كتابات في تاريخ منطقة الشمال : ” الصوت الحتمي “
جريدة الشمال – أسامة الزكاري ( تاريخ منطقة الشمال)
الإثنين 02 نوفمبر 2015 – 10:50:16
لقد آثر المهدي في هذا التجميع أن ينصت لذاته، بعيدا عن هوس التصنيفات الجاهزة وكذا تقليعات النقد المتماهي مع يقينياته ومع تنظيراته البراقة الكلاسيكية والمجددة، لكي يحدد أشكال تفاعله مع ما كان يحفل به المغرب الثقافي من عطاء، راصدا عناصر التميز، ومدققا في الخطوات والمبادرات التي ساهمت في التأصيل لشروط التحرر من ضغط الهوس الإيديولوجي السبعيني والثمانيني، في أفق تمهيد المجال أمام بلورة شروط الممارسة الإبداعية الوفية لذاتها ولقيمها الجمالية الرحبة أولا وأخيرا، وذلك من خلال استحضار عميق لدروس ” الشرط التاريخي ” ولرؤاه النقدية المواكبة. ولعل هذا ما انتبه إليه الناقد عز الدين الشنتوف، بالكثير من عناصر الدقة، عندما قال في كلمته التقديمية : ” ما يلفت الانتباه في هذا الكتاب قدرته على تقريب المصاحبة والحوار والقراءة من بعضها، فكل عنصر يتضمن الآخرين في اندماجة متحولة وفق خصيصة الموضوع المطروق. وبهذا التقريب يسمح الكاتب لنفسه بتقديم وجهة نظره التي ترتفع إلى مستوى المحاورة، فيما تتهيأ الصياغة للاستنباط بمؤشرات أسلوبية أهمها الالتفات المتضمن للموقف النقدي، دونما تخصيص مفهومي أو اصطلاحي. واستحضار الموقف النقدي هنا، مشروط بزمن الكتابة – بازدواج المكتوب والمكتوب عنه – حيث يتداخل فيه التاريخي بالذاتي، سواء تعلق الأمر بوضعية الشعر، أم بوضعية الفن التشكيلي، أم بغيرهما من الأجناس والفنون … ” ( ص. 7 ).
ولتوسيع دوائر هذه الرؤية، سعى المهدي أخريف إلى تحقيق تجاور وظيفي بين حقول إبداعية شتى جمعت بين القصيدة الشعرية واللوحة التشكيلية والصورة الفوتوغرافية، ثم عزز ذلك بحوارات ثقافية موازية، ساهمت في استكناه الكثير من عتمات الكتابة داخل عوالم ” بديع الرماد “. في هذا الإطار، كان المهدي أخريف دقيقا في ترصد ملامح الطراوة ثم التخصيب الشعري في تجارب بعض من رواد زمانه، ممن أثروا الساحة الثقافية الوطنية المعاصرة، يتعلق الأمر بكل من محمد بنيس ومحمد الأشعري وأحمد هاشم الريسوني وعبد الكريم الطبال ومزوار الإدريسي ولطيفة المسكيني ومحمد الجباري، كما توقف عند جنس القصة القصيرة من خلال ملمح السيرة الذهنية للرائد محمد زفزاف، وانفتح على خبايا تساكن عوالم الشعر والنثر والتشكيل داخل اهتمامات كل من إدمون عمران المليح وسانشيز ألونصو. أما في مجال الترجمة، فقد حرص المهدي أخريف على العودة لاختراق عوالم فرناندو بيسوا المترجم إلى اللغة العربية، من خلال قراءاته الفاحصة لمنجز المترجم حسن وسيني بهذا الخصوص. وبما أن ملمح القصيدة ظل موازيا لصوت التشكيل، فقد انفتح المهدي في قراءاته العاشقة على نماذج تشكيلية أثمرتها انزياحاته المتواصلة نحو الإنصات، وحسن الإنصات، لنبض الممارسة التشكيلية الوطنية المعاصرة، من خلال استحضار أعلام التأسيس من أمثال الراحل محمد القاسمي والفنان خليل غريب، ثم – أساسا – من خلال التتبع التشريحي لخصوبة عطاء فناني “المحروسة “، مدينة أصيلا، وخاصة بالنسبة للمبدعين التشكيليين يونس الخراز وسهيل بنعزوز والمختار البقالي، ثم من خلال الاحتفاء الباذخ بتجربة الفنان سعد الحساني وبعوالمه التشكيلية الإبداعية الرحبة.
لقد نزع ” بديع الرماد ” جبته كشاعر وكمبدع، وانتقل إلى البحث عن معالم التميز التي تكتب للإبداع خلوده داخل المشهد الثقافي الوطني الراهن. هي قراءات تحتفي بذاتها أولا، وتحسن الإنصات لنبض التحول الإبداعي المخصوص في زمانه وفي سياقاته التاريخية، وفق رؤية نقدية تلتحم فيها ذات المبدع مع انزياحات الناقد ثم مع شغف المتلقي المفتتن بقيم الجمال وبملكة الخلق والإبداع داخل نظيمة الفعل الثقافي العام. هي تعبير عن حالة التفرد التي تعطي لنفسها حق استنطاق الرموز وتفكيك الدلالات واستثمار القراءات. باختصار، هي تعبير عن الولع الفطري “لبديع الرماد” المتمرد على أصنام الكتابة وعلى ثوابت الإبداع التجريبي، في مقابل احتفائه الحميمي بمعالم تشظي نسق فردانياته الناظمة لسؤال الإبداع ولقلق الوجود ولأفق التلقي..