نصبوا محكمة وأصدروا حكما مؤلما ومهينا في حق شيماء بتهمة «الخيانة » و «التخابر » مع فصيل «عدو » يحدث هذا في دولة الحق والقانون والمؤسسات
الجمعة 27 ماي 2016 – 16:59:44
الجامعة التي تمثل قمة منظومة التربية والتعليم بالمغرب وبالعالم، أضحت عندنا مرادفا للعنف والاقتتال والإعتداء على حرية وكرامة الطلبة، بعد أن يزج بها في خضم صراعات صبيانية، بين هذا الفصيل وذاك، وهذه الجماعة وتلك، وهذا التيار السياسي وذاك…. والحال أن الجامعة كانت ويجب أن تكون وأن تبقى فضاء رحبا وطبيعيا لبناء رجال الغد وقادة الغد ومحققي استقرار وتنمية مغرب الغد. ما حدث في جامعة مكناس ويحدث في غيرها من جامعات المغرب، أمر مرعب لأنه ينبئ بتحول كبير في المفاهيم والقيم لدى الشباب، بل ويؤكد انجراف الشباب نحو التيارات المهدمة الداعية إلى استعمال العنف، بدل الحوار، لحل الخلافات وتدبير المواجهات، بما يحفظ للجامعة هيبتها ووقارها ومركزها كمنارة للعلم والمعرفة والتحضر. ما حدث بجامعة مكناس، أمر مخز تبرز فيه كل صفات العدوانية والجلافة والهمجية.شابة في ربيعها الثالث والعشرين، رمى ربها شظف العيش إلى العمل في كافيتيريا جامعة مكناس، لتجد نفسها داخل دوامة من العنف، أفضى بها إلى اعتداء جسدي خطير ومهين، على يد فصيل طلابي يدعي التقدمية والاشتراكيةو «الثورية .
من يكون هذا الفصيل؟
إنه النهج الديمقراطي القاعدي «البرنامج المرحلي » الذي تشير إليه الأصابع في واقعة «المحاكمة » القاعدية التي نصبت لفتاة كافيتيريا كلية العلوم بجامعة المولى اسماعيل بمكناس والتي أودت بها إلى فقدان شعر رأسها وحاجبيها وإصابتها بنوبة عصبية حادة سيكون لها ما بعدها من آثار وخيمة على توازنها النفساني . وهو أمر خطير للغاية.
إن هذا الفصيل،، ووفق ما تجمع من أخبار بشأنه، يعد خلاصة لتجربة اليسار الراديكالي، منذ الاستقلال، داخل الجامعة التي يراد لها أن تقود «الثورة » البروليتارية، بواسطة العنف الذي صار سمة مشتركة بين العديد من الفصائل الطلابية.
«البرنامج المرحلي » نبع من تيارات «تقدمية » ماركسية، طبعت الحياة الجامعية خلال سبعينات القرن الماضي، ولكن هذا التيار سرعان ما انفصل عن تيار «القاعديين‹‹ و «إلى الأمام »، لينتظم في تجربة النهج الديمقراطي، القاعدي مع موقف ملتبس بين الراغبين في العمل ضمن توجهات حزب النهج الديمقراطي والرافضين لهذا التوجه، المدافعين عن استقلالية التيار، على أن الإيديولوجية الأساس هي مواجهة النظام عبر تعبئة النقابات الطلابية والدفاع عن مكتسبات الطلبة، ومحاربة الرجعية والظلامية. وليس ضروريا أن يغيب العنف عن وسائل تحقيق هذه الأهداف، وكذلك عن أسلوب تعامل «البرنامج المرحلي » مع الفصائل الطلابية الأخرى التي ينعتها ب «التحريفية » لأنها خرجت عن الخط «الثوري » كما أنه يعتبر الفصائل الإسلامية ب «الظلامية »، والحركة الأمازيغية، «الشوفينية .»
وكما هي الحال بالنسبة للفصائل الأخرى وللأحزاب السياسية ذاتها، يشهد تيار «البرنامج المرحلي » انشقاقات بسبب تباين المسارات، خاصة بالنسبة لمن يغادرون الجامعة وينخرطون في الحياة العامة داخل مجتمع يكتشفون أنهم يجهلون الكثير عن منجزاته ومكتسباته وعن المناهج الجديدة التي اختارها لتحقيق المزيد من طموحاته
قطع اليدين أو قص الشعر :
حلقوا رأسها
بعض شهود الواقعة أكدوا أن عناصر من التيار المرحلي المتطرف، أوقفوا الشابة عن العمل بالمقصف، حوالي الثانية زوالا وطلبوا منها مغادرة مكان عملها وعدم العودة إليه مرة أخرى، مهددين إياها بأقصى العقوبات، بعد أن اتهموها ب «الخيانة » وب «التجسس » على الفصيل القاعدي لصالح فصيل الحركة الأمازيغية. وقد تعمدت طالبة من الفصيل القاعدي إثارة مشادة كلامية مع العاملة، لتبرر هجوم رفاقها على شمياء، وهذا اسمها، وطردهم إياها بالقوة بعد حصة من الضرب والصفع والركل.
وراج في كواليس الكلية أن بعض عناصر «المرحليين » كانوا يؤاخذون على شمياء رفضها إمدادهم بالوجبات بالمجان الأمر الذي لم يكن يروقهم، وصاروا يتحينون الفرصة للإيقاع بها وطردها، كما يحكى أن الفصيل قام بنفس العملية في حق شاب كان يعمل بالمقصف ذاته، حيث هددوه بقطع رجليه إن هو عاد إلى الجامعة….ولم يعد !.. مائتا صفعة أو تزيد.. !
شيماء غادرت الكلية بعد تعرضها للضرب والصفع لتعود بعد الظهر بغاية تقديم شكاية ضد المعتدين عليها خلال الفترة الصباحية، ولكنها تعرضت لهجوم عنيف من بعض عناصر الفصيل المرحلي حيث اقتيدت بالقوة إلى ساحة الكلية، وعقدوا لها محكمة «ثورية » هناك، وقرروا قطع يديها . إلا أن «الحكم » استبدل بقص شعر رأسها وحاجبيها وصفعها أربعين صفعة، تحولت ساعة التنفيذ إلى ما فوق المائتين، فقدت بسبب كل ذلك وعيها . ولم يشفع صغر سنها ولا دموعها ولا استعطافها لجلاديها من أجل الرأفة بها وبضعفها وببراءتها، مما نسب إليها من مناصرة فريق على فريق، ولكنهم واجهوا استعطافها بالصفع، بعد أن كبلوها وحجبوا عنها الرؤيا ورموا بها وسط الساحة أمام حشود الطلبة «المتفرجين » كما تثبت صور المشهد ذلك، ونفذوا حكمهم فيها بقص شعر رأسها ونتف حاجبيها، ثم طافوا بها في كل أركان الجامعة ورموا بها خارج أسوار البناية الجامعية لتنصرف على الحالة المزرية التي وضعوها فيها.
وعندما حاولت أختها التي تشتغل معها في المقصف، مساعدتها على مغادرة أسوار «المحكمة »، هاجمها عنصر مسلح بسيف، وتسبب لها في جروح بليغة نقلت على إثرها إلى مستشفى محمد الخامس، بمكناس.
هذه الواقعة، أثارت موجة غضب متصاعدة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي مقابل صمت مريب للحكومة وللجمعيات والمنظمات الحقوقية، خاصة تلك التي تتبجح بالدفاع عن المرأة والتي يبدو أنها لا «تتحرك » إلا عندما يتعلق الأمر بقضايا تخدم مصالحها . كما انصبت انتقادات مواقع التواصل الاجتماعي على التنديد بتعامل المصالح الأمنية مع الواقعة المخزية والمحزنة.
وزير التعليم العالي و «تكريط الرأس » و «نتف الحواجب » أعلن أنه سيتم «طرد » المتورطين في هذا الاعتداء الشنيع وحرمانهم من المنحة ومن الاستفادة من الحي الجامعي… وهو أضعف الإيمان. في حين أعلنت المصالح الأمنية أنها اعتقلت ولغاية الأحد ستة عناصر من الفصيل المعلوم يشتبه في تورطهم في القضية المشؤومة، كما تم الإعلان عن توقيف الطالبة الرفيقة التي تكون قد تطوعت لقص شعر رأس شيماء «الخائنة » ونتف شعر حاجبيها، بسبب «تخابرها » وتعاونها مع فصيل «عدو .ماذا نستخلص من هذه الواقعة المؤلمة؟
وبخصوص المحاكمة «المرحلية »، نأسف لعدم تدخل المصالح الأمنية في الوقت المناسب، فالمحاكمة لم تكن عملية سرقة بالخطف، تدوم بضع ثوان، إنها «مهرجان » «فيشطة » حضرها عشرات من الطلبة والطالبات من عشاق «الفراجة » فابور، الذين «تلذذوا ،» لا شك، بمشهد شيماء وهي «تتقرع » على يد طلبة ثوريين، ولا من ينقذ المظلوم المقهور المحكور المستغيث، في بلد الحق والقانون والديمقراطية والمؤسسات !!!….
وأرجوكم ألا تستغربوا إذا طلع عليكم، ذات صباح، سياسي أو حقوقي «يبرر » المحاكمة وما صدر عنها من «أحكام » ثورية، بروليتارية، ماركسية، ويطلب منكم تفهم الوضع الذي هو مألوف في غير جامعات المغرب.
الواقع أنني خجلت من نفسي ومن مواطنتي حين قرأت تصريحا في هذا المعنى…..ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.جريدة الشمال