صاحب نظرية “الثورة الشعبية” وزعيم ثورة التحرير المغاربية 1882 ـ 1963
الجمعة 03 فبرايـر 2017 – 19:55:43
تحل يوم الاثنين المقبل سادس فبراير 2017 الذكري الرابعة والستين لوفاة أمير التحرير المغربي محمد بن عبد الكريم الخطابي، أسد الريف الذي قهر الاستعمار وأذاق عسكر الأسبان هوان الهزيمة والاندحار، في الوقت الذي سجل التاريخ انبطاح السلطات المركزية أمام المستعمر الفرنسي واستسلامها لمناوراته المتواصلة لاستحكام سيطرته ونفوذه على بلاد المغرب الذي كان يعيش حياة الإقطاع القبلي والتخلف الإداري وحروب السيبة التي نخرت البلاد من الداخل، وقوضت شوكتها وقلصت من هيبتها ومن المكانة الدولية التي كانت تتمتع بها أيام المولى اسماعيل العلوي (1645 ـ 1727).
هذا الوضع أدى إلى تكالب الاستعمار الدولي على المغرب، وسعيه إلى محاولة بسط سيطرته بالكامل عليه، عبر مؤتمر برلين الأول (1880) الذي اعترف بحق السفراء الأجانب بالمغرب في حماية “رعاياها” المغاربة، والثاني (1884) حول تقسيم القارة الإفريقية ومؤتمر الجزيرة الخضراء (1906) الذي خول لفرنسا وإسبانيا حق اقتسام المغرب بينهما. في هذه الظروف، وأمام محاولات حاكم قطاع مليلية الجنرال سيلفيستر، الزحف على بلاد الريف، التي نجح في بهض أهدافها بالاستيلاء على مناطق محدودة، برز القائد محمد بن عبد الكريم الخطابي (1882 ـ 1963) مجذرا الأسبان من التقدم في اتجاه المناطق الداخلية للريف، ولكن غرور الجنرال دفعه إلى عدم الاهتمام بتحذيرات الزعيم الريفي واستمر متقدما بغاية بسط احتلا بلاده الشامل على الريف.
الأمير و المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي يمتَطي صَهوة حِصانهِ
ولد الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، سنة 1882 في بلدة أجدير قبيلة بني ورياغل، وهي أكبر قبائل الريف التي كان يتزعمها والده عبد الكريم, بعد حفظه للقرآن الكريم على عادة أهل الريف أرسله أبوه لتطوان ومنها إلى جامع القرويين لدراسة العلوم العربية الدينية، وقد تلقى على والده أيضا أصول اللغة العربية والدين والتاريخ والأدب العربي، قبل أن يلتحق بجامعة “سلمنكا” بأسبانيا، حيث حصل على درجة الدكتوراه في الحقوق، وبذلك جمع بين الثقافة العربية الإسلامية الأصيلة وجوانب هامة من الثقافة الأوروبية، ليعين قاضيا بمدينة مليلة التي يعتبرها الأسبان جزءا من التراب “الوطني” الاسباني. وخلال إقامته بمليلية، ازداد شعوره بضرورة مواجهة المستعمر الاسباني والتخلص من بطشه وتعامله المهين للمواطنين المغاربة الريفيين.
ولم يتأخر الفتى الثائر كثيرا في اللحاق في بلدة أجدير، بوالده الفقيه عبد الكريم الخطابي، الذي انتقل إلى الرفيق الأعلى سنة (1920) لتنتقل زعامة قبيلة بني ورياغل إليه وهو لم يقفل بعد عقده الرابع ، كما انتقلت إليه قيادة الثورة في بلاد الريف، التي أطلقها والده وحمل مشعلها فيما بعد القائد الشريف محمد أمزيان (1958 ـ 1912) الذي واجد في بداية الأمر “ثورة” بوحمارة الزرهوني وقضى عليها بعد اكتشافه عمالته للأجانب، وبعد أن اختارته قبائل الريف قائدا للثورة الأولى، في اكتوبر سنة 1908 حاول الشريف محمد أمزيان الحصول على “نجدة” سلطان فاس التي حل بها مع وفد من رجال القبائل سنة 1909، دون أن يتلقى جوبا، فعاد إلى الريف حيث استجمع قةات من قبائل الريف المجاهدة ونظم هجومات مستمرة على مواقع العدو خاصة في “سيدي موسى و “وهدة الديب”، و”إجدياون”، و موقع “عزيب حدو” حيث استشهد بفعل تسلل الجواسيس، بعد أن واجه رجاله وكان في 700 نفر، جيشا اسبانيا لفي أزيد من 40 ألف محارب مزودين بمدافع وبطاريات ألمانية الصنع، حديثة.
وكان استشهاده في ماي سنة 1912. وكان على قائد الثورة الكبرى، محمد بن عبد الكريم الخطابي أن يقوم بتأسيس مجتمع مسالم ومتخلق بالفضيلة الإسلامية، والصدق في القول والعمل، ونبذ النزاعات الدامية التي اشتهرت بها قبائل الريف والتي خلقت شعورا بانعدام الأمن ، ودعها أيضا إلى نبذ مبدأ الثأر الجاهلي، حيث إنه أعطى مثلا بنفسه، إذ أنه عفا عن قاتل والده، مكرسا بذلك وحدة المجتمع لخدمة المجتمع. وكان أن استجابت له قبائل الريف وساهمت في بناء مجتمع يقوم على مبادئ الاسلام في التآخي والتضامن والتآزر ووحدة الهدف.
بهذه الروح ، قاد محمد عبد الكريم الخطابي رجاله، وكانوا قلة، عددا وعتادا، في هجومات متتالية ضد كل المواقع التي احتلها الأسبان، كما قام بمحاصرة تلك المواقع محاصرة شديدة شلت حركة الجيوش الاسبانية ومقاومتها للمد الريفي القوي إلى أن كانت منعركة أنوال المجيدة في 22 يوليوز سنة 1921 التي أبيدت فيها جيوش الجنرال سيلفيستر، الذي فقد حياته في تلك المعركة إلى جانب 15ألف قتيل كما أوقع المجاهدون فوق 570 أسير وغنموا منها العديد من الأسلحة والعتاد الحربي واللوجيستيكي المتطور.
وتواصلت الهزائم التي ألحقتها قوات القائد الخطابي بالمحتل الإسباني بشكل بعث الرعب في قلوب جيوش الأسبان ما عجل بتحالف بين الجيش الاسباني والفرنسي في خريف العام 1924 ضد الخطر الريفي المهدد للوجود الاستعماري في المغرب الذي كان يعيش اضطرابات ما يسمى بـ “”حروب القصور”” بعد إبعاد السلطان عبد العزيز وتنازل السلطان عبد الحفيظ سنة 1912 وتولي الملك بعده السلطان يوسف الذي توفى سنة بعد استسلام أمير الجهاد محمد بن عبد الكريم الخطابي لفرنسا التي بات وجودها مهددا بانتصارات مجهدي ثورة الريف، خاثة بعد هزيمته للقوات الفرنسية في معركة تازة سنة 1925.
فـعملت فرنسا على إضعافه بإشـاعة أنه يطمع في عـرش المغرب ، والحال أنه رفض عرض تقدت به إليه سلطات مدريد بالاعتراف باستقلال ذاتي لمنطقة الريف يكون خاضعا للاتفاقات الدولية المتعلقة بالنظام الاستعماري للمغرب وكان رفض الأمير مبعث دهشة واستغراب السلطات الاستعمارية الاسبانية والفرنسية، بسبب أنهم لم يدركوا أن الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي لم يكن لا جهويا ولا انفصاليا، ولم يكن يطمع في سلطة أو نفوذ على حساب الشرعية المغربية. بل إنه كان مغربيا حتى النخاع وأنه كان يعتبر أن ثورته ثورة مغربية تعيد للمغرب حريته واستقلاله وهيبته. وهكذا كثفت الجيوش الاستعمارية الفرنسية والاسبانية من هجماتها على الريف، ونسَّقـت دعايتهـا مع الحكومة الإسبانيـة، بعد أن ضمنت دعم إيطاليـا وصَمْتَ بريطانيا.
بهدف إحداث نوع من البلبلة في صفـوف المجاهدين، كما شجعت بعض أتباع الطرق على التحالف مع القوة المعادية. وكان طبيعيا أن تتأثر ثورة الريف بالهجمة الشرسة للقوات الاسبانية والفرنسية على ثوارها وما خلفه ذلك من ضحايا في صفوف المدنيين المغاربة في منطقة الريف، وخصوصا بعد استعمال القوات المتحالفة الأسلحة «الكيماوية» الألمانية الصنع، الأمر الذي أجبر الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي على الاستسلام لفرنسا باعتباره أسير حرب، في شهر شتنبر من العام 1926 ، بعد أن شعر بعدم جدوى الاستمرار في المقاومة .
وقد قامت فرنسا بنفي الأمير وأسرته إلى جزيرة لارينيون “الفرنسة” ومصادرة كل أملاكه. غير أن السلطات الفرنسية قررت، سنة 1947 نقل الأمير وأسرته إلى فرنسا عن طريق البحر، وحين رسو السفينة بميناء بور سعيد، تمكن بعض زعماء الحركة الوطنية المغربية بتعاون مع الملك فاروق الأول من إقناعه بطلب اللجوء السياسي بمصر حيث حل ضيفا معززا ومكرما ومحاطا باحترام الحكومات المصرية المتعاقبة ومختلف الأحزاب والتيارات المصرية ، يتمتع بكافة الصلاحيات ليباشر نشاطه السياسي خاصة بوصفه رئيس “لجنة تحرير المغرب العربي” التي أنشأها في شهر دجنبر من سنة 1947 والتي كان يعمل تحت لوائها كل زعماء التحرير بالمغرب والجزائر وتونس.
وبالقاهرة، جدد اتصالاته مع رفاق السلاح في حرب الرف التحريرية، وعمل على تأسيس لجنة “تحرير المغرب العربي” التي انتخب رئيسا دائما لها وانتخب شقيقه امحمد نائبا له كما انتخب بقية أعضاء اللجنة. وبالقاهرة أيضا أرسى قواعد اللجنة وأنشأ فروعا لها بلبنان وسوريا، كما وجه موفدين إلى مختلف دول العالم الإسلامي لتعريفهم بدواعي وأهداف تأسيس اللجنة. وأشرف على تكوين جيش تحرير المغرب الكبير، وأرسل بعثات طلابية إلى الكليات العسكرية بالعراق وسوريا لتكوين ضباط عسكريين، كما أشرف على معسكرات تدريبية بمصر، وأعد الخطة العسكرية الكفيلة بتحرير المغرب الكبير بشكل شامل، بتوحيد المقاومة وتكثيفها في تونس والجزائر والمغرب.
إلا أن ظهور صراعات حزبية داخل اللجنة، دفع الأمير إلى التوجه للعمل الميداني بالإشراف على جيش التحرير المغاربي الذي نتج عنه انهزام مناورات السلطات الاستعمارية الفرنسية في كل من المغرب وتونس، لتتمسك فرنسا بالجزائر التي كانت تعتبرها أرضا فرنسية. ومعلوم أن الأمير محمد عبد الكريم الخطابي لم يكن راضيا عن اتفاقية إيكس ليبان التي اعتبرها ضربا من “الخيانة للشعب المغربي” ومقاومته، وقد زاد من حدة غضبه ما حصل في الريف أواخر 1958 وبداية 1959 من قمع مسلح ضد المواطنين الريفيين العزل، ورغم محاولات المسؤولين السياسيين والحزبيين المغاربة تليين مواقفه من استقلال المغرب الذي اعتبره ناقصا إذ لم يشمل سائر التراب الوطني كما لم يلح على جلاء القوات الأجنبية ، فإن الأمير ظل على ثوابته إفلى أن وافته المنية بمصر سنة 1963 ودفن بمقبرة الشهداء بالقاهرة، رحمه الله وأثابه عن جهاده من أجل المغرب وعن التضحيات الجسام التي قدمها دفاعا عن حرية الشعب المغربي واستقلاله وكرامته.