مدينة “بليونش” جوهرة جهة طنجة ـ تطوان ـ الحسيمة بحاجة إلى مخطط وطني للهيكلة والتنمية واحدة من أقدم وأجمل مدن العالم تعيش وضعا بيئيا واجتماعيا واقتصاديا متخلفا مطلوب سبتة جديدة في بليونش
الجمعة 23 دجتبر 2016 – 10:53:30
بحاجةٍ إلى مُخطّط وطَني للهيكلة والتنمية
واحدة من أقـدمِ وأجملِ مُدُن العـالم تعيـش وضعًا
بيئيـًا واجتماعيًا واقتصاديًا مُتخلفـًا
مطلوب سبتة جديدة في “بليونش”
بعد خمسة قُـرون من “الإهمال” تمَّ الالتفات، ولو بصورة “سطحية” وعابرة إلى ما يُسَمّى في خارطة وأدبيات عمالة المضيق ـ الفنيدق، ب “قرية” بليونش” الواقعة بظاهرة مدينة سبتة، والحال أنها أقدم وأعرق من ثلثي مدن وحواضر المغرب وأكثرها موارد طبيعية ومؤهلات مدنية وحضارية، يوم كان في “العدوتين” من يقدر موقعها ويثمن مواردها ويتغنى شعر ونثرا بجمالها وطبيعتها ومائها وهوائها ، حتَّى سُمّيت بـ “جنة الخلد” و”فردوس الغرب الإسلامي” لحسنها وجمالها وطيبها وكثرة أشجارها وتدفق مياهها وتنوع الأطيار بها… إذ أنها فاقت في جمالها منتزه “شعب بوان” وهي أرض بفارس، تغنى بها المتنبي في قصيدته الشهيرة “مغاني الشعب طيبا في المغاني، بمنزلة الربيع من الزمان” …..
وفي بليونش قال لسان الدين ابن الخطيب:
بليونش أسنى الأماكن رفعة … و أجل أرض الله طراً شانــــا
هي جنة الدنيا التي من حلها … نال الرضا والروح والريحانا
بـــليونش جنة ولكن … طريقها يقطع النياطا كجنة الخلد لا يراها … إلاّ الذي جاوز الصراطا وبالتالي فإن تطوير مدينة بليونش وتهيئتها وإعداد الأرضية الصالحة لعودة الحياة إليها بعد المجد الذي عاشته، اقتصاديا وعمرانيا وثقافيا وسياسيا وعسكريا، لتقوم بدورها كاملا في تنمية الشمال والمغرب قاطبة، اقتصاديا وسياحيا، يتطلب إعداد مخطط متكامل ترصد له اعتمادات بملايير الدراهم ويدعى له خبراء عالميون مشهود لهم في مجال التجديد والابتكار، في عالم الإنشاء والتنشيط والإعمار قصد المشاركة في وضع وتنفيذ هذا المخطط، خاصة وموقع بليونش على أمتار من سبتة التي استولت على جزء من المدينة، كما أنها تستولي ومنذ قرون ــ وبموافقة المغرب ضمنيا ــ على مياه فقراء مدينة بليونش الغنية بتاريخها ومواردها الطبيعية وشموخ رجالها الذين “قهرهم” الفقر الناتج عن الإهمال الذي تعرضوا له عبر قرون “الهزائم” التي لحقت بالمغرب، اتباعا، وأيضا بسبب الإهمال الذي عانوا منه بعد الاستقلال حيث إن المغرب تحرك بسرعتين متفاوتتن، فيما يخص تنمية منطقتي الجنوب والشمال، إلى أن أذن الله بفتح جاء على يد جلالة الملك محمد السادس.
يقولون في عمالة المضيق ـ الفنيدق إن هذه الخطة تهدف إلى “الرفع من استفادة سكان جماعة بليونش من الخدمات الأساسية و”تعزيز مؤشرات التنمية البشرية بهذه المنطقة”، وإلى تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد القروي وتنويع الانشطة المدرة للدخل وتوفير فرص العمل ،وضمان ظروف الاستدامة البيئية وتثمين الموروث الثقافي والطبيعي المحلي…كل هذه “الخيرات” ب 170 مليون درهم……فقط !!!… المؤسف حقا أن يقف الإنسان في المغرب بعد نصف قرن من الاستقلال على مفارقات عجيبة تخص شؤون التنمية الغير العادلة والغير المتكافئة، التي تشهدها البلاد بالرغم من بعض التطور الحاصل في مفهوم التنمية والبيئة في الوقت الحاضر.
كما أنه من غير المفهوم أن تظل مدينة بليونش، على ما حباها الله من جمال موقع وطبيعة ومناخ ووفرة إمكانيات اقتصادية وفلاحية وسياحية، والتي توجد على مشارف مدينة سبتة التي قطعت أشواطا عملاقة في كل مجالات التطور العمراني والاقتصادي والمالي والسياحي، بينما بليونش التي واكبتها منذ القرن الحادي عشر الميلادي بل كانت ندا لها ومزودا لسكانها وأسواقها بكل ما زاد عن احتياجات سكانها كما شكلت منتزها لأمرائها وأسرها المترفة، بليونش لا تزال تعيش منفاها داخل المغرب، بعيدة كل البعد عن مظاهر التطور والتقدم الذي تعيشه غيرها من حواضر وبوادي البلاد.
ما كانت مدينة مزدهرة صارت “قرية منسية” فلا طرق ولا بنيات تحتية ولا مرافق اجتماعية أو اقتصادية في حين يظل شاطئ بليونش الذي يفوق جمالا وسحرا كل شواطئ المغرب، لو تم التفكير في استصلاحه وتوسعه وتجهيزه ببنيات راقية للاستقبال والإقامة إذ إنه يوفر للسياح، مغاربة وأجانب ظروف السياحة الشاطئية والجبلية والبيئية والرياضية، وقد كان أيام العز المغربي والإسلامي مرفأ يربط العدوتين، وينتقل عبره أمراء الأندلس إلى فردوس بليونش للنزهة والاستراحة والاستمتاع بجمال المنطقة، في تجمعات عمرانية أقيمت لهذا الغرض ، كما هو الشأن بالوزير لسان الدين ابن الخطيب الذي أقام بها رفقة ملك غرناطة.
ثم إن منطقة بليونش تعتبر من المناطق التي شهدت أقدم تعمير للإنسان ومن المفترض أن يكون الانسان الأول الإفريقي عبر منها إلى أوروبا وآسيا. وقد أبانت تنقيبات وزارة الثقافة خلال سبعينات القرن الماضي عن وجود تجمعات سكنية منتظمة بمدينة بليونش من مجموعات عمرانية ، وطرق ومساجد وحمامات فضلا عن البنايات ذات الطابع العسكري من أسوار وأبراج للدفاع عن المدينة خاصة على عهد المرينيين.
كما تم الكشف عن وجود نشاط مدني متقدم، و تقنيات متطورة في ميدان الزراعة واستغلال المياه المتدفقة من جبل موسى الذي تقع على سفحه، والتي برع الأهالي في حسن استعماله واستغلاله كما جاء ذكر ذلك في وصف العديد من المؤرخين القدامى والمعاصرين أمثال الأدريسي والأنصاري والقاضي عياض والحسن الوزان ومحمد العربي الخطابي وعبد الوهاب بنمنصور ومحمد بنتاويت، وغيرهم من الذين أجمعوا على أن سكان بليونش بلغوا شأوا عظيما في التمدن والحضارة.
حتى أن الأنصاري وقف مشدوها أمام قصر بني في أعلى برج ” تصعد إليه المياه بالحيل الهندسية” إن رحلة بليونش تبتدئ، كما هو معروف من ملحمة هوميروس حيث جاء ذكر المنطقة في الإليادة اليونانية المشهورة وكانت في القرن الثامن قبل المسيح إلى الاحتلال الروماني إلى مرحلة الازدهار فخلال القرون الوسطى، لتشهد شبه نهاية كارثية على إثر المناوشات العسكرية بين المغرب وإسبانيا بسبب صخرة “ليلى” التي أعادت الصخرة تحت سيادة الدولة الاسبانية التي أغلقت الممر الذي كان يربط بين جهتي بليونش، الشرقية والغربية بواسطة “جدار عازل” كذاك الذي بنته إسرائيل على طول الضفة الغربية ليصير من سابع المستحيلات التواصل المباشر بين سكان الأحياء المغربية والإحياء الخاضعة لـ “للاحتلال الأسباني” كأحياء “الأزرق” و”التراب” و “الحومة الكحلة” و “الكوش” و لأحياء المجاورة تحت الراية الاسبانية “”براكون” و “رأس كرييا” و “كورطا ديوس” وغيرها…
بين سبتة وبليونش، يتجسد الفقر في أوسع تجلياته، ليس فقر الإمكانيات، فالبلد الذي أنشا ميناء المتوسط في فترة وجيزة، بميزانيات ضخمة، ليجعل منه قوة اقتصادية كبرى تسعى الكثير من المنشأت المماثلة في المتوسط وفي العالم، إلى التقرب منه والتعامل معه، قادر على أن ينشئ “سبتة” جديدة في بليونش، بمواصفات أكثر حداثة وتطورا ، ويقدم للعالم منتوجا اقتصاديا وسياحيا لا يضاهى في القارات الست. المسألة ليست مسألة مال أو تمويل… فكبريات “المعجزات انطلقت من مجرد فكرة، تبعتها إرادة وعزم على التنفيذ…. سبتة جديدة في بليونش, ولم لا ؟