من ذكرى الزيارة الملكية في أبريل 1956 لشمال المغرب والقصر الكبير خاصة إلى ذاكرة الكفاح من أجل استقلال المغرب ووحدته…
الجمعة 22 ابريل 2016 – 11:29:57
إذا كان الشعب المغربي ومعه أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير خلد يوم الإثنين 1 يناير 2016، الذكرى 72 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال وهي ذكرى مجيدة في الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية والسيادة الوطنية والتي تستحضرها الناشئة والأجيال الجديدة بمعانيها ودلالتها، وتحتفظ بها كذلك الذاكرة الوطنية وبمعانيها وأبعادها الوطنية العميقة والتي تجسد سمو الوعي الوطني المتجذر وقوة التحام العرش بالشعب دفاعا مستميتا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية مستشرفة لآفاق المستقبل……
وإذا كان المغرب قد وقف عبر تاريخه المجيد بإصرار وعزم، فواجه أطماع الطامعين مدافعا عن مقوماته ووجوده ووحدته بتحمل جسيم التضحيات خلال مواجهته للاستعمار الغاشم بقواه الحية منذ بداية القرن 20 الذي قسم البلاد إلى مناطق نفوذ والتي وزعتها الحماية الفرنسية بوسط المغرب، والحماية الإسبانية بشماله وجنوبه، كما خضعت منطقة طنجة لنظام دولي، هذا الوضع جعل مهمة التحرير الوطني صعبة، لهذا فقد بدل العرش والشعب المغربي من أجلها التضحيات الجسام بكفاح مضطرد ومتواصل، من أجل الحرية والانعتاق من كيد الاستعمار بمختلف صوره، بالانتفاضات الشعبية العديدة الأشكال بالأطلس المتوسط وبالشمال والجنوب، كما قدم مطالب الشعبالمغربي الإصلاحية والعاجلة في سنوات 1934و 1936، ثم تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال من طرف الوطنيين الأقحاح في 11 يناير 1944 باتّفــاق مع رائـــد ثورة الملك والشعب جلالة المغفور له محمد الخامس الذي عمل على تفعيل جذوتها وتوجهاتها منذ أن تولى العرش العلوي يوم 18 نونبر سنة 1927، وبهذا جسد الملك المجاهد والثائر ضد الاستعمار رمز المقاومة والفداء بقناعة راسخة مع شعبه في التحرير والاستقلال، حيث عبر في خطاباته السامية والتاريخية عن كل مطالب الشعب المغربي في هاته الحرية والاستقلال وواصل مسيرة الكفاح والنضال الوطني بقيادته ومشاوراته…
وبعد نفي المرحوم برحمة الله الواسعة الملك محمد الخامس طيب الله تراه في 20 غشت 1953 ازداد الكفاح المرير للمقاومين الأفذاذ والوطنيين الأحرار والشهداء الأبرار بقيادته الكبيرة كما سلف وحنكته الوطنية الجليلة، وبعد عودته إلى الوطن في 16 نونبر 1955 ومنذ 23 من نفس الشهر 1955 وجلالة الملك يواصل استشاراته لتأليف الحكومة الأولى بعد الاستقلال، حتى تكونت في فاتح دجنبر، وفي يوم 7 دجنبر 1955 أعلن عنها من طرف السيد امبارك البكاي بإعلان حكومة مغربية وطنية ائتلافية… تضم 9 وزراء من حزب الاستقلال و 6 من حزب الشورى والاستقلال و 5 من المستقلين…
وفي يوم 12 فبراير سافر الوفد المغربي المفاوض وهو المتكون من الحكومة المغربية، وفي 13 من نفس الشهر سافر جلالته إلى باريس ليدشن المفاوضات المغربية الفرنسية لاستقلال بلادنا…
وكانت المفاوضات المغربية بين البلدين التي دامت حتى 2 مارس والتي بذل فيها صاحب الجلالة جهودا جبارة حاسمة، وكان له الفضل الكبير في الوصول إلى التصريح المشترك الذي أعلن في يوم الجمعة 2 مارس 1956، والذي كان في نفس الوقت هو وثيقة استقلال المغرب وحريته…
وفي 2 مارس المذكور وقعت مظاهرة شعبية كبيرة وعارمة بعد التجمع الحاشد أمام المسجد الأعظم بمدينة القصر الكبير التاريخية والمناضلة والمجاهدة برجالاتها ونسائها وشبابها وكل فئاتها، وبعد خطابات حماسية لشباب ورجال وطنيين وغيرهم لتحميس وتقوية كل الحاضرين والحاضرات في هذا التجمع وذلك بمناشدتها لتحرير واستقلال شمال المغرب بدوره، هذه المظاهرة الكبرى التي وصلت من المسجد المذكور مارة بشوارع المدينة حتى أمام ضريح مولاي علي بوغالب فقابلها الاستعمار وجنوده بوابل من قدفات رصاص بنادقه ورشاشاته حيث استشهد من جراء ذلك العديد من الوطنيين في ذلك اليوم، ومنهم ولد عمتي الشهيد المرحوم عبد الله اليعقوبي الذي أصابه الرصاص المتواصل في جبهة رأسه وتهشم بألم كبير وحاد لا يتصور، وقطعت لبعض المتظاهرين أرجلهم وأصابتهم جروح غائرة وغيرها، وقد كنت مشاركا في هذه المظاهرة الحاسمة مع بعض الأطفال الآخرين والشباب والشيوخ وأنا بعد طفل كذلك وتحسرت كثيرا على هذا الظلم والقهر، وذلك كان من أجل الحصول على حريتنا واستقلالنا الذي كنا عازمين على تحقيقه كاملا وعاجلا.
وبهذا فقد تلقى جلالته دعوة رسمية من الجنرال فرانكو لزيارة إسبانيا في 12 مارس 1956، ويوم الخميس 4 أبريل سافر جلالته إلى مدريد عاصمة إسبانيا لتدشين مراسيم افتتاح المفاوضات المغربية الإسبانية… وفي 7 أبريل بنفس السنة انتهى الوفدان المغربي والإسباني إلى الاتفاق على تصريح مشترك يعلن وحدة المغرب الشاملة في ظل الاستقلال والسيادة، كما صدر في نفس اليوم البرتوكول الملحق بهذا التصريح وفيه بند يقضي بإلغاء الحواجز بين شمال المغرب وجنوبه ابتداءا من هذا اليوم، وفي يوم 9 أبريل المذكور رجع صاحب الجلالة إلى هذا الوطن وعاد إلى تطوان، حيث وجد في استقباله بحرارة كبيرة شخصيات مغربية وإسبانية و 500 ألف من المواطنين هبوا لاستقبال بطل الوحدة المغربية واستقلالها الملك المعظم المرحوم محمد الخامس، حيث ألقى خطابا ساميا وخالدا بالملعب البلدي المحتشد، بآلاف المواطنين الذين رفعوا هتافاتهم الحارة المتواصلة والحادة من المواطنين الواردين عليها احتفاء بجلالته المحقق لوحدة واستقلال المغرب وتحطيم القيود في ليلة مملوءة بالرقص والغناء والفرح الشديد…
وفي 10 أبريل 1956 توجه الملك إلى الرباط ومر بكل من مدينتي العرائش والقصر الكبير المجيدتين، وفي إحدى المناسبات الوطنية لهذه الذكرى سنة 1993 ردد شاعر القصر الكبير الفذ ـ وهو من مؤرخي مدينة القصر الكبير بالعرائش قصيدة له والتي كانت وليدة هذا الحدث العظيم،:
فاسألـــوا التاريخ عنـا نقبوا // فينا هذا الثرى يفتخـــــر
مجدنا صبح مشع بالسنـــا // يتلألأ في الدنى ينتشــــر
قد ضممناه تليـــدا وطريـ // فا ومنا كم يغار البشــــر
هذه الأرض ملأناها هــــدى // في شمال وجنوب يذكـر
هذه افريقيا فإنـــا جندهـا // وسنبقى ما تمادى العمـــر
إلى أن يقول:
فرعـــاه الله شهما رائـــدا // إنه فينـــا النهـى والنظـــر
وفي مدينة القصر الكبير بعرباوة بالذات تفضل ملك الوحدة والانتصار فقطع شريط التجزئة لبلدنا إعلانا وإيذانا بفتح الحدود وتحطيمها إلى أبد الدهر، وبعد قطع الشريط الوهمي وزوال الستار الاستعماري بين شمال المغرب وجنوبه همس جلالة الملك في أذن الجنرال (فالينو) «الآن وفي هذا المكان تأكدت الصداقة المغربية ـ الإسبانية إلى الأبد» وبدافع الفرحة العارمة التي عمت قلوب الجميع نهض ولي العهد آنذاك الراحل المغفور له الحسن الثاني والوزراء بأداء رقصة الحدود والابتهاج والغبطة الكبيرة رقصه رفع الستار الاستعماري الجائر الذي جثم بين الإخوة ما يقرب من نصف قرن من الزمن رقصة انتهاء عهد التفرقة والاستعمار، وبروز عهد الوحدة والكرامة والعزة والسؤدد، وكان جلالته بدوره يرقص مع الراقصين والفرحة الكبيرة والعظيمة تغمرنا جميعا بنشوة النصر…
وعاد جلالته إلى شعبه العظيم وإلى عاصمة ملكه ليجد الجميع في استقباله بحماس منقطع النظير، لأنه عاد حبيبهم من منفاه السحيق في (كورسيكا) و (مدغشقر) بعد مدة طويلة شاقة وحزن كبير على أصناف العذاب الذي داقوه بسبب منفى جلالته وطول غيابه والنضال والصمود للمقاومة الشعبية الكبيرة لتحرير البلاد.
وبمناسبة ذكرى الحرية والاستقلال الذي قاده المغفور له جلالة الملك المفدى محمد الخامس تسلمت الأميرة للاحسناء يوم الأحد 20 دجنبر 2015، بنيويورك باسم جلالة الملك محمد السادس، جائزة الحرية « مارتن لوثر كينج إبراهيم جوشوا هيشل» من دعاة التحرر والحرية الممنوحة للراحل جلالة الملك محمد الخامس قدس الله روحه، وتميز حفل تسليم هذه الجائزة الذي أقيم خلال احتفال فخم بقلب نيويورك برسالة جلالة الملك المفدى محمد السادس، والتي ألقاها أندري أزولاي مستشار جلالته، حيث أكد جلالته في رسالته أن المغفور له محمد الخامس « بطل المغاربة الخالد وملهم كل الشعوب التواقة للحرية والكرامة المتجذرة في أعماق هويتنا العريقة» وأوضح جلالة الملك أن « هذا هو بالضبط المغرب، مغرب الشجاعة والتشبت بأسمى القيم، الذي اخترتم تكريمه هذا المساء، من خلال تذكيركم من مدينة نيويورك… إلخ… » هذا مثال مهم وعظيم لشعب يقدر كثيرا دعاة الحرية والمضحين من أجلها بالنفس والنفيس والمدافعين عن استقلال بلدانهم مهما كان الثمن. وسيبقى نبراسا وهاجا ومثالا يحتدى به في كل مكان من أجل الدفاع عن الشعوب وحقوقها والإنسانية كافة وذات دلالات باهرة وأساسية.