في افتتاح المقهى الثقافي بشفشاون محمد سعيد بنشبتيت: مناضل من أخيار الزمن الجميل
جريدة الشمال – عبدالحي مفتاح ( محمد سعيد بنشبتيت )
الجمعة 05 ينــاير 2018 – 16:27:19
تغمرني سعادة خاصة بتقديم هذه الشهادة في حق صديق عزيز أتقاسم معه مبادئ و أحلام كبرى وذكريات، وعايشته كما عايشه آخرون في ميدان النضال الصعب المتقلب، وصاحبته في مسافة من طريق المكابدة العصية لإرادة التغيير المخضبة بماء الانتصار للوطنية وإنصاف بسطاء بلدي، وأتقاسم معه أيضا حب الانتماء لأرض شفشاون الطيبة وحب الخير لها و لأهلها.
من الصعب أن نقبض على النسغ الذي يشكل الهوية الحقيقية لأي إنسان، لذلك لا أدعي أنني سأبلغ جوامع الكلم في هذه الشهادة عن الصديق محمد سعيد بنشبتيت، لكنني سأحاول بما أوتيت من الصدق وبما أسعفتني به الذاكرة، أن ألم ببعض جوانب هذه الشخصية المتعددة؛ فمحمد سعيد بنشبتيت، كما هو مأثور عن جميع الذين عرفوه، رياضي من الطراز الرفيع (لاعب وأكاديمي ومدرب وموسوعة في مجال كرة القدم)، وإطار يشهد له بالكفاءة التأطيرية والإدارية، ومناضل سياسي صلب، ونقابي جدي متمكن من ملفاته، وجمعوي بروح الانفتاح على الطفولة والشباب، وإنسان أصيل وحداثي في نفس الوقت، محترم من طرف عائلته الكبيرة والصغيرة، ويحظى بتقدير جميع أصدقائه، والصفة التي تواتر وسمه بها هي الشهامة في زمن قلت فيه الشهامة، و مما وقفنا عليه، باختصار شديد، في شخصية هذا الصديق الذي يستحق أكثر من تكريم، الملامح التالية:
1- محمد سعيد بنشبتيت رجل الأفكار/المشاريع
قلما نجد الكفاءات التي تبلور الأفكار في مشاريع مطروزة، ومحمد سعيد بنشبتيت، واحد من هذه الكفاءات، إذا تشبع بفكرة تبعها بالتمحيص والبلورة والترتيب وحسن العرض، لذلك فهو ليس ككثير منا الذي يملك أفكارا لكنها تبقى، في غالب الأحيان، كفقاعات متناثرة مبعثرة، ولعله في مساره العملي والجمعوي والتمثيلي الطويل(بالمجلس البلدي لشفشاون خاصة) اقترح مشاريع كثيرة، قد تحقق البعض منها ولم يتحقق الآخر لأسباب خارجة عن إرادته، وقد يطول الحديث عن هذا الجانب من شخصية المكرم، ونكتفي هنا بذكر مساهمته الفعالة في تنزيل مشروع المقاهي الأدبية بشفشاون، و تفعيل فكرة المدرسة الرياضية في كرة القدم بشكل خاص، واقتراحه إحداث مركز للتربص بالنسبة لألعاب القوى بمرتفع سيد عبدالحميد بشفشاون.
2- رجل المواقف
محمد سعيد بنشبتيت إذا اقتنع بموقف أو أجمعت عليه الهيئة التي ينتمي إليها بعد نقاش يخضع لقواعد الديموقراطية المسؤولة، دافع بقوة المدافع الصلب، الذي كانه في شبابه لاعبا لفريق المصلى، عن هذا الموقف ومارسه بتفان، وقد يبدو في هذا للمترددين أحيانا أنه غير مرن ويبالغ في هذا التفاني، ونذكر من هذه المواقف هنا على سبيل المثال لا الحصر:
– ممارسته لموقف الاستقالة من المكتب المسير لبلدية شفشاون والتي قررها فرع الحزب الاشتراكي الموحد بشفشاون( بغض النظر عن صحة أو خطأ هذا الموقف أنذاك)، بعد حادث انقلاب الرئيس المفاجئ و الغامض إثر ترحاله الصادم الذي خلط الأوراق في بداية تجربة “التحالف” بين أحزاب العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاشتراكي الموحد بالمجلس البلدي لشفشاون التي أثمرتها انتخابات 2009 التي خيضت بشعار “التغيير” من طرف أحزاب “التحالف”، والتي كانت آمال عريضة معلقة عليها (ونشير هنا إلى أن الدخول في هذا “التحالف” من طرف PSU اتخذ بقرار محلي وإن لم يكن منسجما مع موقف الحزب إزاء التحالفات وطنيا) ؛
– النزول إلى الميدان والانخراط في حركة عشرين فبراير والذي سبب له متاعب كبيرة ومسا خطيرا في جسده وكرامته من جراء الاستهداف، ربما عن سبق وإصرار؛
– دفاعه عن بقاء مجمع محمد السادس للثقافة والفنون والرياضة مرفقا جماعيا تحت تسيير المجلس البلدي وعدم تفويته لجهة أخرى، وكذا دفاعه عن تحويل مشروع المسبح البلدي قبل الشروع في إنجازه على أرض الواقع من مسبح مفتوح إلى مسبح مغطى، وكذا دفاعه عن عدم تحويل الملعب البلدي إلى ساحة.
جل هذه المواقف تبين حكمتها وبعد نظرها فيما أعقب من الزمن، وقد أدى محمد سعيد بنشبتيت بسبب هذه المواقف ضريبة ثقيلة من أعصابه، بعد أن تكالبت عليه الضربات الآثمة من جهات متعددة لكنه، وللتاريخ، واجهها بإصراره المعهود وصموده النادر بإسناد من زوجته و أسرته ودعم من أصدقائه ورفاقه الأوفياء.
3- رجل الميدان
في حين نجد أن ضجيج البعض يصم الآذان، وتهافتهم على الخطب في المنابر والظهور أمام الكاميرات تسير بالحديث عنه الركبان، وحين تأتي ساعة النزول إلى الميدان ينقشعون كالسراب، محمد سعيد بنشبتيت – شافاه الله- قلب الآية وقرن العمل بالقول، إذ تكاد لاتراه يعتلي المنابر أو يظهر أمام الكاميرات، لكن حين تدخل الميدان تراه في الصفوف الأمامية، بل يأتي مبكرا ليعطي المثال ويشجع المتهاونين ويحفز المتأخرين..
4- رجل التنظيم
محمد سعيد بنشبتيت يتمتع بقدرة تنظيمية عالية إذ يحسب لكل أمر حسابه بالقلم والورقة، ولعله اكتسب هذه الخبرة التنظيمية من عمله كإطار بوزارة الشباب والرياضة وكمدرب للاتحاد الرياضي الشفشاوني…، وقد أشرف، لذلك، بنجاح واقتدار على تنظيم تظاهرات رياضية وسياسية وثقافية، وقد أهلته قدرته التنظيمية كذلك أن يختار ضمن الأطر التي عملت في مخيمات الوحدة بالصحراء المغربية، كما ساعدته هذه القدرة على أن يضع كل شيء في محله، ويؤرشف اللحظات والخطوات، ويعرف أهمية تقييم السابق لتجاوز الأخطاء في اللاحق.
وكونه رجل التنظيم فهو ملتزم بواجباته الأدبية ( ليس فردانيا بل ينحو إلى أن تكون قراراته المتعلقة بالملفات والقضايا الكبرى في مهامه التمثيلية قرارات جماعية يتخذها التنظيم، كما يميل إلى التشاور وإشراك الآخرين من رفاقه وأصدقائه)و المالية كاملة ويزيد، بل إن الكثير من ماله بالإضافة إلى جهده وحيويته وهبه خدمة للقضايا السامية التي آمن بها ودافع عنها.
5- رجل القيادة
محمد سعيد بنشبتيت موزع للأدوار من الطراز الرفيع، فهو يقدر بعقلانية، وحس ،قليلا ما يخطئ، الدور الذي يمكن أن يلعبه كل عضو في التنظيم، ويفاوض على نار هادئة، ويتقن فن التعبئة إلى حد بعيد، ويجيد اللعب في الميدان وفق استراتجية وتكتيك مدروسين، كما يتحلى بالحزم حينما يتطلب الأمر ذلك، وطاقته على الفعل والعمل تفوق بكثير طاقات الذين حوله ممن يشتغلون معه، فهو آخر من ينتهي من العمل وأول من يبدأ (نشير هنا إلى التجربتين الانتخابيتين اللتين خاضهما على رأس لائحة الحزب وأبلى فيهما البلاء الحسن: الجماعية لسنة 2009 والتشريعية التي أجريت قبلها).
6- رجل التواصل
يقدر المناضل محمد سعيد بنشبتيت أهمية التواصل القديم منه والحديث، حيث يؤمن أن كسب ثقة الناس والتمكن من المصداقية تجاههم، يمر عبر التواصل الجيد معهم، وإتقان اختيار قناة التواصل ولغته الملائمتين للكبار والشباب والصغار وللعائلات والمثقفين والبسطاء والمناصرين والمترددين، وقد وقف رفاقه وأصدقاؤه في التجربتين الإنتخابيتين المشار إليهما أعلاه بالملموس على الإشعاع الذي يحظى به في كل أحياء المدينة ومحيطها، وهو الشخص الذي لا يمر خفية بل ينسج العلاقات في عمله وحيه وحزبه والمجال الذي يتحرك فيه، إنه دون مبالغة يكاد يعادل لوحده تنظيما…