مرت أكثر من سنة على دخول الوباء لبلادنا، وكان، من قبل، قد فاجأ اجتياحه بلدانا قريبة منا وبعيدة ثم استمر، من بعد، في التوسع إلى أن وصل إلى كل القارات والبلدان تقريبا، وموجاته لم تقف لحد الساعة، بل تهدأ أحيانا لتغضب أحيانا أخرى، ولا تزال عدة بلدان تعاني كما عانت بلدان بجوارها إلى وقت قريب، وكأن الأمر لا يفتر عن التوالد.
مرت سنة وأكثر، بين حجر وطوارئ صحية، عانى فيها الأفراد، وعانت فيها الأسر، وعانى فيها المجتمع بكامله معاناة فيها الظاهر والخفي، ولا زالت مظاهر عدة لهذه المعاناة مستمرة من خوف وقلق وحزن، و انحسار لحرية العيش، و عسر في طلب الحياة بالنسبة لفئات واسعة فرض عليها الوباء بطالة تامة أو جزئية.
مرت سنة و أكثر، بين شد وجذب، يحاول فيها كل واحد منا أن يجد فجوة لنفسه، وحيدا أو بمعية آخرين، للهرب من حصار الوباء سواء من خلال السفر المادي إلى الأمكنة الأخرى، و القرب من الطبيعة أو اللعب والضحك… أو من خلال السفر غير المادي عبر الكتب و الأفلام و الموسيقى… أو الإبحار في وسائل التواصل الاجتماعي والأنترنت…، وكثير منا يتساءل كيف كان سيتصرف الناس و ستكون نفسياتهم في غياب وسائل التواصل الجديدة؟. !
مرت سنة و أكثر، بين يأس وأمل، حينما يشتد الوباء تنقبض النفوس وكأن على المرء أن يفر من أخيه وصاحبته وبنيه، وحينما ينفرج تعود البسمة والحركة وتتجدد اللقيا وكأن الحياة استرجعت أنفاسها في دأبها الجماعي وطقسها الاجتماعي وتتجه نحو استعادة طبيعتها شيئا فشيئا.
مرت سنة أو أكثر، وانبجس الحلم مع اكتشاف العلم للقاح، ثم كبر مع الشروع في عملية التلقيح، لكن ما يشهده العالم من صراع حول توزيع اللقاحات بين البلدان و احتكار البلدان المصنعة لما ينتج من اللقاح حاليا والاستئثار به لنفسها بداعي الأولوية في ظرف قاهر، يخلخل الموازين ويجعل الدول الأخرى وخاصة “الصغرى” تحت رحمة المنتجين رغم عقدها للاتفاقات وإبرامها للتعاقدات المسبقة في غياب تضامن عالمي و سلطة دولية للتحكيم وأخلاقيات كونية للحكمة في الميدان الصحي، ولم ينفع وجود المنظمة العالمية للصحة في ملء هذا الفراغ، و لم تسطع كمنظمة أممية في لعب هذا الدور، و دعواتها ليل نهار لجعل اللقاح ملكا عاما عالميا لم تفتر؛ فقد تبين بالملموس أن لا حول لها ولا قوة لها أمام سلطة الدول العظمى و قراراتها السيادية، وسباقها لكسب معركة السوق العالمية، والظفر برضى شعوبها المتوجسة الغاضبة.
مرت سنة وأكثر، كنا نتفاءل بانفراج الوضع في رمضان أو في أحد العيدين، لكن مع التحورات الجديدة للفيروس و التذبذب والتباطؤ الذي يطال التموين باللقاح- و لا بد من التأكيد هنا أن ما تحقق من تلقيح في بلدنا لحد الآن إيجابي جدا وباعث على الأمل- لا شك أن الأجندات ستخضع لمراجعات والمواعيد سيطرأ عليها تعديلات، وربما المراهنة على الوصول إلى المناعة الجماعية في الصيف المقبل أو الخريف لن تتحقق؛ هذا إن لم تتكرس، في الأيام المقبلة، المؤشرات السلبية الأخيرة المنذرة التي تدعونا، فيما تبقى من العراك مع هذا الكابوس المضني، إلى قليل من التحمل والتحلي بالوعي لوقف زحف التراخي العام حتى لا تفاجئنا موجة ثالثة وترجع بنا عقارب الساعة الى الوراء-لا قدر الله- ونحن في عز الصيف، موسم الأعياد و الأفراح ؟؟ !!! .
ورمضان مبارك كريم، و حفظ الله هذا البلد الأمين.
عبدالحي مفتاح