت الركاب : كتاب في الأدب الأندلسي . ص 57 ـ 115 .
ـ ابن رشيق : كتاب العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد
ـ شوقي ضيف : كتاب عصر الإمارات الجزائرـ المغربـ الأقصىـ السودان .
ـ عمر فروخ : كتاب تاريخ الأدب العربي ج 4 . ..