لتكن سنة 2018 بداية عودة الروح لأمة العرب..
جريدة الشمال – عبدالحي مفتاح ( عودة الروح لأمة العرب )
الجمعة 12 يناير 2018 – 11:54:39
في بلداننا العربية لازال الاختلاف واسعا بين من يرى أن شعوب العالم توحدت إلى حد ما في كثير من الأمور وإن كانت شخصيتها الخاصة قائمة لا تزول، ومن يرى أن العرب انسلخوا عن هويتهم وتاريخهم ويزيد بعض المغتربين منهم إمعانا في رميهم في أحضان الآخرين وبالتحديد الغرب، لذلك فهم يرفضون حتى ما يسمى عندنا شعبيا ب “البوناني”.
كيفما كان الحال فالنقاش حول الهويات والاغتراب والتغريب والاستغراب والعولمة والامبريالية والهيمنة الغربية…، سال حوله مداد كثير ولم يفتر لحد الآن، بل إنه اتخذ، في مواقع متعددة وفي أزمنة مختلفة، من لعلعة البنادق أداته التعبيرية المفضلة بإيعاز من أعواد كبريت الفتن، وما أكثرهم، وبتمويل خارجي على الخصوص.
وحتى لا نطيل الكلام، فالأمم والشعوب التي لا تستطيع كبح جماحها ولا تعرف كيف تدبر الصراع بين جماعاتها و مجموعاتها وأفرادها، أو على الأقل تحتويه في اتجاه أن يكون دائرا في دائرة المعقول أو التنافس، هي أمم وشعوب تؤخر انبعاثها و تساهم في صنع عوامل ضعفها الذاتي لتكون تربة خصبة لكي تتداعى عليها الأمم الأخرى الناهضة والقوية كما تتداعى الأكلة على قصعتها، وهذا هو ناموس التاريخ.
وهكذا، يجن العقل حينما نجول عبر الخريطة العربية والمصائر المأساوية التي تعيشها الأمة ودولها: حروب، دمار، قتل، انقسام وتفكك و استباحة للتراب والإنسان والمقدسات…، و لا يبشر الأفق بأن الوضع سيتغير إلى الأحسن ما دام كل طرف من أطراف الصراع الداخلي مشدود بخيط عرابه الخارجي يحركه كما شاء ومتى ما شاء، وكأننا أمام المرآة نشبه أنفسنا ولكن روحنا ليس بأيدينا.
لذلك، فخطب أمتنا وشعوبها التي غربت حكمتها وأفلت شوكتها وبارسوقها منذ قرون، خطب جليل ومرضها مرض عضال يزداد استفحالا ومازوشية، لقد أعيى هذا الخطب تفكير العقول النيرة وأحبط دعوات الإرادات الوطنية الصادقة على قلتها، وكاد يصيب السواد الأعظم بلوثة غربة الأوطان والكفر بقيمة الأمل في المصير والمستقبل المشترك.
وهنا لابد من القول إن الواقع الحالي للأمة قد يكون أكثر سوءا مما كان عليه في بداية القرن وهو ما لا يقبله العقل ومنطق العصر وإرادة التاريخ، فبعد رجة “الربيع العربي” تبخر حلم التغيير السلمي والبناء الديموقراطي، واشتد تمزق أوصال الأوطان لنرجع القهقرى ونعيش ظلاما دونه ظلام الاستعمار المقيت.
وما يحير المرء أن النخب الحاكمة والسياسية القائمة في أغلبها، رغم دروس التاريخ القريب والبعيد ظلت تجتر نفس الطرق والأساليب التي تبين فسادها في إحكام القبضة على شعوبها؛ فلا هي مكنتها من حقوقها الإنسانية والكرامة ولو في حدها الأدنى، و لاهي حققت التقدم، ولا هي حافظت، في كثير من الأحيان، على وحدة الأوطان وعلى استقرار القرار الوطني.
إن تاريخ الأمة العربية العريق وعصورها الذهبية، ومساهمتها الحضارية الراقية بالأخص، يسائل بحدة ووخز ضمير جميع هذه النخب-ونحن نرى عبر بقاع المعمور شعوبا وأمما حديثة وقديمة انتفضت على نفسها وقسوتها وتشرذمها ودوختها، وشرعت في البناء على أسس جديدة، مركزها الأساسي الديموقراطية ووحدة الهدف والمصير- عن مسؤوليتها العظمى في العمل على اجتراح معجزتنا السلمية للخروج من أتون الوحشية التي نتخبط فيها والدخول إلى عهد نجاري فيه الأمم الأخرى على مستوى الديموقراطية وحقوق الإنسان والتقدم حتى لا نبقى على الهامش حاضرا ومستقبلا وذيلا ذليلا للآخرين..
نتمنى في الأخير أن يكون العام الجديد بزوغا للنور في ليل العرب من المحيط إلى الخليج وشرارة لا لاستنهاض وعيهم من تحت الرماد، ووعي نخبهم أساسا، حتى ينتفضوا على بؤس حاضرهم الذي لا يليق بنوعية حضارتهم ومستوى تاريخهم كأمة. .