ملعب مرشان البلدي…وداعا ! دقت ساعة الهدم “مشروع ساحة مرشان”: أهالي طنجة أمام “الأمر الواقع”
الجمعة 11 مارس2016 – 10:04:28
هذه اللوحة تنذر بأن “شيئا فظيعا” يلوح في الأفق القريب. كل من “لمحها” من بعيد، انقبضت عليه نفسه واكفهر وجهه وأيقن أن ما كان يخشى وقوعه صار اليوم أمرا مقضيا، وأن ملعب مرشان سوف يلحق بمنارة الشاطئ وأشجار البوليفار ومحطة القطار، وكلها محطات في تاريخ طنجة العريق، وكلها منارات كانت تضيء للغافلين الطريق…..
تلك اللوحة التي تقطر حزنا وأسى ، وتضمر الكثير من معاني الاستهتار بمعالم مدينة التاريخ والنبوغ، فاجأت أهالي طنجة، وعشاقها والمفتونين بها وبفضاءاتها الجميلة، والحالمين بغدها الذي صار “يفصل” على مزاج من لا “غيرة” لهم عليها ولا نخوة ولا حمية، كل من وقف عند “اللوحة” واستوعب ما بها، التفت يمينا صوب الملعب، وفي حلقه غصة، وفي عينه دمعة، وهو يرى معلمة أخرى تنهار، بقرار ولوحة، تماما كما حزن أهالي طنجة يوم جرفت “طراكسات” العمالة رفات مقابر طنجة، ورمت بها في شاحنات يعلم الله حالها ومآلها، يومها رأيت شيوخا داخل مقبرة “المندوبية” وهم يذرفون الدموع في صمت، كلما أفرغ الطراكس قبرا ورفع جمجمة أو بقايا عظام كما تفرغ المزابل ، و”لله الأمر من قبل ومن بعد” كذلك حالنا ونحن نشهد اليوم “تحاملا” غريبا على بعض معالم المدينة التي تشكل جزءا من ذاكرتها وذاكرتنا وترتبط ارتباطا وثيقا بذكريات طفولتنا وبدايات نشاطنا، شبابا وكهولا، في شتى مجالات النشاط الثقافي والرياضي والوطني والترفيهي….إنه ملعب مرشان الذي أهداه النظام الدولي لأبناء الوطن، وتنتظره اليوم معاول الوطن لتهدمه…… بقرار ولوحة !!! …..
ما ذا على اللوحة ؟
كلام يفيد بأن القوم “قرروا” “تأهيل” ساحة مرشان وأعدوا لذلك مشروعا يدمج فيه فضاء الملعب بكامله . هذا ما تفتقت عنه عبقرية “المؤهلين” (بكسر الهاء طبعا) لإعدام هذه المعلمة الرياضية التي يعود تاريخ بنائها إلى نهاية ثلاثينات القرن الماضي، 14 سنة فقط، على دخول النظام الدولي لطنجة حيز التنفيذ، في فاتح يونيه 1925.
يلاحظ قارئ اللوحة أن معدي المشروع أخطأوا حتى في كتابة اسم منطقة “مرشان” بالفرنسية، إذ استعانوا بحرف السين الموجود في بداية اسم “كازا” لتركيب حرف الشين في (مر”شا” ن)، بدل حرف السين الموجود في كلمة “حكمة ” الفرنسية وهي “لا ساجيس”La sagesse ….وهو ما نفهم منه أن صانعي اللوحة والمشروع الذي تعلن عنه، من غير المتمرسين بشؤون مدينة طنجة كذاك المنتخب المحلي الذي “تلعثم” يوما في نطق بعض أحياء المدينة، النطق السليم. أتعلمون لماذا ؟ أعلم أنكم تعلمون وإذا ظهر المعنى …….!!! وبقدر ما كانت المفاجأة كبيرة بلوحة الولاية المعلنة عن “إقبار ملعب مرشان” البلدي، كانت مفاجأتنا أكبر بموقف العمدة “المتفعفع” الذي ترك لدينا خلال ندوة صحافية، الأسبوع الماضي، الانطباع بأن الملعب لن “يتزعزع” من مكانه وأنه شخصيا، “أعجب” بتصميم تهيئة الساحة الذي يحافظ على الملعب إلا ما كان من أسواره الخارجية…..والحال أن تصميم “اللوحة” يدك الملعب دكا ويكبسه كبسا ويحوله وما بجواره إلى ساحة عمومية بجوار القصر الملكي المقابل.
جميل أن تتحول فضاءات خالية أو شبه خالية بالمدينة إلى ساحات عمومية يستفيد منها المواطنون . ولكن، ما لا يقبله المواطنون أن يواجهوا بـ “الأمر الواقع”، والحال أن الأمر يعنيهم بالدرجة الأولى، وأنهم على اقتناع راسخ بأنهم أقدر على تصور مشاريع مدينتهم من بعض المسؤولين الإداريين والتقنيين، ومن العديد من “المنتخبين البلديين الذين تنعدم لديهم لتجربة والخبرة “والغيرة” ، لأن المشروع الناجح هو الذي يحترم مشاعر السكان ويكرم ماضيهم وثقافتهم وليس ذاك الذي يفرض عليهم من أعلى فيتعرض للرفض أو إلى الانتقاد أو إلى اللامبالاة في أحسن الأحوال .
!… وبالتالي، فلم لم يفعل المسؤولون مبدأ “التشارك” العزيز على الجيل الجديد من سياسيي ما بعد دستور 2011 ؟ ولم لم يطلب رأي “المنظمات الأهلية”، أو ما يسمى، نقلا عن ترجمة فرنسية بـ “هيئات المجتمع المدني” التي جعل لها الدستور نصف وزارة ودورا اقتراحيا في المنظومة المدنية الجديدة ؟
وهل كان بعض مسؤولي الولاية والبلدية يعتقدون أن السكان سيتقبلون، بسهولة، مشروع “هدم” ملعب مرشان الذي يشكل جزءا من ذاكرتهم الرياضية ومعلمة من معالم تاريخهم الحافل؟
إن كان الأمر كذلك، فهم مخطئون من قبة رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم ، لأن الأمر الواقع مرفوض، ولعبة “لأخيار والأشرار” مرفوضة، والتشاور والتفاهم أمر مطلوب ومرغوب فيه، لتفادي الاصطدام والتصعيد، ودرء الفتنة التي لعن الله موقظها….
وهل من فتنة أشد على الناس من أن يفاجأوا بلوحة تنصب، فجأة وبدون سابق إعلام، بساحة عمومية، تعلن أن ملعبا رياضيا “بلديا” من فضلكم، يعني أنه ملك لك أنت وأنا وجميع أهالي المدينة ، بحجة القانون، سوف يتم هدمه في إطار مشروع تم إعداده تحت ستة وستين قدما، دون استشارة أصحاب الملك وأخذ رأيهم ، وطلب مساندتهم.
لنفاجأ به ، في نهاية المطاف، جاهزا لا ينقصه إلا الطابع والتنبر !….. ما رأيكم ؟
الصورة المرافقة هي للمهندس الإسباني Jose Ochoa BENJUMEA, الذي أشرف على بناء الملعب البلدي بطنجة ليتم تدشينه سنة 1939 ، وكان قد حل بالمدينة “الدولية” سنة 1933، مهندسا مساعدا في الإدارة الدولية بعد أن اجتاز بنجاح اختبار الالتحاق بهذه الإدارة ليترقى سنة بعد ذلك إلى رتبة مهندس رئيس مصالح الأشغال العمومية.
وأمام افتقار طنجة آنذاك، إلى ملعب رياضي حديث، قررت الإدارة الدولية، خلال السنوات الأولى لدخول “النظام” حيز التنفيذ، بناء ملعب بلدي، تكلف المهندس خوسي أوشوا بنخوميا بتشييده على هضبة مرشان التي يحمل اسمها إلى الآن، كما كلف ببناء مفر شركة الاتصالات “لا تيليفونيكا’ وكذا المستشفى الإسباني بطنجة بإشراق الإقامة العامة الإسبانية بالمنطقة الخليفية بالشمال.
وقد شهدت الاحتفالات بتدشين الملعب، في سنة 1939، مشاركة العديد من الفرق الرياضية المغربية والأجنبية، خاصة الإسبانية التي كان لها حضور قوي بطنجة، والأجواق الموسيقية وألعاب رياضية مختلفة، وحضور شخصيات بارزة في النظام الدولي والسلك الدبلوماسي الذي كان مستقرا بهذه المدينة.
وقد واظب الملعب إلى ما بعد تدشين الملعب الكبير، على الاضطلاع بدوره كاملا كفضاء رياضي ممتاز ارتبط منذ أربعينات القرن الماضي بمباريات الفرق المحلية وفرق الاتحاد الرياضي الاسباني الذي كان يلعب بالقسم الثاني لليغا. وللملعب حضور قوي في المباريات الوطنية بعد الاستقلال حيث إنه احتضن لقاءت اتحاد طنجة في صيغته النهائية، كما احتضن نهاية كأس العرش.
وكان الملعب أيضا فضاء ثقافيا ووطنيا وسياسيا بامتياز شهد العديد من التظاهرات الفنية والتجمعات الجماهيرية التي كانت تدعو إليها الأحزاب الوطنية، خاصة بعد تشكيل الجبهة الوطنية سنة 1951، من الأحزاب الوطنية الكبرى : الاستقلال والشورى والاستقلال، والوحدة والاستقلال والإصلاح الوطني، كما كانت تنطلق منه المظاهرات السياسية، خاصة بعد أحداث 20 غشت سنة 1953 وما تلاها من أحداث كان ملعب مرشان يوجد في قلبها، كما كان الشأن بالنسبة لمسرح سيرفانطيس.
في سنة 1940 عين المهندس Jose Ochoa Benjomea مديرا لميناء مليلية لينتقل بعد ذلك إلى عدد من الموانئ الاسبانية، قبل أن يعين سنة 1957 رئيسا قسم بالإدارة العامة للموانئ بوزارة الأشغال العمومية بمدريد. وفي سنة 1964 استفاد من تقاعده ليتوفى عاما بعد ذلك .
ملعب مرشان البلدي….وداعا !!!….