فكرة المغرب العربي في الأربعينات من القرن العشرين
جريدة الشمال – بقلم: إدريس بوهليلة ( المغرب العربي )
الثلاثاء 06 فبراير 2018 – 18:27:16
مقدمة :
• كانت فكرة المغرب العربي، بل ووحدة العالم العربي، من الأحلام اللذيذة التي داعبت خيال ومشاعر ثلة من الكتاب، والأدباء، والشعراء، في طليعتهم السياسي، والصحافي، والشاعر القومي محمد فخري بارودي السوري (1887 ـ 1966م)، الذي حفِظ له جيل الأربعينات من القرن العشرين الميلادي نشيدا جميلا، ربط فيه المشرق بالمغرب، من الشام إلى تطوان، حيث يقول في مطلعه:
بلادُ العُربِ أو طاني *** من الشام لبغدانِ
من نجــدٍ إلــى يمــنِ *** إلى مصرِ فتطوانِ
فالقصدُ من هذا العرض، أن ندرس فكرة المغرب العربي في الأربعينات من القرن العشرين الميلادي، من خلال قرارات مؤتمر المغرب العربي المُـــنعقد بالقاهرة من 15 إلى 22 فبراير سنة 1947م، التي نُشرت في كُتيّبٍ من مطبوعات مكتب المغرب العربي بالقاهرة (1947) .
انصبّ اهتمامنا على هذا الموضوع لأسباب نذكر منها:
أولا: لأن المؤتمر المذكور يُعدُّ “أول حادث من نوعه، لأنه لم يسبق أن أُتيح لوطنيين مغاربة أن يُقيموا مؤتمرا سياسيا يُعلنون فيه اتجاهاتهم” بصراحة وحرية، بعيدا عن عيون الاستعمار الفرنسي والإسباني واستخباراتهما. ومن المعلوم أنه ليس من طبيعة الاستعمار أن يسمح بعقد مؤتمرات في موضوعات أدبية وعلمية، وبالأحرى في موضوعات سياسية حساسة ومثيرة؟ !
ثانيا: لكون هذا المؤتمر استطاع من خلال قراراته أن يُبلور فكرة المغرب العربي عبر إنشاء مؤسسات وحدوية تُجسّدها، واختيار رجال مناضلين أكفاء يُمثلونها، هذا فضلا عن نقل الفكرة من مرحلة العمل غير المنظم جماعيا إلى مرحلة جديدة مُتميّزة على ما عداها، اتّسمت، على العموم، بالعمل المنظم والمُنسجم، وبالكفاح والنضال المشترك بين الحركات الوطنية في دول المغرب العربي، يكون مركزه هو: مكتب المغرب العربي.
1ـ فكرةُ المغرب العربي قُبل مؤتمر المغرب العربي
من المعلوم أن تاريخ القرن التاسع عشر، وتاريخ القرن العشرين الميلادييْن، طُبعا بطابع الحركات القومية، والتحررية، والانعتاق، والاستقلال، ليس في بلدان العالم العربي فحسب، وإنما في أقطار العالم كافة. فهي ظاهرة كونية أكثر منها ظاهرة خاصة بشعب من الشعوب أو دولة من الدول.
ولاشك، أن هذه الحركات، لا يمكن فهمها إلا بوضعها في إطارها التاريخي، الذي يجب النظر إليه ضمن وجهة نظر الفكرة القومية، والمنزع، والمبدإ القومي.
إن ” الفكرة” يُقصد بها مفهوم القومية، والمبدأ يرادُ منه تبني الفكرة كهدف، وغاية، ومبرر للسياسة المتبعة في سبيل التحرر، وبناء الدولة القومية .
لقد نمت العاطفة القومية والنزوع القومي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي وفي القرن العشرين الميلاديين إلى عاطفة أكثر حيوية وحدة وهي عاطفة التضامن بين أعضاء الأمة الواحدة. وكلما قويت عاطفة التضامن نما الشعور بالكرامة الوطنية والشرف القومي والحس بالمصير القومي ، وفي الوقت نفسه نمت الرغبة في توكيد صفات الخلق القومي وفرضه على مرأى ومسمع من العناصر الأجنبية الأخرى .
ومن العوامل التي تساعد أو تدخل في نشأة الأمة وفي تشكل العاطفة القومية نذكر ما يلي:
الأرض أو الجغرافيا: الفضاء الجغرافي الذي يعيش في ظله شعب ويجمع شتات الناس في فضاء مشترك.
العرق: الأصول الجنسانية لشعب معيّن، يمكنها أن تؤلف عنصر تضامن وتآلف بين الناس في فضاء جغرافي مُعيّن، وبالتالي يساهم في العاطفة القومية.
اللغة: يتأتى عن لغة واحدة يتكلم بها شعب تضامن هذا الشعب ويُغذّي وحدته ووجدانه القومي.
الدين: يعدُّ الدين الواحد، من أقوى عوامل الإحساس بالتضامن، والوحدة، و العاطفة القومية، وإن كان لايُفسّر بأي حال من الأحوال نجاحه التام والكامل في تأسيس دولا قومية، كما حدث في كثير من مناطق العالم في الشرق وأوربا.
1 ـ التاريخ :
القومية تقول بوجود رابطة بين مجموعة معينة من البشر، وبأن هذه الرابطة هي من القوة والأهمية بحيث تفرض على هذه المجموعة تكوين مجتمع سياسي تتمتع فيه الحكومة بسلطة خلقية بمقدار ما تعبر عن إرادة هذا المجتمع وتخدم مصالحه. ففي الشرق الأوسط خلال القرن التاسع عشر وإلى أواسط القرن العشرين الميلادي، كانت هناك ثلاثة أنواع من القوميات. وهي أنواع متداخلة وإن انبثق كل منها عن مبدإ يختلف عن الآخر. أولها، في التسلسل الزمني القومية الدينية القائلة بأن على جميع أتباع الدين الواحد أن يكوّنوا جماعة سياسية واحدة . كانت تقوم على أساس الوعي بالوحدة الدينية.
أما النوع الثاني من القومية، وهو القومية الإقليمية، فقد كان مألوفا بالأخص في البلدان القديمة والمستقرة من أوربا الغربية. وهو كناية عن الشعور بالانتماء إلى جماعة واحدة من القاطنين رقعة محددة من الأرض والمتأصلي الجذور في حب هذه الرقعة، كما كانت الحال في مصر وجبل لبنان وتونس (نفسه ص 408).
أما النوع الثالث والأقوى من أنواع القومية، فهو القومية العنصرية أو اللغوية القائمة على الاعتقاد أن جميع الناطقين بلغة واحدة إنما ينتمون إلى أمة واحدة، وأن عليهم بالتالي أن يشكلوا وحدة سياسية مستقلة (نفسه، ص 409). وهو الذي حل محل النوعين السابقين أو امتصهما. وكان اتصالها بفكرة الأمة الإسلامية، وثيقا، حتى أن قومية القوميين العرب المسيحيين أنفسهم لم تكن لتخلو من نوع من الانتماء المعنوي إلى الإسلام كحضارة، إن لم يكن كدين (نفسه وص).
وفي المغرب العربي ارتبطت حركة القومية فيه في التاريخ المعاصر بالأرض/ الجغرافيا، و التاريخ، واللغة، والدين، والثقافة، و المصير المشترك.
ونعتقد أن فكرة المغرب العربي، تعود أصولها إلى العصر الوسيط إن لم نقل إلى العصر القديم. ففي العصر الوسيط، كان الكل يؤمن بالوحدة التي تجمع بلدان المغرب، وحاولت بعض الدول تجسيد هذه الوحدة سياسيا أيضا بتوحيد هذه الدول في إطار دولة واحدة، كما حصل في عهد دولة الأدارسة حيث امتدت سلطتها السياسية والإدارية من المغرب الأقصى إلى تلمسان، وفي عهد الدولة المرابطية الذي امتد نفوذها السياسي من ماوراء الصحراء الكبرى و المغرب الأقصى إلى مدن المغرب الأوسط (تلمسان، وشلف، ووهران …) وإلى الأندلس. وفي عهد الدولة الموحدية، الذي شهد أقوى وحدة بين دول المغرب العربي؛ حيث وصل المدُّ الموحدي وتوحيد بلدانه من المغرب الأقصى إلى المغرب الأوسط (بني حماد، وجزائر بني مزغنة، وبجاية، وقسنطينة …)، وإلى إفريقية (تونس الحالية) والأندلس. وكذلك الشأن مع دولة المرينيين تقريبا مع انكماش ملحوظ.
وظلت هذه الفكرة، أي وحدة المغرب العربي عالقة في أذهان ومخيلة شعوب وحكام المغرب العربي، بعد أن افترقت دوله إلى دويلات قطرية، وتجلت في عدة مظاهر تعبّر عن تطور الفكرة سياسيا بشكل سلبي، واقتصرت الفكرة على التضامن والتآزر بين شعوب المغرب، في مجال الجهاد البحري والقرصنة في مواجهة الدول الأوربية في عرض البحر الأبيض المتوسط في العصر الحديث، وفي بيعة أهل تلمسان للسلطان المغربي مولاي عبد الرحمان بن هشام سنة 1830 على إثر الاحتلال الفرنسي، ولجوء الأمير عبد القادر الجزائري إلى شمال المغرب الشرقي وتقديم له العون والمساعدة، وكذلك الشأن بالنسبة للمهاجرين الجزائريين إلى المغرب الأقصى وتونس، وما لقوه بهما من حسن الاستقبال و الإيواء والاستيطان، على امتداد القرن التاسع عشر والعشرين الميلاديين.
إلا أنه، بدون شك، أن إحياء فكرة المغرب العربي لم يبدأ في الظهور في القرن العشرين، إلا في العشرينات منه، مع حركة علي باش حمبة التونسي ومحاولاته الهادفة إلى توحيد جهود الجزائريين والتونسيين والمغاربة لمقاومة المُستعمر ومناهضة توسعه بالمغرب العربي، وتجسيدها في إطارات قادرة على فتح ديناميات للعمل الجماعي ـ الموحد . يقول علال الفاسي:” هو أوّل زعيم فكر في ضرورة توحيد المغرب العربي في ميدا ن الكفاح، وقد مدّ يده للمقاومين الجزائريين وأسس أخوه في برلين لجنة تسمى باللجنة التونسية الجزائرية، وفي الوقت نفسه، اتصل برجال الحركة في مراكش في الوقت الذي كانت فيه هذه البلاد تدافع عن كيانها، وتعاون في الستانة مع المجاهد المغربي السيد العتابي بعد ذلك” .
انتقل بعد ذلك مركز عمل رجال المغرب العربي من الأستانة إلى باريس، حيث قام مصالي الحاج في عام 1925 ـ 1926م بتأسيس هيئة نجمة شمال إفريقيا، وجعل غايته الدفاع عن مصالح مسلمي شمال إفريقيا من النواحي المادية والمعنوية،”إن قضايا المغرب العربي وأزماته الذي ظل قطريا غير مؤطر ضمن حركة جماعية ومشتركة سيشهد لأول مرة صيغة تنظيمية ستنقله من دائرة الإحساس بالتآزر ـ الذي يفرضه واقع الانتماء إلى هوية مشتركة ـ إلى مستوى وعي ضرورة التعبير عن إرادة للتنسيق جماعية وموحدة “، فقد نادى مصالي الحاج بالوحدة المغربية ضدّ الاستعمار الفرنسي، ضمن حركة جماعية مشتركة واعية بضرورة العمل الوحدوي. وهكذا ستعرف سنة 1927 انعقاد مؤتمر في بروكسيل ضم كلا من الجزائريين والمغاربة والتونسيين، وذلك لتدارس الأوضاع الداخلية لبلدان المغرب الاقتصادية منها والاجتماعية والسياسية، كما استهدف التعريف بالاستعمار ومفاعيل أساليبه على تطور المجتمعات المغربية. ” وتكاد تُجمع مختلف الكتابات التي أرخت لما هو مشترك في تطور تجربة التنسيق والوحدة بين الحركات الوطنية الثلاث في المغرب العربي على أهمية جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين (1927)، وفعاليتها في مجال الدفاع عن هوية المغاربة ومقومات شخصيتهم التاريخية” . فمثلت بذلك لحظة متقدمة في مضمار الدعوة إلى إحياء فكرة المغرب العربي، واستثمار حمولتها التاريخية والسياسية للتقريب بين الحركات الوطنية الثلاث، والتنسيق بين نخباتها وقاداتها متخذة من التعليم محور عملها النضالي ومقاومة الاستعمار.
2 ـ فكرة المغرب العربي من خلال مؤتمر المغرب العربي (1947)
أصبحت القاهرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ومع تأسيس الجامعة العربية سنة 1945م، مركزا آخر للقاء والتنسيق بين قادة الحركات الوطنية في المغرب العربي. اعتُبرت هذه المرحلة حدا فاصلا بين لحظتين في تطور العمل الوطني الموحد وأولويات مطالبه ومحاور نضاليته وبالتالي في بلورة فكرة المغرب العربي على أسس جديدة فاعلة فهي تمثل قطيعة مع مرحلة المطالب والدعوة إلى الإصلاح، ومحاولات التنسيق والعمل المشترك إلى مرحلة المطالبة بالتحرر والالاستقلال في إطار هيئة منظمة ومؤسسات موحدة، يوجد مقرها في القاهرة تعمل على التنسيق بين الحركات الوطنية في المغرب العربي. فقد ” تحرك الطلبة المغاربة هناك ومعظمهم كانوا قد أنهوا دراساتهم الجامعية، وبدأوا العمل المنظم في سبيل فكرة المغرب العربي فأنشأوا “رابطة الدفاع عن مراكش” التي كان من أعضائها الأوائل: امحمد بن عبود، وعبد المجيد بن جلون، وعبد الكريم غلاب، وأحمد بن مليح،
والعربي بناني وغيرهم.
عُقد مؤتمر المغرب العربي، كما مرّ بنا، في مدينة القاهرة من 15 إلى 22 فبراير عام 1947م، تحت الرآسة الفخرية للسيد عبد الرحمان عزام الأمين العام للجامعة العربية حينئذ، وانتُخب سكرتيرا عاما للمؤتمر السيد عبد الكريم غلاب.
وقد روعي في الأعضاء الذين سيشتركون في عقد المؤتمر أن يكونوا ممثلين لحركة من الحركات الوطنية القائمة في كل من تونس والجزائر ومراكش، حتى تكون لقراراته صبغة عملية وتكون قابلة للتنفيذ .
ـ ممثلوا الحركات الوطنية للمغرب العربي في المؤتمر
مثل الحركات الوطنية للمغرب الأقصى “رابطة الدفاع عن مراكش” في مصر، و”الوفد المراكشي” إلى لجان الجامعة العربية. فهيئة الرابطة كان ينتمي إليها في المرحلة الأولى: أحمد بن مليح وعبد المجيد بن جلون وعبد الكريم غلاب وعبد الكريم بن ثابت وامحمد ابن عبود وعبد السلام بناني ومصطفى بن عبد الوهاب وغيرهم. وبرز نشاط الرابطة السياسي بجلاء في سنة 1943م، عندما بدأت الشعوب المستعمرة تُفكر في استعادة حريتها وتقرير مصيرها .
وكانت رابطة الدفاع قد قدمت وثيقة لسلطات الحلفاء في مصر تُطالب فيها باستقلال المغرب. ومن حسن الصدف أن هذا الطلب قُدّم في نفس التاريخ تقريبا الذي قدم فيه حزب الاستقلال وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944م . وقد ظلت الرابطة تعمل بجد فتتصل بالسفارات العربية والمناضلين العرب الذين كانوا يساعدونها في فتح بعض الأبواب للتعريف بقضية المغرب (نفسه).
أما مكتب الحر الدستوري: انتقل بعض ممثليه إلى مصر منهم الدكتور الحبيب ثامر ورشيد إدريس والهادي السعيدي، وغيرهم، وفتحوا مكتبا لهم في مصر وتعاونوا مع مكتب “رابطة الدفاع عن مراكش”، كما تعونا المكتبين المذكورين مع مكتب الذي أنشأه الشاذلي المكي باسم الجزائر.
“واتفقت المكاتب الثلاثة مع مكتب الحزب الحر الدستوري في دمشق على عقد مؤتمر للمغرب العربي”. وهو ماتم بالفعل.
وكان أهم موضوع عرض له المؤتمر، هو موضوع الاستعمار الفرنسي والاسباني في بلاد المغرب العربي، اتخذت فيه الهيئات المشاركة قرارات ذات أهمية قصوى في مسار تطور فكرة المغرب العربي، ومسار النضال ومقاومة الاستعمار من أجل الاستقلال. وهذه القرارات هي:
1 ـ بُطلان معاهدتي الحماية المفروضتين على تونس ومراكش(المغرب الأقصى)، وعدم الاعتراف بأي حق لفرنسا في الجزائر.
2 ـ مطالبة الحكومات المغربية والهيئات الوطنية بإعلان استقلال البلاد.
3 ـ المطالبة بجلاء القوات الأجنبية عن بلاد المغرب كلها.
4 ـرفضُ الانضمام إلى الاتحاد الفرنسي في أي شكل من أشكاله.
5 ـ اعتبار أيام احتلال الجزائر (05 يوليوز) وفرض الحماية على تونس (15 مايو) و فرض الحماية على مراكش (30 مارس) أيام حداد في جميع أقطار المغرب.
6 ـ تعزيز الكفاح في الداخل والخارج لتحقيق الاستقلال والجلاء .
كما كان الموضوع الثاني الذي عرض له المءتمر وهو لايقل أهمية عن الموضوع الأول : ” تنسيق الحركات الوطنية في بلاد المغرب” الذي اقرّ ” إحكام الروابط بين الحركات المذكورة في الأقطار الثلاثة، من أجل غاية واحدة هي ” الاستقلال التام والجلاء” وكما تناول المؤتمر موضوع المغرب العربي والجامعة العربية، وموضوع “قضية المغرب العربي والهيئات الدولية ” من أجل تدويل قضية المغرب العربي والمساعدة على تحقيق حريته واستقلاله و” المطالبة بالحقوق التي يكفلها ميثاق هيئة الأمم المتحدة للشعب المغربي وفي مقدمتها حق تقرير المصير” .
اتخذ المؤتمرون القرارات التالية:
1 ـ ضرورة الاتفاق بين الأحزاب الوطنية داخل كل قطر إما باندماجها في حزب واحد أو بتكوين جبهة وطنية منها.
2 ـ إحكام الروابط بين الحركات الوطنية في الأقطار الثلاثة ويوصي المؤتمر لتحقيق ذلك بما بلي:
أ ـ الاتفاق على غاية واحدة، هي الاستقلال التام والجلاء.
ب ـ تكوين لجنة دائمة من رجال الحركات الوطنية، مهمتها توحيد الخطط وتنسيق العمل الكفاح مشترك.
جـ ـ العمل على توحيد المنظمات العمالية والاجتماعية والثقافية، والاقتصادية في الأقطار الثلاثة وتوجيهها توجيها قوميا.
د ـ ضرورة وقوف الأقطار الثلاثة جبهة واحدة عند حدوث الزمات في أي قطر منها.
و كان آخر الموضوعات التي تناولها المؤتمرون هو :” توحيد جهود المكاتب المغربية في مصر” والذي له بعد مهم في بلورة فكرة المغرب العربي يتجلى ذلك في قرار المؤتمر تكوين ” مكتب المغرب العربي” من الهيئات التي شاركت في المؤتمر: الحزب الحر الدستوري التونسي، ورابطة الدفاع عن مراكش المغربي، والوفد المراكشي إلى لجان الجامعة العربية. يقول عبد الكريم غلاب السكرتير العام للمؤتمر: ” كان للمؤتمر ولتكوين المكتب ـ مكتب المغرب العربي ـ أصداء بعيدة المدى في أقطار المغرب العربي وفي البلاد العربية وفي جميع أنحاء العالم واصبح ـ أي المكتب المذكور ـ يقوم بمهمة الدعاية للقضية المغربية وتحج إليه وفود الصحفيين من مختلف أنحاء العالم للتعرف على قضايا المغرب العربي.
وفي مكتب المغرب اتلعربي وجد الزعماء المغاربة الذين وفدوا على مصر، مناضلين مركزا لعملهم وهم المرحوم علال الفاسي والمرحوم عبد الخالق الطريس والمرحوم حبيب بورقيبة ثم القادة الجزائريون الذين وفدوا على مصر بعد ذلك، ووجد المناضلون المغاربة الذين وفدوا على القاهرة، أثناء الأزمة المغربية الكبرى، في مكتب المغرب العربي مجال عملهم . ونشط المكتب في مناجزة الاستعمار حتى أنه استطاع أن يفتك الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي من قبضة الاستعمار. يقول علال الفاسي أحد قادة مكتب المغرب العربي مبرزا أهمية المكتب:” لقد ظلت الحركات المغربية تتطور في اطوار التنسيق والتوحيد المختلفة حتى تكوّن مكتب المغرب العربي الذي يُعتبر من أكبر المظاهر لرغبة ابناء المغرب في التعاون على تحرير اوطانهم الثلاثة التي توحد بينها اللغة والدين والجنس والتاريخ والجغرافيا ووحدة المستعمر والآمال في التحرر منه “.
و لعَـلَّ أهـم عمـل يمكـن ان يُسجَّل في صَفحـات المكتب أنـه بلــور فكرة المغرب العربي بربط النضال المشترك في سبيل الأقطار الثلاثة برباط قوي ردا على الاستعمار وردا على الاتجاه الذي كان تُبيّته الحكومة الفرنسية ـ بعد هزيمة فرنسا سنة 1940 ـ وهو مشروع الاتحاد الفرنسي الذي كان يُراد منه أن يضم إفريقيا الشمالية وإفريقيا الغربية في وحدة فرنسا . فقد كانت إذن فكرة المغرب العربي رَدًا على فكرة الاتّحـاد الفـرنسي.
يبدو جليا أنه في هذا الطور من تطور فكرة المغرب العربي ـ أي في طور إصدار مؤتمر المغرب العربي للقرارات التــاريخية المذكــورة في فبراير عـالـم 1947 أصبحت الفكرة تعني التزام الحركات الوطنية الثلاثة ( في المغرب والجزائر وتونس) بالعمل من أجل هدف واحد هو تحقيق الجلاء والاستقلال التام للأقطار الثلاثة مع ترك الصلاحية لكل قطر كي يعمل حسب معطيات وضعه الداخلي على تحقيق الهدف المنشود شريطة أن يُعين القطريْن الآخريْن، على بلوغ الاستقلال التام .
وقد لاحظ محمد عابد الجابري أن هذه الفكرة وُظّفت لخلق نقيضها وهو الدولة القُطرية يقول بهذا الصدد: ” إذا كانت فكرة المغرب العربي في اللحظة الأولى لحظة 1909 ـ 1947 تعني الانفصال عن الآخر أي الاستعمار (…) فإنها اصبحت الآن على صعيد الخطاب السياسي تتحدّد بالإيجاب إذ أصبحت تعني الاستقلال التام والجلا، معنى هذا أن فكرة وحدة المغرب العربي قد وُظفت من أجل خلق نقيضها وهو الدولة القُطرية في كل من الأقطار الثلاثة” ، ويرى على أن هذه الفكرة قد تأكدت بالفعل عندما حصلت الدول الثلاث على استقلالها (1956 ـ 1962).
لقد كـانت غـايـة المـؤتمـريــن الجوهرية تحقيق الاستقلال، لكن مفهوم هذا الاستقلال كان محدودا فقد كان يعني في لغة ذلك الزمن الحصول على الحكم الذاتي والدولة القثطرية لكنه لم يكن ليثلغي بقاء رابطة دائمة مع الدولة المحتلة سابقا، إن على المستوى العسكري أو الاقتصادي أو الثقافي بل إنها قد توجه سياستها الخارجية.
وقد استنتج ألبرت حوراني في دراسته عن الفكر العربي في عصر النهضة أن عدم إمكان التخلصِ من قبضة السلطة الأوربية الممقوتة والمقبولة في آن واحد من أهم السباب التي جعلت قومية عرب ذلك الجيل تتخذ موقفا ازدواجيا من أوربا ، فلم يكن هدف هذه القومية الصريح من السعي وراء الاستقلال تحرير نفسها تماما من أوربا بقدر ما كان إقامة علاقة جديدة معها: علاقة متساوية ملؤها الثقة، قائمة على قبول عضوي وتام لقيم المدنية الحديثة التي خلقتها أوربــا.
خاتمة:
نخلصُ إلى أن فكرة المغرب العربي تطورت عبر تاريخ المغرب المعاصر تبعا لتطور الوضع الجهوي والدولي و آمــال وطموحات زعماء الحركات الوطنية في الأقطار المغربية الثلاث.
إن فكرة المغرب العربي في الوهلة الأولى برزت عند الرواد الأوائل كردّ فعل ضد الاستعمار الفرنسي حاولوا من خلالها تحقيق الذات والدفاع عن الهوية العربية الإسلامية للأقطار الثلاث وتحريرها من قبضة المستعمر ، وفي الوهلة الثانية من تطورها عبر التاريخ المعاصر أي في مؤتمر المغرب العربي سنة 1947م أصبحت تعني الاستقلال التام والجلاء وهو الاستقلال الذي تحقّق بعد حين وبذلك تكون فكرة المغرب العربي ” كما تأسست في وعي رجال الحركة الوطنية والأقطار الثلاثة حققت نفسها واستنفذت كل إمكـانـاتهـا” بمعنى أنه خلقت نقيضها وضدّها، و بـالتــالي أصبحت ـ حسب محمد عابد الجابري ـ تحتاج إلى إعـــادة تأسيس أي إلى إعادة بنينتها في الوعي السياسي والخطاب الإيديولوجي بعد الاستقلال …