مَظاهِرُ الشِّعْرية في ديوانِ شاعِرِ الْحَمْراء مُحمد بْن إبْراهيم
قِراءة في كتاب في شِعْرية ديوان ” روض الزيتون “
لِلأُسْتاذ أَحْمَد اليَبُوري
بقلم : عبدالجبار العلمي
القسم الثاني
يتناول القسم الثاني من هذا العرض خمسة أبواب في شِعْرية ديوان ” روض الزيتون ”
لِلأُسْتاذ أَحْمَد اليَبُوري هامة من كما يلي :
الباب الثالث: الذات بين الوصل والهجران
يقسم الباحث الغزل في ديوان ” روض الزيتون إلى نوعين: أ ـ الغزل الوصفي / ب ـ الشعر الوجداني .
أ ـ الغزل الوصفي: يتم التركيز فيه على وصف الملامح الجسدية للمحبوب أو المحبوبة، ويقلُّ أو ينعدم فيه التعبير عن الأحاسيس والمشاعر نحوهما. ويذكر الناقد نماذجَ متعددة من هذا النوع، ويتناولُها بالدرس والتحليل.
ب ـ الشعر الوجداني: يتناول الباحث بالدرس والتحليل مجموعة من النماذج الشعرية كصنيعه مع الغزل الوصفي، فيلاحظُ أن ثمة تحولاً أخذ يبدو في هذا الشعر ،سواء على مستوى البناء أو المضمون ، فطفقت تهيمنُ عناصرُ الذات والخيال ، ويقلُّ الاهتمام بالملامح الجسدية ذات الإثارة الجنسية. (ص: 92 ـ 93 ).ومن قصائد ومقطعات الشعر الوجداني التي عُني الدارسُ بتحليلها تحليلاً نصياً ضافياً ” تراتيل من فوق المنار” (ص: 329، ط.1 ).تناول الدارس فيتحليله هذه القصيدة (المسمط الرباعي ) الأساليبَ التي وظفها الشاعرُ للتعبير عن أحاسيسه ومعاناته ، فيلاحظ هيمنةَ أسلوبِ النداء في عدة أبيات تضرعاً إلى حبيبه لكي يجودَ عليه بالوصال، ولجوءَ الشاعر إلى تصوير ما أصابه جَرَّاءَ هذا الحب من مرض عضال ، فيتخيلُ موتَه ودفنَه ورثاءَه من لدُن الشعراء والعلماء من أصدقائه وأعلام مدينته. ومن الجدير بالملاحظة أن الأستاذ أحمد اليبوري ، كشفَ عمَّا في ثنايا هذه القصيدة من شِعْرية، من خلال تأويلِه بعضَ العبارات والأساليب البلاغية التي تزخرُ بها. ( ص : 106)
الباب الرابع : الذات بين الوعي والإرادة :يرصد الباحث في هذا الباب معاناة الشاعر النفسية بسببِ تَمَزُّقِه بين ” قيمٍ تربَّى عليها وتشبع بها ، وأنماطِ سلوك طارئة انعكستْ في شعره الجِنْسي ، وبدرجةٍ أقلَّ في شعره الغَزلي الوصْفي ” ( ص : 107 ) ، وذلك من خلال عدة نصوص، ويضع الدارس يدنا على كثير من عناصر الشِّعرية في هذه النصوص. ففي قصيدة ” ليلةُ الغرباء “، نجد أنَّ الصورةَ الشعرية تَرتكِزُعلى التشخيص والاستعارة للتعبير عن معاناة الشاعر من الغربة والرعب والخوف ( ص : 106 ). يقول الشاعر :
والبَرقُ يُغْمِدُ سَيفَه وَيَسُلُّــهُ وَبَريقُهُ مُتَسَاطِعُ الْلَّأْلاءِ
وَكَأَنَّما المَرِّيخُ في كَبِدِ السَّمَا يَرْنُو إِلَيَّ بِنَظْرَةٍ شَزْرَاءِ
إنَّ الشَّاعرَ يُحسُّ بأنه يواجِهُ قوى لا قِبل له بها، وهذا ما أضفى على النصِّ جواً أسطورياً مُفعماً بالرهبة والخوف، يتناغم والحالة النفسية للشاعر الذي كان موزعاً بين نُزوعاتٍ متناقضة منذ صباه (ص: 106)
الباب الخامس : الحركتان الإصلاحية والوطنية : يُقَسِّم المؤلف هذا الباب إلى محورين أساسيين هما :
1 ـ الاتجاه الإصلاحي في شعر ابن إبراهيم: ويتجلَّى في الدعوة القوية إلى التعليم باعتباره وسيلة من وسائل التقدم، وفي دعوته إلى محاربة البدع وبعض مظاهر الفساد والتخلف السائدة في المجتمع، وذلك في قصيدته ” إن أريدُ إلا الإصلاح ” (الديوان، ص : 271 )، كما يَبْرزُ هذا الاتجاه في توجيه النداء إلى إصلاح الأوضاع الاجتماعية التي تُعاني منها الفئات الفقيرة المعوزة في المجتمع، مخاطباً ضميرَ الأغنياء، وذلك في قصيدة ” لله في البؤساء” (الديوان، ص: 289 )
2 ـ الاتجاه الوطني: يميز الناقد بين الشعر الوطني والشعر ذي النزعة الوطنية ، فالأول هو الذي يتناولُ مباشرةً قضايا تتعلق بالوطن ( الظهير البربري / الوحدة الوطنية )، والثاني يتناولُ مسائلَ تتصل بمجالات اجتماعية وثقافية تخدم الوطن كان يدعو إليها ويدشِّنها الملك محمد الخامس
( ص : 120 ) ، ومما يلاحظه في شعر ابن إبراهيم الوطني أنه كان يحرص على تجنب الخوض في الشأن السياسي بشكل مباشر ، ويتعامل بغير قليل من الحذر مع القضايا الوطنية وبعض زعمائها كما هو الحال في قصيدة ” الدمعة الخالدة ” ( ص : 193 ، ط.1 ) على سبيل المثال. يتناول المؤلف بالدرس والتحليل النصوصَ والمقطعاتِ التي تعالجُ موضوعَ الوطنية سواء على مستوى المضمون أو المكونات النصية، ويضع يدَنا على الأساليب المتنوعة التي اعتمدها في صياغة كل منها. وبعد تحليله القصائدَ التي تمثل الاتجاه الوطني تحليلاً يتسم بالعناية بإبراز الأساليب البلاغية وما تنطوي عليه من شعرية، يقوم بإدراج القصائد ذات النزعة الوطنية، مبرزا خصائصها الأسلوبية والمضمونية باختصار ( ص: 139 ). ومما لاحظه الباحث في هذه القصائد أنها تتميز بالجزالة والمتانة، وأنها تُركز على الدور الوطني للملك المتمثل في النهوض ببعض المشاريع لصالح الأمة، وفي دعوته إلى التعليم والتنمية والوعي بضرورة التخلص من الاستعمار.
الباب السادس : الحرب العالمية الثانية في شعر ابن إبراهيم
يتصدى الباحثُ في هذا الباب إلى دراسة القصائد التي اهتم الشاعر فيها بالحديث عن الحرب العالمية الثانية، ويشير إلى أن المغرب شارك فيها مع دول الحلفاء وخاصة فرنسا ضد دول المحور.
وقد عالج الشاعر هذا الموضوع في قصائد عديدة كتبها خلال الحرب العالمية الثانية، حيث واكب أحداثها، ومزج ذلك بالإشادة بالملك محمد الخامس (ص: 141). ويرى الناقدُ أن لهذه القصائد بالإضافة إلى قيمتها الإبداعية قيمةً تاريخية تسجل موقفَ المغرب المتمثل في التمييز بين فرنسا الاستعمارية وفرنسا ضحية النازية. ويُعنى بتحليل كلٍّ منها على حدة تحليلاً موجزاً، مُرَكِّزاً على بعضِ النواحي الفنية فيها، مؤولاً مضامينها من خلال بنائها. ففي قصيدة ” النشيد الوطني الحربي ” (ص: 116، ط. 1)، يلاحظ أن الشاعر “حاول في هذا النشيد الحربي، من مجزوء الرمل ـ والأناشيد كثيراً ما تكون خفيفة في مواضيع تعكسُ جو الفرح ـ أن يستبقُ الأحداثَ، ويتنبأ،عن طريق بنية النشيد بالنصر، والاحتفاء قبل أن يتحقق” ( ص : 143 )
الباب السابع : أًصداء عربية
يقسم الباحث هذه الأصداء إلى قسمين، سياسي وثقافي، وذلك كما يلي:
1 ـ فلسطين وليبيا:في هذا القسم يتحدث عن ما ألفاه في شعر ابن إبراهيم من أصداء لما كان يمور به الوطن العربي والإسلامي من أحداث سياسية كبرى خاصة في فلسطين وليبيا، فقد عُنِي الشاعر بقضية تهويد القدس وملابساتها، وتحدثَ عن قمع الثورة الليبية بقيادة عمر المختار سنة 1937م. وقد عالج الشاعر هاتين القضيتين في قصيدتين: الأولى تناول فيها القضية الفلسطينية ( ص: 411 ، ط.1 ) ، حيث يشير إلى وعد بلفور المشؤوم سنة 1917 الذي مهد للاحتلال الصهيوني :
كَذَبَ الْيَهُودُ بِوَعْدِها بَلْفُورَها بَلْفُورُ ! طعْمُ المُسْلِمين َزُعَاقُ
والثانية: رصدَها الشاعرُ لليبيا الثاَّئرة ( ص: 409 ، ط.1 ) ، حيثُ يركز على قيمة الجهاد، مستنهضاً هممَ المغاربة :
وَجَبَ الْجِهَادُ بَنِي بِلادِي فَانْهَضُوا الْيَوْمَ يَعْذُبُ لِلْحِمَامِ مَذَاقُ
ويتعاطفُ مع إخوانه الليبيين الذين يتعرضون ـ رجالاً ونساءً ـ للعسْف والتنكيل من قِبلِ الاستعمار الإيطالي، مُحذراً المغاربة من الخطر الذي يتهدد الوطن العربي الإسلامي من لدن أعدائه ( ص: 151 )
2 حضور مسرحي مصري في المغرب: يشير المؤلف إلى أن ثمة قصائدَ رصدها الشاعر للحديث عن الممثلين المصريين الذين قدموا إلى المغرب لتقديم مسرحياتهم في عدة مدن مغربية: فاس ومراكش وغيرهما، يعبر فيها عن ترحيبه بهم ، محدداً رسالة الفن الاجتماعية والتنويرية ،مبرزاً دوره في التسرية عن النفوس ، خاصة في ظل ظروف الاستعمار الجاثم على الصدور، كما يشيد بكفاءة رجال المسرح المصريين ، وتمكنهم من أدوات هذا الفن الرفيع.
في الخاتمة، يقدم لنا الأستاذ أحمد اليبوري النتائج التي توصل إليها من دراستهِ ديوانَ شاعرِ الحمراء:
1 ـ أن ثمة نزعةَ دينيةً تشِّعُ في نفس الشاعر حيناً وتخبو أحياناً، لكنها لا تنطفئ. وهذه الظاهر تتكرر في جل قصائده ( 155 ) ، فهو لم يكن متديناً أو من رجال التصوف، بل يمكن اعتباره ـ حسب البعض ـ من المسلمين الخطَّائين التوابين. ويرى الباحث أن الأمر ينطبق كذلك على وطنيته، فهو لم يكن وطنياً ملتزما ممارساً، بل كانت له مواقف في شعره في أواخر سنوات الثلاثين على وجه الخصوص، برزتْ فيها عروبتُه، ودعوتُه إلى الإصْلاح ( ص: 155 ) ، كما يلاحظُ أن الشاعرَ كان يمدح الملك محمد الخامس بصدق وإخلاص ، ما جعله يصنف شعره هذا في إطار الشعر ذي النزعة الوطنية ( ص : 156 ).
2 ـ أن شعر ابن إبراهيم مر بمراحل فنية استخدم فيها التَّشطير والمعارضة والتَّناص. ويرى الباحث أن الأول كان مرحلة تدرب على الكتابة الشعرية، وأن التَّناص من خلال التفاعل مع نصوص كبار الشعراء يمثل مرحلة الاقتدار والإبداع. أما قصائد المعارضة، فقد تراوحت بين التقليد والإبداع.
3 ـ بخصوص الشعر الوجداني يستخلص الأستاذ اليبوري أن قصيدتي ” تراتيل فوق المنار ” و”الزهرة الضائعة ” تمثلان نموذجين راقيين لهذا الاتجاه سواء من حيث البناء أو الدلالة.
في الملحق، يحلل الناقدُ نموذجين: أ ـ ابن عرفة ـ ب ـ المبزل.
أ ـ يرى الباحث أن مقطعة (ابن عرفة ) ليست مدحاً، بل هجاءً مُبَطَّناً، فقد استخدمَ الشاعرُ المكونات البِنائية في النص من عروض ( الرجز) ومعجم وتركيب ورموز وألغاز لتوظيفها في هذا الاتجاه. وقد استطاع الباحث من خلال تأويل بعض ألفاظ المعجم مثل لفظ ( نور) المتكرر ثلاث مرات دون إسناده إلى الممدوح أن يُثْبتَ ما تنطوي عليه القصيدة من هجاء ملغم ، فهو نورُ يوم عرفة، ونور يوم العيد، ونور يوم الجمعة. ويرى أن تعديدَه تلك الأنوار يشير إلى توظيفها في تبديد ظلام الاستعمار المخيم على المغرب. ويخلص الباحث إلى القول: إن الشاعر وظفَ معاني وأساليب بسيطة عامة بعيدة عن المعاني والأساليب المستخدمة في القصيدة المدحية المعروفة في تراثنا العربي. ويستخلص في الأخير أن النص جاء ” بدون شكل ولا روح يحمل من معاني الهجاء السياسي الملغوم، إشاراتٍ، ألمحنا إلى بعضها، لم يلتفتْ إليها كثيرٌ من النقاد المغاربة ” ( ص : 160 )
ب ـ المِبْزل ([1] ):
يحللُ الناقدُ هذه القصيدة تحليلاً مقتضَباً، مركِّزاً على ظاهرة تداخلِ أغراضٍ شعريةٍ مختلفة في القصيدة، وهي ظاهرة لاحظها محمد بن القباج في العديد من قصائد الشاعر
( ص : 161 )، ويتناول أبيات القصيدة بالتحليل سواء من حيث المضمون أو البناء الفني ، فيرى أن التعدد في الأغراض في قصيدة واحدة ، لا يتم بطريقة اعتباطية ، بل إن له وظيفة دلالية تقدم صورة صادقة عن تمزق نفسية الشاعر بين عدة متناقضات عاناها في حياته، الأمر الذي جعل القصيدة و كأنها ” مزقٌ تعكس تلك التناقضات ” ( ص : 162 )
بقيَ أن نقول في الختام، إنَّ أُسْتاذَنا أحمد اليَبوري اشتغلَ على متنٍ شعري كبير في طَبْعتَيْ ديوانِ
” روض الزيتون “: الأولى سنة 2000 م. والثانية سنة 2002 م. وتشتملُ الطبعةُ الأولى على 414 نصاً يَتَوزعُ بين القصيدة والمقطَّعة والبيت المفرد، فضلا عن ملحقٍ يتضمنُ اللزوميات والألغاز والخواطر.. أما الطبعةُ الثانية، فقد اهتم فيها بدراسة ملحقِ القصائدِ المشكوكِ في نسبتها إلى الشاعر، وذلك لبيان ضآلة النسبة المائوية لهذا الشعر بالقياس إلى متنه الشعري الصحيح الموثق. كما أنه اطلع على كم غزير من الدراسات التي أُنجِزتْ حول الشاعر وشعره، أو التي انصبَّ اهتمامُ أَصْحابِها على دراسةِ الشِّعْر المَغربي الحديث بشكلٍ عام قصد الاستئناس بها في دراسته.
ومن الجدير بالملاحظة أن الدراسة هيمنَ عليها الجانبُ التطبيقي، حيث عُني الدارسُ بتحليل قصائد الديوان التي اختارها مجالاً لدراسته في كل أبواب الكتاب. وقد اتَّسمَ تحليلُهُ تلكَ النصوص بالإيجازِ والجِدَّةِ والعمقِ والكشفِ عن الشِّعْرية التي ينطوي عليها ديوانُ ” روضِ الزيتون ” لشاعر الحمراء.
الهوامش:
[1]ـ آلة لفتح إناء الخمر.