على صهوَة الجواد
جريدة الشمال – عبد المجيد الإدريسي ( البعيدون )
الخميـس 23 نوفمبر 2017 – 10:03:31
و قد نحى الأستاذ منهج ثلاثية الركائز لآداب الرحلة : الإنسان و الجغرافية و الزمان . بأساليب نثرية و شعرية لمكانته في الثقافة العربية- المغربية . و عدد كبير من الهوامش و توثيقها .
وقد تَوَخى المُحقق الدقة في وصف المخطوط ، ل 66ورقة ، و عدد البياض منها، و تعداد السطور لكل ورقة من الأولى إلى الأخيرة . و نوع الورق المستعمل و الحبر و القلم . ثم صورة الورقتين الأولى و الأخيرة . اشتغل المحقق على النسخة الأصلية المحفوظة في الخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم 2420 .
كما تحتفظ الخزانة العامة بالرباط على ” ميكروفيلم ” شريط هذه النسخة . وقد وجد أستاذنا ضالته في الدراسة و الاستقصاء دلتْ على أبحاث واسعة بالمنهج العلمي وهو يواكب سلسلة من التحقيقات لمخطوطات نالتْ من السبات الشتوي مدىً بعيداً ، فأحياها و أخرجها من عنكبوت الرفوف الحجرية .

الأستاذ العارف حقاً بمعنى التوثيق و التحقيق للنصوص المعتمدة بأماكنها و تواريخها الهجرية و موافقتها للتاريخ الميلادي . و غاية التحقيق هو تقديم المخطوط صحيحاً كما وضعه صاحبه ( صلاح الدين المنجد ) . في الفصل الثالث يذكر المحقق إضافة لعنوان ثاني للكتاب ، و وصفه للمخطوط بمنهجية علمية في التحقيق و نسبه إلى صاحبه بالقرائن و الحجج . يحتوي الكتاب لفكر واضح و منظم في قسمه الأول على دراسة المخطوط في سياقه التاريخي ، كما احتوتْ فصوله الثلاث على ترجمة للمؤلف العربي بن علي المشرفي ، و في مقدمته دراسته على المشايخ و العلماء ، و عدد مؤلفاته ثم دراسة مضمون الكتاب . وهي حركة تاريخ رحلة السلطان مولاي الحسن الأول إلى شمال المغرب الغربي . تعدد الحركات العسكرية إلى الحركة الخامسة بتاريخ 1889م إلى مناطق الشمال بتفاصيلها بدْءاً من قبائل بني حيان حيث كانت الانطلاقة بتاريخ 17 شوال 1306 للهجرية النبوية / 15 يونيو 1889م . استمرَّتْ خمسة أشهر و نصف الشهر . تكالبُ الأجنبي على أرض الوطن هي التي كانت بالدرجة الأولى من أسباب الرحلة السلطانية . لأنَّ وحدة شمال المغرب كانت مهدَّدة إذ كانت محلَّ مزايدات و مساومات استعمارية إسبانية- فرنسية . و ربما لم يكن الباعث للرحلة إخماد تمرُّد بعض القبائل أو ربما الإثنان معاً ، مع إشكالية أداء الجبايات . تطرّقَ المحقق للحركات ” العسكرية ” لمولاي الحسن الأول في أصقاع البلاد لاستتباب الأمن ، حتى أذعنتْ له العرب و البربر . ثمّ العودة إلى فاس .
كلما حلَّ بثغر من ثغور مدن الشمال الغربي إلا و قصد أولياء الله الصالحين و صلحائها و زواياها . فكانت له زيارة للأئمة العارفين بالله ، كالإمام الشطيببي ثم حط رحاله بسدَّة الإمام مولاي علي الدرقاوي ببني زروال . و يكثر في هذا الفصل الشعر من تأليف القاسم بن محمد الفجيجي ( تنطق الجيم كافا بثلاث نقط فوقه ) ، “روضة السلوان ” . و إلى جبل العَلم عند المولى عبد السلام بن مشيش وقد استعان المؤلف بأشعار بن يري التازي و الإمام أبو علي اليوسي و بن نوّاس و لجأ أيضاً إلى الحكم العطائية في موضوع الصحبة ” الصاحب كالرقعة في الثوْب ، فلينظر الإنسان بمَ يُرَقعُ ثوبه ” . استعان أيضاً بشعر طرفة بن العبد و عدّي بن زيد التميمي و أحمد بن محمد اليمني و بن رشيق صاحب كتاب ” العمدة ” القيرواني .
و الغلي السنتيسي المكناسي ، و للجزولي و لابن عاشر أشعار في الأكل عن الحلال و الحرام . حتى في الفصل الرابع و نزول السلطان بتطوان كان الشعر سيد الموقف ، و ذلك لتهنئة المجاهدين ، و قد صلى بها جمعتين . آخر جمعة كانت يوم 24 محرم 1307 للهجرة النبوية . غادرها يوم الأحد إلى ثغر طنجة ، 26 محرم أي بعد يومين . فكان للشعر أيضاً حصة الأسد من الفخر و التعظيم . غادر طنجة بعد صلاة الجمعة بالجامع الكبير يوم غرة صفر 1307ه متوجها إلى ثغور أصيلا و قصر اكتامة ( القصر الكبير ) و العرائش .
فأما ثغر أصيلا فكان ” يوم 17″! من شهر صفر 1307ه ، و قد قام بزيارات إلى أهل الله و إلى الزوايا . كما فعل ذلك بقصر اكتامة قاصداً أولياء الله الصالحين و ما أكثرهم بهذه الثغور ، من المجاهدين في معركة وادي المخازن وهي حرب من الحروب الصليبية . ثم نزل بثغر العرائش لزيارة صلحائها و زواياها ، و كان آخر عهد له بهذه الثغور المجاهدة . فعاد إلى عاصمة ملكه عن طريق مدينة زرهون لزيارة الإمام المولى إدريس الأكبر . ثم مكناس العاصمة الإسماعيلية ، و العودة الميمونة للسلطان مولاي الحسن الأول إلى عاصمة ملكه فاس . أرَّخ لذلك المؤلف في فصله الثامن و الأخير بالأشعار و منها قصيدة مدح السلطان ، متوجها له بالأدعية شعراً و نثراً فنياً …
مختصر دراسة تمهيد الجبال ( للدكتور إدريس بوهليلة ) :صدر في السنة الماضية 2016م، عن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، كتابا تحت عنوان” تمهيد الجبال وما وراءها من المعمور وإصلاح حال السواحل والثغور، أو حركة السلطان مولاي الحسن إلى شمال المغرب سنة 1889م”، تأليف العربي المشرفي(ت1895م) دراسة وتحقيق إدريس بوهليلة. وهو من بين أهم مصادر تاريخ شمال المغرب الغربي في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.
وهذه نبذة عن الكتاب، وجنسه الأدبي، ، وسياقه التاريخي، ومؤلفه، وأسباب تأليفه، ومنهجه التدويني.
مقدمة
من يجرؤ على القول إن رحلات الملك محمد السادس وجولاته في الأقاليم الشمالية بدءا من اعتلائه عرش المغرب (عام 1999م)، وإلى الآن، لم يكن لها أي أثر على سكانها وبنياتها التحتية وسيرورتها الحضارية؟ ومن يجرؤ على الكلام على هذه الرحلات والزيارات دون أن يتكلم على سياسة ملكية نهضوية إصلاحية شاملة؟
و من يجرؤ على القول إن زيارة محمد الخامس للمنطقة الشمالية، وبالضبط لمدينة طنجة(عام 1947)، لم يكن لها أثر على وحدة المغرب وانعتاقه واستقلاله؟
ومن يجرؤ على القول إن رحلة مولاي الحسن الأول أو بالأحرى حركته إلى هذه الأقاليم الشمالية (عام1306ــ 1307هـ/ 1889م)،لم تساهم في الحفاظ على استقلال المغرب وحريته ووحدة ترابه، وتساهم في الحركة الإصلاحية بالبلاد، في وقت اشتداد التنافس الاستعماري وطغيانه ؟
و من يعلم الآن، من شباب اليوم “أن الحركة الوطنية في شمال المغرب فكرت في إقامة ذكرى زيارة السلطان مولاي الحسن الأول لتطوان عام 1352ه/ 1933م، أولا كرد فعل على ذكرى استعمارية أقامتها إدارة الحماية الإسبانية بتطوان، وثانيا لإقامة الدليل على أن سكان الشمال كانوا دائما يؤمنون بوحدة البلاد ويعملون من أجل تحقيقها في ظل العرش العلوي ” ؟
و هل يعلم شباب اليوم أيضا، أن شباب الأمس ممثلا في قادة هذه الحركة الوطنية، عندما واجهتهم السلطات الاستعمارية بالعنت والرّفض لإقامة الذكرى، تحدّوها وثبتوا على قرارهم، ونظموها في سنة 1357ه/1938م ؟
إن بعض رحلات وحركات السلاطين العلويين إلى الأقاليم الشمالية، كانت سياسة إصلاحية مرسومة وخطة نهضوية مدروسة، من أجل إثبات وحدة الأمة واستقلالها تارة، وإصلاح أحوالها وتفقد رعيتها والاتصال بالممثلين الأجانب تارة أخرى، في إطار سياسة اليقظة والحذر من الهيمنة الاستعمارية، وإن كانت هذه الرحلات والحركات والسياسات،لم تُحقق الأهداف كاملة وبالشكل المرغوب فيه، كما كان يبتغيه العاهل و المجتمع في مغرب أوائل القرن 14ه/ أواخر19م ويبتغيانه اليوم. فقد بقيت ولازالت إلى اليوم إشكالية الإصلاح، والنهضة، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، والحكامة الجيدة، وكرامة الإنسان المغربي على المحكّ، تعرف صعوبات جمة.
و مع ذلك، فقد كانت هذه الرحلات السلطانية ومازالت إلى الآن وحتى الآن، من مميّزات السياسة المتبعة من القصر الملكي، والتي طبعت ومازالت تطبع تاريخ المملكة المغربية بطابع خاص ومميّز، بل إنها تُعدُّ من خصوصياتها التاريخية عبر زمنها السياسي.
و من جملة هذه الرحلات و الحركات، حركة السلطان مولاي الحسن الأول عام 1306 ـ 1307ه/ 1889م، الذي كان عرشه فوق صهوة جواده، حتى إنه توفي وهو ممتطيا إياه. وما يستوقف المرء المتأمل ويثير دهشته وذهوله، هو أن هذه الحركة كغيرها من الحركات الحسنية لأقاليم المغرب جنوبا وشرقا وغربا، كانت حركة شاقة طاف بها الجبال الوعرة والوهاد الموحشة، واقتحم الجبال والوديان، وطوى القفار وزار القرى والمداشر والدواوير مدة 21 سنة (من سنة 1873 إلى 1894م)، كل ذلك يبرهن على تجلّده و صبره ومثابرته ومغامرته غير المحسوبة العواقب، وكما يُبيّن مدى إيمانه الراسخ بعدالة مطالبه، ورُجحان مواقفه، ونجاعة حركاته، وأنها لابد أن تؤتي أُكلها في الحال أو المآل.
وبالنظر إلى أهمية حركة السلطان مولاي الحسن إلى منطقة شمال المغرب، أمنيّا، وإصلاحيا، واجتماعيا، وسياسيا، ودبلوماسيا، ورمزيا، ودينيا، ووعيا منّا بأهمية الرحلة الأدبية والتاريخية كنصّ رحليّ حركي إبداعي من تأليف أحد رموز الكتابة التاريخية المغربية في أواخر القرن 19م وهو العربي المشرفي الجزائري الأصل، و إسهاما منّا في استجلاء تاريخ المغرب المعاصر، وإثراء الكتابة التراجمية المغربية المعاصرة، وإغناء المكتبة المغربية خاصة والعربية والإسلامية عامة، ارتأينا أن نحقق هذا الكتاب المخطوط الموسوم : “تمهيد الجبال وما وراءها من المعمور وإصلاح حال السواحل والثغور” وننشره، من أجل أن يُصبح متداولا بين الباحثين من أساتذة وطلبة ومهتمين، وقراء على وجه العموم. فلعله سيُضيف صفحات تاريخية، كانت إلى الأمس القريب شبه مجهولة أو مجهولة في تاريخ المغرب في أوائل القرن 13ه موافق أواخر القرن 19م ، سواء تعلق الأمر بسياسة السلطان مولاي الحسن الأول الداخلية والخارجية، أو بوضعية البادية والمدن المغربية، أو ما يخص جوانب من حياة المؤلف العربي المشرفي ــ الجزائري الأصل ــ ورؤيته لشخصية مولاي الحسن وأفكاره وأعماله ومنجزاته المختلفة، بعد أن كان هذا الكتاب مغمورا يصعب الوصول إلى مظانه لوجوده في الخزانة الحسنية بالرباط أو الوصول إلى صورته الميكروفيلمية التي توجد في المكتبة الوطنية.
هذا، وإن قيمة وأهمية تحقيق التراث المغربي المخطوط في الحقل التاريخي المغربي المعاصر، ومنه التراث التاريخي، لايجادل فيهما أحد. وهو ـــ أي التراث المغربي المخطوط ـــ يُجيب، بشكل أو آخر، على بعض الأسئلة المنهجية التالية: كيف السبيل إلى إعادة كتابة تاريخ المغرب وجل كتبه مازالت مخطوطة تنتظر من ينفض عليها الغبار؟ كيف السبيل إلى معرفة تاريخ المغرب السياسي والفكري والاجتماعي والاقتصادي والثقافي و العلمي وغيرها من المواضيع، و جل المصادر والوثائق التي تؤرخ لهذه المواضيع، مازالت حكرا على فئة ضيّقة من الباحثين والمؤرخين، الذين يتجشمون عناء نفسيا، وماديا، واجتماعيا، وصحيا، من أجل التنقل إلى عين المكان الذي يوجد فيه هذا الكتاب المخطوط أوذاك، منزويا في رفّ من رفوفه، أو مهملا في زواية أرضية من زواياه؟..
كيف يمكن للكاتب أو المؤرخ اليوم، أن يكتب تاريخا وطنيا موضوعيا حول تاريخ المغرب، وهو يجد أمامه بكل سهولة ويُسر في جل المكتبات وعلى الشبكة العنكبوتية كتب التأليف الاستعماري، التي تُعبّر عن رأي واحد ووحيد وهو رأي منظري الاستعمار، الذين كانوا يتكلمون باسم المركزية الأوربية؟ هل يُعقل ونحن نعيش في العقد الثاني من القرن 21م، وجل كتابات مؤرخي المغرب في التاريخ المعاصر مازالت محتجبة عن الباحثين والطلبة وعموم القراء، لا لسبب إلاّ لكونها مازالت مخطوطة، وتوجد بعيدة عن هؤلاء، وحتى الذي حُقّق منها في إطار أطاريح جامعية لم يلق العناية من أجل الطبع والنشر، وإنما بقي مرقونا مرهونا في رفّ المؤسسة التي نوقش فيها؟
لاتعني دعوتنا هذه، الانغلاق على الذات وإحياء الماضي بتراثه الزخم، وتمجيده والانغماس فيه، بقدر ما تعني المساهمة في حقل الكتابة التاريخية المغربية المعاصرة، وفهم الماضي وغربلته ونقده والأخذ منه ما يوافق حاضرنا ويفيدنا في مستقبلنا. وكما نبتغي من هذه المعرفة التاريخية الاطلاع والكشف عن جوانب ذي أهمية في تاريخ المغرب المعاصر. خاصة وأن هذا التاريخ جال فيه كتاب الاستعمار وصال صولة كبرى. وهو يعبر عن أحادية النظرة وعن فكر رجال الاستعمار بالرغم من اختلاف مواقعهم وزوايا تحليلاتهم.
و هذه المعضلة في الكتابة التاريخية ترجع في نظرنا إلى مجموعة من الأسباب نذكر منها :
ـ تحيز كُتاب الاستعمار وتسرعهم في إصدار أحكام على المغرب والمغاربة، دون تدقيق وتحقيق في بعض الأحيان، مع العلم أنه إليهم يرجع الفضل الكبير في نفض الغبار على المصادر والوثائق المغربية، كما يرجع إليهم الفضل في إنجاز دراسات مونوغرافية: اجتماعية، وتاريخة، وأنثروبولوجية وغيرها عن المغرب بشكل لم يسبق له نظير، ومع كل هذا المجهود الضخم، فقد ارتكبوا أخطاء وأصدروا أحكاما قاسية، إما تغافلا أو تجاهلا منهم للحقيقة التاريخية أو تدعيما لأيديولوجتهم الاستعمارية وإخلاصا لمنهجهم التحليلي. هذا فضلا عن ماكانوا عليه من غرور وإحساس بالتفوق الحضاري، الشئ الذي أثّر على إنتاجهم المعرفي بمختلف تشعّبه، ومن ثم خلصوا في أبحاثهم إلى نتائج خاطئة. وهذا ما جعل المفكر المغربي محمد عابد الجابري يقول حول هذا الاتجاه في الكتابة التاريخية المغربية : ” كتبه مؤرخون فرنسيون واقعون بصورة أو أخرى تحت ضغط الفكر الاستعماري أو على الأقل مشدودون إلى المركزية الأوربية، فيرون الأحداث بمنظار “المراقب الأجنبي”….