“مدينة الأندلس “.. مشروع حلم موريسكي متجدد !
الخميس 29 شتنبـر 2016 – 10:46:45
حَظي تاريخ الأندلس وحَضارتها بعناية مُنقطعة النظير، وقد زادَ الاهتمام بها تحديدًا منذُ سُقــوط الأندلـُـس، حيث وثق أحداثها المؤرخون ورثاها الشعراء واستعاد ذكرياتها المهجرون والمطرودون بكل حنين وحسرة. وفي وقتنا الحالي، احتفظ تاريخ الأندلس بنفس الاهتمام، من خلال التأريخ لحضارته بالكتابة النثرية والدراسات العلمية والأكاديمية ومختلف الأجناس الأدبية من شعـرٍ وقصة ومسرح، بل أنتج عنها السينمائيون أفلامـًا ومسلسلات وأفلاما وثـائقية أرّخـوا بها لتلكَ الحضارة التي ما زالت تدهـِش العالم .
إنَّ غِنى وتنوُع مظاهـر التُـراث الأندلسي وتعدُّد المنجز العلمي والفكري والأكاديمي المُرتبط به، جعلهُ يعرف إقبــالاًواهتمامـًا منقطعيْ النظير، من قبل المؤرخين والعلماء وكذا من قبل المستشرقين والمستعربين، الأمر الذي يعكس المكانة المرموقة التي أصبحت لدى مكونات هذا التراث داخل الاهتمامات الثقافية والأكاديمية لنخب المرحلة الراهنة بالضفتين المغربية والأيبيرية. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الأبحاث والدراسات ومختلف الإنتاجات العلمية التي همت تاريخ بلاد الأندلس وتراثها، ما زالت بعيدة عن سبر كل أغوار هذا التراث وعن إماطة اللثام عن كل أسراره.لقد استهام بحضارة الأندلس في مجمل تمظهراتها كل من قرأ عنها أو شاهد صورا تمثيلية عنها، فعشقها بل وأخلص لهذا العشق، خاصة بالنسبة لغير المسلمين.
مانويل سافيدرا لوبيز واحد من العاشقين لحضارة الأندلس والمهتمين بتفاصيلها، وأحد المهندسين المعماريين المرموقين، الذين يستهويهم البحث في تاريخ الأندلس وفي الثقافة الأندلسية، ولد بمدينة أصيلة سنة 1947 بالمدينة العتيقة ونشأ بها ودرس في مدارسها وعاش أسعد ذكرياته بمعية أناس ما زالت تربطه بهم علاقات الصداقة إلى الآن. مانويل سافيدرا بدوره أسهم بكل ما أوتي من خبرة في التعريف بحضارة الأندلس، من منظور مختلف عن كل ما أنجز حولها، اختار أن يقدم مشروعا ثقافيا ضخما، يدخل في إطار ما يسمى بالمتنزهات الموضوعاتية، أطلق عليه اسم “مدينة الأندلس”، مشروع ثقافي متعدد الأبعاد والاختصاصات، منحه جل وقته بمعية فريق عمل متنوع التخصصات، أبدع في نحت مختلف أبعاده ..
The Great Mosque of Córdoba: A UNESCO World Heritage Site
يتميَّز هذا المشروع الضخم متعدد الاختصاصات والمضامين، عن باقي المنتزهات الموضوعاتية ويسعى صاحب المشروع إلى خلق “نقطة التقاء” بين عالمين مختلفين لهما قواسم مشتركة في التاريخ والثقافة، ويهدف إلى إحياء فترة تاريخية كانت نموذجا رائعا ورائدا للتعايش والتثاقف بين مختلف الشعوب بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو العرق هذه الفترة، التي كانت شاهدة على بناء حضارة تميزت بالثراء والتنوع وأثرت في حضارات عالمية أخرى. إن هذا المشروع-المنـتزه الثقافي التيماتيكي الذي يحمل اسم “مدينة الأندلس”، سيضم فضاءين مختلفين:
– فضاء ثقافي : يهدف من جهة إلى إحياء التراث الأندلسي من خلال محاكاة رحلة زمنية موضوعاتية وعبر أربع مراحل رئيسة تضم أهم المعالم والآثار المنتمية إلى الفترة الأندلسية، ويهدف كذلك إلى تعريف الشعوب بمختلف مظاهر حضارة الأندلس. ومن جهة أخرى، سيمنح هذا المشروع فرص عمل لأعداد كبيرة من الناس خاصة الشباب.
– فضاء ترفيهي: يسعى إلى إنشاء منتزه ضخم خاص بالتسلية والترفيه والتعلم التكميلي، والذي سيتم إدراجه في مسار ضمن أهم المسارات السياحية في العالم، بهدف تنشيط السياحة الثقافية وجلب أكبر عدد من الزوار من مختلف أنحاء العالم. وسيولي هذا المشروع المتفرد، اهتماما خاصا لمختلف مظاهر التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال خلق ما يسمى “سوق الأندلس”، باعتبارها تجمعا تراثيا متعدد الأبعاد،وسيحضن هذا الفضاء عروضا فنية وأفلاما سينمائية ووثائقية عبر استعمال أحدث الوسائل التكنولوجية، تشعر أي زائر وكأنه يعيش شريط سفر متقلب عبر الزمن.وعلى المستوى العلمي، يسعى هذا المشروع إلى إنشاء مركز للدراسات والأبحاث في تاريخ الأندلس وفي سير الحكام والخلفاء الذين تعاقبوا على الحكم وكذا في سير العلماء والمفكرين والمبدعين والمترجمين، الذين أسهموا بعلومهم وبفكرهم في جعل الحضارة الأندلسية حضارة إنسانية عالمية، إضافة إلى خلق مراكز لتدريب الشباب على امتلاك المهارات والقدرات المعرفية لحوار الثقافات والحضارات ولبلورة مشاريع رائدة لدعم جميع الجهود الرامية إلى تثبيت دعائم السلم والتعايش في العالم. وسوف يعنى هذا المشروع أيضا بتنظيم مؤتمرات ولقاءات فكرية وعلمية وعقد دورات تكوينية، لفائدة الشباب والأجيال الناشئة لتعريفهم بهذا الغنى الثقافي المتنوع بهدف بناء عالم يحترم الآخر بغض النظر عن دينه وجنسه وعرقه.
ومن المؤكّـد أن هَذا المشروع متَعَـدّد التخصُصـات سيكون إضافة نوعية تُحيي ماضيًا مستنيرًا كان نموذجـًا متفردًا في التعايُـش الحضاري، من خلال تسويقهِ والتعريف به كــوجهة سياحية عالمية متميزة. وبطبيعة الحال، فهذا المشروع الذي يحتاج إلى من يدعمه إعلاميا وماديا ومعنويا، سيكون بدون شك أحد المشاريع الثقافية والسياحية المميزة والرائدة، ليس فقط داخل البحيرة المتوسطية ولكن كذلك على المستوى العالمي.