مدافع تطوان الأثرية بين متلاشيات المستودع البلدي انتفاضة الجمعيات الأهلية ..!!
الخميس 29 شتنبـر 2016 – 10:46:45
مُؤلم حقــًا منظَـر مدافـع أثرية مَرمية في مستودع بلدي بمدينة تطوان، بين مجموعات متلاشيات، وكأنها من سَقـط المتـــاع، تلك المدافع التي حمت أرض المغرب في مواجه الغزاة او التي كسبها المغرب خلال انتصاراته على الأعداء في معارك تاريخية كان له فيها النصر المبين، كمعركة وادي المخازن، ومعركة أنوال، وغيرها من المعارك التي خاضها المغرب دفاعا عن ترابه وسيادته وعن “دار الإسلام”، وغنم فيها الكثير من العتاد الحربي، لا زالت قطع أثرية منه شاهدة على عظمة المغرب يوم كان يعتبر واحدا من دول العالم الكبرى.
عدد من مناضلي الجمعيات الأهلية بتطوان انتفضوا في وجه المسؤولين المحليين، لما اعتبروه “إهانة” للتاريخ الوطني، وللذاكرة الوطنية وإجحافا في حق الأجيال المتلاحقة، لآن تلك المدافع الأثرية التي رمي بها بين عجلات سيارات محجز تطوان، ملك لكل الأجيال ومن حقهم معرفة تاريخ بلدهم عبر مآثره التاريخية.
خاصة وأن تطوان التي أفرد لتاريخها الأستاذ محمد داوود التطواني رحمه الله موسوعة في خمسة عشر جزءا تزخر بمآثرها التاريخية التي تدل على عراقتها وحضارتها التي تعود لآلاف السنين ولولا يقظة رجالاتها المخلصين وشبابها الناهض، لضاع تراث هذه المدينة العريقة، بين سطو مقصود وإهمال معهود…..ولا شك أن حكاية مدافع المتلاشيات تعطي فكرة في الموضوع لمن لا زال يسائل حول مدى احترام التراث الوطني وحمايته ..
حقيقة إن تاريخ المُدن التاريخية سواء الحالية أو الغابرة لم يكتب بعد ولا يعثر إلا على شذرات منه في كتابات أجنبية، كما هو الشأن بمدن “روسادير” وهو الإسم القديم لمدينة مليلية، و”بناصا”، وهي مدينة تعود إلى ما قبل التاريخ، توجد على مقربة من مدينة مشرع بلقصيري، و”تاموسيدا” وهي مدينة غابرة على مقربة من القنيطرة تعود للقرن الواحد قبل المسيح وكانت ذات طابع عسكري، ومدينة “تمودة” التي تأسست قرنين قبل الميلاد على الضفة اليمنى لوادي مرتيل على بعد خمسة كيلومترات من تطوان .
وقد وقع تحديد موقعها بعد اكتشاف لوحة تحمل اسمها بالحرف اللاتيني .ويشهد الموقع الأثري لتمودة على المستوى الحضاري الرفيع لهذه المدينة المتمثل في تصميم المدينة ذاتها وفي هندسة مبانيها ورفاهية أهلها.
ويكتسي موقع “تمودة” الأثري أهمية خاصة، حيث أثبتت التنقيبات الأثرية التي قام بها خبراء أسبان في موضع “تمودة” وجود آثار لمدينتين متعاقبتين.“تمودة” البونيقية الموريطانية التي أسست حوالي 200 ق.م، وهدمت خلال النصف الأول من القرن الأول قبل الميلاد ثم أعيد بناؤها بعد ذلك إلى أن خربت ثانية سنة 40 م. وتمودة الثانية، وهي عبارة عن حصن روماني شيد وسط المدينة المهدمة .
المؤرخون يرون ان سكان تمودة خلفوا آثارا هامة تدل عليهم وعلى حضارتهم قبل أن تنقرض المدينة خلال القرن الخامس. إلا أن الحاجة ملحة لاستئناف الأبحاث والحفريات بهدف اكتشاف آثار جديدة تعطي المزيد من الضوء حول تاريخ مدينة تمودة وحول أسباب الخراب الذي تعرضت له مرتين قبل أن تندثر نهائيا وتصبح أثرا لموقع حضاري بجانب تطوان ، مدينة الحضارة والعلم والتألق التي بناها الغرناطي سيدي المنظري بعد نكبة 1492، لتصبح من أهم مدن المتوسط، كقاعدة عسكرية تبسط سلطانها على المضيق، ومدينة تجارية تتعامل مع مختلف عواصم المتوسط المعروفة آنذاك.
وبفضل إصرار أهل تطوان، وغيرتهم على مآثر مدينتهم تم في العاشر من أكتوبر سنة 2011، تدشين الموقع الأثري تمودة, الموجود على بعد أربعة كلومترات جنوب غرب مدينة مارتيل, في وجه العموم خاصة الباحثين والمهتمين. ويعد موقع تمودة من أهم المواقع الأثرية القديمة في المغرب، إلى جانب ليكسوس ووليلي وزليل وكوطا وبناصا وروسادير وتموسيدا وتوكولوسيدا وغيرها من المدن الغابرة.. ويأتي تدشين هذا الموقع، الذي يغطي مساحة بحوالي أربعة هكتارات، بعد قيام الوزارة المعنية بالعديد من أشغال الترميم أهمت تقوية البنايات الأثرية, وبناء مختبر لدراسة اللقى الأثرية وترميمها ومنشآت نفعية أخرى. ومن اهم مكونات الموقع :- الشارع الرئيسي- الساحة العمومية ـ محلات تجارية- الحي السكني الغربي- الباب الغربية- منظر بانورامي لتطوان- الباب الشمالية- أثار فينيقية-موريطانية- الحي السكني الشرقي- الباب الشرقية – مركز القيادة ـ نظام توزيع الماء- حمام روماني- الباب الرئيسية الجنوبية.
ومعلوم أن الحفريات الأثرية بموقع تمودة بدأت سنة 1921, عقب اكتشافه من طرف الباحث الإسباني سيزار لويس دي مونطالبان, واستمرت ما بين 1921 و1958 من طرف باحثين إسبان أخرين أمثال سان ألفاريز دي توفو, وبيلايو كينطيرو أتوري, وخمينيث برنال, وسيزار موران, وميغيل طاراديل. وقد انتقل البحث في ما بعد إلى خبراء مغاربة تابعوا البحث والتنقيب بالموقع، املا في اكتشافات جدبدة كما أن جمهور مثقفي تطوان يتابع عن كثب حالة مآثر هذه المدينة وينبه باستمرار إلى تدخل السلطات المحلية كلما تطلبت ذلك ضرورة حماية أو صيانة بعض تلك المآثر.
ولعلَّ الحملة التي باشرتها بعض الجمعيات الأهلية بسبب المدافع المهملة في مستودع المتلاشيات بتطوان لخير دليل على يقظة أهل تطوان وحرصهم على حماية مآثر مدينتهم، وهي مزية تحسب لهم.