“لقاء الوفاء”.. تكريم واحتفاء بالمبدعة الراحلة مليكة نجيب
الجمعة 03 يونيو 2016 – 10:34:49
احتضنت رحاب المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بمدينة الرباط، مساء يوم الخميس 26 ماي، لقاء وفاء واحتفاء تكريما لروح المبدعة والباحثة المغربية مليكة نجيب، عضو اتحاد كتاب المغرب والموظفة سابقا بوزارة الوظيفة العمومية ومنسقة شبكة التشاور المشتركة بين الوزارات سابقا؛ وذلك بمساهمة أطر إدارية ودكاترة جامعيين ومبدعين، وبحضور أصدقاء وأفراد من عائلة الفقيدة.
وقد تضمّن برنامج هذا اللقاء الذي التكريمي، الذي نظّمه اتحاد كتاب المغرب بتعاون مع وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة وشبكة التشاور المشتركة بين الوزارات المكلفة بإدماج مبدأ المساواة بين الجنسين في الوظيفة العمومية، فقرات متعددة متنوعة. وقد تفضل الأستاذ عبد الرحيم العلام، رئيس اتحاد كتاب المغرب، بإعطاء نبذة مختصرة عن الراحلة مليكة نجيب وبتقديم المشاركين في “لقاء الوفاء” مع إعطائه لإشارة بدء الشريط الوثائقي المصور حول مسار حياة وإبداع الراحلة وتجلياته من داخل الوطن وخارج، وهو من إعداد المهندس محمد بن جريريجة، والذي تابعه الحاضرون بتأثر كبير وبدت الفقيدة مليكة نجيب من خلال حديثها في بعض المقاطع وكأنها متواجدة بين الحضور.
وقدّم محمد العمومري، الكاتب العام لوزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، كلمة باسم الوزير محمد مبديع، وجه من خلالها أحر التعازي من طرف أسرة الوظيفة العمومية إلى أسرة الفقيدة مليكة نجيب التي التحقت بالإدارة الوطنية سنة 1976 مع إشرافها على ملف النوع الاجتماعي ودأبت على تمثيل الوزارة في المحافل الدولية وحرصت على متابعة دراساتها الجامعية وكللتها بدكتوراه، كما حازت في 2013 على جائزة دولية. وأكد العمومري على كون الراحلة مليكة نجيب كانت نموذجا للموظفة المثالية والمسؤولة التي تعددت أدوارها ومهامها الإدارية، وعملت بتفان من خلال شبكة التشاور المشتركة بين الوزارات وعلى إصلاح منظومة الموارد البشرية، إذ كانت تعتبر أول رئيسة مصلحة لمقاربة النوع. كما سهرت على إعداد الإستراتيجية الوطنية للمساواة بين الجنسين في الوظيفة العمومية والتي أعلن محمد العمومري في الوقت نفسه عن كون انطلاقها الرسمي قد بدأ يوم أمس (الأربعاء 25 ماي). ونوه الكاتب العام بأخلاق الفقيدة مليكة نجيب، التي تميزت بالإيثار والنضال لقضايا المرأة داخل المغرب وخارجه.
وبتأثر وحزن كبير، ألقى الأستاذ عبد الرحيم العلام كلمة كتبها في حق الراحلة مليكة نجيب، والتي تعرف عليها سنة 1994 فور تعيينه في الوزارة بقسم الشؤون الإدارية، واستقبلته على حد قوله بغبطة نادرة، ولطالما خففت بروحها الدافئة برودة المكاتب، وامتدت معرفة الأستاذ العلام بمليكة نجيب إلى عشرين سنة؛ إلى أن أصبح كفرد من أسرتها يتناول طعام الكسكسى لديهم من حين إلى آخر وتربطه مع أولادها علاقة مودة قوية. وأعرب العلام عن صدمته؛ حين تلقى خبر موتها، وأنه لن ينسى أبدا ذلك اليوم عندما كان بالمقهى رفقة صديقيه عبد الحق الخزار وعبد الإله التهاني وجاءه اتصال هاتفي يفيد برحيلها، ولم يمهلها الموت فرصة لتقوم بمناسك الحج وأنه كان بنفسه يعد ملفها. كما تطرق الأستاذ العلام إلى المحطات الأدبية لمليكة نجيب التي تركت أربع مجموعات قصصية “الحلم الأخضر” (1997)، و”لنبدأ الحكاية” (2000)، و”السماوي” (2006)، و”وانفجرت ضاحكة” (2008)، وإلى حضورها الدولي المشرف وعلاقاتها المتينة بالمجتمع المدني ودفاعها عن قضية المرأة كمشروع مجتمعي متكامل، وغالبت الدموع الأستاذ العلام قبل إنهاء كلمته. وباسم شبكة التشاور المشتركة بين الوزارات المكلفة بإدماج مبدأ المساواة بين الجنسين في الوظيفة العمومية، ألقت الأستاذة مليكة نيبان كلمة في حق الراحلة مليكة نجيب التي عرفت داخل الشبكة بالحكمة والبساطة والتواضع الكبير وبحسن الإنصات للجميع. وتقدم الباحث والمترجم الأستاذ أنور المرتجي، عن فرع اتحاد كتاب المغرب بالهرهورة- الصخيرات، بشهادته في حق مليكة نجيب التي تعرف عليها سنة 2005 بأحد الملتقيات الأدبية، وعرفها شغوفة بالأدب وبالتقاط التفاصيل الصغيرة في كتاباتها القصصية سواء المنشورة صحفيا أو في مجموعات، وبأن الفرع قد سلم شهادة تقدير وعرفان إلى الفقيدة عقب رحيلها.
وفي حق الراحلة، ألقت الأستاذة والباحثة الدكتورة فاطمة طحطح شهادة وصفت من خلالها مليكة نجيب بأنها “سيدة الضوء”، وذكرت أنها تعرفت إلى الراحلة في سنة 2006 في إطار إشرافها على البحث الذي أعدته مليكة نجيب لنيل الماستر والدكتوراه، وكانت أطروحتها حول المرأة في أدب الرحلة خلال القرنين الـ18 والـ19، ونالت عن هذا العمل جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي من دولة الإمارات.
وأكدت دة. طحطح أن الراحلة أهدتها باستمرار مجموعاتها القصصية، وأنها قامت بتخصيص حيز من دراساتها وتحليلاتها للكتابة عند مليكة نجيب، وأنها تطرقت إليها في محاضرة ألقتها بأبو ظبي سنة 2009، وأنها تتوق لطباعة ونشر هذه الدراسات قريبا. وبخصوص علاقتها بالفقيدة، فلقد تحوّلت مع مرور الوقت إلى صداقة قوية معها ومع أبنائها صوفيا وزكريا وسحر، وذكرت بأن الراحلة يعم بيتها الكرم، وبأنها أذهلتها بقدرتها على التوفيق بين العمل في الوزارة وفي البيت وفي كتابة الأدب، وبأنها لم تتوان عن سؤالها عن متى تجد الوقت للكتابة، لتجيبها بأنها تكتب بالليل لأن هدوء الليل يشحن ذهنها وخيالها. أما الروائية والباحثة الجامعية الدكتورة زهور كرام، فلقد ألقت شهادة طويلة في حق الراحلة، تطرقت فيها إلى مليكة نجيب المرأة المغربية، الأم والموظفة والكاتبة والفاعلة، والتي كان لها شرف المشاركة في عضوية لجنة الإشراف على الدكتوراه التي نالتها الفقيدة. وأعربت دة. كرام عن بالغ أسفها وحزنها لفقدان هذه المرأة وفقدان قامات مغربية أخرى مؤخرا، وحز في نفسها أن تشارك في مناسبة هذا الفقد وغيره. وذكرت الباحثة الجامعية بأن آخر مرة التقت فيها بمليكة كان في جنازة صديقة قبل عام ونصف، وأنهما لم تتكلما خلال ذلك العزاء الذي أسمته بالعزاء الصامت، وأنهما كانتا تتبادلان النظرات في حديث طويل للعيون، وبأنها تتمنى لو أنها استطاعت أن تفهم ماذا كانت تريد أن تقوله لها مليكة في تلك اللحظات. وعنونت القاصة والإعلامية والمترجمة ليلى الشافعي، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب، كلمة شهادتها في حق الراحلة بـ”مليكة نجيب .. كاتبة وامرأة استثنائية في طيبوبتها”، وأشارت إلى كون الشريط الذي شاهده الجميع في بداية الحفل لم يتطرق إلى جميع التكريمات في حياة مليكة نجيب وأن لها الكثير غيره وأنها شهدت من بينها تكريم زاكورة في 2010، وبأن للراحلة مواقف إنسانية نبيلة وبأنها لن تنسى أبدا أن مليكة فعلت الكثير من أجل الآخرين ومن أجلها إذ تدخلت يوما في إسعافها ونقلها على المستشفى عقب وعكة صحية آلمت بها، وبأن مليكة ظلت إلى جوارها وكانت تكلم جميع الأطباء حرصا على سلامتها.
وفي شهادة موجزة، ذكر الأستاذ عبد المغيث فهيم، رئيس قسم تثمين الموارد البشرية بوزارة الوظيفة العمومية، بأن صداقته بالراحلة تعود إلى 1980 وعملا معا في ملف مقاربة النوع بالوزارة وأنها كانت نعم المرأة الموظفة. وكانت آخر شهادات “حفل الوفاء” مشبعة بالوفاء، في كلمة عميقة مؤثرة أذرفت دموع الحضور، وبكلمات متقطعة بالكاد استطاع الأستاذ عبد الله شهاب، زوج مليكة نجيب، أن يتكلم عن زوجته الراحلة، والتي تعرف عليها عندما كانا يدرسان بالمرحلة الثانوية وشاركا معا الاهتمامات المسرحية والسياسية، وتابعا الدراسات الجامعية معا قبل أن يقررا في السنة الثانية من الجامعة تكليل علاقتهما بالزواج، وكانت إمكاناتهما المادية آنذاك لا تسمح لهما بذلك، وعندما كان يقول لها أن الغد يتطلب الماديات كانت مليكة تجيبه: “لنا اللحظة التي نعيشها؛ فليس في التفكير سوى السحب”، ويتذكر أنهما وفّرا من منحة الدراسة الجامعية مبلغا لشراء بذلة عقد القران، والتي كانت تريدها مليكة بلون أزرق داكن ولكنه اشتراها من اللون البني فاستاءت كثيرا. ويذكر الزوج أن مليكة لم تتكلم يوم عقد القران أمام المأذون، واكتفت بالضحك. وبعد أن تزوجا، لم تخف استياءها الشديد من كون المأذون لم يسألها عن موافقتها من عدمها، وأنه كان عليه أن يفعل وكيف للصمت أو للضحك أن يكونا دليل موافقة.
وقال زوج المرحومة مليكة نجيب بأنها لم تكن تحب مناداتها بـ”مولات الدار”، وبأنها كانت تحب الاغتسال بالمياه الشديدة السخونة، وبأن ذلك راجع إلى كونها تنحدر من مدينة أرفود المعروفة بالطقس الحار، وبأنها تحب أيضا السفر أحيانا لوحدها لأنها تعتبر ذلك الغياب المؤقت فرصة لتصغير الأشياء الكبيرة وتكبير الأشياء الصغيرة، وبأن مليكة حين تقرأ على مسامعه القصص التي تكتبها كان يخبرها بأن جزءا من حياتهما موجود فيها فتضحك وتقول له: “أنا أنْكتب أكثر مما أكتب”.
وانهمرت دموع زوج مليكة نجيب وهو يقول بأنه كان ينتظر أن يراها تسخر منه وهو يحمل عكازا وبأنه لم يكن يعرف بأن الموت سارق وبأنه كتب هو وأولاده على قبرها “الموت سارق وسرق منا بقية الحكاية”. واختتم “لقاء الوفاء” بتسليم محمد العمومري، الكاتب العام وزارة الوظيفة العمومية، “لوح لقاء الوفاء” إلى زوج الراحلة مليكة نجيب، وبكلمة شكر عميق من الأستاذ عبد الرحيم العلام رئيس اتحاد كتاب المغرب لجميع المشاركين والحاضرين.