تلبي المرافق العمومية أهم وأبرز حاجات المواطنين، فهي من أسس الدول، إلى درجة أن قيل أن الدولة عبارة عن مجموعة من المرافق العمومية.
ونظرا لأهمية المرفق العمومي، لم يكن يتصور إلا أن تتكفل الدولة بتدبيره، ومع تطور الأحداث، فتحت المجال للأغيار للمشاركة، محتفظة في ذلك فقط بسلطات المراقبة والتتبع.
وقد ظهرت الحاجة إلى إشراك القطاع الخاص في تدبير المرافق العامة، تزامنا مع تغير أدوار الدولة، حيث تغيرت من منطق الدولة “المتدخلة” إلى الدولة “الحارسة” فاتحة المجال لاقتصاد السوق للإسهام في تدبير بعض القطاعات، مع احتفاظها الحصري لبعض المرافق التي لا تقبل منطق السوق، كالأمن الداخلي والخارجي، القضاء..
واليوم، تدخلت أساليب التدبير الخاصة في أبرز المرافق وأكثرها أهمية، كالتعليم، الصحة.. بل أصبح وجودها من المسلمات. غير أنه على المستوى الترابي والمحلي، ما تزال تجارب تفويض التدبير في المرافق المحلية فتية، بل تعرف عدة إكراهات وتحديات..
وعلى صعيد جهة الشمال، فقد عرفت عدة قطاعات تجربة تدبير الخواص، في مجالات متنوعة مثل معالجة السائل والصلب، توزيع الماء والكهرباء، جمع النفايات ومعالجتها..
وإذا كنا نقر بأن تدبير الخواص لبعض القطاعات أصبح ضرورة، نظرا لتطلبه أطرا بشرية متخصصة، وتجهيزات مادية عالية الدقة والجودة، فإنه بالمقابل لا يمكن التسامح مع احتكار المنطق التجاري لهذه الخدمات، ومن هنا يكون التوفيق بين الدواعي الربحية لشركاء التدبير وهاجس ضمان خدمة المواطن بمقابل معقول، محددا لنجاحها أو إخفاقها.
وتعرف أساليب تدبير المرفق العام القائمة على إشراك القطاع الخاص تنوعا وتعددا، منها شركات الاقتصاد المختلط، أسلوب الامتياز، عقود الخدمة، التدبير المفوض.. أما على مستوى الواقع، فنلاحظ اكتساحا قويا لأسلوب التدبير المفوض في المرافق المحلية، باعتباره يوفر عدة امتيازات..
وإذا كان تقرير أسلوب التدبير من صلاحيات الجماعة، فإنه من حق المواطن مساءلتها عن نتائج وجدوى هذا التفويض، خاصة إذا وضعنا المحددات التالية في وضع الاعتبار:
إنهاك الميزانية:
تكلف الشركات المفوض لها أموالا طائلة من ميزانية الجماعة، ولنا أن نأخذ مثال تدبير الإنارة العمومية الذي يكلف ستين (60) مليون درهم سنويا، أما من جانب التدبير فنثير – على سبيل المثال – مسألة تراجع مداخيل المحطة الطرقية للمدينة بعدما تم تفويضه لشركة التنمية المحلية، إذ أصبحت مداخيلها تقدر ب 660 ألف درهم بعدما كانت تقارب ثلاث ملايين ونصف درهم سنويا بالتدبير التقليدي السابق.
هي أرقام كفيلة بإطلاق دعوة لوقفة حقيقية لتقييم واقع هذا التدبير مع اتخاذ ما يلزم من قرارات.
تجاهل صلاحيات سلطة winstrol benefits العامة
أثيرت غير مرة، مسألة احتجاج مواطنين على شركات مكلفة بتدبير قطاعات حيوية أساسية، لأسباب متعددة ومعقولة في الغالب، حيث يجد المواطن نفسه في حالة صراع ومواجهة مع شركة “عملاقة” من أجل ممارسة حقوقه أو استنكار تعسفها.
وتتسم مختلف التجارب المحلية بغياب وتجاهل الجماعة – التي أدخلت الشركة بين المرفق والمرتفق، اللهم حينما يصل النزاع إلى حد بعيد.
وهنا نسائل الجماعة عن السلطات التي تحتفظ بها لنفسها في عقود التدبير المفوض، خاصة إذا علمنا أن العقد تصيغه الجماعة بشكل سابق عن الدعوة إلى المنافسة بين الشركات، وأيضا، فالقانون يخول لها الحظي بسلطات واسعة وقوية في مواجهة المتعاقد معها، لصالح المنفعة العامة وفي إطارها. غير أن الواقع أكد مرارا جنوح الجماعة إلى التجاهل، مدعية ضعف الحالة وقلة الحيلة، في حين أنه يمكنها تفعيل سلطاتها كما أشرنا.
غياب التقييم والتتبع
وفي نفس إطار تفعيل الصلاحيات والاضطلاع بها، نسطر غياب أدوار المراقبة والتقييم.. فعلى الرغم من أهميتها في تقرير الاستمرار على نفس النهج أو ضرورة إعادة الحسابات وتدخيل تعديلات.. تنأى الجماعة ومعها السلطات الوصية على تفعيل ذلك، مما يظهر العبثية والتساهل اللذان يطبعان التدبير ويرخيان بالتالي على جودة الخدمة..
عدم استحضار أفق نقل الخبرة
نظريا، يعتبر من بين مزايا الأساليب الخاصة في تدبير المرافق العمومية عامة، استحضار رهان نقل الخبرة والموارد في أفق جعل الموارد المحلية قادرة على تدبير قطاعها بنفس جودة الشركات المتخصصة، وهنا نكتفي بطرح سؤال مفتوح، هل يُراعى هذا الاعتبار لدى الجماعات؟
ومع ما سبق ذكره، يبقى أسلوب تفويض تدبير الأمور البسيطة والروتينية، من أجل التفرغ لتنزيل الاستراتيجيات والأهداف وابتكار الحلول، أمرا محمودا، إلا أن وجود واقع يؤكد محدودية التفويض وعدم الجدوى في غالب الأحيان، حيث تسعى بعض الشركات إلى مراكمة الثروات في منأى تام عن أي حس بجوهر الخدمة العمومية، يجعل إعادة النظر في المنطلقات والنتائج أمرا ضروريا.
أمل عكاشة