“كتامة” القبيلة المنسية بين جبال الريف
الجمعة 30 دجتبر 2016 – 10:53:30
– من الحسيمة إلى القاهرة ودمشق
– آخر قبيلة في المغرب والمشرق لا تزال تحمل اسم القبيلة الأصلي: “كتامة”
– كتامة تطالب بحقها في التنمية بدل الاضطهاد والقمع
تساءل الكاتب والإعلامي الأستاذ فكري ولد علي في مقالة وزعها مؤخرا على بعض وسائل الإعلام الوطنية عن حظ قبيلة كتامة والريف عموما في المخططات السياحية الوطنية، وكيف يتم تغييب هذه المنطقة ككل، في البرامج الترويجة العالمية للسياحة المغربية بالرغم من كونها تزخر بموروث تاريخي وحضاري وبيئي من مستوى عال.
أو لم يكن من المجدي للمغرب ولقبيلة كتامة والقبائل الريفية أن تدرج هذه المنطقة الغنية بطبيعتها الخلابة وبمناخها الجذاب، وبتنوع طبيعة الأنشطة السياحية التي يمكن أن توفرها بقليل من العناية والاهتمام، وقليل من المهنية في التخطيط السياحي الوطني الذي يغلب عليه طابع “السهل المتيسر”، لو تم إدراجها في مختلف المخططات السياحية الوطنية التي يتنافس بها المغرب مع مختلف البلدان السياحية سواء في المحيط المتوسطي أو عبرالعالم، من أجل تحقيق رؤية 2020، الهادفة إلى جلب 20 مليون سائح بعد ثلاث سنوات، وتفادي “إرجاء” هذه الرؤية ، من جديد، إلى موعد آخر كما حصل مع “رؤية 2010” ؟ وبالرغم من أن المغرب اتجه أيضا إلى تنويع مخططاته السياحية بإدراج السياحة القروية في برامجه الترويجية، فإن منطقة كتامة والريف ، بوصف عام، لم تستفد من تلك البرامج علما ما للسياحة القروية من مزايا اقتصادية واجتماعية هامة ومن دور كبيرفي تحقيق التنمية الدائمة، خاصة والعنصر البشري في هذه المنطقة مؤهل ماديا وثقافيا وعمليا للإسهام الفعلي في إنجاح المشاريع السياحية بهذه المنطقة التي تعتبر من عيون قبائل الريف الأمازيغية الواقعة بين قبائل صنهاجة السراير وغمارة وبيني زروال ومتيوة ـ جبالة.
وقد تعددت الروايات حول أصول قبيلة كتامة، حيث نسبها العرب، ومنهم الطبري والكلبي إلى قبيلة حمير اليمنية، بينما يرى الأمازيغ أنها تنحدر من كتام بن برنس تفرعت إلى “غرسن” و “يسودة” ومنهما تناسلت كل بطون كتامة المعروفة عند المؤرخين الذين ذكروا في كتاباتهم حسب موقع “النسابون العرب”، أن أهل كتامة “عناصر محلية أصيلة ارتبطوا بهذه البلاد وعرفوا على أرضها منذ فجر التاريخ وأنه لم تأت بهم الهجرات البشرية التي كان شمال افريقيا مسرحا لها في العالم القديم” إلا أنهم اختلطوا كغيرهم من سكان المغرب بالعديد من العناصر الطارئة، بسبب الهجرة أو الاختلاط عن طريق المصاهرة أو التحالف أو طول الجوار.
وبين ما ذهب إليه بعض النسابين العرب من أن أهل قبيلة كتامة هم أبناء برنس بن بر بن مازيغ بن كنعان بن حام، ومن ثم، وحسب ابن خلدون، “ديوان المبتدإ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر” يلتقون مع أهل فلسطين في الأصل والنسب، وبين النسابين الأمازيغ الذين يربطون نسب أهل كتامة بـ “غرسن ” بن كتام و “يسودة” بن كتام، بن برنس، تبقى الحقيقة أن قبيلة كتامة هي من أهم القبائل الأمازيغية في المغرب وفي شمال إفريقيا، عددا وشأنا، حيث اشتهرأهلها بقوتهم ورباطة جأشهم ودفاعهم عن أرض الاسلام إذ تمكنوا من الإطاحة بدولة الأغالبة بتونس وكان لهم دور حاسم في نشأة الدولة الفاطمية وفي تأسيس مدينة القاهرة حيث لا يزال لهم ذكر في المواقع الأثرية بهذه العاصمة كما في دمشق حيث توجد باب المغاربة.
وكانت كتامة تنتسب في القديم إلى إقليم نوميديا قبل اندحار الامبراطورية الرومانية ومجيء البيزنطيين الذي كانوا أسوأ من الرومان بما تسببوا فيه للمنطقة من خراب ودمار ولأهلها من ظلم وإذلال ، فتعبأ أهل قبيلة كتامة لمحاربة الغازي الجديد ودحره إلى أن جاء الفتح الاسلامي الذي أعاد للقبيلة وأهلها كامل السيطرة على منطقتهم. وتميز أهل كتامة على الدوام، بخصال كريمة ، وعادات حميدة منها الشجاعة وحماية الملاجئ وتوقير أهل العلم وإكرام الضيف والثبات على المبدأ وإسهامهم الواسع في نشر الاسلام والعلوم الاسلامية حيث لمع منهم عدد كبير من العلماء الأجلاء ومن القادة السياسيين في المغرب والمشرق.
وتميزت كتامة بالاستماتة في الدفاع عن منطقتها بأن قاومت محاولات الغزو الأجنبي، لا سيما الروماني والوندالي والبيزنطي، إلى الفتح الاسلامي الذي اقتنعت به وتحالفت معه وشكل العنصران الأمازيغي والإسلامي مجتمعا جديدا، كما شكلا قوة مكنت من طرد الاحتلال البيزنطي والروماني لتقوم بالمنطقة ممالك أمازيغية معروفة بلغ نفوذها كامل إفريقيا الشمالية ومصر، حيث ناصر أمازيغ المغرب الدعوة الفاطمية التي كان لهم دور كبير في تأسيس دولتها، ولا زالت آثارهم بالمشرق العربي تدل على وجودهم وحمايتهم للفاطميين بالرغم من حملات الانتقام العديدة التي تعرض لها أبناء المنطقة على يد العباسيين والأمويين.
ويتفق المؤرخون على أن أهل كتامة شعب أمازيغي أصيل ينتسب إلى الجد الأكبر كتام بن برنس وهو من أشهر الشعوب الأمازيغية وأشدهم بأسا وقوة وأكثرهم استقرارا وتمرسا بالحضارة . وبعد أن تفرقوا في بلدان المغرب والمشرق، لم يبق منهم سوى قبيلة واحدة بالعالم تحمل الاسم الأصلي للقبيلة : “كتامة” وتوجد بين جبال الريف المغربي، شمال البلاد، وهي بحاجة اليوم إلى سياسة تنموية ترد إليها الاعتبار وتفتح أمام أبنائها طريق النمو والازدهار وسبل النماء والأمن والطمأنينة والاستقرار ، لتسترجع المكانة التي اشتهرت بها بين البلدان والأمصار على مر السنين والعصور والأزمان