الوزير بنعبدالله:المطلوب عرض سكني لفائدة مختلف الفئات الاجتماعية، خاصة الهشة وذات الدخل المحدود، مع احترام معايير الجودة المطلوبة مطلوب، ولكن ما هي مساهمات الدولة من أجل تشجيع المنعشين العقاريين على انتاج سكن لائق وفي مستوى “المدينة الذكية”؟
الجمعة 22 ابريل 2016 – 17:19:16
حين يتحَرك البنـــاء، يتحرك كلّ شيء ..
” QUAND LE BATIMENT VA, TOUT VA “
هذه المقولة، هي لعامل بناء فرنسي، أصبح نائبا برلمانيا، بعد فترات اضطهاد ونفي، ليعود إلى بلده، مناضلا جمهوريا، ولينجح في الفـوز بمقعد بمجلس النواب. و بـالضبط ، من منصة هذا المجلس، صدحَ ، في اجتماع 7 مـاي، سنة 1850، بمقولته الشهيرة : «! Quand le bâtiment va, tout va » ” . إنّـهُ مـارتـان بادو (1815 ـ 1898) عامل بناء لحسابهِ، الذي شغـلَ معــاصريه بهذه الفكرة : هل البناء “يجر الاقتصاد، أم الاقتصاد هو الذي يجر البناء. لا ليست هذه لعبة الدجاجة والبيضة، إنها نظرية اقتصادية مبنية على التحليل الدقيق. ففي الظاهر، البناء يوجد في قلب الحركة الاقتصادية، كمحرك للعديد من القطاعات التي تنتج الازدهار الاقتصادي وتخلق مناصب شغل عديدة، وتحقق الاستقرار الاقتصادي والسياسي.
وفي الشطر المقابل داخل هذه المقولة الحكيمة، يبدو أن الاقتصاد هو الذي يحرك قطاع البناء، ذلك أن المستثمر في البناء “المنعش العقاري بلغتنا اليوم”، يحتاج إلى المال وإلى تدابير تحفيزية عديدة وأيضا إلى دعم مصادر التمويل، البنوك، التي يتحول، في النهاية زبون العقار إلى زبون البنوك ولسنوات طويلة. فهل العقار يوجد في مقدمة السلسة الاقتصادية أم في مؤخرتها ؟ هذا السؤول لم يقع التطرق إليه، بهذا المعنى، خلال المعرض الجهوي الأول المنظم ، نهاية الآسبوع الماضي بطنجة، من طرف غرفة الجهة، التجارية والصناعية بشراكة مع وزارة السكنى وسياسة المدينة، والمركز الجهوي للاستثمار، تحت شعار “جميعا من أجل بناء الجهة”. هذا المعرض اعتبر فرصة لأبرار خصوصيات الجهة ودور السكن في الدفع بالاستثمار في هذا القطاع والقطاعات الموازية، ومواكبة النمو الديمغرافي ، وبالتالي في توفير فرص الشغل للأيد العاطلة، وتعد بمئات الآلاف في هذه الجهة. كما أنه اعتبر حدثا مهما بالنسبة لتنشيط الحركة الاقتصادية واستشراف المستقبل فيما يخص احتياجات المواطنين المتصلة بالسكن ‘اللائق” والكريم.
هذا المعرض، تميّـزَ بحُضور واسع للمؤسسات العامة والخاصة من قطاعات صناعة مواد البناء، ومؤسسات التمويل ومقاولات الإنعاش العقاري، ومطوري الطاقات المتجددة ، إضافة إلى مكاتب الهندسة المعمارية والتوثيق والدراسات التقنية ومكاتب الخبرة والاستشارات وغيرها.
وقـد ربطَ الكثـيرون بين إطـلاق هذا المعرض ودينامية العقار بطنجة والجهة، وما يسجل باستمرار من تدمر وسط زبناء شقق “ال 25 مليون” التي كثيرا ما يأتي ذكرها في بعض وسائل الإعلام كأقفاص في بنايات هي أشبه بصناديق علب كبريت منها إلى عمارات سكنية بني آدمية…. هذا فضلا عن مآخذ زبناء بعض البنايات على الجودة والسلامة بخصوص “الأشغال النهاية” !…. إلاّ أن المنعشين العقاريين يؤكدون أنه من بين أهم أسباب نجاح مقاولاتهم حرصهم على احترام مواصفات الجودة وهي مواصفات أساسية من أجل تعزيز التنافسية في السوق، وكسب ثقة الزبناء وربط المقاولة بزبنائها.
وتلك عناصر تساعد ، في نظرهم، على نجاح المقاولات الجادة في مجال تسويق المنتوجات العقارية وتطويرها. ومما يلاحظ أيضا، أن مشاريع المخطط الملكي لـ “طنجة الكبرى“، ساهمت بقسط وفير في الرفع من جودة المشاريع العقارية بطنجة، حيث إن المنعشين العقاريين تعمدوا أن تكون مشاريعهم منسجمة مع مشاريع المخطط الملكي ، الأمر الذي دفع بهم إلى تحقيق تقدم ملموس في مجال جودة البناء والوصول إلى قدر كبير من ثقة الزبناء في طنجة وخارجها ناهيك عن قوة تأثير التنافسية في مجال الانعاش العقاري ، الأمر الذي فرض حدودا واضحة في كل ما يتعلق بالجودة والسلامة التي يتطلبها سوق العقار، هذه السوق التي اجتاحتها مقاولات عملاقة، في مواجهة مقاولات محلية بإمكانات محدودة، ولكنها “صامدة” بفضل ثقة زبنائها، وتستحق كل دعم على المستوى المحلي، خاصة.
وقد لاحظ المهتمون والمتتبعون وجود حوالي مائة مقاولة وشركة عقارية في معرض طنجة الجهوي الأول للبناء والعقار، بهدف تقريب عروض السكن والخدمات المرتبطة به، من المواطنين وفتح حوار مباشر بين أصحاب المشاريع العقارية وزبنائهم، وتنشيط التعاون بين مختلف المتدخلين ، خاصة بعد ما تم إقحام الجامعة ومعاهد التكوين في هذا القطاع بهدف تحقيق عنصري الجودة والسلامة في مختلف مشاريع ومخططات البناء والعقار بطنجة والجهة.
والملاحظ أن ا المعرض قدم عرضا قويا ومتنوعا للبناء والعقار بطنجة، هذا القطاع الذي يشهد دفعة قوية بفضل مشاريع “طنجة الكبرى” الأمر الذي دفع بالمنعشين العقاريين إلى الانخراط كلية في هذه التظاهرة التي اعتبروها موعدا واعدا لتقديم بيانات ضافية حول المشاريع التي انجزوها أو التي توجد في طريق اإنجاز وأيضا للاستماع إلى زبنائهم وللترويج لمنتوجاتهم المتعددة والمتنوعة.
ومن المشاركات المتميزة غي هذا المعرض، حضور الشركة المكلفة بإعادة تهيئة ميناء طنجة المدينة حيث قدم المدير العام للشركة المكلفة بهذا المشروع الضخم، بيانات حول مخطط إعادة التهيئة الذي يهدف إلى جعل طنجة من بين العواصم السياحية الكبرى على ضفتي الأبيض المتوسط، خاصة في ما يتعلق بالرحلات السياحية الطويلة والسياحة الترفيهية، بعد أن يكتمل بناء مارينا طنجة خلال فصل الصيف القادم والتي ينتظر أن تكون من بين كبريات مارينات العالم. ومعلوم أن هذا المشروع يشمل أيضا ترميم أسوار المدينة العتيقة البرتغالية والبريطانية والإسماعيلية وترميم مآثر طنجة التاريخية وإنجاز خط تيليفيري معلق، بطول ستة كيلومترات، ينطلق من ساحة فارو، بوسط المدينة (ساحة فرنسا) ليحلق فوق منشآت ميناء طنجة المدينة، ثم يقوم برحلة سياحية فوق المدينة العتيقة والشواطيء لتنتهي الرحلة بمحطة القصبة.
هذا أول تيليفيري بالمغرب سوف يتكون أسطوله من 90 عربة معلقة يمكن كل واحدة منها أن تحمل 12 راكبا في جولة سياحية جوية رائعة. وعلى ذكر المدينة العتيقة، يجب لفت الانتباه إلى أن معظم أحياء ومآثر هذا المدينة توجد في حالة “تعفن” متقدم، بعد أن هجرها أهلها واستوطنها من لا يعرفون قدرها ممن لا فرق لديهم بين سور تاريخي ومرحاض مفتوح على الهواء الطلق !!!….. ولعل الذين “يحكمون” ويخططون للمستقبل، أدركوا أن التقدم ليس في بناء ناطحات السحاب أو طرق سيارة، على أهميتها، بل في بناء الإنسان، ولهذا “بدؤوا” يتوجهون إلى إلى الانسان، الذي هو، أولا وأخيرا، الغاية من كل عمل تنموي، متحضر، يهدف إلى صيانة الماضي ودعم الحاضر وبناء المستقبل.
وفي هذا الإطار لوحظ أن كافة المتدخلين في معرض البناء والعقار أجمعوا على أن الجودة مفتاح النجاح، بل وسر الاستمرار بالنسبة لمقاولاتهم، ووعدوا بتحقيق المزيد من الجودة في مشاريعهم المقبلة، اعتبارا لمتطلبات وتطلعات المواطنين الراغبين في العيش في سكن بجودة عالية، سواء داخل الفضاءات الخصوصية أو العامة، تستجيب لمواصفات “المدينة الذكية” التي كانت موضوع إحدى ندوات المعرض .
المداخلات في هذه الندوة انصبت، بالأساس على الجهود المبذولة في إطار مفهوم المدينة “الذكية” التي بدأ المغرب يسير في اتجاه تحقيقها وفق المفهوم العالمي لهذا الوصف ومقوماته. ويرى البعض أن من مقومات المدينة الذكية تحقيق توازن شامل في مجال السكن بين مختلف جهات المغرب وداخل كل جهة، يستجيب لاحتياجات المواطنين بشرائحهم المختلفة، على أساس رؤية شمولية في مجال “سياسة المدينة”. بيد أن المطلوب سياسات تشجيعية وتحفيزية ومكاسب حقيقية للمنعشين العقاريين الجادين والملتزمين بتحقيق برامج ‘السكن المنخفض التكلفة، ولكن على أساس الجودة والسلامة في إطار الوضوح والمسؤولية. إذ لا يمكن أن يطلب من المنعش العقاري أن يعطي فوق ما يملك أو ما يستطيع، وهنا يكمن دور الدولة في تنشيط السلسة الاقتصادية المرتبطة بالبناء والعقار وفق نظرية مارتين بادو ” حين يتحرك البناء، يتحرك كل شيء” !!!…