نساء لهن دور في الدعوة الإسلامية (1)
جريدة الشمال – د.محمد كنون الحسني ( نساء خالدات )
الجمعة 04 مارس 2016 – 10:55:55
ففي سنة 1857 خرج آلاف النساء للاحتجاج في شوارع مدينة نيويورك على الظروف اللا إنسانية التي كن يجبرن على العمل تحتها، مما دفع المسئولين السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جداول الأعمال اليومية، كما أنه تم تشكيل أول نقابة نسائية لعاملات النسيج في أمريكا بعد سنتين على تلك المسيرة الاحتجاجية. وفي الثامن من مارس من سنة 1908 عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك لكنهن حملن هذه المرة قطعا من الخبز اليابس وباقات من الورود في خطوة رمزية لها دلالتها واخترن لحركتهن الاحتجاجية تلك شعار “خبز وورود”. حيث طالبت المسيرة هذه المرة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع. وقد شكلت مُظاهرات الخبز والورود بداية تشكل حركة نسائية تطالب بالمساواة والإنصاف، والحقوق السياسية وعلى رأسها الحق في الانتخاب.ثم بدأ الاحتفال بالثامن من مارس كيوم المرأة الأمريكية تخليدا لخروج مظاهرات نيويورك سنة 1909 وقد ساهمت النساء الأمريكيات في دفع الدول الأوربية إلى تخصيص الثامن من مارس كيوم للمرأة وذلك في مؤتمر كوبنهاكن بالدانمرك الذي استضاف مندوبات من سبعة عشر دولة وقد تبنى اقتراح الوفد الأمريكي بتخصيص يوم واحد في السنة للاحتفال بالمرأة على الصعيد العالمي بعد نجاح التجربة داخل الولايات المتحدة. حيث ثم تعميم الاحتفال بهذه المناسبة على إثر عقد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي والذي عقد في باريس عام 1945.كما ثم تخصيص يوم الثامن من مارس كعيد عالمي للمرأة بعد تبني منظمة الأمم المتحدة ذلك سنة 1977 عندما أصدرت المنظمة الدولية قرارا يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمر، فقررت غالبية الدول اختيار الثامن من مارس.. كما أن الأمم المتحدة أصدرت قرارا دوليا في سنة 1993 ينص على اعتبار حقوق المرأة جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان وهو ما اعتبرته الكثير من المدافعات عن حقوق النساء حول العالم تنقيصا من قيمة المرأة عبر تصنيفها خارج إطار الإنسانية.وما يهمنا نحن من هذا اليوم هو تكريم المرأة وتعظيمها ووضعها في المكانة التي وضعها فيها الإسلام منذ بزوغ نوره وسطوع شمسه، حيث وضع الميزان الحق لكرامتها ومنحها حقوقها الكاملة، ورفع عن كاهلها وزر الإهانات التي كانت ترزح تحتها عبر التاريخ وفي ظل الحضارات القديمة، لقد أعلن إنسانيتها الكاملة وصانها من عبث الشهوات وجعلها عنصرا فعالا في بناء المجتمع وتطوره بعد أن كانت مجرد متاع ووسيلة من وسائل الإستمتاع .فقد نادى بالمساواة بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات وجعلها في مكانتها الاجتماعية التي تستحقها بما يتفق مع رسالتها العظيمة التي خصصتها لها الحياة الطبيعية،منحها حقها في الحياة الحرة الشريفة.
لقد شمل خطاب التكليف في القرآن والسنة النبوية الناس جميعهم دون تفريق بين الذكور والإناث، وحمل المرأة من الواجبات والتكاليف ما حمله للرجل ومنحها من الحقوق مامنحه، ولقد حملت لنا كتب السيرة والتاريخ روايات كثيرة عن مواقف رائدة لنساء مسلمات فيها دلالة على ما كان يتحلى به كثير منهن من نباهة وشجاعة وقوة شخصية، وما بذلنه من تضحيات من أجل نشر الإسلام والدفاع عنه بالقول والعمل، مصداقا لقوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )، وفي مقدمتهن أمهات المومنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، والمجاهدات من نساء الصحابة والتابعين.
وفي مقدمتهن خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشية الأسدية الملقبة بالطاهرة، وهي أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وأول من آمن به وهي التي آزرته وصدقته عندما كذبته قريش وعادته. روى الإمام البخاري في صحيحه وغيره عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنه عندما رجع رسول الله صلى الله وسلم أول ما أوحي إليه من غار حراء (فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: زملوني زملوني.. فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي فقالت خديجة كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد – ابن عم خديجة- وكان امرأ تنصر في الجاهلية فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك. فقال لها: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى (أي في الغار). فقال ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟ قال نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا).
ولنسمع من المصطفى صلى الله عليه وسلم كيف كانت زوجته خديجة في نصرته ونصرة دين الله قال صلى الله عليه وسلم: (آمنت إذ كفر الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس). فكانت أول من آمن بالله ورسوله، وصدق بما جاء به فخفف الله بذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم فكان لا يسمع شيئا يكرهه من الرد عليه فيرجع إليها إلا تثبته وتهون عليه أمر الناس). تزوجها رسول الله في أول شبابه وكان عمره خمسا وعشرين سنة وعمرها أربعين وعاشت مع الرسول خمسا وعشرين سنة ورزقت منه ابنين وأربع بنات هما القاسم، عبد الله، زينب، رقية، أم كلثوم، فاطمة. وأتى جبريل عليه السلام رسول الله فقال: هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من نصب لا صخب فيه ولا نصب. فلما جاءت خديجة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لها:إن الله يقرأ على خديجة السلام. قالت: خديجة بنت خويلد إن الله هو السلام وعلى جبريل السلام.
فهي أول امرأة اعتنقت الإسلام، وأول امرأة دافعت عن الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم، فكان صلى الله عليه وسلم يخرج يبشر قومه فلا ينال منهم غير التكذيب، فيعود إلى بيته حزينا يائسا، فتزيل خديجة حزنه ووتهون عليه الأمر، وتدعوه إلى التمسك برسالته والتضحية في سبيلها. توفيت بمكة المكرمة قبل الهجرة بثلاث سنين بعد أن بلغت من العمر خمسة وستين عاما. فقد كانت- رضي الله عنها- مثالا عظيما للزوجة الصالحة المؤمنة.
ـ يتبع ـ