أجرى الأستاذ ” محمد محمد منصور ” – صاحب كتاب ” شهادات تاريخية عبر بوابة طنجة عن مغربِ القرنيْن 20 – 21 م “[1]– مقابلة ثقافية في الثامن عشر من شهر نونبر سنة أربعة عشر وألفين ( 18 – 11 – 2014 م ) مع صديقه ابن جبل الحبيب الأستاذ المثقف والرجل الفاضل عبد العلي بخات، وأصل المقابلة أن منصورا أطلع الأستاذ عبد العلي على مشروع يعمل عليه، وهو تناوله قبسات عن شخصية معينة مع الإشارةِ إلى بعض جوانب قبيلتِها أو مدينتها[2]، وانطلاقا من مشروعه ﻫﺬا عرض عليه « حكي بعض الشهادات عن حياةِ جده الفقيه العلامة القاضي سيدي عبد العلي بخات »[3] رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، كيما يخطها فيحتويها كتابه هي الأخرى، وفي سياق ﻫﺬا العرض يقول الأستاذ منصور : « رحب ﺑﺬلك وشجعني على القيام ﺑﻬﺬا العمل »[4]، والحق أن صفحات منصور المسطرة لم تحوي فقط شهادات الأستاذ عبد العلي عن الحياة العلمية والعملية لجده العلم الجبلحبيببي الفذ الأجل رحمه الله، بل تضمنت – كدلك – شهاداته البالغة الأهمية والقيمة التاريخية عن جوانب ثقافية وفنية واجتماعية وتراثية عن جبل الحبيب عهد الاستعمار الاسباني للمنطقة، كما كانت لي اتصالات هاتفية متبادلة مع الأستاد العزيز عبد العلي بخات أثمرت إفادات غنية منه عن المنطقة زيادة على ما تضمنته المقابلة، وقبل أن أشرع – عبر هدا المقال الاول بالجريدة الغراء – في سرد شهاداته الجبلحبيبية أتقدم إليه بجزيل الشكر وكبير التقدير على حفظه لنا عبر ذاكرة عصره معالم متنوعة عن جبل الحبيب التي طواها النسيان وغابت عن الأجيال.
- جبل الحبيب عهد الإدارة الإسبانية سنة 1950 م :
حسب شهادات الأستاذ عبد العلي بخات عن جبل الحبيب عهد الادارة الاسبانية الدي شكل مركزه حسبه « فضاء تاريخيا »[5] فإنه كان « يضم سوقا منظما يعرف بثلاثاء جبل الحبيب، وثكنة عسكرية، ومدرسة، ومستوصفا من مستوى عال، كان مزودا بالتجهيزات والأطر خلال فترة الحماية، فكانت تجرى به التلقيحات للأطفال، داء الجدري وغيره…»[6]، كما « شكل مركز ثلاثاء جبل الحبيب قاعدة عسكرية للجيش الاسباني، وكان الجنود الاسبان يقيمون بمنطقة السوق تحت الخيام، في الوقت الدي كانت التداريب العسكرية تجرى في المنطقة الفاصلة بين سوق الثلاثاء ومركز أربعاء عياشة، كما كانوا يشاركون في تنظيم ألعاب مصارعة الثيران بواسطة مجسم ثور اصطناعي، فكان احد المصارعين يرتدي لباسا خاصا متصلا بقرنين، في الوقت الدي كان الجنود يرتدون ثيابا بالية مملوءة بالرقع، مما جعل الناس يصفونهم ﺑ ” بورقعة “، لأن حالتهم كانت توحي بالدونية والفقر، كما وجدت بالمنطقة قلعة عسكرية تابعة للجيش الإنجليزي في موقع المنجرة، كانت تقام بها بعض التداريب العسكرية بواسطة الخيول والأسلحة، فكان إطلاق الرصاص يسمع من كل مكان، وكان الطابع الغالب على تلك الفترة هو ارتفاع حدة الازمة الاقتصادية والفقر المدقع، حيث كان الناس يتلقون مساعدات غدائية من الإدارة الاسبانية تشمل السكر الأحمر، والصابون، كما كان يتم الاعتماد على الإنتاج الفلاحي المحلي، وفي هده الظروف بدأ توافد العائلات المهاجرة من الريف بسبب تأثيرات الحرب والجفاف[7] »[8].
- فرعي قبيلة جبل الحبيب وقراها :
حسب الاستاد عبد العلي بخات تتشكل قبيلة جبل الحبيب « من مداشر متعددة، منها مدشر دار بنصدوق[9]، والخروب، بومزود، الجبيلة، فلالسة، المنزلة، مولاي عبد الصمد[10]، اخشابش، المركز، سوانة، غور ] ﯕﻮر [11][ »[12].
- مميزات بعض قرى قبيلة جبل الحبيب وخصائصها عهد الإدارة الإسبانية :
لم يغفل الأستاد عبد العلي بخات أن يسرد لنا المميزات التي عرفتها قبيلة جبل الحبيب عهد الإدارة الاسبانية لها حيث كانت حسبه : « تتميز كل منطقة عن الأخرى بخصائص فلاحية واجتماعية وثقافية، فالمنطقة في مجملها تهتم بالفلاحة، لكن هناك شبه تخصص ناتج عن توزيع المهام بين المداشر»[13].
- زوايا ومزارات الجبل :
- مزار مولاي الحسن : « داخل مقبرة العائلة ] عائلة بخات [ بمدشر دار بنصدوق »[14].
-
زاوية بخاخت بمدشر دار بنصدوق :
بناها القاضي عبد العلي بخات عندما كان قاضيا على المنطقة، ﻓ « خلال إقامته بجبل الحبيب بنى زاوية في بيته الكبير بحكم تعدد زوجاته، وكثرة الأبناء، وكانت الزاوية تضم مسجدا للصلاة، وكتابا لتعليم القرآن، ودارا لإيواء المريدين الدين يفدون من مختلف المناطق، حيث كانوا يقدمون من فاس وتطوان، وآسفي، وشفشاون، وقد كانت الزاوية فرعا للزاوية الحراقية بتطوان، حيث كان الشيخ الحراق يحضر الى القرية ويشارك في اللقاءات الخاصة بالدكر والمديح والسماع، وكان الفقيه الحسن بخات ) والد صاحب الشهادات ( يرأس تلك الحلقات، وتولى إلقاء الدروس الدينية، وقد شكلت تلك الزاوية مدرسة لتعلم القرآن ومختلف العلوم اللغوية والشرعية على يد الشيخ عبد العلي، حيث درس بها جل أبنائه دكورا وإناثا وحفظوا القرآن، ثم التحق ولداه الحسن والمختار بجامع القرويين، حيث تمكنا من الحصول على شهادة عليا في الفقه والشريعة وعلم الكلام، ولما عادا الى موطنهما الأصلي اشتغل الحسن بالتدريس في الزاوية »[15].
كدلك كانت ولا زالت « زاوية لالة خدوج »[16] بمدشر الخروب، ولها موسمها المعلوم « اﻟﺬي يتم إحياؤه في عيد المولد النبوي، وهو خاص بالنساء فقط، حيث يلتقين بلباسهن التقليدي الجميل فيحيين حفل الحضرة النبوية اﻟﺬي يتضمن إنشاد الأمداح والاغاني الشعبية التي كانت تؤرخ لأحداث مضت )…(، وهي عبارة عن كلام منظوم عن أحاسيس الحب )…(، وكان الاحتفال يستمر ثلاثة أيام في مناسبة ” النسخة “، كما أن المديح كان يتم مجردا من الألة الموسيقية باستثناء آلة الطبل التي كانت حاضرة »[17].
- الجانب الإداري بالجبل :
- مدشر فلالسة : « كان يقيم بها القائد أفيلال[18] في عهد الاستعمار »[19].
- منطقة سيوانة : « قد تميزت بوجود مقر قاضي القضاة عبد العلي بخات، وكدلك إدارة الاشغال العمومية، وإدارة السلطات الاسبانية، وقد تحولت فيما بعد إلى محطة لاستراحة المسافرين، حيث توجد بها مقاهي ومطاعم »[20].
- مدشر كور : « تواجد به قاض اسمه الحليمي[21] »[22].
- الجانب الفلاحي بالجبل :
« المنطقة في مجملها تهتم بالفلاحة »[23]، فمدشر خشابش وقتها : « يعد مركزا لإنتاج الخضر والفواكه الى الآن »[24]، فيما عرف « إنتاج العسل في الريحانة وتازروتان »[25]، وبمدشر الخروب كانت « مطاحن الماء، الموزعة على ضفاف الأودية، وهي تختص بطحن الحبوب »[26].
- جانب الصنع والحرف بالجبل :
من خلال شهادات الأستاذ عبد العلي بخات، فقد « كانت الصناعات والحرف موزعة على عدة مناطق، حيث وجدت :
- صناعة الدرازة بمركز ثلاثاء جبل الحبيب.
- والحدادة في دوار الخروب.
- وصناعة الأحدية بدوار دار بنصدوق »[27].
- الجانب الفني في حياة سكان جبل الحبيب :
عرفت « صناعة الفن بمدشر هباطة، اﻟﺬي وجدت به فرقة فنية مشهورة للمعلم مسعود وعبد الله »[28]، كما يدكر الأستاذ عبد العلي « أن المغني عبد الصادق شقارة من تطوان كان يتردد كثيرا على المنطقة رفقة الشيخ الحراق، وقد استفاد كثيرا من نساء المنطقة في أخد عدد من الالحان والكلمات، لأنه كان مداوما خلال مرحلة شبابه على زيارة المواسم الخاصة بالأضرحة، منها موسم زاوية للا خدوج، اﻟﺬي يتضمن إنشاد الأمداح والأغاني الشعبية التي كانت تؤرخ لأحداث مضت، مثل ) الحبيبة وجرحتيني (»[29]، « وقد قام شقارة بتجديد تلك الأغاني وتقديمها في قالب عصري »[30].
يتبع
هوامش :
[1] – كتاب “شهادات تاريخية عبر بوابة طنجة عن مغرب القرنين: 20-21 م” لـمؤلفه الأستاذ محمد محمد الـمنصور، هو ” – كما عبر أحدهم – مؤلف فريد يستهدف حفظ الذاكرة الـمنسية وترميمها، والإبقاء على ما يميز الحياة الإنسانية، حيث يغطي هذا العمل التوثيقي شخصيات طبعت الفترة الممتدة من أواخر القرن التاسع عشر إلى الفترة التي نحياها، وهو بذلك يمثل فرصة الاقتراب الحميم من شخصيات شغلت أدوار هامة في مجالات سياسية وفكرية واجتماعية وثقافية وإعلامية، شخصيات كان مسار حياتها حافلاً بالتجارب والعبر، لم تجد من يوفيها حقها ويستحضر ما خلفته من جميل الأثر “.
[2] – من الصعبِ أنْ نعتبر مشروع الأستاذ محمد محمد منصور عملا تراجُميا بالمفهوم المتعارَف عليه لدى أهل التراجم، إلا أنه مشروع في غاية الأهمية، وهي شهادات كما أطلق عليها، ويستحق عليه تقديرا وامتنانا بالغا.
[3]– شهادات تاريخية عبر بوابةِ طنجةَ عن مغربِ القرنيْن 20 – 21 م / الجزء الأول، محمد محمد منصور، مطبعة Novo Print، طبعة 2019 م، ص : 336
[4] – نفسه، 336 – 337
[5] – نفسه، 342
[6] – نفسه، 342
[7] – وفي هاته الظروف يحكي ابن جبل الحبيب الاطار التربوي المتقاعد الأستاذ عبد العلي بخات قائلا : « استقبلت عائلة بخات ] جبل الحبيب [ طفلة صغيرة اسمها راضية، كانت تطوف على البيوت من أجل التسول، فاحتضنتها السيدة فاطمة بخات ] والدة عبد العلي بخات [، وأشرفت على إيوائها ومعالجتها بعد أن كانت مقبلة على الموت بسبب الجوع، فنشأت الطفلة في بيت العائلة، ولما بلغت سن الرشد أشرفت على تربية كل أبناء العائلة، ثم قام آل بخات بتزويجها، وكان الكشكل الدي عانت منه هو انقطاع صلتها بوالديها اللدين لم تعد تعرف عنهما شيئا، ولم تتعرف عليهما الا بعد زواجها، وهي ما زالت على قيد الحياة ] بتاريخ 18 نونبر 2014 م [، كما أنها مشهود لها بالفضل والخير ». نفسه، ص : 342 – 343
[8] – نفسه، 342
[9] – حسب الأستاذ عبد العلي بخات فإن مدشر دار بنصدوق بجبل الحبيب « يحمل اسم عالم جزائري كان يقيم بعين المكان ». وعنه – أيضا – أن المدشر « تجتمع به ثلاثة أصول عائلية، وهي بخات من الجزيرة العربية، أخديم والأندلسي من الاندلس، ويتوزع أفرادها على ثلاثة أحياء رئيسية : أخدمان، بخاخت، لندلوس » 337. وأحسب أن الاستاد المذكور نسي حي المثانية، حيث تتوزع القرية تتوزع على أربعة أحياء، لكل حي عائلته، والحي الرابع بالقرية تقطنه عائلة المتني، إضافة الى العوائل الثلاث المذكورة.
[10] – قرية مولاي عبد الصمد، التي تدعى محليا ﺑ ” مولاي عبد الصميد ” بالياء، وهي ليست من قبيلة جبل الحبيب اليوم، وإن كانت جزء منها في التاريخ الممتد لجبل الحبيب قبل الاستعمار الاسباني على الأقل.
[11] – ﺫكر الأستاذ عبد العلي عشرة قرى من أصل اثنين وثلاثين قرية بقبيلة جبل الحبيب ﺫات فرقتين ( حَائِطَين ) أساسيتين، وهما :
- فرقة الحَيْط الفوقي، وبها ( 13 ) مدشرا، وهي :
الخَرُّوب، الرَّيْحَانة، اجْبِيلَة، الرُّوسِّييشْ، اخْشَابْشْ، فْلاَلْسَة، دار بن صدوق بما فيها أخْدْمَان، اهْبَاطة، المهْدَايْن، تَازْرُوتَان، الصَّف أو ( الصف ماء لكحل )، بُمْزْوُدْ، المركز، ( المركز بكل أحيائه وتجزءاته، كاسبراطا، ديور المجامر، ….).
- فرقة الحيط السفلي أو الهَبطي، وبها ( 19 ) مدشرا، وهي :
قرية الهار[11]، كُوْرْ، بوحذيفة ( أبو حذيفة )، والمنزلة ( المركز )، مدشر الخَبْ ( تَّشارْ خبْ )، عين جِيَّارَة، قَنُّوعَة، المدور، الدشيرة، علاوش، الشّْرَابْخَة، أفريغص، الحجرة، )أو الحجرة الجديدة(، أحريق، حَمِّيوْش، الزُوَّة، دار فلاَّق ، الرمل.
[12] – شهادات تاريخية، ص 343
[13] – نفسه، 343
[14] – نفسه، 337
[15] – نفسه، 337 – 338
[16] – نفسه، 343
[17] – نفسه، 334
[18] – إلى القائد أفيلال – حسب الاستاد عبد العلي بخات – « تعود أصول عبد الرزاق أفيلال الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين سابقا، الدي تربى في تطوان، حيث كان والده يتوفر على محل تجاري بشارع محمد الخامس ». نفسه، ص 343
[19] – نفسه، 343
[20] – نفسه، 343
[21] – كان القاضي الحليمي « من عائلة الوزير أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط حاليا ] إلى حدود تاريخ شهادات الأستاذ عبد العلي بخات بتاريخ 18 نونبر 2014 م [ ». نفسه، ص 343
[22] – نفسه، 343
[23] – نفسه، 343
[24] – نفسه، 343
[25] – نفسه، 343
[26] – نفسه، 343
[27] – نفسه، 343
[28] – نفسه، 343
[29] – نفسه، 334
[30] – نفسه، 334