خُصوصية الرّحلَة
إن أول ما يُعن لِدارِس للأدب الرّحلي عموما ولـ«الرحلة الخاطفة » للتهامي الوزاني خصوصا شكلها الفني الذي يقترب اقترابا شديدا من فن الرواية. وفي هذا ما يؤكد الرأي النقدي القائل بإسهام صاحب هذه الرحلة في تكوّن الرواية بالمغرب. هذا ما ذهب إليه الأستاذ أحمد اليبوري الذي قال عن “الزاوية ” للتهامي الوزاني: ” تمثل أول إنتاج شبه روائي بالمغرب” بل إن هذه الأولية المشار إليها تصدق على «الرحلة الخاطفة» أكثر بكثير مما تصدق على نص »الزاوية » ولا غرو في ذلك. فالفقيه التهامي الوزاني عرف بولعه بفن الرّواية منذ المراحل المبكرة من تكوينه الثقافي وترجمته لرواية “ثربانتيس” دون كيخوتة ” علامة دالة على ذلك.
وتتبدى روائية «الرحلة الخاطفة » في جملة خصائص أهمها :
– سيرورة السردية الخطية مما تجد له رواسي في الرواية التقليدية بالانطلاق من الحاضر في اتجاه تصاعدي يواكب هذا الحاضر باستمرار مع كل حدث من أحداث الرحلة انطلاقا من تطوان إلى آخر محطة من محطات الرحلة
– استخدام “الوصف” استخداما وظيفيا يفوق العادية في فن الرحلة إلى ما يؤسس سِمة فنية ترقى به إلى روائية الوصف مثلما تجد عند كبار فناني الرواية في القرن التاسع عشر، وبالأخص فلوبير.
- اعتماد المنظور أو “الرواية السردية ” في الحكي، وبالأخص ضمير المتكلم الذي ينفرد في بلورة الرؤى والأفكار والتصورات حول الأحداث والمشاهدات واللقاءات من أول الرحلة إلى نهايتها. وفي هذا المنظور يتمازج ما هو فني جمالي مع ما هو فكري رؤيوي بأكثر مما اعتاد الرحالة العرب القيام به.
-
الاهتمام لوضع “الشخصية ” مما هو دارج ومعتاد في فن الرواية أكثر مما هو ملحوظ في فن الرحلة.
-
إيلاء “الزمن” أهمية بالغة إلى درجة الارتقاء به إلى مصاف المكون الفني الذي يُدعم ويسَاند البناء العام لنص «الرحلة الخاطفة » ويقترب به من فن الرواية.
عمل التهامي الوزاني على استجلاء الرؤى والمواقف والأفكار بطريقة الفن الروائي الذي يقترب من مفهوم “تعدد الأصوات” الباختيني، فالتهامي الوزاني لا يُلح على رأيه الخاص، ولا يكتفي به، بل يتطارح الآراء المختلفة ويزنُها ويرجع منها ما هو أقرب إلى “حِكمة الحياة “.
وهذا “التعدد في الأصوات” واردٌ في مراحل الرحلة كلها، مما يعني أن الرحالة يستعين بثقافته الفكرية والفنية في صوغ رحلته وتحديد أساليبها.
- إن الأسلوب الفني للنثر المستعمل في هذه الرحلة أسلوب جديد عصري لا يتقيد بقيود الرحلة الكلاسيكية، بل يطور الكتابة العربية تطويرا يواكب العصر وما عرفته اللغة العربية فيه من تطور جمالي بفضل الحركة النهضوية الفكرية والثقافية (الصحف والمجلات المنشورات الجديدة)، هذه اللغة العربية هي أقرب لغة الرواية، الفن الوليد الجديد في الثقافة العربية الحديثة إلى لغة الرحلة كما سادت منذ قرون عديدة.
-
إن الريادة التي طالما نوّه بها أحمد اليبوري وإبراهيم الخطيب وعبد القادر الشاوي بالنسبة إلى التهامي الوزاني ريادة حقيقية تكشف عنها النصوص الأدبية التي تم نفض الغبار عنها وطبعها وإشاعتها بين عموم القراء في المغرب وخارجه، ومنها بالأخص هذا النص الأدبي الرِّحلي الموسوم ب «الرحلة الخاطفة ».
5-إن الوشائج الرابطة بين عناصر الرحلة والرواية في هذا المتن المميز للتهامي الوزاني يشف بوضوح عن اللحظة التأسيسية لفن الرواية بالمغرب، ويدل على الدور البارز الذي قام به التهامي الوزاني في نقل السرد المغربي من أشكاله القديمة إلى الأشكال الجديدة التي أصبحت سائدة الآن سيادة جمالية كاملة، وبالأخص سيادة الرواية، وإن كانت الرحلة كما هو بيّن في «الرحلة الخاطفة ».
إن المراحل البينية في تاريخ الفنون الأدبية وتطورها يمتاز بالتحولات الكاشفة لانتهاء مرحلة فنية وبداية مرحلة جديدة.
إن «الرحلة الخاطفة » تدل بوضوح أن تداخل الفنون في الثقافة العربية على غرار الثقافات الخرى، قد تم بنوع من التمازج الخصيب الفياض الذي انداحت منه فنون جديدة أكثر تعبيرا عن العصر ومداراته الفكرية والاجتماعية والسياسية.
إن «الرحلة الخاطفة » في الزاوية في المكان والزمان، وكذا في فنية الكتابة وجماليتها، حققت النوعية المطلوبة والضرورية في التأسيس للجديد “جديد الفنون الأدبية وبالأخص فن الرواية.
-إن ما نشره الأستاذ إبراهيم الخطيب عن كتاب «الرحلة الخاطفة » يُوهم أن النص مكتمل والوقائع وأن به نقصا أو حذفا داخل المتن المحقق إضافة إلى نقص أجزاء مهمة منه وبالضبط ما يتعلق بفترة تواجد التهامي الوزاني بمناسك الحج إذ الأصل في الرحلة أنها حجازية بينما المنشور منها يوقع القارئ في لبس فيعتقد أنها رحلة إلى الشرق ([1])
نوع الرحلة الخاطفة:
تندرج «الرحلة الخاطفة » ضمن جنس الرحلة الحجازية، إذ غايتها أداء فريضة الحج وزيارة المسجد النبوي بالمدينة المنورة. لكنها كانت فرصة لصاحبها لزيارة صديقه الأستاذ عبد الخالق الطريس سفير المغرب بمصر، ومناسبة أيضا للقاء مجموعة من الأطر الديبلوماسية والزعامات السياسية على رأسهم الزعيم المغربي عبد الكريم الخطابي، وكذا طلبة المغرب. وقد أسفر هذا اللقاء على مناقشة قضايا سياسية واجتماعية وتربوية مرتبطة بالمغرب الحديث العهد بالاستقلال، وتباين وجهات النظر حولها وما تلامسه من أحداث.
“الزاوية لسيدي التهامي الوزاني، دراسة وتخريج إعداد عبد الحي الطيار وسمية محفوظ بحث الإجازة في التاريخ بإشراف الأستاذ مصطفى الغاشي الموسم الجامعي: 2002-2003.الكتابة الرحلية عند التهامي الوزاني نص الزاوية نموذجا تقديم وتخريج إعداد الطالبة هاجر الحداد إشراف الأستاذ عبد اللطيف شهبون ، ماستر الأدب العربي في المغرب العلوي السنة الجامعية : 2011-2012
هاجر حَسُّون