في الذكرى 53 لوفاة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي
جريدة الشمال – “أصداء الريف” ( عبد الكريم الخطابي)
الخميس 11 فبراير 2016 – 16:03:45
ونظرا لأهمية الذكرى، وللبيانات التي أوردتها الجريدجة في مقالها القيم، ارتأينا في “الصمال” أن نعيد نشره، تعميما للفائدة، ومشاركة من هذه الجريدة في إحياء دكرى بطل عظيم أعطى للعالم أدجمه د ةسا في النضال من أجل التحرير والوحدة.
صادف يوم السبت 6 فبراير2016 ، الذكرى 53 لوفاة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي توفي بمنفاه بالقاهرة يوم 6 فبراير 1963 عن سن الثمانين ،و هو غاضب عما آلت إليه الأوضاع في المغرب.
نشأته وجهاده
ولد الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، زعيم قبيلة بني ورياغل، أكبر قبائل الأمازيغ في بلاد الريف، سنة (1299ه = 1881م) في بلدة أغدير (قرب الحسيمة)، لأب يتولى زعامة قبيلته، فحفظ القرآن الكريم صغيرا، ثم أرسله أبوه إلى جامع القرويين بمدينة فاس لدراسة العلوم العربية الدينية، ثم التحق بجامعة سلمنكا بأسبانيا، فحصل منها على درجة الدكتوراه في الحقوق، وبذلك جمع بين الثقافة العربية الإسلامية الأصيلة وبعض النواحي من الثقافة الأوروبية، ثم عُين قاضيا بمدينة مليلة الخاضعة لإسبانيا، وأثر فيه عندما كان قاضيا مشهد ضابط إسباني يضرب عربيا بالسوط في شوارع مليلة، ويستغيث ولا يغاث، عندها رأى الوجه القبيح للاستعمار، وأدرك أن الكرامة والحرية أثمن من الحياة.
وقد اشتهرت عائلته بالعلم ولعبت أدوارا اجتماعية وسياسية خطيرة، كما كان رحمه الله فقيها مجددا، تعلم على أبيه اللغة العربية وأصول الدين والتاريخ والأدب العربي.
وأصيب في جهاده بعرج خفيف لازمه طوال حياته، ثم غادر مليلة ولحق بوالده في أغدير، وفي هذه الأثناء توفي والده سنة (1339ه = 1920م) فانتقلت الزعامة إلى الابن، فتولى الأمير الخطابي زعامة قبيلة بني ورياغل، وقيادة الثورة في بلاد الريف، وهو في التاسعة والثلاثين من عمره، وذاق مرارة النفي لمدة عشرين سنة، قضاها في الصلاة وقراءة القرآن الكريم، عانى فيها قلة المال، فآثر أن يعمل بيديه لتأمين معيشته هو وأسرته، فاشترى مزرعة، وجاهد فيها كسبا للعيش.
أخلاقه الإسلامية
امتازت شخصية عبد الكريم الخطابي بأبعاد إسلامية، مثلت نموذجا إسلاميا فريدا، وذلك بتخلصه من داء الكراهية والحقد والبغضاء وحب الانتقام من أي كان، كما أنه كا يؤمن بأن الفضيلة في الإسلام تقوم على التسامح والبناء الداخلي على أساس الصدق في القول والعمل.
يقول الكاتب الفلسطيني، المقيم ببرلين، محمد شاويش في مقال بعنوانالنهضة والمقاومة لدى عبد الكريم الخطابي( العدد الأول من مجلة جسور القبرصية لسنة1424) إن القائد عبد الكريم نفذ المبدأ الذي قام على أساسه المجتمع الإسلامي الأول في المدينة وهو مبدأ المؤاخاة بتجاوزه على قاتل والده، ففي ظرف سبعة شهور استطاع الزعيم محمد بن عبد الكريم: في المجتمع الذي كان مشهورا بالنزاعات الدامية التي لا تنتهي بين أفراده والذي كان الشعور بانعدام الأمن يغزو كل فرد منه، وكان مبدأ الثأر الجاهلي يمزق فيه شبكة المجتمع…صرنا نرى مثلا في خندق واحد قائدين، كان في ما مضى يتحينان الفرص للفتك ببعضهما، اجتمعا في المعركة في خندق واحد أخوين يحمي كل منهما الآخر ويعمل لنجاته.
وسبب هذا التحول، يشرح الكاتب، راجع إلى قدرة المقاوم وموهبته الاستراتيجية على تغيير سلوك المجتمع بالاتجاه النهضوي المطلوب، لا عبر الإكراه، بل بالاقتداء بشخصية قوية مؤمنة واثقة بالله ثم بشعبها.
وظهر برهان أخلاقه الإسلامية الرفيعة في عفوه عن قاتلي أبيه، فكرس الوحدة الاجتماعية بادئا بنفسه وفق سلوك تربوي ينأى عن النفعية الشخصية.
فعاش زعيما حرا، بكل معنى الكلمة، مناضلا معتزا بنفسه غاية الاعتزاز شهما، ذا أنفة وإباء وعزة نفس، ووصف بسالة مقاومته أحد الضباط الفرنسيين الكبار بقوله: لم تستسلم أية قبيلة دون مقاومة؛ بل إن بعضها لم يُلقِ سلاحه حتى استنفد كل وسائل المقاومة، واتسمت كل مرحلة من مراحل تقدمنا بالقتال، وكلما توقفنا أنشأ المغاربة جبهة جديدة أرغمت قواتنا سنوات طويلة على الوقوف موقف الحذر واليقظة في موقف عسكري مشين.
وفي تشجيعه للنشاط الزراعي وكدلالة على حسه البيئي حث أفراد مجتمعه لقوله: الزراعة تغنيكم عن المواد الغذائية التي تستوردونها منهم(أي من المستعمر)، والشجرة المثمرة تغنيكم عن فاكهتهم وزيتهم، والمحافظة على الغابات تعيد إليكم المطر ليسقي الزرع والشجر، كل من يزرع شجرة ويعتني بها يعتبر مقاتلا شجاعا ووطنيا غيورا، وكل من قطع غابة يعتبر خائنا للوطن وعدوا لشعبه وأولاده(مجلة جسور العدد الأول ,1424 ص:97).
معركة أنوال: استراتيجية محكمة
تذكر المصادر التاريخية أن قوام الجيش الإسباني بقيادة سلفستر في معركة أنوال بلغ 24 ألف جندي استطاع أن يصل بهم إلى جبل وعران قرب أغدير مسقط رأس الأمير، وعندها قام الخطابي بهجوم معاكس في (25 شوال 1339ه = فاتح يوليوز 1921م) استطاع خلاله أن يخرج الأسبان من أنوال، وأن يطاردهم حتى لم يبق لهم سوى مدينة مليلية.
وكانت خطة هجومه في أنوال أن يهاجم الريفيون الأسبان في وقت واحد في جميع المواقع؛ بحيث يصعب عليهم إغاثة بعضهم البعض، كما وزع عددا كبيرا من رجاله في أماكن يمكنهم من خلالها اصطياد الجنود الفارين، فأبيد معظم الجيش الأسباني بما فيهم سلفستر، واعترف الأسبان أنهم خسروا في تلك المعركة 15 ألف قتيل و570 أسيرا، واستولى المغاربة على 130 موقعا من المواقع التي احتلها الأسبان، وحوالي 30 ألف بندقية، و129 مدفعَ ميدان، و392 مدفعا رشاشا.
ويعزو الإسبان وقوع هذه الهزيمة إلى طبيعة البلاد الصعبة، والفساد الذي كان منتشرا في صفوف جيشهم وإدارتهم، وفي إقامة مراكز عديدة دون الاهتمام بتحصينها تحصينا قويًّا، كما أن تعبيد الطرق التي تربط بين هذه المراكز كان خطأ كبيرًا من الناحية العسكرية، ويعترف التقرير بأنه لم يكن أمام المغاربة إلا أن يلتقطوا الأسلحة التي تركها الجنود الفارون، وكشف التقرير حالات بيع بعض الضباط لأسلحة الجيش.
وبعد الانتصار العظيم الذي حققه الخطابي في أنوال ذاعت شهرته في بلاد الريف، وأدرك الإسبان عجزهم الكامل عن مقاومة الريف الناشئة، وازداد قلق إسبانيا داخليا وخارجيا، فارتفعت القوات الإسبانية في شمال المغرب بعد شهور من هزيمة أنوال إلى 150 ألف مقاتل، وعرضت مدريد على الخطابي الاعتراف باستقلال الريف بشرط أن يكون استقلالا ذاتيا خاضعا للاتفاقات الدولية التي أخضعت المغرب للنظام الاستعماري، فرفض الأمير الاستقلال تحت السيادة الإسبانية.
وقوبلت هذه النتيجة بدهشة كبيرة من الدوائر الاستعمارية التي لم تكن مطمئنة لحركة الخطابي، وعلى رأسها فرنسا التي كانت تتوقع أن يتمكن الأسبان يوما ما من القضاء على هذه الحركة.
أما الخطابي فكان يحرض على تجنب الاصطدام بالفرنسيين حتى لا يفتح على نفسه جبهتين للقتال في وقت واحد، إلا أن الأوضاع بين الاثنين كانت تنذر بوقوع اشتباكات قريبة، خاصة مع عدم الاعتراف الخطابي بالحماية الفرنسية.
وباتحاد الدولتين الاستعماريتين خسر الخطابي حوالي 20 ألف شهيد، وبقي بجانبه حوالي 60 ألف مقاتل، وفكر الرجل أن يخوض بنفسه معارك فدائية؛ دفاعا عن أرضه ودينه، إلا أن رفاقه منعوه ونصحوه بالتفاوض، فقرر أن يحصل لبلاده ونفسه على أفضل الشروط، وألا يكون استسلامه ركوعا أو ذلا.
وظل يراقب جهاد المغاربة ضد الاحتلال القرنسي حتى تحقق الاستقلال، وتوفي رحمه الله بمصر ودفن في مقبرة الشهداء بالعباسية في القاهرة، (1382ه = 1963م)، وجزى الله محمد بن عبد الكريم خير الجزاء على ما قدم لوطنه..