من يسقي الشباب ينفع الوطن
جريدة الشمال – عبد الحي مفتاح ( الشباب )
الجمعة 29 شتنبر 2017 – 17:27:07
السياسة المرتبطة بالشباب سياسة أفقية بامتياز لا تعتمد على مدخل واحد، على اعتبار أن الشباب فئة واسعة وتتعدد حاجياتها بتمايز انتماءاتها الاجتماعية، أمام هذه الفئة نكون أمام رزمة من الانشغالات تمتد من التكوين إلى التدريب إلى الشغل والتشغيل والسكن والثقافة والرياضة والترفيه…، إنها الفئة الأقوى إقبالا على الاستهلاك، لكنها في نفس الوقت الأقدر عطاءا على مستوى الانتاج وإبداعا في شتى المجالات كما توضح تجارب البلدان المتقدمة التي يحتل فيها الشباب واجهة المغامرة والتجريب والخلق والتجديد.
في البلدان العربية، رغم أن الشباب يحتل الصدارة في الهرم السكاني، ورغم الخطابات المشيدة بالشباب والمثنية على دوره في المجتمع، تبقى السياسات في مجال الشباب لا تلبي الطموحات الكبيرة لهذه الفئة التي لازالت تعاني من كثير من مظاهر التهميش ومن قدر كبير من عدم الثقة في قدراتها وكفاءاتها في احتلال الموقع اللائق بها سياسيا واجتماعيا وثقافيا وإعلاميا…، وإذا كنا نلاحظ بعض التململ في العقليات التقليدية المكبلة، بعد الحراكات التي قادها الشباب في العالم العربي، فإن التوجس من الشباب المغلف بنفحة “الأبوية” لازال يفعل فعله في المجتمع ويعرقل تحرير طاقاته وأفكاره، ويجعله نفسيا غير قادر على المساهمة الحيوية في الدفع بعجلة التقدم قي البلدان التي ينتمي إليها.
في المغرب، كما في باقي الدول العربية، الشباب يشكل القاعدة الأهم في الهرم السكاني، وقد تحققت له مكتسبات مافتئت تتوسع في العقود الأخيرة بفضل سياسة إرادية للدولة ودينامية المجتمع المدني، والتي يوجد من ثمارها على سبيل المثال لا الحصر: لاتمركز المؤسسات الجامعية، وإحداث مراكز التكوين في المهن الجديدة خاصة، والمراكز السوسيو ثقافية، والمجمعات المتعددة الاختصاصات والقاعات الرياضية وملاعب القرب وتنظيم المهرجانات الثقافية والفنية والبطولات الرياضية، إلا أن هذه المكتسبات، على أهميتها، لم تستطع أن تصل بعد إلى التغلب على التفاوت الحاصل في توزيع التجهيزات والمرافق والتظاهرات التي يستفيد منها الشباب بين العالم الحضري والقروي، وبين الحواضر الكبرى والمتوسطة والصغرى، وفي الحواضر نفسها بين الأحياء الراقية والأحياء الهامشية.
وتظل الرهانات المعقودة على الشباب تعاني من بعض الأعطاب التي تحول دون اندماجه الإيجابي في النسيج المجتمعي والمشاركة الفعالة في الدينامية التنموية، ولعل عطالة الخرجين الجامعيين وذوي الشهادات العليا تعتبر إحدى الإشكالات الكبرى التي ترخي بكلكلها على المجتمع المغربي وتعتبر ترمومترا لقياس حرارة الاندماج والمشاركة، كما أن ظواهر مثل التطرف و التشرميل وعنف الملاعب وقوارب الموت، تؤشر على أزمة الشباب أن اليأس والأفكار الهدامة قد سارت في أوصال شرائح من الفئة المجتمعية فقدوا البوصلة والأمل في حياة بعيون الثقة والاطمئنان والتمتع بحلاوة العيش المشترك الكريم و الآمن في وطنهم.
ومع ذلك، لا نشك أن أغلب الشباب في المغرب يختزنون طاقة تحتاج فقط إلى إلى التوجيه، والتشجيع، والتحفيز والمواكبة، ثم الاعتراف، والدليل على ذلك هو بروز قيادات شبابية واعدة في المجتمع المدني، وفي التنظيمات الحزبية والنقابية، والمقاولات الاقتصادية والإدارة، وكفاءات في البحث العلمي و الاختراع وكذا في السينما والموسيقى والغناء والمسرح والفكاهة، والإنتاج الفني عامة، ومجالات أخرى متعددة.
وفي هذا الصدد، يجب التأكيد على الأهمية المركزية لانخراط الشباب في التنظيمات المواطنة وفي إطلاق المبادرات المجتمعية، وفي المقابل التشديد على ضرورة احتضان هذه التنظيمات والمبادرات وتبنيها من طرف المجتمع والدولة، فالتنظيم والمبادرة من شأنهما تشجيع المشاركة الإيجابية للشباب وتحصينه من التيهان وتوجيه طاقته فيما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
ونشير هنا أنه ما بين إحداث المجلس الوطني للشباب والمستقبل الآفل وإحداث مجلس الشباب والمجتمع المدني الآتي، جرت مياه كثيرة تحت الجسر، فإذا كان المجلس الأول قد أدى دوره الظرفي كضمادة أخمدت مظاهر الحريق الذي كانت إرهاصاته توحي باستمرار الاشتعال، فإن الثاني، في ظل التحولات العالمية المتسارعة والتغير في انماط الإنتاج والاستهلاك والرؤى والأفكار والسلوكات والعلاقات، مطروح عليه مقاربة الإشكالات والمشاكل المرتبطة بالشباب برؤية شمولية استراتجية تقترح على الدولة والفاعل السياسي والمدني على السواء خطوط المعالجة الواقعية، الملموسة والثاقبة للإشكالات والمشاكل المتفاعلة مع التطورات الداخلية والخارجية من حولنا.
وفي الأخير لا بد من التذكير أن الشباب لا يحتاج منا إلى المدح العاطفي بل إلى التسليح بالإرادة والثقة والتكوين والتثقيف، وإلى تحرير مبادراته والوقوف إلى جانبه وتوفير الشروط له في الجامعة ومراكز البحث والتدريب ومشاتل الاستثمار والخلق والإبداع، ومساعدته لتحقيق حياة كريمة وحمايته من الأمراض الاجتماعية ومن السقوط في أتون اليأس والعدمية.
وكل عام وأرواحنا وعقولنا نتمنى أن يسقيها ماء الشباب والحكمة إن شاء الله. ..