صورة من أرشيف الامبراطورية الاستعمارية الفرنسية تؤكد مغربية الصحراء الغربية والصحراء الشرقية أقاليم تندوف والساورة والقنادسة وكولوب بشار وتوات وتيديكلت أراض مغربية اغتصبتها الجزائر
هذه هي الأرض المغربية التي “تسلمها” الاستعمار الفرنسي غداة عقد اتفاقية الحماية في 30 مارس 1912، والصورة توجد ضمن الأرشيف الاستعماري الفرنسي لـ “إفريقيا الفرنسية” التي شكل “الانقضاض” عليها المرحلة الثانية للتوسع الاستعماري الفرنسي في إطار ألإمبراطورية الفرنسية التي تأسست في القرن السادس عشر والتي تشكلت في ما بعد، من مجموعة من أراض خـاضعة للـوصاية أو الحمـاية أو للاحتلال المباشر، في إطار “مسلسل الهرولة” الأوروبية نحو إفريقيا (Scramble for Africa) انطلاقا من مؤتمر برلين (1884 ـ 1885).
وقد شهدت المستعمرات الفرنسية في إفريقيا توسعا في رقعتها كما في استغلال ثرواتها ومواطنيها ، بعد أن تمت السيطرة على الجزائر وتحويلها إلى مجموعة “مقاطعات فرنسية” لتصل إلى فرض حمايتها على تونس ثم المغرب الذي كان آخر “فتـوحـاتها” الاستعمارية، والذي فقد الكثير من هيبته بعد هزيمته في حرب إسلي (14غشت 1844) التي خاضَها نُصرة للأمير عبد القادر ودفاعـًاعن المقاومة الجزائرية ضدّ الاحتلال الفرنسي والتي ترتب عنها توقيع المغرب على معاهدة للا مغنية (18 مارس 1845)، تحت ضغط كبير تمثل في قصف شديد لسواحل المغرب ترتب عنه دمار وضحايا بالآلاف. وكان من بين شروط هذه المعاهدة ترسيم الحدود بين الجزائر الفرنسية والمملكة المغربية ولم يتم توثيق الحدود إلا بين قلعة عجرود المغربية و ثنية الساسي الجزائرية، على طول 140 كلم، بينما ظلت المناطق الجنوبية خارج التحديد، بدعوى أنها مناطق خالية ولكن المستعمر الفرنسي تعمد ذلك ليتمكن من التوغل في الأراضي المغربية انطلاقا من الجزائر الفرنسية.
وهكذا كان،فلم يتأخرالاستعمار الفرنسي في احتلال تندوف (التي ظلت تابعة لسلطات الحماية الفرنسية بالمغرب إلى سنة 1952)، واقتطاع أقاليم مغربية شاسعة، في الساورة وكلومب بشار،وواحات توات وتيديكات والقنادسة الذي لا زالت به خلايا مقاومة في أجل استرجاع الصحراء الشرقية. وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى الهيئة الوطنية للمناطق الشرقية التي يوجد من بين قادتها المناضل على بنبريك، وهو أحد أبناء المجاهد العلامة ابن العربي بنبريك الذي يعتبر قيدوم رجال الحركة الوطنية بالصحراء الشرقية. ولا زال ولده علي ، على خط النضال في الداخل والخارج ، على مستوى الإعلام الوطني والدولي والمنظمات الدولية، من أجل لفت الانتباه إلى قضية المناطق الصحراوية المغربية المحتلة من الجزائر “الشقيقة” ( ! ) تلك المناطق التي حددها السلطان الحسن الأول في خارطته لسنة 1880 والتي تضم ما كان الفرنسيون يسمونها “الصحراء المغربية الكبرى” ومساحتها تفوق مليوني كلم 2 وسكانها فوق الستة ملايين ، ظلوا قبل الاحتلال الفرنسي وبعده متشبثين بهويتهم الوطنية المغربية.
وفي أحدِ تصريحاته قال على بنبريك، إن تخليص الصحراء الشرقية يتطلب نفسا طويلا وإعدادا جيدا للأجيال الصاعدة ، خاصة وأن مواطني تلك المناطق لا زالوا متعلقين بوطنهم المغرب ومحافظين على التقاليد المغربية الأصيلة.
وذكرَ بأن الهيئة الوطنية للمناطق الشرقية تتوفر على امتدادات داخلية وخارجية وأنها كانت قد نجحت في لفت انتباه البيت الأبيض على عهد بوش ووزيرة خارجيته كونداليازا رايس إلى قضية الصحراء الشرقية وطبيعة احتلال الجزائر لهذه المناطق الموروثة عن الحقبة الاستعمارية الفرنسية.
وكشفَ أنه كان قد وجه مذكرات بهذا الشأن إلى السيد عباس الفاسي الوزير الأول آنذاك، كما أجرى محادثات بهذا الخصوص مع عدد من المسؤولين المغاربة وقياديين في بعض الأحزاب السياسية المغربية، خاصة الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية. ولاحظ أن بعض الأحزاب بدأت تركز اهتمامها على قضية الصحراء الشرقية حيث يتم دعوة الهيئة الوطنية للمناطق الشرقية لحضور مؤتمراتها، إلا أن هذه القضية، يقول، لا زالت مغيبة في أدبيات معظم الأحزاب الوطنية بالرغم من أهميتها وحيويتها إذ يتعلق الأمر بإرث للإمبراطورية الاستعمارية الاوروبية التي تَهافَتت على القارة الإفريقية واستأثرت بأراضيها وسكانها وخيراتها من نهاية القرن التاسع عشر إلى الحرب العالمية الأولى، حيث تنافس على الاستحواذ على أراضي وشعوب إفريقيا كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا والبرتغال وبلجيكا واسبانيا لينتقل الاحتلال الأوروبي ، تدريجيا ، ابتداء من 1877، من استعمار عسكري صرف إلى استعمار عسكري ـ اقتصادي كان من مسببات اندلاع الحرب الكونية الأولى.
وهكذا سيطرت ألمانيا على الكامرون والبوروندي ورواندا وتانزانيا والطوغو وغانا. واحتلت بلجيكا الكونغو البلجيكي، واسبانيا كلا من الصحراء المغربية وأخضعت شمال المغرب لنظام الحماية كما احتلت غينيا إكواتوريال. أما إيطاليا فقد بسطت نفوذ استعمارها على كل من ليبيا وإريتريا والصومال وهو ما كان يسمى بإفريقيا الشرقية الايطالية واحتل البرتغال كلا من أنغولا والموزمبيق وغينيا بيساو والكاب فير وساو طومي إي برنسيب.
انجلترا استولت من جهتها على مصر والسودان المصري ـ البريطاني والصومال وإفريقيا الشرقية (كينيا وأوغاندا وجزء من تانزانيا وغامبيا وسيراليوني ونيجيريا الشمالية والجنوبية وغانا والكمرون البريطاني وبوسطوانا وزامبيا وملاوي وزنزيبار و مستعمرات إفريقيا الجنوبية . وكان حظ الأسد من نصيب فرنسا التي أخضعت كلا من تونس والمغرب ومادغاسكار لنظام الحماية الفرنسية وضمت الجزائر إلى التراب الفرنسي بكيفية مطلقة لتحولها إلى مقاطعات فرنسية، واحتلت إفريقيا الغربية: لا كوت ديفوار، بينان، بوركينا فاصو، غينيا، موريتانيا ، النيجير ، مالي والسنغال.
كما احتلت الطوغو وتشاد والكونغو الفرنسي و جمهورية السانطرافريك، وجيبوتي واحتلت جزر موريس ومايوت ولاريونيون والسيشيل والقمروهي جزر توجد بالمحيط الهندي. وبهذا تكون الأمبراطورية الاستعمارية الفرنسية قد حققت توسعا كبيرا في أراضي القارة الإفريقية وبعض الجزر بالمحيط الهندي، حيث بلغت مساحة هذه الإمبراطورية فوق الملونين ونصف المليون كلم مربع وزاد عدد سكانها عن 65 مليون نسمة.
وكانت السلطات الاستعمارية الفرنسية، تعلل هذا التوسع ب”رسالتها” الحضارية !!!… وضمن هذه “الرسالة”، يندرج استيلاء الاستعمار الفرنسي على أراضي المغرب الشرقية بعد ما تمكن من الجزائر التي ظفر بها سنة 1830، لينقلها من ولاية تركية يحكمها “داي” إلى مقاطعات فرنسية بعد استسلام الداي التركي في الخامس من يوليوز 1830، واستسلام الأمير عبد القادر للدوق “أومال” الفرنسي في 23 دسمير 1847.
وكان الجيش الفرنسي قد قام بإنزال عسكري على شاطئ سيدي فروخ قرب الجزائر العاصمة، في 14 يونيه 1830. لتبدأ عملية تغيير الخارطة الديموغرافية للجزائر بتشجيع عملية التعمير التي شارك فيها مواطنو عدد من الدول الأوروبية كألمانيا وإسبانيا وإنجلترا وسويسرا وجزيرة مالطا التي كانت تحت الاحتلال البريطاني. وكانت عين الامبراطورية الإستعمارية الفرنسية دوما على المغرب، هذه الدولة التي استعصى على الأتراك التسلل إليها بالرغم من أنهم كانوا قد بسطوا نفوذهم على كل دول الشمال الإفريقي.
وانطلاقا من الجزائر، بدأ الفرنسيون يمارسون حقدهم على المغرب باقتطاع أراض شاسعة من ترابه، مستفيدين من “الترعة” التي تعمدوا تركها بدون توثيق، في اتفاقية للا مغنية، ليستولوا على الصحراء الشرقية المغربية ومنها يصلون إلى مناطق الداخل التي فتحتها أمامهم معاهدة فاس المشؤومة في 30 مارس 1912.
إن أحقية المغرب في حدوده الوطنية التاريخية ــ بعد أن تراجعت حدود الإمبراطورية المغربية التي أرسى قواعدها المولى اسماعيل العلوي في القرن الثامن عشر والتي كانت تمتد إلى تومبوكتو ــ وفي أراضيه المغتصبة شرقا وشمالا ، في ما يخص الصحراء الشرقية ومدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية وما جاورها من الصخور، أحقية ثابتة تاريخا وقانونا، ويوجد ما يزكيها من الحجج والدلائل ووثائق تاريخية هامة بالخزانة الملكية والخزانات الخاصة ومن الاتفاقيات الدولية التي كان المغرب يبرمها مع الدول الكبرى آنذاك ، من موقع القوة، حيث كان يتمتع بالمهابة والاحترام.
وهذه وثيقة تاريخية من الأرشيف الاستعماري الفرنسي تعرض لأراضي المغرب قبل أن يعمد المستعمر الفرنسي إلى اقتطاع مساحات شاسعة من صحرائه الشرقية التي تختزن ثروات طائلة من النفط والغاز، ويعمد الجزائريون إلى نقض عهودهم بالتفاوض مع المغرب بشأن أراضيه الملحقة بترابهم من طرف الاستعمار، بل ولم يحترموا الاتفاقية التي وقَّعَها سَنة 1961، من جانبِ المغرب الرّاحلُ الحسن الثــاني ومن الجانب الجـزائري رئيس الحكومة المؤقتة فرحات عباس والتي نصت على ما يلي: “إن الحكومة الجزائرية المؤقتة تعترف من جهتها بأن مشكلة الأراضي التي أقرت فرنسا حدودها بصورة جائرة سيتوصل إلى حل بشأنها عن طريق المفاوضات بين المغرب والجزائر عند ما تحصل الجزائر على استقلالها.”
ولرَد جميل المغرب الّذي احتضنَ المقاومة الجزائرية طيلَةَ سنوات الكفاح المشترك من أجلِ استقلال الجزائر، قامت قوات جزائرية بالهجوم على تنجوب وحاسي بيضة وعلى قصر “إيش” الواقع شمال فيكيك المغربية بمشاركة قوات هائلة وتدخل من الطيران الجزائري، كما هاجمت قوات جزائرية منطقة تندرارة بنفس الإقليم وهي كلها مناطق خارج النزاع، لتندلع بعد ذلك ما سُمّي ب “حرب الرمال” التي حقق فيها الجيش المغربي انتصارا مُدوّيــًا.
لن ينْسَى الجزائريون على مر السنين حرب الرمال، التي اندلعت بين المغرب والجزائر سنة 1963، والتي دفعت الجزائريين إلى ترديد المقولة الشهيرة للرئيس الجزائري الراحل، أحمد بنبلة، آنذاك: “المغاربة حكرونا” ولم يتوقف إطلاق النار إلا بتدخل من العديد من الدول الإفريقية والدول الصديقة.. ولا زال المشكل قائما، كاملا …..