نساء لهن دور في الدعوة الإسلامية (2)
جريدة الشمال – د.محمد كنون الحسني ( نساء خالدات )
الإثنين 07 مارس 2016 – 09:00:01
الإثنين 07 مارس 2016 – 09:00:01
تحدّثنا في العدد المـاضي عن “خديجة بنت خُويلد” زوجة الرّسول صلى الله عليه وسلم ووقفنا على دورها الريادي في نصرة الإسلام ورسوله، ونقف اليوم على أسماء أخرى لنساء مسلمات رائدات كان لهن فضل الدفاع عن هذا الدين والنضال من أجل نشره، منهن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق، زوج النبي صلى الله عليه وسلمولدت -رضي الله عنها- سنة تسع قبل الهجرة، ولُقِّبت بالصِّدِّيقة، واشتهرت بأم المؤمنين، وبالحميراء لغلبة البياض على لونها. عُرفت بعِلمها وكثرة الأحاديث التي رَوتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان أكابر الصحابة يسألونها ويستفتونها، قال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة -رضي الله عنها- من أفقه الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة. وقال أبو موسى الأشعري: ما أشكلَ علينا حديث قَطُّ، فسألنا عنه عائشة -رضي الله عنها- إلا وجدنا عندها منه علمًا.وقال عروة بن الزبير بن العوام: ما رأيت أحدًا أعلم بالحلال والحرام، والعلم، والشعر، والطب من عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها. فقد قصد الناس بعد وفاة الرُّسول صلى الله عليه وسلّم صَحابته وأحفظ الناس لكتاب الله وحديث نبيه يستفتونهم في أمور دينهم، غير أن أعظم مدرسة شهدتها المدينة المنورة في ذلك الوقت هي زاوية المسجد النبوي التي كانت قريبة من الحجرة النبوية وملاصقة لمسكن زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كانت هذه المدرسة مثابة للناس، يقصدونها متعلمين ومستفتين حتى غدت أول مدارس الإسلام وأعظمها أثرًا في تاريخ الفكر الإسلامي، ومعلِّمة هذه المدرسة كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. فقد تخرج من مدرسة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عددٌ كبير من سادة العلماء ومشاهير التابعين، ويضم مسند الإمام أحمد بن حنبلبين طياته أكبر عدد من مروياتها رضي الله عنها.توفيت رضي الله عنها سنة ثمانٍ وخمسين، ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان. ومن هَؤلاء النّساء الفــاضلات أيضا أم المؤمنين زينب بنت صفية بنت عبد المطلب زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، التي كانت من اللواتي أسرعن في الدخول في الإسلام، وكانت تحمل قلبا نقيا مخلصا لله ورسوله، فأخلصت في إسلامها، وقد تحملت أذى قريش و عذابها، إلى أن هاجرت إلى المدينة المنورة مع إخوانها المهاجرين، وقد أكرمهم الأنصار وقاسموهم منازلهم وناصفوهم أموالهم وديارهم . وقد تميّزت رضي الله عنها بمكانة عالية و أخلاق فاضلة ، كانت سيدة صوامة قوامة ، تتصدق بكل ما تجود بها يدها على الفقراء والمحتاجين والمساكين، وكانت تصنع وتدبغ وتخرز وتبيع ما تصنعه وتتصدق به ، وهي امرأة مؤمنة تقية أمينة تصل الرحم .وهنالك العديد من المواقف التي تشهد على عطاء أم المؤمنين زينب، و تُـؤكّد على جودها وكرمها، فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله: ” أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا” قالت : فكن (أمهات المؤمنين ) يتطاولن أيتهن أطول يدا ، قالت : وكانت أطولنا يدا زينب ؛ لأنها تعمل بيدها وتتصدق .وفي رواية أخرى: قالت عائشة: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول ، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش ،وكانت امرأة قصيرة ولم تكن بأطولنا ، فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد طول اليد بالصدقة ، وكانت زينب امرأة صناع اليدين ، فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق به في سبيل الله. وعن عائشة – رضي الله عنها – أيضا قالت: كانت زينب تغزل الغزل وتعطيه سرايا النبي صلى الله عليه وسلم يخيطون به ويستعينون به في مغازيهم.” وحدّثَت بــرزة بنت رافع فقالت : لما خرج العطاء ، أرسل عمر إلى “زينب بنت جحش” بالذي لها ، فلما أدخل إليها قالت : غفر الله لعمر بن الخطاب ، غيري من أخواتي كانت أقوى على قسم هذا مني ، قالوا: هذا كله لك ، قالت: سبحان الله واستترت منه بثوب ثم قالت : صبوه واطرحوا عليه ثوبا ، ثم قالت لي : ادخلي يديك واقبضي منه قبضة فاذهبي بها إلى بني فلان وبني فلان من ذوي رحمها وأيتام لها ، فقسمته حتى بقيت منه بقية تحت الثوب فقالت برزة لها: غفر الله لك يا أم المؤمنين والله لقد كان لنا في هذا المال حق ، قالت زينب: فلكم ما تحت الثوب فوجدنا تحته خمسمائة وثمانين درهما ، ثم رفعت يدها إلى السماء فقالت : اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا .” قالت عائشة فيها :” لقد ذهبت حميدة ، متعبدة ، مفزع اليتامى والأرامل.”قال ابن سعد – رحمه الله- :” ما تركت زينب بنت جحش – رضي الله عنها – درهما ولا دينارا، و كانت تتصدق بكل ما قدرت عليه ، وكانت مأوى المساكين .” ومن هؤلاء النساء الفاضلات “خولة بنت ثعلبة” ، إحدى النساء المؤمنات العارفات بالله تعالى،كانت قويةً في الحق وشجاعةً، ويُحكَى أنهاقابلت سيدَنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بعد أن تولى خلافة المسلمين ولم تستدِرلتغادر طريق أمير المؤمنين، رغم أن الشيطان كان يستدير ويسلك طريقًا آخر لو رأى فيطريقه الأول سيدنا عمر، ولما اعترضت طريقَه قالت له إنها شاهدته وهو صبي ثم وهو أحدأعلام الإسلام ثم وهو أمير المؤمنين، وكانت بذلك تذكِّره بأنه كان بسيطًا فلا يدعالغرور يدخل قلبه، وطالبتْه بأن يتقيَ اللهَ في الرعية وأن يعدل بينها، وفي ذلكالموقف ما يوضح جرأتَها في الحق ومعرفتَها بتعاليم الدين الإسلامي التي لا تفرق بينالمسئول وبين الرعية وتعطي الرعية الحقَّ في توجيهرعاتهم. كما كانت حريصةً على بيتها وزَوجها أكثر من حِرصها على أيّ شيء آخر، عملاً بالتّعـاليم الإسلاميّة التي تدعو الرجل والمرأة إلى حماية الحياة الأسرية، فلما كبُر زوجُها أوس بن الصامتفي السن ضاق خلقُه بفعل أمراض الشيخوخة، فكانت تعاشره بالحسنى وتتحمل كل ما يصدر منه، وقد أخبرت الرسول بذلك، لكنه ذات مرة بلغ به الضيق مبلغَهفطلَّقها على طريقة الجاهلية في الظهار، وقال: “أنت عليَّ كظهرأمي”. فتوجَّهت من تِلقاء نفسها إلى الرّســول صلى الله عليه وسلم وقصَّت عليه القصة كلّها فـأنـزلَ الله تعالى على رسوله الكريم قرآنًا يُتلى في أوّل ســـورة المُجـــادلة؛ حيث قال تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَسَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ وأمرَها الرسول الكريم بأن تدفع زوجَهالعتقِ رقبة، لكنها قالت بأنه لا يملك، فأمرها بإطعام 60 مسكينًا، فأخبرته بأنهما لايملكان، حتى أمرها بالتصدق بالتمر، وهنا تتضح سمةٌ أخرى من سمات خولة بنت ثعلبة،وهي تمسُّكُها ببيتها وزوجها إلى النهاية وعدم تفريطها فيهما، حتى بعد أن شاخ زوجهاواضطربت سلوكياته للدرجة التي ظاهرها فيها على أخلاق الجاهلية دون أن يدرك أنه علىالدين الإسلامي. ـ يتبع ـ