مهرجان لاييبيكا الرياضي السنوي
جريدة الشمال – بقلم: الأستاذة حسناء داود ( مهرجان لاييبيكا )
الجمعة 05 ينــاير 2018 – 16:57:15
ويبدأ التدريب على الرقصة، فتقوم السنيوريطا روساريو بحركات راقصة على أنغام الموسيقى الإشبيلية المعروفة باسم (Sevillanas)، ونتبعها نحن مقلدات حركاتها ورقصتها، مكررات ذلك مرات ومرات، وهكذا تسير هذه التداريب خلال أيام وأيام، حتى نحفظ الحركات الرياضية، وبعدها الرقصة، ونؤدي كل ذلك بإتقان ترضى عنه السنيوريطا، ثم لنشرع في التدريب على حركات أخرى تدخل في إطار الاستعداد لأداء وصلة تساهم بها مدرستنا للتباري على كأس الفوز بالدرجة الأولى في هذه السنة.
ويطل فصل الصيف …، ويقترب الموعد، موعد المهرجان السنوي الرياضي الجامع لكل المدارس بالمدينة، المهرجان المشهود الذي نعد له العدة، ونحسب له ألف حساب، فتتزايد تداريبنا، ولكنها تتم هذه المرة في عين المكان، أي في ملعب لاييبيكا بسانية الرمل، وبفضائه الكبير، حيث نأخذ مكاننا بين تلميذات المدارس الأخرى، وهناك، نشرع في أداء الحركات الرياضية، ثم الرقصة التي تدربنا عليها في مدارسنا، كل ذلك في أداء جماعي على أنغام الموسيقى التي تصدح عالية، فيتردد صداها بين أرجاء الملعب الذي خلت مدرجاته من المتفرجين، ما عدا تلك القلة من أساتذتنا أو أستاذاتنا الإسبان والمغاربة المكلفين بالتداريب.
وتمر التداريب، ونحن في حماس كبير، وفي حالة نفسية متوترة، نستشعر معها جدية الموقف، وكبر المسؤولية الملقاة على عاتقنا، إذ لا بد أن يكون أداؤنا منضبطا، وحركاتنا متناسقة، ورقصاتنا متقنة. ويحل اليوم المشهود، يوم المهرجان، ولا أنام ليلته، هي فرحة يساورها إحساس بالمسؤولية، وحماس يشوبه خوف من الإخفاق، وأنهض في الصباح الباكر، وتعد لي (طاطا فاطمة) أكلا خفيفا آخذه معي في كيس من الورق، ثم تصحبني إلى المدرسة، مصرة أن أغطي رأسي بقبعة من الخوص لتقيني من الشمس، فأعترض على ذلك، رافضة الأمر، محتجة بأن منظري سيكون ملفتا للأنظار، مخالفا لباقي التلميذات اللاتي لا يلبسن قبعات، خاصة وأننا نلبس زيا موحدا يجعل المنظر متناسقا.
وأتوجه إلى المدرسة، وبها ألبس وزميلاتي الزي الرياضي الموحد، وهو عبارة عن بلوزة بيضاء بكمين واسعين قصيرين، مع سروال سماوي اللون، رجلاه واسعتان وكأنه تنورة قصيرة إلى حد الركبتين، بينما تخرج منه شرائط تعلو الكتفين ثم تتقاطع لتغلق من الوراء بأزرار في الوسط، وكان هذا الزي مريحا يسمح لنا بأن نقوم بحركاتنا الرياضية بمرونة ونشاط.
وتتجمع التلميذات، ثم نأخذ أهبتنا لخوض غمار اليوم المرتقب، وتكون أول فرحة لنا هي فرحة الركوب في الشاحنات العسكرية المخصصة لنقلنا من المدرسة إلى الملعب، هي سيارات تابعة لقوات الجيش الإسباني المقيم في الثكنات العسكرية المحيطة بملعب لاييبيكا، فتصطف هذه الشاحنات قرب باب العقلة – القريبة من مدرستنا – ونتحرك في صفوف متراصة، لنغادر المدرسة، ولنركب في أعلى هذه الشاحنات، تحت أنظار المارة من باب العقلة، ونحن تحت تأثير النشوة بأننا أبطال هذا اليوم المشهود الذي سنحقق فيه نشاطا طالما تعبنا في الاستعداد له والتدريب عليه.
وتسير بنا الشاحنات، ونصل إلى الملعب، فنلجه من الباب الخلفي، لنأخذ مكاننا بين فتيات بقية المدارس المساهمة، لنجد أنفسنا بين مئات التلميذات الأخريات، المرتديات لنفس الزي الذي نلبسه. وهناك تكون فترة الانتظار إلى أن يحين موعد الانطلاقة، فيكون هرج ومرج بين التلميذات، وتكون حالة عصبية وخوف واضطراب عند البعض، وضحك ومرح واستمتاع باللحظة عند البعض الآخر، إلى أن يحل الموعد، ويقع الإعلام بضرورة الاستعداد، لنقف صفوفا متراصة، ولنخرج إلى الملعب، متتبعات لخطوط قد رسمت على أرضيته بغبار جبسي أبيض، نسير عليها إلى أن يصل كل فريق إلى المقر المعد له ضمن المجموعة التي غطت كل هذه الأرضية المعشوشبة، على هيئة جميلة متناسقة، تسمح بأداء الحركات، كل ذلك على إيقاع معين، يتواصل إلى أن يأخذ كل مكانه، ليبدأ العرض الرياضي الجماعي، الذي يساهم فيه الجميع، ذكورا وإناثا، ونشرع في حركات رياضية جميلة، على إيقاع أنغام معلومة جديدة، فيكون منظر أخاذ تتوحد فيه هذه الحركات، ويتناسق الأداء، إلى أن ينتهي العرض، فيعج الملعب بالتصفيقات التي تنعشنا وتبعث فينا نشوة الفرحة بالتوفق في أداء المهمة الصعبة.
وننسحب، فرحين بأدائنا الجماعي، لنستعد إلى أداء جديد، وهنا نستبدل ثيابنا، لنرتدي الثياب المخصصة للرقصة، وهي ثياب خاصة برقصة (Sevillanas)، عبارة عن فساتين طويلة من ثوب أحمر مع نقط كبيرة بيضاء، قد اشتملت في أطرافها على حواشي وزوائد تسمح بالتحرك بسهولة ومرونة على إيقاع الموسيقى، ثم نأخذ صنجات (Castañuelas) بين أصابعنا لمصاحبة الإيقاع الموسيقي، مع إكسسوارات مناسبة للتزيين، كالمشط الذي يعلو رؤوسنا، والحلقات التي تتدلى من آذاننا، والأساور التي تزين مرافقنا، كل ذلك من نفس لون الفستان الجميل الأنيق الذي نرتديه.
ونخرج إلى أرضية الملعب، لنتراص هذه المرة في إطار مجموعات تضم الواحدة منها 8 أفراد، فتؤدي المجموعات الكثيرة رقصتها الموحدة على أنغام الموسيقى الإشبيلية المرحة، فيعم الفرح والمرح، ويعج الملعب بالتصفيقات من جديد.
وفي نهاية المطاف، تكون العروض الممثلة لكل مدرسة على حدة، وهي موضوع التباري الذي يبدو فيه مجهود هذه المدارس الذي يخول لها أن تفوز وتتميز بالكأس الأولى أو الثانية أو الثالثة.
وهنا نتقدم نحن – تلميذات روض الغنمية – لنقدم أداءنا، وهو عبارة عن رقصة تعبيرية تحكي قصة تهدف إلى بث فضيلة الاتحاد، وأن الاتحاد قوة والتفرق ضعف وتخاذل، ولا زلت أذكر النشيد الذي كنا ننشده ونحن نؤدي هذه الرقصة، إذ تقول كلماته:
زرعــنــــــا جـــــزرة وســــــــط البستــــــــــــــان = سقاها أبـي، عاشت فــي أمـان
كبرت في حجمها، عظمت في جذعـها = أتى ليقلعها، لم يقدر لهـــــــــــا
فـرأته أمي جـاءت، جــاءت في عجـــــــــل = أمسكته بنشاط من غير كســــل
أمي أمسكت أبي، أبـي أمسك الجــزرة = شـدا، شـدا، لم يقلـعــــاهــــــــــــــــا
فرآهمـ أخي جــاء، جاء في عجـــــــــــــــل = أمسكهم بنشاط من غير كســـل
أخـــــــــك أمســـــك أمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي = أمـــــــي أمسكت أبـــــــــــــــــــي
أبي أمســــــــــــــــك الجــــــــــــــــــــــــــــــزرة = شـــدوا، شدـوا، لم يقلعوهـــــــــا
فرأتهم أختي جــاءت، جاءت في عجـل = أمسكتهم بنشاط من غير كسل
أختـــــــي أمســــــــــكت أخــــــــــــــــــــــــــي = أخـــــي أمسك أمــــــــــــــــــــــــــــــــي
أمي أمســكت أبي، أبيـ أمســـك الجـزرة = شدوا، شدوا، فقلعــــــوهـا !!!!!!
وتصل اللحظة الحاسمة، لحظة توزيع الجوائز والكؤوس على المدارس المتفوقة، فيا لها من لذة ونشوة تلك التي تغمر قلوبنا الصغيرة ونحن راجعات إلى مدارسنا نهتف على ظهر الشاحنات طوال الطريق من سانية الرمل إلى باب العقلة، معتزات بالكأس الأول الذي نرفعه فوق الرؤوس، صائحات:
Alabí, Alabá, Alabí bomba !
Madrasa Ganmía, y nadie más!!!
ونصل إلى المدرسة، لنجد المديرة والأستاذات في انتظارنا، فرحات بالفوز، مهنئات على الإنجاز، فيوضع الكأس فوق الرف، لينضاف إلى مجموعة الكؤوس الشاهدة على تفوق المدرسة في مجال المساهمات في الأنشطة الرياضية والفنية بالمدينة.
وأعود إلى البيت، برفقة (طاطا فاطمة) التي أجدها في انتظاري بباب المدرسة، بعد أن تجشمت عناء الذهاب إلى الملعب، والعودة منه إلى المدرسة، سيرا على قدميها، لكن كل ذلك يهون أمام متابعة نشاط ابنتها التي تعزها وتحبها لدرجة الجنون. ..