مُحاصَرة رئيس حكومة كل المغاربة في الرباط وطنجة اعتداء شنيع على الديمقراطية في دولة الحقّ والقانون في الرباط ..مهزلة !
الإثنني 27 يونيـو 2016 – 17:46:00
محاصـرة أمين عام حزب العدالة والتنمية “عبد الإله بنكيران“، ببـاب بيت الصحافة، وقبلها حـادثــة لا تَقـلُ عنها صفـاقـة وقبحـًا، بعد أن عَمَدَت جماعة من شباب الاتحاد الاشتراكي إلى منع بنكيران، من الدخول إلى مقر هذا الحزب للمشاركة في ندوة “مؤانسات فكرية” تلبية لدعوة وجهت له من طرف مؤسسة “المشروع” التابعة للاتحاد الاشتراكي، حادثتــان أثـارتـا ردود فعل ساخطة ناقمة على مستوى الرأي العام الوطني لما تحمله من دلالات محبطة حول ثقافة القيم وتضع سؤال الحوار التخلق والمتمدن بالنسبة للأحزاب السياسية وللممارسان الحزبية في مغرب بعد دستور 2011.
الحادثتان معا كشفتا بوضوح أن الحوار السياسي الذي يعتبر الطريق الأنسب للوصول إلى الحقيقة المنشودة أو إلى التوافق بشأنها، أصبحت غير سالكة تلى مستوى القيادات الحزبية بالمغرب بالرغم من الجهد الذي بذل من أجل وضع دستور متطور يجد فيه كل لون سياسي وجمعوي فضاء واسعا ومقننا لممارسة الحوار الحر ، المشبع بروح المسؤولية والصدق والصراحة، لمواجهة مختلف القضايا المطروحة على الساحة السياسية ، والوصول إلى توافق يخدم مصالح الشعب قبل منافع الأحزاب ويفتح باب الأمل على المستقبل.
قد يقـول قـائــل إن الحوار مغيب داخل الأحزاب السياسية فكيف لهذه الأحزاب أن تعتمده منهجا للتواصل بين مختلف مكونــات المشهد الحزبي في المرحلة الراهنة ؟ أو ليست “الانشقاقات” التي تشهدها جل الأحزاب السياسية ، إما بدافع الأنانية أو الرغبة في الزعامة أو بسبب “معضلة” التزكيات الانتخابية أو ما يعرف بـ “تسلط” القيادات الأزلية ، لخير دليل على غياب الحوار الداخلي، الأمر الذي دفع إلى ظهور أحزاب جديدة منشقة، أو تجمعات رافضة للهيمنة داخل جل الأحزاب السياسية ، لا فرق في ذلك بين اليميني واليساري والوسطي والوطني والمحدث بـ “فعل فاعل” ! …..أحزابنا أحزاب “قيادات” و “زعامات” و “ولاءات” وكل المواقف مبنية على هذه الفرضية والقاعدة ، وهذا ما يفسر عدم الاستقرار داخل الأحزاب، كما يفسر فقدانها للمصداقية لدى الشعب الذي أدار ظهره للممارسة السياسية وأدى بالمشاركة الانتخابية إلى ما وصفناه بمشاركة النصف في النصف: المسجلون على اللوائح الانتخابية أقل من نصف السكان، والمشاركون يشكلون نصف المسجلين … فقدان القدرة على الحوار أحدث شرخا عميقا داخل الأغلبية التي توجد على كف “عفريب ” أو “تمساح” بسبب ما يروج من أخبار بين الفينة والأخرى عن صراعات داخلية تهدد بالإنفجار (مزوار والعنصر نموذجا).
أما أحزاب المعارضة فإنه لا مجال داخلها للحوار أمام غياب قاعدة التجانس بين مكوناتها من حيث المرجعيات، وأمام الانشغالات الراهنة بخصوص السعي للظفر بمواقع متقدمة في الانتخابات التشريعية المقبلة. وبين الكتلتين، الحاكمة والمعارضة، عنف وسوقية ورداءة وابتذال !…. وبالتالي، فالذي حدث في كل من الرباط وطنجة، بخصوص “كرم الوفادة” الذي خص به أمين عام العدالة والتنمية، لم يكن غريبا على الممارسة الحزبية والسياسية المخجلة بالمغرب هذه المقدمة، على طولها، كانت ضرورية، تمهيدا للتعليق على ما حدث في مقر حزب الاتحاد الاشتراكي بالرباط مساء السبت 11 يونيه الجاري حيث منع عشرات من “المناضلين” الشباب أمين عام حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة من دخول مقر الحزب لحضور ندوة دعي إليها من مؤسسة تابعة لهذا الحزب، بعد أن أغلق باب المركز بقوة في وجهه. وقد واجه عبد الإله بنكيران هذا الموقف بحكمة ورزانة وبعد نظر، حيث فضل البقاء داخل سيارته لما فوق الساعة، وهو يسمع كلاما نابيا في حقه ويشاهد لافتات تحمل شعارات جارحة، إلى أن تمكنت قوات الأمن من التدخل لتفسح الطريق أمامه إلى داخل “قلعة” الاشتراكيين بالعاصمة .
ما قال بنكيران للاتحاديين لا يهم.ربما صار معلوما إذ تصدت له مختلف المنابر الإعلامية. .التاريخ وحده هو الذي سوف يحكم له أو عليه. ولكنا سجلنا أن بنكيران كان اتحاديا، سنة اغتيال الشهيد عمر بنجلون 1975 في رد منه على من ألصقوا به دم الشهيد عمر بنجلون. والحال أن ادريس لشكر سبق وأن نفى نفيا قاطعا عن بنكيران تلك التهمة، ووصف فعل المواجهين لبنكيران بباب مقر الحزب ب “البلطجية” وفعلهم بـ “العار” !… بنكيران أكد وجود هوامش مشتركة بين جميع الاحزاب السياسية رغم الخلافات والمواجهات التي لا يجب “أن تفسد للود قضية”.
بنكيران تخلص من عقدة الإخوان المسلين ومن مبدئهم الثابت الذي يدعة إلى أن “الإسلام هو الحل”. بن كيران اعترف بأن الشباب الغاضبين تصرفوا تصرفا حضاريا وعبروا عن موقفهم بمنتهى المسؤولية ، كما اعترف بأن الحوار مع الاتحاد الاشتراكي لا يوجد ما يمنعه، بل إنه مرغوب فيه بعد أن ظهر ما قد يفيد بأن نوعا من التقارب بين أحزاب الكتلة والعدالة والتنمية ، في المرحلة القادمة. إلا أن غياب معظم قيادات حزب الوردة عن ندوة “المشروع” الاتحادي، يوحي بأن الحزب يعيش “انفصاما” في مكوناته الأساسية وأن الحزب مزدوج الخطاب وأنه يعيش على “رموزه” التاريخية، بعد أن “خفت موازينه” دون أن يضعف موقعه السياسي داخل الحقل الحزبي، الذي صنعه رجال الإتحاد الأفذاذ، بمبادئهم ونضالهم وتصميمهم على تخليص الوطن من الظلم والقهر والقمع ، وقدموا في ذلك بشهادة التاريخ الوطني تضحيات جسيمة.
وفي طنجة…مهزلة أخرى ! في طنجة حضر عبد الإله بنكيران بصفته الحزبية، لقاء ببيت الصحافة تحدث خلاله في موضوع “الراهن المغربي والانتظارات السياسية في أفق الاستحقاقات التشريعية المقبلة” المطبوعة بالترقب الحذر من طرف جميع الفاعلين السياسيين بالمغرب وأيضا من المتتبعين للشأن المغربي عبر العالم . أجوبة بنكيران تمحورت حول قضايا الساعة ومنها تحالفات حزبه المستقبلية وموقعه بالنسبة للأحزاب الأخرى حيث صرح بأن التهالف الوحيد “الموثق” في الوقت الراهن، هو مع التقدم والاشتراكية أما باقي مكونات الأغلبية الحالية، “فعلمها عند ربي في كتاب” (خاصة بعد بعض المواقف المتصفة بـ “العدوانية” لمزوار الأحرار وعنصر الحركيين التي اعتبرت في وقتها استفزازا وتشويشا) بينما ترك بنكيران الباب مفتوحا أمام تحالفات ممكنة مع أحزاب الكتلة ، ولكنه جدد تأكيده لموقف حزبه الرافض لأي تحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة، مستقبلا.
بل إنه انتقد تصريحات رئيس جهة طنجة بخصوص مشروع المدينة الصينية وأصر على أن هذا المشروع حكومي ، الحكومة هي التي وقعته مع شركائها الصينيين، دون أن ينكر مساهمة رئيس ا واحتجاجات منتخبى مدينة آسفي وصلت إلى قبة البرلمان. وبعد أن تم لقاء بنكيران في جو مريح بكل المقاييس، مع مجموعة من الإعلاميين والمتتبعين للشأن المحلي وهم رئيس الحكومة بالانصراف، فوجئ الجميع بوقفة احتجاجية بباب البناية ، لما يسمى بتنسيقية 10 آلاف إطار تربوي بالمدرسة العليا للأساتدة بتطوان، أصر المشاركون فيها على إحداث الفوضى والشغب بباب بيت الصحافة بمحاصرة سيارة “ضيف طنجة” في وقت متأخر من الليل، وترديد شعارات معادية لبنكيران ولحزبه، والمطالبة بالإدماج الفوري في سلك الوظيفة العمومية.
فيما أقدم بعضهم على الارتماء على سيارة رئيس الحكومة لمنعه من المغادرة والعودة إلى الرباط. احتجاج الأساتذة أمر مشروع، لا أحد يجادل في ذلك، ولكن الظرف والمكان لم يكونا مناسبين لتنظيم هذه التظاهرة، اعتبارا إلى أنها لن تأتي بطائلة، ما عدا التشويش الذي قد تحدثه على هذه التظاهرة السياسية والفكرية الهامة. وقد سارع محرر صحيفة وطنية إلى كتابة عنوان عريض يعلم فيه أن “رئيس الحكومة يقضي ساعة في الجحيم بطنجة” والحال أنه شارك في ندوة ناجحة، وأجاب عن كل الأسئلة المطروحة عليه في جو هادئ ومريح، وأنه لم يخرج “بشق الأنفس” بل تطوع مناضلون من حزبه ليفسحوا له الطريق بعد كبح جماح المحتجين حتى غادر للعودة إلى العاصمة. ليس هذا موقف دعم لبنكيران وحزبه. فالرجل بشر يخطئ ويصيب، وموقفي منه ومن تدبيره للشأن العام موثق عبر العديد من المقالات والأعمدة التي انتقدت فيها العديد من مواقفه وقراراته، أحيانا بغلظة وقساوة.
ولكن طريقة التعامل مع الرجل بالرباط وبطنجة استفزتني وأثارت حنقي لطبيعتها العدوانية بما يتنافي مع أخلاقنا وقيمنا وسلوكنا كشعب متحضر ، راق ومتقدم !… وكيف ما كانت مآخذنا على بنكيران فإنه لا مناص من الاعتراف له بشجاعته النادرة حيث إنه اقتحم مجالات لم يجرؤ أحد ممن سبقوه إلى رئاسة الحكومة، من مبارك البكااي إلى ادريس جطو على الاقتراب منها واتخذ بشأنها مبادرات جريئة، وأحيانا مؤلمة، ولكنها كانت ضرورية للحفاظ على التوازنات المالية للبلد، خاصة في ما يتعلق بمعالجة معضلة صندوق المقاصة الذي انخفض ضغطه من 50 إلى 14 مليار، وصناديق التقاعد المهددة بالانهيار التام إلى جانب مبادرات اجتماعية متعددة.
حقيقة إن هناك اختلالات تشوب تنفيذ مختلف تلك المبادرات المتخذة الذي في إطار الإصلاح الشامل الذي وعد به على أن يكون متدرجا داخل الاستقرار خاصة ولم يكن ممكنا لرئيس حكومة في بداية تجربته أن يستدرك وضعا فاسدا لنصف قرن، في ولاية أو ولايتين، خاصة والمرجعية التي اعتمدها حزبه منذ البداية ، لم تكن لتطمئن لها شرائح واسعة من المواطنين داخل وخارج المعارضة الشرسة التي واجهته منذ البداية والتي أججها باستعماله إشارات مرجعية في العديد من خطاباته وتصريحاته، والحال أنه كان في غنى عنها ما دام أن البلد مسلم، والشعب مسلم والعقيدة مالكية أشعرية، وأن الدين لله والوطن للجميع !… حقيقة أخرى أن هناك العديد من حالات الإصلاح التي لم تفلح الحكومة في معالجتها كالرشوة التي ترسخت في التعامل بين الناس كثقافة مجتمعية يصعب القضاء عليها بين يوم وليلة أو محاربة الفساد و البطالة ومواجهة مختلف أشكال استغلال الدولة والعجز عن توزيع عادل للثروة والفقر والهشاشة ولكن حكومة بنكيران اقتربت بجد من مختلف نلك الآفات الاجتماعية واتخذت مبادرات لم تكن حاسمة ، فعلا، ولكنها شكلت خارطة طريق تتطلب مزيدا من التفعيل في إطار التشارك والتعاون بين مختلف الفاعلين السياسين بالبلد، انطلاقا من مبدأ أن إي حكومة لا تملك العصا السحرية لقلب الأوضاع بين يوم وليلة، ولكن العبرة بالإرادة والبحث المستمر عن الحلول والاجتهاد ومعالجة الأوضاع بعيدا عن أجواء الإثارة والحرص المستمر على نظافة اليد والسعي المتواصل إلى قطع الطريق عن المشعوذين السياسيين وعن الوصوليين .
ويبقى الشعب هو الحكم الأول والأخير. بين كل الفرقاء السياسيين. ويوم الامتحان، 7 اكتوبر المقبل، سوف يعز من يعز ويهان من يهان، لو تمت الانتخابات في جو من النزاهة والشفافية والمصداقية كما نتمنى، والله أعلم.