عين شاهد “عيان”*
الخميس 09 فبراير 2017 – 12:14:20
تقديم:
احتضن أحد فنادق طنجة، يوم السبت 28 يناير المنصرم، حفلا لتقديم وتوقيع المجموعة القصصية الجديدة “عين على الرصيف” للقاص والفاعل الجمعوي الأستاذ محمد مجعيط.
وقد شاركَ في هذا الحفل الثقافي، الذي نظمته جمعية الشعلة للتربية والثقافة – فرع بني مكادة والذي حضره جمهور وازن من المهتمين بالأدب والقصة القصيرة ومن أصدقاء المحتفى به من طنجة ومن خارجها، كل من الأستاذين الدكتور محمد أحمد المسعوي ود. عبد اللطيف الزكري وقامت بتنشيطه الإعلامية غزلان أكزناي. وقد توصلنا من الجمعية المنظمة للنشاط بنص مداخلة القاص والناقد الأكاديمي الدكتور عبد اللطيف الزكري، الذي نستأذنه في نشرها هنا تعميما للفائدة.
وقد وضع الأستاذ الزكري لمداخلته العنوان الآتي: “عين شاهد “عيان”.. كلمات حول كتاب “عين على الرصيف” لمحمد مجعيط”… قراءة ممتعة ومفيدة.
يتكون هذا الكتاب الموسوم بـ”عين على الرصيف” لمحمد مجعيط من عشرة متون تحمل العناوين التالية تباعا: يوم بكيتُ/ فأر الخيزران/ عين على الرصيف/ لعبة المنجنيق/ فرنكات خريف العمر/ رحلة علاج مفقود/ صفعة الـ”SMS”/ جسدي ليس للبيع.. معذرة؟ !/ هوس الجنس/ أحلى الأناشيد. ما يربط هذه المتون في نظيمة واحدة هو كونها صادرة عن عين شاهد عيان، يفكر بقوة فيما يراه؛ بل إن تفكيره يحوّل الرؤية إلى شهادةٍ يدلي بها في هذا الذي يراه، وهو لا ينفك يقدّم هذه الشهادة باعتبارها شهادة “خير” يُراد بها الإصلاح.
ولعله لهذا الاعتبار يغلب “الإصلاحُ” على ما سواه في هذه المتون، ونقصد بـ”الإصلاح” النزعة القوية إلى تقويم ما تراه العين من اعوجاج يسوء هذه العين كما يسوء رؤيتها ومنظورها للأشياء والمواقف والحالات..
هي في غالبيتها أشياء واقعية اجتماعية تتطلب مواقف إنسانية تقول ما فيها من خلل وتصدّع وانهيار في تكوين الأشياء ذاتها. كما أنها “حالات” ترصد بعين المتتبع الشاهد ما يوجد فيها من سلبيات تنيخ بثقلها على كاهل الناس حتى تقوّسه. إن شاهد العيان في هذه المتون يقول، بدون مواربة، كلّ ما يراه أو ما استطاع أن يراه. ولقد رأى مفارقات الحياة الكبرى، فهاله رعب هذه المفارقات وخطرها الداهم، فتصدّى له بنية الفضح والكشف وقول الحق الذي يعلو ولا يعلى عليه. إن هذه المتون العشرة كلها تنصهر فيها رؤية واحدة متشابهة ترى الشر ظاهرا فلا تخفيه، وترى العيب صراحا فلا تستره. وما يجعل منظور شاهد العيان صريحا كونه تشبع بثقافة تؤهله ليقول الحق جهارا نهارا لا يخاف لومة لائم، خاصة أن هذه الثقافة علمّته كيف يقوّم الاعوجاج وكيف يرى الصلاح والإصلاح. قوام شاهد العيان في هذه المتون العشرة أفقان كبيران:
– الأفق الأول محليّ يرتهن بمعيش الحياة اليومية للمجتمع المغربي الذي انبثقت منه هذه المتون؛ وهو أفق منحط منهار تصدعت فيه قوى الخير وانتصرت فيه قوى الشر، تهيمن عليه السلبيات في كل شيء، وتطال هذه السلبيات حياة الناس في كل مرافق الحياة، فما من مجال ولجته إلا ووجدت فيه الفساد مستفحلا وانهيار الأخلاق الفاضلة انهيارا فاحشا. إنه، باقتضاب، أفق أسود.
– الأفق الثاني يتصل بما هو محلي وينفصل عنه. يتصل به في إمكانية تحقيق الحياة الفضلى المشبعة بقيم الخير والحق والعدل، وينفصل عنه حين يرتبط بقيم مجتمع قريب من هذا المجتمع الأول قربا جغرافيا وتاريخيا هو المجتمع الأوروبي. ونموذجه الفاضل الخيّر الجميل نجده مبثوثا في المتن المسمى باسم هذا الكتاب، وهو “عين على الرصيف”؛ فهذا المتن، الذي أعطى لهذا الكتاب اسمه، يحتشد فيه كل ما يرغب شاهد العيان قوله حول الحياة كلها التي يحياها بحاسة الرؤية كما بالحواس الأخرى.
وإن كانت الرؤية تسير به حيثما سار؛ فهو لا يني عن التعبير عما يراه بحاسة البصر كما بحاسة البصيرة، وهو إذ ينقل بحماس كل ما يراه لا يتردد عن قول ما يتصوره حول ما يراه، وما يتصوره باقتضاب هو أن المجتمع الأوروبي متقدم والمجتمع المغربي غير متقدم.
أما السؤال: لماذا تقدّم الأوروبيون وتأخرنا نحن؟ فجوابه بسيط تعكسه أقوال الرائي ومشاهداته الكثيرة. ولقد استحكمت هذه “الشهادة” في الرائي، الذي يقول لنا ما يراه، ويؤكد ما يتصوره حول هذا الذي يراه أو هذا الذي يريد أن يراه فلا يراه. وبينما يتسم الأفق الأول المحلي بالسواد يتوشح الأفق الثاني الأوروبي بالبياض، رمز الشفافية في عيش الحياة بشفوف. إن أكثر شيء استرعاء للانتباه في هذه المتون العشرة هو هذا الخط العام الفاصل بين عالمين أو واقعين أو حياتين:
– عالم واقعي حياتي محلي متدهور تكتنفه كل مساوئ الحياة، ويرتع في السلبيات من كل نوع؛ – وعالم واقعي حياتي محلوم به غير قائم في المجتمع المحلي، وإن كان يوجد في مجتمع قريب منا
هو المجتمع الأوروبي أو هو مما يلذّ للرائي أن يتخيله ويتصوره ويبنيه في أحلامه الإصلاحية المحتشدة.
هذا الرائي الشاهد يبتغي الإنصاف والعدل في كل ما تحط عليه عيناه، إنه ينشد الخير والحق والحياة الكريمة؛ وهي قيم تنم على ثقافته المنتصرة لكل ما هو خيّر للمجتمع الذي يعيش فيه وللإنسانية جمعاء. ولقد كان المتن العاشر في هذا الكتاب صادقا معبرا أحسن تعبير عن رؤية هذا الرائي الشاهد لما يراه ويرغب فيه، إنه مثقف كما يقول المتن “وهب ما تلقاه لخدمة طفولة وشباب هذا البلد، مساهما في غرس ثقافة الانتماء وحب الوطن، وتهذيب النفس والروح” (الكتاب: ص: 106).
*كلمة شارك بها الباحث والقاص د. عبد اللطيف الزكري في حفل تقديم وتوقيع كتاب “عين على الرصيف” للأستاذ محمد مجعيط، مساء يوم السبت 28 يناير 2017 بفندق أمنية بوريطو بطنجة، والذي نظّمته جمعية الشعلة للتربية والثقافة/ فرع بني مكادة.