عادات وتقاليد أهل شفشاون 2/3
جريدة الشمال – بقلم: محمد القاضي (عادات وتقاليد )
الجمعة 29 شتنبر 2017 – 16:54:13
•الاحتفال بالطفل الذي يختم القرآن:
يدخل الطفل إلى الكتاب أو المسيد مبكرا 3 سنوات أو أربع، ويقضي مدة طويلة لا يفعل شيئا سوى التمرن العسير على حفظ حروف الهجاء المكتوبة دفعة واحدة على اللوح وحسب شكل تتابعي ثابت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
•ويمكن تقسيم مرحلته الدراسية إلى قسمين:
أ – من بداية تعلمه القراءة والكتابة إلى وصوله الثلاثين حزبا وكانت تسمى (البقرة الصغرى) ويحتفل به والده في البيت فيستدعي الفقيه وأقران ولده الذين يدرسون معه، وتقام لهم وليمة يقدم فيها أكله (الكسكوس باللحم) وهو طعام مغربي تقليدي.
الفترة الثانية وتكتمل بنهايته للقرآن الكريم (ستون حزبا) وكانت تسمى (السلكة) و(الختمة) نسبة إلى ختم القرآن أو (البقرة الكبيرة). وهي أسمى ما ينتظره والد من ولده، ودليل على مدى همة الطفل واجتهاده، وهي فرصة لمكافأة الفقيه وإظهاره التقدير الذي يكنه له المجتمع.
وفي كلاهما تقيم الأسرة حفلة كبيرة يذبح فيها الأسر الميسورة ثورا والأخرى شاة أو ما يُسر لها، وتهيئ وليمة يحضرها الفقيه والأقران وأفراد الأسرة والجيران، يقدم فيها الكسكوس باللحم وشرب الشاي بالفقاقص (نوع من الخبز الصغير الحجم حلو المذاق) وحلوة الغريبية (نوع من الحلوى المغربية التقليدية). كما تحتفل النساء بالمناسبة وتهنئة الأم بالختم القرآني لولدها.
وحسب ما ذكره الباحث محمد بن يعقوب: “حدثني بعضهم من المعنيين والمشاهدين، فإن أهل المحضري يحتفلون بالفقيه والمحاضرة معا في هذه المناسبة، بحيث سيتقدمونهم إلى الدار فيقدمون في موكب يتقدمه الفقيه والمحضري المحتفل به في زينته، ولوحه في يده وقد زخرف بزواقة يستعمل في تحضيرها الصمغ وأصفر البيض وبعض الأصباغ النباتية مما يلفت الانتباه ويلقي بظلال من الإجلال على حامله في هالته التشريفية، والذي يتولى أمر هذه الزخرفة غالبا هو الفقيه.
وينطلق الموكب من المسيد عبر الأحياء والأزقة وهم يرددون منشدين:
كلام الله حقا يقول *** وما محمد إلا رسول
كلام الله حقا تحقيقا *** وما محمد إلا صديقا
وهكذا في خطوات متأنية متزنة إلى المنزل حيث يستقبلون بزغاريد نساء البيت والجيران والأقارب، فيطعمون ويقرأون ما تيسر من القرآن بحضور المستقبلين والمدعوين المبتهجين المشدودين إلى الفتى بعين الرضا والغبطة، وقد ترجم بعضهم هذه العاطفة بمناولته (بنايل=درهم) معدودة فرحا به وتشجيعا له، وينصرفون بعد أن يكون ولي أمر الصبي قد نفح الفقيه بعض ريالات لتحرير “المحاضرة” التي قد تدوم ثلاثة أيام في بعض الأحيان”.
ويمنح الأب للفقيه جلبابا جديدا تقديرا له على حسن قيامه بواجبه وتمكين ابنه من ختم كتاب الله، وتشجيعا له كذلك على المسايرة والجد. وقد انقرضت هذه العادة في المدينة، وبقيت موجودة في بعض القرى والبوادي المغربية.
•الموسيقى الأندلسية بشفشاون:
استطاعت الحضارة الأندلسية أن تخرج من الأندلس مع النازحين، وفي طبيعتها استعداد للنمو والاسترسال والبناء فعاشت في شمال المغرب لقربه من الأندلس، فلا نبالغ إذا قلنا إننا نجد الأندلس في شفشاون، فأطلقوا عليها أسماء عديدة: بنت الحمراء، غرناطة الصغيرة، فردوس المغرب الأندلسي، وديعة الأندلسيين بالمغرب.
إن إعجاب أبناء المدينة بالفن الأندلسي الرفيع تعدى كل إعجاب واعتزازهم بتقاليدهم القومية في السكن والملبس والمأكل والأفراح والأتراح، وهو ما جعل من المدينة قلعة حصينة من قلاع الأصالة والتراث الأندلسي الإسلامي في المغرب. ففي مجال الموسيقى الأندلسية التي كانت تعرف عند دخولها المغرب (باسم فن الآلة) تمييزا لها عن فني الملحون والسماع إضافة إلى نوبات الموسيقى الأندلسية. وعندما وفدت على المغرب، كانت عبارة عن نوبات آلية، ولم تكن قد انتظمت بعد في منظوم الكلام سواء كان شعرا فصيحا أو مقطوعة زجلية أو موشحة.
ويقال إن عدد النوبات الموسيقية كانت أربعا وعشرين نوبة بعدد ساعات اليوم، غير أن الذي بقي منها الآن لا يتجاوز إحدى عشرة نوبة في المغرب، وفي تونس يتوفرون على ثلاث عشرة نوبة وقد جمعها محمد بن الحسين الحايك التطواني سنة 1800م، واحتضنت مدينة شفشاون أكثر الحفاظ على أصالة الموسيقى الأندلسية، فكان من النادر أن تجد صانعا أو تاجرا بل وحتى فقيها لا يحفظ نوبات من الموسيقى الأندلسية.
ولازالت مدينة شفشاون محافظة إلى اليوم على طبائع الموسيقى الأندلسية وذلك بفضل مجموعة من فنانيها الكبار، كما أصبحت الزاوية الشقورية بحي السويقة ملتقى الهواة والرواد عشية كل جمعة، وكان للمرحوم الهاشمي السفياني الدور الرائد في إحياء هذا التراث وتلقينه وسعيه إلى تأسيس معهد الموسيقى الأندلسية بالمدينة، فتحققت رغبته باستجابة السلطات المحلية إلى وجود المعهد فتم تدشينه بتاريخ 19/11/1975م.
وقد اشتهرت مدينة شفشاون باحتضانها للمهرجان السنوي للموسيقى الأندلسية تحضره الأجواق الموسيقية من مختلف المدن المغربية، ويكون مناسبة لتأصيل جذور هذا اللون الموسيقي وربطه بالحاضر وذلك ابتداء من سنة 1982م .
فلا تخلو حفلات الزفاف الشفشاونية أو المناسبات الوطنية من وجود فرق للموسيقى الاندلسية المتميزة بلباسها الموحد، وهو عبارة عن جلباب أبيض وطربوش أحمر، وبلغة (حذاء تقليدي) أصفر اللون، بآلاتهم الموسيقية التي يحملونها معهم عند كل حفل، وهو ما جعل المدينة تشتهر بأجواقها الموسيقية الأندلسية بحيث تستدعى إلى المهرجانات الوطنية والدولية وإلى جهات مغربية لتساهم في حفلات من يقوم باستدعائها. وهو أمر حافظت عليه المدينة وما زال يثبت هويتها في هذا المجال الفني الرائع.
•الحضرة النسائية:
تعتبر مدينة شفشاون منبرا مشعا ومنبعا أصيلا ورافدا من الروافد المشعة للفنون الشعبية والتراثية الأصيلية، حيث عرفت عبر عصور وحقب من التاريخ أنها قلعة من القلاع لمختلف الفنون التعبيرية والشفوية، ومن أزخر المناطق بشمال المغرب احتفاظا على الموروثات الحضارية العريقة سواء منها الفلكلورية الشعبية العريقة والروحية، ومن النماذج التي أصبحت تحظى باهتمام العديد من المهتمين بالتراث والباحثين في ثناياه نذكر: (الحضرة النسائية).
والحضرة غناء يتكون من متواليات من الأذكار التي تقوم على الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلّم ) والتشفع به وذكر الأولياء والصالحين، إضافة إلى الأشعار والأناشيد الفصيحة والزجلية التي تتناول الزهد في الدنيا والترغيب والحث على العمل الصالح وما إلى ذلك مما يشحن النفوس ويستثير كوامنها ويحرك مشاعرها، ويلهب عواطفها ويؤجج أحاسيسها.
وتغنى في مناسبات دينية كذكرى المولد النبوي الشريف وليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وليلة القدر ومناسبات أخرى معروفة عند المتصوفة الطرقيين. أو في مناسبات اجتماعية كالعرس أو العقيقة والختان والعودة من الحج، ثم الأمسيات الأسبوعية التي تحييها بعض الزوايا في المدينة، وعادة ما تكون مصحوبة بالبندير و (المقيلة=آلة حديدة دائرية الشكل) والدفوف. وبالنسبة للنساء التعارج والطر. حيث يوجد جناح خاص بالنساء اللواتي يحضرن في هذه المناسبات، حتى أصبحت مدينة شفشاون من أعرق المدن المغربية حفاظا على هذا التراث. فاحتل مكانة عظيمة في قلوب أبناء المدينة من رجال التصوف الذين اختاروا صوفية الأخلاق والسلوك، فأبدعوا شعرا صوفيا للتعبير عن خلجات النفس وحسراتها ومسراتها والأخلاد إلى وصف العمق الداخلي للإنسان المتعطش إلى المعرفة، فكلما ازداد الذكر عند الذاكر المخلوق ازدادت عنده نسبة الحضور والوجود، فاعتبروا مؤسسين لفن الحضرة الذي يعد من أهم الركائز التي يقوم عليها نشاطهم من خلال أقوال وحركات يمارسونها.
وللنساء نصيبهن في هذا المجال، فأضحت الحضرة النسائية موروثا ثقافيا وفكريا أصيلا “يتميز بسمات قل نظيرها نظرا لتميزه بأشعار وألحان تحمل إبداعا محليا قل انتشاره في الأوساط الفنية المتداولة في المحيط الفني الوطني المعروف أو المدون بصفة رسمية، فهو من نوادر الفنون الروحية النسائية التي لم تصلها يد العبث والتغيير، بحيث إن هذا التراث الصوفي بقي محافظا على خصوصياته وجمالياته اللحنية والشعرية، وتحكي الروايات أن هذا الفن النسائي الطبيعي ظهر في القرن العاشر الهجري بهذه الربوع، حيث يذكر العلامة محمد بن عسكر أن والدته كانت من الذاكرات تقيم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وتنحر الذبائح وتنشد الأناشيد في مدحه”.
ويذكر الدكتور الباحث عباس الجيراري في كتابه “القصيدة” أسماء بعض الشاعرات اشتهرن في هذا المجال فذكر منهن: الشاعرة التوردانية وهي ابنة الفقيه قاضي شفشاون في القرن الثاني عشر الهجري. والشاعرة الورديغية وهي من أسرة الورديغي عاشت في نفس القرن. وهناك مجموعة من نساء أسرة الريسوني ومنهن للازهرة بنت مولاي الصادق بن ريسون صاحبة دار الحضرة بالمدينة التي تعرف سنويا احتفالا دينيا بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف وهو تقليد توارثته منذ عشرات السنين، حيث تجتمع نساء المدينة بعد صلاة العشاء لحضور هذا الحفل الحضروي الذي يستمر إلى الفجر.
وتعرف السيدة الحاجة عائشة أبراق قيدومة الحضرة النسائية بالمدينة “أن الحضرة هي مجموعة من الأمداح والأذكار من شعر الملحون والقصائد المنسوبة للصالحين كسيدي محمد بن علي دفين تاغزوت وسيدي علال الحاج دفين الحرايق، وكذا أشعار سيدي عبد القادر العالم وغيرهم، فلكل هؤلاء طقوس حضرتهم، ولكل مناسبة أيضا طريقة استحضار أذكارها، ويفضل القيام بفن الحضرة داخل بيت يتوسطه فناء واسع، ففي البداية نجلس القرفصاء، ونقوم بترديد بعض الأذكار والصلاة على الرسول (ص)، ثم هناك (الدندنة) وهي بداية دخول الحضرة إلى أن نصل إلى (الجلالة) حيث تقف النساء في صف واحد متقاربات الأكتاف، ويبدأن التمايل جهة اليمين واليسار، إضافة إلى الأمام في لحظات من الخشوع التام، وهو ما يسمى بتكسير الحضرة، تتخللها إيقاعات موحدة منسجمة ومتواصلة على (التعارج) و (البنادير) وقد يستغرق كل هذا مدة ساعة أو أكثر… إلى أن نجلس على الأرض من جديد ونقوم في الختام باستحضار بعض الأزجال الخفيفة والدعوات المختلفة” .
ومن أشهر الفرق المعروفة بالمدينة على الصعيدين المحلي والوطني هي فرقة (رحوم البقالي) سيدة (الحضرة الشفشاونية والسماع النبوي) ومجموعتها متخصصة في التراث الغنائي والفن الصوفي الذي يستخدم البندير والطعريجة والدربوكة والطبل والدف والرق كآلات موسيقية، وترتدي فنانات المجموعة ملابس تقليدية شفشاونية مميزة. وتقول رئيسة المجموعة بأن فرقتها “هي أول فرقة فنية نسائية في المملكة المغربية تنشط بمجال تلقين وتحفيظ فن الحضرة الشفشاونية والمديح والسماع النبوي لأكثر عدد من الفتيات بأسلوب أكاديمي. ويبقى للمجموعة طابعها الخاص على مستوى الإيقاع، وهي متفردة به على المستوى المحلي، ويعده الخبراء من أصعب الإيقاعات التي تؤدى ضمن قالب ستة عشرة على أربعة…”
ومن القصائد الشهيرة التي ترددها الحضرة النسائية (أنا سيدي عندي طبيب) والتي تقول:
أنا سيدي عندي طبيب = وعالجني بدواه
قلبي متولع بالحبيب = سيدي رسول الله
صلوا على رحيم = لله يا محمد
بوجهك النعيم، شوفو حضرتنا يا ناس
يحضر فيها رسول الله والحفيظ مولاي ادريس
شوفوا حضرتنا يا ناس كيف هي مخفيا
يحضر فيها رسول الله والرجال الأولياء
أنا شيخي عندي اطبيب = ويعالجني بدواه
شوفو قلبي ما حل به = ما عرف حد شنو فيه
لا طالب ولا فقيه = ولا من حب الله
لا إله إلا الله = زادتني ولاعة
سيدنا محمد = صاحب شفاعة
يا سمع صوتي = يا الضامن قوتي
احيني يا رب = من بعد موتي
لا إلاه إلا الله = عمر بها وقاتي
لا إله إلا الله = صلي بها صلاتي
لا إله إلا الله = نصلي بها ونصوم
ونغفر بها كل الدنوب = لا إله إلا الله
ننعاس بها ونقوم = لد وقفني نباب
الا نبابك يا جواد = ماد وقفنيشي يا رب
نلعباد ما رتلي = نهار يقيل فباب دراز جالس
والليل يبات على الخيال عساس
مخير في العشرة يهزلي الراس
واحد على بيعو = وشراه عوال
واحد منزه = على راس مالو
هاذي هي دنيا = كلها وحالو
يا رب وأنا = نسعاك يا لعالي
يالعالم بالحال = والخفاك حالي
يارب طب علايلي = بدواك يداو يا لعالي
بابك يا رب = ماذنشد بقفل
بابك مفتوحة = نسعى فيها حالي ….