ولو “ديموقراطية” المنزلة بين المنزلتين…
الخميس 16 فبراير 2017 – 13:12:39
“انتهى الكلام”، هذا ما قاله رئيس حكومتنا السيد عبدالإله بنكيران، بعد أن سل كما تسل الشعرة من العجين، كرها أو طوعا، ارتباطه التكتيكي بحزب الميزان، وبعد أن لم يتلق جوابا واضحا قاطعا من حزبي الحمامة والسنبلة على سؤاله التحكمي بخصوص الرغبة من عدمها في المشاركة في حكومته التي تستمد مشروعيتها الدستورية من نتائج صناديق اقتراع السابع من أكتوبر الماضي التي تصدرها حزب المصباح.
كثرت التأويلات والتسميات التي أعطيت لهذا البلوكاج السياسي الذي تعيشه البلاد ويستغرب بشأنه العباد، فمن قائل إنه أزمة حكومية عادية في ظل نظام انتخابي يعتمد على النسبية، ومن قائل إنه محاولة انقلاب أبيض لفرملة التصاعد غير المنتظر أوغير المرغوب فيه لأسهم بنكيران وصحبه في بورصة التوازنات الحزبية الضرورية، ومن قائل أن إرادة الحزب الثاني بعد “حزب المقاطعين” هو تحويل القوة إلى استقواء، وبالتالي فرض الشروط، ولما لا إعادة الانتخابات كسابقة في المغرب الحديث لحسم المعركة انتخابيا في ظل حالة العزوف الانتخابي واليأس السياسي…
والآن بعد أن طرأ طارئ جلل له انعكاسات قوية على موقع المغرب وعلى صورته وسمعته داخل القارة التي ننتمي إليها وعلى المستوى الجهوي والدولي؛ هل يحق لأحزابنا، والكبيرة منها على الخصوص، عدم إيجاد صيغ وطنية للخروج من هذا البلوكاج السياسي الذي لا يلائم بحال من الأحوال مايتم ترديده ليل نهار من الحرص على المصلحة العليا للبلاد.
هذا وإن العربة البرلمانية، الملائمة لمقتضى الحال، قد تم تركيبها بمشاركة الأغلبية إلا قليلا، وما يبقى هو إيجاد الجياد الحكومية وقيادة العربة إلى الأمام، وفي هذا الصدد توجد عدة صيغ لطالما جربتها بلادنا وبلدان أخرى، على اعتبار أن أغلب حكماء الرأي والسياسة والمواطنين يقولون إن بلدنا غير قادر على تحمل كلفة إعادة الانتخابات ماديا في حين أن نتائجها السياسية غير متوقعة من حيث فرز تقاطبات جديدة، وستكون بالتالي انتخابات “تحصيل حاصل” أو هدر الزمن والمال، والله أعلم، ومن هذه الصيغ : حكومة وحدة وطنية، حكومة تقنوقراطية بدعم من أغلبية سياسية، حكومة أقلية…، حكومة توافقية بين الحزب المتصدر للانتخابات ووصيفه على قاعدة برنامج تنفيذ إصلاحات وأولويات…إلخ. اعتقد أنني أحلم، لكنني حينما أرى اشكالا وألوانا من صيغ التحالفات المبتدعة على الصعيد المحلي و الإقليمي والجهوي، أجد نفسي غير خارج عن المنطق، ففي بلد كبلدنا لازالت فيه “الديموقراطية” لا تتوفر على تقاليد عريقة وعلى قاعدة اجتماعية واسعة وأرضية فكرية راسخة، و لم تنبثق من تعاقد سياسي حقيقي تذوب فيه جميع المخاوف والترددات و”التقيات”، لا يمكن أن تكون لنا ديموقراطية خالصة، وسنبقى في وضعية المنزلة بين المنزلتين إلى حين أن تقطع نخبنا السياسية الدولتية والحزبية مع ترسبات الماضي وقيوده وتتجه نحو المستقبل وفرصه وإمكاناته التقدمية والتحررية.
إن تشكيل الحكومة في الظرف الحالي، بعد ما قلناه، هو في تقدير العقلاء مسألة لا يجب أن تخضع لحسابات سياسية ضيقة بل إن تشكيلها فعل سياسي من صميم الحكمة الوطنية التي علينا أن نحميها، كما حمياناها في أحلك الظروف وأعتى العواصف، ليستمر في الاعتراف بل الإعجاب بها، ثم تقديرها الأعداء قبل الأصدقاء…