(…) تتمة
- التنظيم العسكري الدفاعي بجبل الحبيب بعد انقضاء الهدنة الوطاسية البرتغالية مطلع القرن السادس عشر الميلادي في خمسمائة وألف.
أ – دوريات المراقبة الخارجية لجبل الحبيب وناحيته .
كانت ثروة جبل الحبيب – وإقليم الهبط المغربي عامة – هي الهدف المفضل والدائم للقيادة الحربية البرتغالية بأصيلا، وللمغاربة المدجنين فيها، وبما أن قبائل جبل الحبيب وبني ومراس وبني يدر وبني مصور كانت تابعة لقيادة شفشاون (الإمارة الراشيدية / 1471 – 1459م)، فللدفاع عنها قام مولاي علي بن راشد ببناء قلعة صغيرة بقرب واد الخروب حيث تولاها ثلاثون أو أربعون مغربيا أغليهم من الأندلسيين تحت قيادة أحد مقدمي الجبل، تنحصر مهمتهم في حماية قرى الجبل ومراقب مدخل بني احمايد – فرع من بني يدر – وبني ومراس وبني مصور، علاوة على تقديم مساعدة للقبائل المذكورة في الحالات الضرورية.
ولضمان الأمن والدفاع عن جبل الحبيب أكثر تقوم دوريات للحراسة بتثبيت مراكز للمراقبة قارة في المعابر التي يتردد عليها البرتغاليون باستمرار، وتقوم دوريات الحراسة بجولات مشيا على الأقدام من أجل المراقبة والترصد، وفي نفس الوقت يقومون بحملات نهارية أو ليلية أثناء سيرهم، ويلاحظون في ذات الوقت هل يوجد آثار مرور دوريات العدو، وتقوم هده الدوريات بسد ممرات الانهار والوديان الجبلحبيبة في اتجاه القرى بالأخشاب والأغصان لإعاقة المرور البرتغالي. وربما أقام جبل الحبيب مراقب طوال النهار، يتردد عليها مراقبون بالتناوب، وإﺫا لم يلاحظوا شيئا جديدا يعلمون صاحب المرقب ويبلغ هدا بدوره باقي المراقب الاخرى بسلامة المنطقة وأمنها.
كما كان المراقبون يترددون كل صباح حيث يجتمعون مع حراس النهار ومراقبيهم، وإذا لم يلاحظ هؤلاء شيئا جديدا، يعلمون صاحب المرقب، ويبلغ هذا بدوره باقي المراقب الأخرى بسلامة وأمن المنطقة كما سبقت الإشارة.
وعندما يتحسس المراقبون المترصدون حضور العدو البرتغالي ليلا الى المنطقة أو يلاحظون آثار مروره يقومون بإضرام النار، ويغادرون بسرعة مراقبهم، وهو دليل خطر، ونفس الشيء يكررونه المراقبون الأباعد، وإذا ما حدث هدا نهارا يحدثون عمودا من الدخان حتى يصبح مرئيا لدى المراقب مما يدفع المراقبين بإعلان الخطر إلى سكان القرى.
كما كانت دوريات صغيرة للحراسة منظمة من فرسان قلعة الخروب بجبل الحبيب تتكلف بصد هده الهجمات، تجوب وتقطع المرتفعات الجبلحبيبة ومنحدراتها المؤدية إلى بني ومراس وبني احمايد حماية للأهالي، وبعد هذه الجولة الاستطلاعية تعود لتجتمع مع رفاقها في المناطق المجاورة لتخبر المراقبين (Fachos) بأي جديد، عند ذلك يخرج الفلاحون إلى المراعي المنبسطة ويتفرغون لأعمالهم الفلاحية وتمدهم بالرماح والدروع والتروس، كما كانت الدوريات تحمي قرى الجبل بمجموعة من الحواجز لعرقلة الهجومات البرتغالية.
ومن جهة قد شكل بعض حراس جبل الحبيب وأسراهم خطرا حقيقيا على إخوانهم، بل حتى على أهاليهم ودويهم، من خلال مد العدو بمعلومات عسكرية قيمة عن الجبل تكون وبالا عليه أحيانا، وفي هدا يقول مؤلف الحوليات أن « المعلومات التي كان الاسرى يزودننا بها صحيحة في الغالب، إما لانها كانت تنتزع منهم بالقوة، وإما لانهم كانوا يتقربون بها منا »[1]، وبناء على تلك المعلومات كان يقترح الكوند أو قواد أصيلا الهجوم على جهة من الجبل.
ب – طريقة الحراسة والدفاع بجبل الحبيب التابع لإمارة شفشاون الراشيدية.
كان أهل جبل الحبيب يدركون أن تجمع المنازل السكانية يسهل عمليات الهجوم والمداهمة والتهديم من قبل المحتل البرتغالي الغاشم، فقد اهتدى سكان قراه إلى الإبقاء على منازل القرى متفرقة تبعد كل واحدة عن الأخرى بمقدار المسافة التي يستغرقها سهم عند مروقه من وتر القوس، وجعل المنازل مبثوثة بين الصخور والأشجار الكثيفة، وتفضيل الاستقرار في أماكن متفرقة على الجوانب الصخرية، وبناء أكواخهم داخل الغابات يحفرون تحتها ممرات أرضية لتسهيل عملية الفرار.
ج – طريقة الهجوم البرتغالي وغاراته على قرى جبل الحبيب.
كانت طريقة الحراسة بجبل الحبيب والدفاع عنه ذات فعالية طوال النهار، إلى أن يحل الليل، إذ تبقى القرى – حسب استخلاصنا من مذكرات حوليات أصيلا لبرناردو رودريكس – دون دفاع في الأغلب عند الهجوم البرتغالي المباغت عليها، أو غاراته المفاجئة ضده، حيث تخرج الكتيبة البرتغالية من أصيلا خاصة عند انسدال الظلام ليلا ليصلوا فجرا أو نهارا – في بعض الأحيان – إلى المكان الذي حددوه من قرى جبل الحبيب للسيطرة عليها، ولا يبادرون إلى اشعال النار في الاكواخ التي تصادف طريقهم كي لا ينبه الدخان الصاعد منها وكذا صياح ساكنيها أهالي القرية الغارقين في نومهم يحلمون، وكي لا يتيحوا لهم فرصة النجاة مع أهلهم وأسرهم، وقد يحدد مقدمهم المتنصر عميل أصيلا من أهل جبل الحبيب مواقع للهجوم فيقود المجموعة البرتغالية إليها، أو يبتغي التوغل إلى القرى الداخلية للجبل فيحددها لقبطان أصيلا، حتى ولو كانت عبر مسالك وأماكن صعبة، الى أن يوصلهم قرب المساكن المقصودة، وقد يهاجمون الدور المتباعدة جدا والمنتشرة فوق منحدرات عالية يحجبها غطاء نباتي كثيف، وفضلا عن هده المناعة كان بإمكان سكانها الفرار عبر خنادق وممرات أرضية، وقد يغادروا القرية أو على يلتحق بعضهم ببعض بعد سماع صياح الساكنة خوفا من تجمع المزيد من فرسان الجبل، وقد كان صياح ساكنة جبل الحببيب وسواهم عند الغارات البرتغالية على قراهم استراتيجية حربية منهم، ابتغاء التنبيه وتزايد أعداد محاربيهم لمواجهة العدو، كما تم يوم الهجوم على قرية الجبيلة سنة 1514م، عندها يؤمر بجمع الأسرى والأغنام والماعز إن تم لهم دلك، ومغادرة القرية والجبل بأكبر سرعة ممكنة، ولم يكن دلك الانسحاب سهلا في بعض المرات لكثرة الدين يهبون من القرى والجبال المجاورة لنجدة القرية، ومهاجمة البرتغاليين بقوة، وقتل بعضهم أو جرحهم عند عبور الاودية[2].
فعلى العموم « كان برتغاليو أصيلا إدا هاجموا قرية نهبوا دورها وزرائبها واستولوا على ما أمكن لهم من المواشي والأبقار والحجور والأمهار والأفراس والبغال، وأسروا ما استطاعوا أو قتلوا، مما يجعل سكانها متيقظين وخائفين من تعرضهم لغارة مفاجئة، فيبيتون أحيانا في البيادر الكثيرة، وفي الحقول وأماكن جمع المحاصيل اتقاء دلك، فتؤسر أحيانا أغلبية الاسرى في تلك الأماكن، كما وقع في غارة عين مسكر الشهيرة »[3].
د – دوي الذعر بجبل الحبيب عند الهجمات البرتغالية.
ورغم احتياط الساكنة وحذرها مما سبق، ورغم دوريات الحراسة وجهود المراقب، فقد أجبرت الهجومات المتكررة للقوات البرتغالية على جبل الحبيب واعتداءاته عليه – كإحراق قراه وأسر رجاله ونسائه – قوات الجبل مرات ومرات على الإسراع لإغاثة أهالي الأكثر تهديدا من قراه وقرى بني ومراس (أربعاء عياشة) وبني احمايد (جماعة الخروب حاليا)، والحق أن أهالي كل قرية من جبل الحبيب والتجمعات السكانية المحيطة بها كانوا يعيشون ذعرا وخوفا عند سماع صياح القرى الأخرى إعلانا بخطر حضور البرتغاليين وإيذانا بغارة ما، فتتأجج العواطف والانفعالات، لأن هذه الغارات تحدث بصفة عامة بعد منتصف الليل، كان هذا الوقت مناسبا لهم للقيام باعتداءاتهم والسلب والنهب.
كان أهل جبل الحبيب يصيبهم ذعر شديد عند مشاهدتهم العدو يقترب من قراهم، فيسقط جميع السكان مذعورين مرعوين، فيما يتجول بعضهم عبر القرى يوقظون النائمين، ولا يعرف أحد ما إذا كان هؤلاء الدخلاء من المغاربة المدجنين أم يتعلق الأمر بلواءي طنجة وأصيلا اللذان اعتادا أحيانا أن يتحدا للدخول إلى قرية كثيفة السكان وذات تجهيز حربي قوي كقرى الخروب والجبيلة والريحانة.
يستدعى الفرسان إلى قلعة الخروب ليأخذوا أسلحتهم ويجمعوا قراتهم المحلية حول مقدمهم، ثم ينطلقون مسرعين وهم مجهزون بزرودهم وشباكهم إلى القرية المعنية، ويضل السكان في حيرة وتأمل، وهم يشاهدون مجموعات متناثرة من مشاعل النار تنير طريق رجال الحراسة الخارجية، مما يعطى اعتقادا بحدوث مأساة إبان هذه الأوقات، حينما تكون إحدى القرى في حالة حصار أو تطويق.
د – الأسلحة البلدية لمحاربي جبل الحبيب ولباسهم.
كان البدوي الجبلحبيببي والمغربي – عامة – لا يفارق سلاحه في حالة الاستنفار المتواصلة، فهو يحمل رمحه أينما حل وارتحل، أما المحاربون والفرسان فيحمون أنفسهم بالزرود والشباك، ويستعملون الرمح والدرع والسيف والخنجر، أما سادة القوم والرؤساء، وكذلك الأندلسيون فيرتدون ألبسة حربية وقائية كالزرود والشباك، ويحمون رؤوسهم بخوذة معدنية، وبعض الفلاحين يتفننون في تجهيز خيولهم بمعدات حربية ثمينة.
وأما عن اللباس الحربي لمحاربي جبل الحبيب، فقد كان لباسهم خلال الحرب كبقية لباس المحاربين المغاربة من الغرب المالي الغربي، حيث كان « يقتصر على الزي المحلي، أي اﻟ “مرلوطات” والقمصان »[4]، وقد يصبغها فقد صبغها المطر والوحل بلون أحمر، كما حصل ذات مرة لمحاربي جبل الحبيب وشفشاون، « فتضايقوا لدلك وتخلوا بسرعة عن الحبك والتحقوا بمخيمهم بوادي شرقان »[5].
ه – من تربصات ومكائد المجموعات العسكرية بجبل الحبيب بميداني أصيلا وطنجة.
كان المجاهدون المغاربة من جبل الحبيب والقصر الكبير يكونون جماعات / كتائب من المغاورين من عشرين أو خمسة وعشرين فارسا يتقدمهم مقدم، فيتوجهون فجرا إلى ضواحي أصيلا لإلقاء القبض على بعض الجماعات من المراقبين البرتغاليين، يحتلون أماكنهم ليلا بالوديان والمرتفعات، ويترصدون لأيام طويلة وصول الفلول البرتغالية لإلقاء القبض عليهم أو مراقبتهم، وعندما تتكرر هذه الظاهرة يعد الحاكم العسكري للمدينة المحتلة حملة مضادة للبحت عن دوريات جبل الحبيب أو القصر الكبير أو…، يخرج رجلان أو ثلاثة ليلا ويتموضعون في المراصد والمراقب المحددة لهم هم والآخرون، وعند إحساسهم بمقدم طلائع جبل الحبيب أو تلمح علاماتهم يتم التأكد من مواقعهم ومعسكراتهم أولا، فيعلن الخطر بواسطة نفير للدوريات والمراقبين، أو تعود الجواسيس البرتغالية المستكشفة ذاتها الى المدينة مخبرة القبطان بدلك، (وهو ما تقوم به الطلائع الجبلحبيبية أيضا عند تربصات البرتغاليين)، وعندما تتكرر ظاهرة المكائد هاته يقيم القبطان البرتغالي حملة مضادة مباغتة لدورية جبل الحبيب، إد يتفق القبطان – زعيم الفرقة العسكرية البرتغالية – مع المقدمين المغاربة المدجنين (الموريسكيون المغاربة) على أحسن الاتجاهات التي يجب أن تسلكها القوات المهاجمة، تتوزع مجموعات الفرسان البرتغالية على كل مخارج المدينة متجهين خارجها، وعند بزوغ الصبح، تحتل كل فرقة مرقبها، فتخرج الكتيبة من المدينة لدلك، ثم بتم إخبار مجاهدي جبل الحبيب الدين وقع اكتشافهم يشرعون في الانسحاب، أو يأخذون في البحث عن مهرب أو مفر بنجدهم من هذا الهجوم المضاد المباغت الذي يأتي في بعض الأحيان بنتائج ايجابية، فيستشهد أغلب المجاهدين أو يجرحون أو يؤسرون، بينما يفر آخرون الى الجبل، كما يفر- أحيانا – سواهم الى بني ومراس أو بني كرفط أو حتى القصر الكبير، ويسعى الحاكم العسكري البرتغالي بأصيلا – خاصة – كسب الجولات الحربية على محاربي جبل الحبيب والقصر الكبير، ففي إحدى هذه الجولات ألقى القبض على كتيبة من اثني عشر بدويا من أهل جبل الحبيب وبني عروس وبني ومراس.
… يتبع العدد 11.
هوامش :
[1] – حوليات أصيلا، ) 1508 – 1535م) مملكة فاس من خلال شهادة برتغالي، برناردو رودريكس، تعريب الدكتور احمد بوشرب، ص 277.
[2] – نفسه، ص 212 – 213
[3] – نفسه، ص129 – 130.
[4] – نفسه، ص 558 – 559
[5] – نفسه، ص 558 – 559
محمد أخديم