استرجاع حقوق المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر قضية وطنية ومسؤولية الجميع
جريدة الشمال – عزيز كنوني ( نَكبة المغـاربـة المطـروديـن من الجزائر )
الخميس 18 يناير 2018 – 11:52:30
المسيرة الخضراء المظفرة أفقدت الجزائر صوابها واتزانها وأصابت قادة فيالق الجيش “الأحمر” الجزائري بنوبة هيستيرا شديدة، بعد أن جن جنونهم بسبب حدث المسيرة العظيم الذي باغثهم، وأذهلهم ، بل وأربكهم، ولم يجدوا من رد فعل يشفي غيظهم الذي ملك عليهم مشاعرهم وأحاسيسهم وحولهم إلى وحوش ضارية، سوى الهجوم الشرس على عشرات الآلاف من المغاربة، ممن استوطنوا الجزائر منذ الاحتلال، منتصف القرن التاسع عشر، نصرة لأهل “الدزاير” و كانوا في الصفوف الأمامية خلال حرب تحرير الجزائر، حيث شكلوا النواة الأولى للمقاومة، وكانوا، أيضا، من صفوة المتطوعين من أجل بناء الجزائر، بعد الاستقلال الذي كان للشعب المغربي دورأساسي في تحقيقه..
كل ذلك لم يشفع لحوالي 45 ألف أسرة مغربية مقيمة بصفة شرعية، أمام حكام الجزائر، في تجنيبهم قرار الطرد الجائر، الهمجي، الذي اتخذ بسرعة كبيرة ونفذ بسرعة أكبر، خارج القوانين والأعراف والاتفاقيات الدولية بحماية المهاجرين وأسرهم.
الجزائريون لم يحترموا حرمة عيد الأضحى ولا حالت أواصر الدم التي تجمعهم إلى مغاربة الجزائر، في أن ينفذوا قرار الطرد في حق حوالي 350 ألف من المواطنين المغاربة، ليلا، بعد مداهمة منازلهم، وتكبيل الرجال، لشل مقاومتهم، والتنكيل بالنساء والأطفال من أجل ترويعهم، وسرقة أمتعتهم، وسلب كل ممتلكاتهم وأموالهم، والزج بالجميع ليلا، في شاحنات أقلتهم، بلباس النوم، إلى وراء الحدود، ليرمى بهم في أمكنة مقفرة، “أفقر من الفقر”، تماما، على طريقة ضباط جيوش النازية خلال الحرب العالمية الثانية !
سلطات الجزائر اشترطت على المغاربة، مقابل السماح لهم بالبقاء بالجزائر، أن “يتحولوا” إلى مواطنين جزائريين، وأن يعترفوا بجبهة البوليساريو المعلومة، وأن يقدموا دعما ماليا لــ “لجبهة” الجزائرية !!!… وهو ما رفضه المواطنون
المغاربة، بأنفة وإباء، بل ورفضوا حتى مناقشته مع ضباط الجيش الأحمر الجزائري، على عهد بومدين الذي لم يجد مأوى يأويه قبل وخلال الثورة، سوى مدينة الناظور المغربية حيث كان أهل الريف الأشاوس، يوفرون له كل شروط العيش والحماية ووسائل المقاومة…..
نفس هذا الهواري بومدين، “تلذذ” بآلام الأسر المغربية “المهجرة” قسرا من بلاده، وردد، شامتا، في خطاب بالمناسبة، أنه سوف ينظم “مسيرة الدموع” إلى المغرب، ردا على “المسيرة الخضراء” التي باغتته، بل وأذهلته وأربكت كل حساباته ، ليبقى هذا التصرف الشنيع وصمة عار في جبين “يولداش” الجزائر وهم أعقاب عسكر الأتراك الذين أنقذوا “الدزايريين” بقيادة “عروج بربروس” (1473 ـ 1518) القائد التركي، من غزو الأسبان وحول الجزائر إلى إيالة تركية تحت إمرة حكام برتب مختلفة، موفدين من “الأستـانـة” بدءا بـعهد “البايلير بايات” (1518 ـ 1587) ، و”الباشوات” (1587 ـ 1659)، و”الآغاوات” (1659 ـ 1671)، وصولا إلى “الدايات” (1671 ـ 1830) وهوتاريخ نهاية الحكم العثماني وبداية الغزو الفرنسي للجزائر، (1830)، إثر حادثة “المروحة” الشهيرة التي يكون الداي حسين باشا الثالث، قد ضرب بها القنصل الفرنسي “بيار دوفال”، على وجهه، وكان قد جاءه مهنئا بعيد الفطر. ولعل من يحكم الجزائر اليوم هم من تركة عسكر العثمانيين الذين طبع حكمهم الكثير من القساوة والبطش والفظاعة، وكانوا يطلقون على أعقابهم من جزائريات لقب “كول أوغلي”، ومعناها “أطفال في خدمة السلطان” يعني، اليوم، أولاد في خدمة طغمة العسكر المتحكمة في قصر المرادية العثماني.
تلك هي طغمة العسكر التي أقدمت على طرد المواطنين المغاربة من الجزائر، حيث تجمعوا، مؤقتا، بمدينة وجدة التي عجزت عن استيعابهم، بأعدادهم، فتم توزيعهم على عدد من المدن، وعملت السلطات المغربية على “مساعدتهم” على بدء حياتهم من جديد، بتوظيف بعضهم في أسلاك الدولة، وتوفير المسكن لبعض أسرهم، والتعليم لأطفالهم ، في ظروف لم ترق إلى حجم معاناتهم اليومية مع ظروف حياتهم الجديدة، بعد أن وجدوا أنفسهم أمام مستوى معيشي متدن، وأمام تحول جذري في حياتهم، و نوع من “قلة” الاهتمام بشؤونهم، الأمر الذي تسبب في تصدع في نفسيتهم ومعنوياتهم.
ومع ذلك، فلم يرضخوا للأمر الواقع، بل إنهم سعوا إلى تأسيس خلية تتحدث باسمهم وتدافع عن قضيتهم. فأنشأوا “جمعية المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر” . إلا أن سلطات “ذاك الزمان” تجاهلت الأمر مما اضطر المسؤولين عن الجمعية إلى استعطاف والي الرباط ، بداية، من أجل الحصول على وصل استلام قوانين الجمعية، ثم إلى التوجه للقضاء الاداري ليعلَن، في أبريل 2006، عن تأسيس الجمعية التي ركزت نشاطها حول المطالبة بفتح تحقيق في أسباب قرار الطرد واسترجاع الممتلكات والتعويض المادي من أجل جبر الضرر واعتذار الدولة الجزائرية.
وقد نجحت الجمعية برئاسة ميلود الشاوش في نقل قضيتها إلى بعض المحافل الدولية، ومنها مجلس حقوق الانسان للأمم المتحدة بجنيف، الذي أصدر عددا من التوصيات بإرجاع الجزائر للحقوق والممتلكات المصادرة، وتيسير جمع شمل الأسر والعائلات المغربية للالتحاق ، من جديد، بذويهم الباقين بالتراب الجزائري. وكان طبيعيا أن يواجه حكام الجزائر المواقف الدولية المنصفة لحقوق المواطنين المغاربة المهجرين قسرا من الجزائر والمصادرة أملاكهم ظلما وعدوانا، بمجموعة من المغالطات والأكاذيب والترهات التي طبعت ولا زالت، السياسة الخارجية لدولة “قصر المرادية” !!!….
وبمناسبة الذكرى 35 لهذه الفاجعة المؤلمة، عقدت الجمعية بالناظور، ندوة دولية تحت شعار: “استرجاع حقوق المغاربة ضحايا الطرد الجماعي التعسفي، قضية وطنية ومسؤولية الجميع”، سلط المشاركون فيها الضوء على مختلف جوانب القضية وأبرزوا في مداخلاتهم، خطورة القرار الجزائري الذي ضرب عرض الحائط بكل القيم الانسانية والمواثيق الدولية المتعلقة، خاصة، بحقوق الانسان والتعامل بين الدول المتحضرة.
مداخلات بعض الخبراء الدوليين تركزت حول التكييف القانوني لحدث طرد مغاربة الجزائر الذين تعرضوا، في دجنبر 1975، لأبشع الجرائم والانتهاكات اللاإنسانية لحقوق الإنسان من طرف السلطات الجزائرية، كما وضع الخبراء تصورا قانونيا لآليات تسجيل دعاوى قضائية في المحافل الدولية المختصة، ضد الدولة الجزائرية بسبب جرائمها ضد الإنسانية.
ومعلوم أن الحكومة المغربية سبق وأن أكدت في ردها عن استفسار اللجنة الأممية لحماية حقوق المهاجرين وأفراد أسرهم، في يوليوز 2013، موضحة أن المواطنين المغاربة المطرودين من الجزائر قد أبلغوا بحقوقهم المنصوص عليها في الاتفاقية الأممية ذات الصلة وأن الضحايا استطاعوا تقديم شكوى، بهذا الصدد، إلى لجنة حماية حقوق العمال المهجرين.
إلا أن جمعية المغاربة ضحايا الطرد التعسفي في الجزائر ترى أن ملفها لم يحظ بالاهتمام المناسب لا من طرف المسؤولين الحكوميين المعنيين ولا من طرف المجلس الوطني لحقوق الانسان ، كما يرى المسؤولون عن الجمعية أن الحكومة المغربية تعاملت با “احتشام” مع هذا الملف الذي لم يوضع له تصور واضح لا على مستوى العرض و لا المعالجة، وطنيا أو دوليا، في حين تؤكد وزارة الشؤون الخارجية والتعاون أن ملف المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر يحظى بالأولوية قي أجنداتها الوطنية والدولية. .