كاد الفقر أن يكون كفرا حتى لا تتكرر مأساة سوق “سيدي بولعلام”
جريدة الشمال – عبد الحي مفتاح ( الفقر )
الثلاثـاء 12 شتنبر 2017 – 14:51:29
لكن الفقر يمس الأفراد في العالم كله، شماله وجنوبه وغربه وشرقه، وتبقى نسبتة وطرق التعامل معه هي التي تختلف من دولة إلى أخرى ومن جهة إلى أخرى.
ومؤشرات الفقر حسب المعايير الدولية ترتبط بالدخل وقدرته على تلبية الحاجيات الأساسية للعيش بكرامة (غذاء، لباس، تطبيب، سكن، تمدرس إلخ).
وقد أعادت مأساة سوق “سيدي بولعلام” بنواحي الصويرة سؤال الفقر بالمغرب إلى واجهة النقاش العمومي، رغم أن مظاهره اليومية بادية للعيان في الحواضر كما في البوادي.
الفقر المرتبط ببعض المناطق الأكثر عزلة أو تهميشا تفطنت له الدولة منذ مدة وحاولت جاهدة أن تعالجه إما ببرامج قارة كالتي تقوم بها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية و مؤسسة محمد الخامس للتضامن؛ وإما بتشجيع مبادرات المجتمع المدني والإحسان العمومي والفردي في المجالات الاجتماعية وخاصة التمدرس والتطبيب.
هذا دون أن ننسى أن العديد من البرامج والمشاريع الحكومية القطاعية يوجد هدف محاربة الفوارق الاجتماعية والفقر ودعم الفئات الهشة والمعوزة من بين أهدافها الأساسية.
إلا أن نتائج هذه المجهودات كلها تبقى، في رأي كثير من الملاحظين، محدودة أمام زحف المظاهر الكثيرة المرتبطة بوضعية الفقر كالتسول، والدعارة، والحريك، والإدمان وجحافل المهمشين، والسكن غير اللائق، وسوع التغذية، وبعض الأمراض النفسية والعضوية، وتشغيل الأطفال، ونسبة كبيرة من الهدر المدرسي والجامعي، والبطالة، والشغل غير القار وغير المؤمن، والعنف المجتمعي، …إلخ.
وهكذا فإن موقف أطراف مجتمعية يحمل الدولة المسؤولية السياسية في إنتاج الفقر وإعادة إنتاجه بسبب الاختيارات الاقتصادية اللاشعبية وما يرتبط بها من ريع وفساد وإقصاء، في حين أن موقف أطراف أخرى يعتبر أن الدولة تقوم بواجبها وأن السياسة الاجتماعية ترصد لها مبالغ ضخمة، لكن هذه السياسة تحتاج لكي تعطي ثمارها إلى حكامة واستمرارية ثم إلى إرادة الفئات المستهدفة للخروج من وضعية الفقر، وكذا إلى دعم المجتمع بكامله.
ومهما يكن موقف هذا أو ذاك، فإن الفقر واقع في المغرب وليس من باب الخيال، لذلك فإن كل واحد منا يعرف الفقر الموجود وسط عائلته أو جيرانه أو حيه أو مدينته، إن لم يكن عاش الفقر أو يعيشه، لكن النظر للأسباب الكامنة وراء الفقر والحلول المقترحة له قد تختلف من واحد حسب إيمانه ومعرفته ووضعه الاجتماعي ووعيه الطبقي.
وعلى مستوى عام؛ فإذا كانت للنظريتين الاشتراكية والليبرالية، واللتين كان لكل واحدة منهما تأثير واسع في القرنيين الماضيين، مقاربتان متناقضتان فيما يخص المجتمع ومعضلاته بما فيها الفقر، وبالتالي النظر إلى وظائف الدولة، فإنه في الزمن الحالي قد تعددت هذه الوظائف وتشعبت، كما تجاورت في كثير من الدول انماط الإنتاج، وتعقدت المعضلات الاجتماعية مما يصعب معه رد معضلة الفقر لنمط إنتاج دون آخر، بل أن الملاحظ هو أن دولا اعتمدت الليبرالية انحصر الفقر فيها بشكل كبير في حين أن دولا تعتبر نفسها اشتراكية لم تحقق نجاحا كبيرا في معالجة هذه المعضلة الاجتماعية الأساسية.
المغرب بلد نام يسجل تقدما وتيرته متباينة ومفارقة في مناحي متعددة، و بلا شك فقد حقق إنجازات مهمة على المستوى الاقتصادي خاصة، لكن المعادلة الصعبة التي ترخي بثقلها وبحدة على المجتمع وتربك السلم الاجتماعي هي الفقر والفوارق الاجتماعية والمجالية، ولولا التضامن الأسري وأشكال أخرى من التضامن غير النفعي والنفعي، لكانت معضلة الفقر أكثر حدة، لكن هذا ليس حكما على الدولة أنها لا تأخذ أمر الفقر بمنتهى الجدية، بل يعني أن السياسة الاجتماعية وخاصة ما يتعلق منها بمحاربة الفقر تقتضي تعبئة شاملة للمجتمع وترسيخ الثقة في الدولة، ثم تغيير المقاربات والمنهجيات واعتبار كرامة المواطن المغربي من كرامة بلده، والقطع مع جميع السلوكات الانتهازية غير المواطنة التي تجعل أقدس القضايا بقرة حلوب، وتجاوز الحساسيات الأيديولوجية والسياسية التي تعيق تعميق الرؤية الشمولية للقضايا المجتمعية الأفقية و تضعف فعالية أجرأتها.
فهل سنستطع كمجتمع ودولة في المغرب خلق جو الثقة من أجل العمل يدا في يد لاجتراح أنجع المقاربات والوسائل التنظيمية، وذلك بعد تجاوز سوء النية والاتهامات المجانية التي لا تسمن ولاتغني من جوع، حتى لا يتكرر الحادث المأساوي المؤلم لسوق “سيدي بولعلام” وحتى تتراجع بقوة وبالتدريج، مختلف مآسي الفقر الفردية والجماعية…؟.
ذلك ما تدعو إليه الروح الوطنية والمواطنة…، وكاد الفقر أن يكون كفرا…. .