لقاء خاص مع صاحبة غاليري ” رواق الفن” بتطوان الرسامة مريم أفيلال
جريدة الشمال – الزهرة حمودان ( الرسامة مريم أفيلال )
الجمعة 26 فبراير 2016 – 12:08:06
المحور الاول :
قبلة على الجبين
هي مدينة تلهم الفنان آيات فنه، و من ضيائها يستمد الإبداع بهاءه. هذا ما أكدته الفنانة مريم أفيلال ، في حق مدينة تطوان من خلال موقفين . الأول في بطاقة بياناتها الشخصية ، عندما صرحت أنها تقيم اليوم في مدينة ” تطوان مدينة الفن” ، و الثاني عندما اختارتها لافتتاح قاعة عرض للوحات الفنية ، و احتضان الندوات الثقافية. و بذلك تكون الفنانة، قد وضعت قبلتها التعبيرية، فوق جبينها.
بالنسبة للرواق هو فضاء ، في جنباته ينفث الجمال سحره ، فيفتر ثغر الفن بالابتسام…فيه يغازل الخيال ريشة الرسام .. و فيه تزهو بلاغة الشاعر… و تختال ربة الإلهام. فضاء لا يأتي به إلا عصا ساحر أو قلب نبي ، كما عبر الشاعر علي محمود طه في قصيددته ” ميلاد شاعر”.
القاعة تبدو روضا لبدائع الفن ، تقول للفنانين ، هذه جنتكم ، فادخلوها آمنين . لسان صاحبتها يلهج بقول الشاعر :
اجعلوهـــا من البدائـع زونــا ——- و املؤُوهـــا من الجَمــال فنـــونــــا
املؤوها فنًا و ليس فتونا ——- و انشروا الصفو فوقها و السُكونا *
الزهرة حمودان :
سيدتي مشروعك ” رواق الفن” ، حدث فني ، و رافعة ثقافية لمدينة تطوان ، و لوطننا ككل ، غير مسبوقة بمدينة تطوان، فهي على طراز حديث ، و شكلها كبناية مستوفية شروط ما أسست لأجله ، سواء من حيث الرونق في تأثيثها ، أو استغلال زواياها جماليا ، أو من حيث الإضاءة ، و باقي التجهيزات الرقمية.
السؤال البديهي ، الذي يتبادر إلى الذهن هو لماذا خصصت تطوان ، بهذا الحظوة النفيسة ، بينما مسقط رأسك هو مدينة طنجة؟
الفنانة التشكيلية مريم أفيلال:
لتطوان في جيناتي موروث عائلي ، ظل يسري في شراييني نابضا بحبها ، و لما تأت لي فرصة العودة إليها مع زوجي ، الذي فضل الاستقرار بها بعد التقاعد ، كان الحلم الذي بنيته في خيالي ـ عن ما يمكن أن أقدمه لهذه المدينة ، ذات الوهج التاريخي ، بكل تجلياته الفنية و الثقافية ـ قد اكتملت شروطه ، في ذهني ، و توضحت معالمه . فجاء كما ترين ، على هذا الشكل قاعة تجمع بين الفن و الثقافة.
الزهرة حمودان :
سيدتي ، اطلعت على ملصق تدعون فيه لافتتاح معرض تحت اسم ” معرض النقطة البيضاء ” بتاريخ 7 ملرس 2015 بقاعة عرض بعنوان مختلف عن عنوان القاعة التي دشنت يوم 28 يناير 2016، أستسمحك التوضيح حول هذا الموضوع .
الفنانة التشكيلية مريم أفيلال:
” معرض النقطة البيضاء” ، يمثل لي بداية تجربة فنية فتية ، خضناها أنا و أختي ، التي تعشق الرسم هي الاخرى . جعلنا منها ورشة عمل ، فتحت لنا فرصة الاشتغال بحماس . و قابلها أصدقاؤنا من فناني مدينة تطوان ، بالتشجيع و التجاوب ، فكان الحضور المكثف لعشاق فن الرسم و الصباغة ، و كان لهذا التفاعل صدى طيبا ، شجعنا على إنتاج العديد من اللوحات التي نالت إعجاب الزوار ، إلى جانب لوحات زملائنا من الفنانين الآخرين ، الذين شاركونا فعاليات هذا المعرض. و هذا ما شجعنا على تطوير صورة تواجدنا الفني بالمدينة، بالانتقال إلى قاعة أكثر تجهيزا و هي قاعة ” رواق الفن”.
الزهرة حمودان
لن أسألك عن فكرة المشروع و كيف جاءت، فأنت فنانة رسامة، و كل فنان يراوده هذا الحلم. أستسمحك أن تشركنا معك في الرحلة…رحلتك مع تطبيق الفكرة…فمما لا شك فيه أنها رحلة نجاح يستحق قراء جريدة ” الشمال” ، أن يطلعوا عليها.
الفنانة التشكيلية مريم أفيلال:
رحلة النجاح بدأت بلمعة فرح في عيون الأصدقاء ، وهو يتابعون أعمالي و مشاركاتي. قبل أن يتحول الإعجاب إلى ثقة و قناعة، من قبل مجموعة من الأصدقاء، قدموا لي النصح و الدعم. حيث أن منهم من زودني بأعماله، مثل فنان المغرب الكبير محمد قرماد. و منهم من أفادني من معين تجربته في منهجية العمل و التسيير ، و على رأسهم الفنان نورالدين التباعي ، رئيس جمعية ” قصبة الفنان” ، ابن قلعة مكونة ، الذي درس بمعهد الفنون الجميلة بتطوان. وهو صاحب تجربة غنية مع الملتقيات الدولية، أفاد بها منطقته. كما كانت لي تجربة مع فنانين عرب من دول الخليج، في ملتقى باريس لقصبة الفنان. أكسبتني صداقتهم ، و أبدوا استعدادهم لعرض لوحاتهم برواق الفن .
الزهرة حمودان
سيدتي ، العولمة قدر هذا العصر، حيث التسويق هو العملة المهيمنة ، لم يسلم من براثنها لا الفن و لا حتى السياسة ، فهل ترين أنه من الممكن أن تكون هناك علاقة جدلية بين الثقافة و الاقتصاد ، يستفيد من خلالها الطرفان معا ، دون تداعيات سلبية؟
الفنانة التشكيلية مريم أفيلال:
مثل هذه الاسئلة ، جاءتني من أكثر من مصدر ، و كنت دائما أ دافع عن مبدئي في هذا الصدد ، بكون مشروعي هو لخدمة الفن و الثقافة بمدينتي ، و بالتالي في وطني بكل ربوعه. غير أنني كانت تصلني أصوات تحذرني من مغبة الاستثمار في الفن…و غياب الربح ..و…و . لكن قناعتي لم تهتز . و قد اعترضتني فعلا مشكلة تصب في هذا السياق ، خلال بدايتي مع معرض ” النقطة البيضاء” ، حين شاركني أحد الفنانين ـ لن أذكر اسمه ـ بعرض لوحاته ، ثم بدأ يبدي اهتماما بالجانب المادي ، و يغلبه على العنصر الفني ، بغية ترويج لوحاته. و هذا ما عجل بانتقالي و استقلاليتي عنه..و قد استفدت من التجربة .
الزهرة حمودان
سيدتي الفكرة كان لا بد لها من شجاعة و جرأة، فإلى أي حد ساهمت مشاركتك في معارض جماعية خصوصا خارج الوطن، في توجهك هذا ؟ أم هو مشروع وراءه شخص ما هو من شجعك عليه و ساعدك في تحقيقة ؟
الفنانة التشكيلية مريم أفيلال:
الفكرة اختمرت و نضجت، و أصبحت قابلة للتطبيق على أرض الواقع، بعد أن قطعت أشواطا من الاطلاع على تجارب الآخرين. و لعلني استلهمتها ، من تجربة الفنان نور الدين التباع ، الذي تجمعني به عدة قواسم مشتركة ، فهو ابن مدينة صغيرة و نائية إلى حد ما ، عمل بمجهودات أثارت اهتمام السلطات المحلية بالمنطقة ، فساندته و دعمته . استثمر خبرته الفنية و علاقاته بالمنتديات الفنية الدولية ، لإنعاش السياحة بالمنطقة و النهوض بزراعتي الورد و الزعفران…هذه التجربة أثارت حماسي. فأنا ولدت و عشت بمدينة طنجة ، و كنت أتابع حراكها الفني ، و أتحسر على الإشعاع الثقافي الذي حظيت به تطوان ذات تاريخ ، و كيف تراجع كل ذلك. كما وجدت عند الزميل الفنان نور الدين التباع ، الذي عرف تطوان عن كثب ، بحكم دراسته بها، ميلا إلى فكرتي ، فكان أن قدم لي الكثير من الدعم كما سبقت الاشارة.
المحور الثاني
رسامة تولد من رحم اللون
سيدتي ـ دعيني أناديك بسيدتي رغم أنك رفضت ذلك ، لا لشيئ إلا لقناعتي أن الفنان المبدع و المثقف المفكر هم أنبياء أزمنتهم .
أثار انتباهي في بطاقة معلوماتك الشخصية، زمنان. زمن تاريخ ميلادك البيولوجي ، و زمن الميلاد الفني ، و بدا لي ، وكأن مخاض الولادة الفنية عرف بعض التأخر. هل تخميني في محله ؟ فمتى بدأ الحلم جنينا ، و كيف تحقق ؟ و لماذا تأخرت ولادته ؟ و هل إلى هذا الحد ، كانت ظروف الولادة عسيرة؟
الفنانة التشكيلية مريم أفيلال:
دعيني أبدأ من آخر جزء من السؤال، فالولادة الفنية الفعلية لم تكن عسيرة، رغم الفرق الواضح بين الزمنين. الزمن الأول كان من نصيب البيت و مسؤولية الأمومة ، كما أن الانتقال تبعا لعمل الزوج ، عبر مدن لم تكن تتوفر على معاهد لدراسة فن الرسم ، كلها عوامل باعدت بيني و بين تطوير موهبتي في فن الرسم التي ولدت معي. فمنذ صغري و رفيقاي هما قلم الرصاص و الدفتر. تابعت دراستي في علوم التربية، و حصلت بعدها على دبلوم يخول لي فتح روض للأطفال ، غير أنني ظللت وفية لحب الرسم . و الزمن الثاني بدأ مع تقاعد زوجي و استقرارنا بتطوان ، و نضج الأبناء . حينها انتسبت لمعهد الفنون الجميلة بتطوان لمدة سنتين . شاركت بعدها في عدة معارض جماعية ، بكل من تطوان و الدار البيضاء ، إلى أن شاركت في الملتقى الدولي لقصبة الفن بقلعة مكونة ، فكانت تجربة علمتني معنى العمل الجماعي، و تعاون الفنانين. وتعددت مشاركاتي في الملتقيات الفنية ، مما عمق معلوماتي حول الممارسة الفنية….أخذت مني هذه الفترة ثماني سنوات ، إلى أن امتلكت القدرة الكافية للإحساس بكينونتي الفنية ، و الإرادة اللازمة لتكريسها ، من أجل الرقي الاجتماعي ، أمام ما عرفته الثقافة في بلادنا من تراجع ، مقارنة مع ما نراه في الجهات الأخرى من العالم. لدي طموح أن تكون تجربتي بداية نهضة فكرية ثقافية فنية ببلادنا.
الزهرة حمودان:
سيدتي ، أدرجت في بياناتك ، أنت كرست شغفك للصباغة و الرسم، و هي جملة، لها بداياتها في السؤال السابق ، لكن بنيتها العميقة ، تشي بالكثير الممتد في الآتي…ترى كيف ترى مريم افيلال واقع الفن التشكيلي ببلادنا ؟ و ما هي مشاريعها المستقبلية على مستوى الإبداع ، و رؤيتها للعالم ؟
الفنانة التشكيلية مريم أفيلال:
كما سبق أن أشرت ، أن الفن في قناعتي الشخصية التزام و رسالة ، لهذا فأنا لدي برنامج متنوع لخدمة الثقافة و الفن ، يشمل الطفل ، و الموسيقى ، و الرسم ، و متابعة إصدارات المؤلفين ، و تشجيع القراءة ، و عقد ندوات حول الفكر و الإبداع و النقد.
الزهرة حمودان
في قراءتي الخاصة لإحدى لوحاتك ، تراءى لي و كأني بك ” أنثى في كمون عالم اللون بكل أطيافه و ظلاله ؟ فنانة مولهة بالألوان، من فرط عشقها لها هامت بين ظلالها….تطارد بريشتها بوارقها .فهل اللون هو مملكة إبداعك ، و غرفتك السحرية ؟ و هل يعني لك هذا الثنائي ” الأنثى و الألوان ” موضوعا ما ؟
الفنانة التشكيلية مريم أفيلال:
طبعا لكل فنان اهتماماته الفنية…غير أنني لا أفسر لوحاتي ، أترك ذلك للمتلقي ، أما عن موضوع ” الانثى و الالوان” ، فنعم ، للأنثى ألوانها الخاصة في الرسم ، و من خلال اللون ، يمكن أن يدرك المتلقي أن رسام اللوحة هو رجل أم أنثى.
الزهرة حمودان
الفنانة التشكيلية مريم أفيلال، أشكر لك حسن استقبالك ، و طيب حديثك . كما أشكر لك مشاعرك النبيلة، و أفكارك القيمة حول دور الفن في الرقي بالمجتمع. سيدتي باسمي و باسم قراء جريدة الشمال أشكرك ، مع متمنياتي لك بالتوفيق و الاستمرارية.
الفنانة التشكيلية مريم أفيلال:
أشكر لك اهتمامك، و أتمنى أن تعدد في المشهد الفني و الثقافي ببلادنا، المبادرات التي من شأنها أن تثري حقل الثقافة و الفن ببلادنا..