يعتبر موضوع “التعليم عن بعد” حديث الساعة لارتباطه بالجائحة، في حين أنه اتجاه عالمي وأحد الطرق المعتمدة حديثا نسبيا ويتم عبر وسائل الاتصال السمعية والبصرية حيث يتم نقل البيئة التقليدية للتعليم من جامعة أو مدرسة وغيره إلى بيئة متعددة ومنفصلة جغرافيا، وقد تطورت هذه الظاهرة مع التطور التكنولوجي المتسارع في العالم.
إن موضوع “التعليم عن بعد” له أهمية بالغة وضرورة قصوى في عصرنا الحالي، ولقد ازدادت هذه الأهمية مع ظهور الجوائح والأوبئة التي عادة ما تُخضع المجتمعات إلى اعتماده باعتباره حلا لا محيد عنه للحد من انتشار الأوبئة، فهو من أنسب البدائل المعاصرة لما يتسم به من خصائص تجعل منه مدخلا ديناميكيا لتحقيق فلسفة التعلم المستمر والتعليم مدى الحياة.
- تعريف: التعليم عن بعد
تتفق معظم التعريفات في كون “التعليم عن بعد” هو طريقة للتعليم يكون فيها المتعلم بعيدا عن المعلم ولا يوجد اتصال شخصي بينهما، و بدلا من ذلك تستخدم وسائط متعددة لنقل التعليم وتوصيله إلى المتعلمين تعتمد على المواد المطبوعة والمسموعة والمرئية وغيرها من وسائط إلكترونية وتكنولوجية.”
ويعرف “التعليم عن بعد” كذلك بأنه نظام تعليمي يقوم على فكرة إيصال المادة التعليمية إلى المتعلم عبر وسائط أو أساليب الاتصالات التقنية المختلفة، إذ يكون المتعلم بعيدا ومنفصلا عن المعلم أو القائم بالعملية التعليمية.
ومن حيث المبدأ، يقوم التعليم عن بعد على عدم اشتراط الوجود المتزامن للمتعلم مع المعلم أو القائم بالعملية التعليمية في الموقع نفسه، وبهذا يفقد كل من المعلم والمتعلم خبرة التعامل المباشر مع الطرف الآخر، ومن تم تنشأ الضرورة لأن يكون بينهما وسيط، وللوساطة هذه جوانب تقنية وبشرية وتنظيمية.
- التعليم الإلكتروني:
التعليم الإلكتروني هو طريقة للتعليم باستخدام آليات الاتصال الحديثة من حاسوب وشبكاته ووسائطه المتعددة من صوت وصورة ورسومات وآليات بحث ومكتبات إلكترونية، وكذلك بوابات الأنترنيت سواء كان عن بعد أو في الفصل الدراسي المهم المقصود هو استخدام التقنية بجميع أنواعها في إيصال المعلومة للمتعلم بأقصر وقت وأقل جهد وأكبر فائدة.
- التعليم عن بعد: نشأته وعناصره
ينظر البعض إلى ظاهرة التعلم عن بعد على أنها ثورة حديثة ساعدت على قيامها التطورات التقنية الحاصلة، إلا أن جذور التعلم عن بعد، بمفهومه الواسع، تمتد إلى أكثر من قرن من الزمن، حيث “نشأ التعليم عن بعد في شكل تعليم بالمراسلة لتقديم خدمة تعليمية لأفراد محرومين من الحصول عليها وغير قادرين على الوصول إلى أماكنها المعتادة إما بسبب بعدهم الجغرافي أو وضعهم الاجتماعي أو إعاقتهم الجسدية (…) وقد انتشر استخدام التعليم عن بعد إلى درجة كبيرة في العقدين الأخيرين في مجالات التعليم والتدريب، وعلى كل المستويات في معظم بلدان العالم، ويمكن ملاحظة هذا النمو والانتشار بصورة واضحة على مستوى التعليم العالي”.
فمنذ ما يقارب 123 عام وتحديدًا في سنة 1892، بدأت جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكية البحث عن طريقة لإيصال الدروس التعليمية إلى جميع الطلبة، ووجدت في الرسائل البريدية وسيلة مناسبة لتقديم المعرفة إلى شريحة واسعة من الراغبين في التعلم.
في عام 1921 أخذت البرامج التعليمية حيزا كبيرا في الإذاعات الأمريكية، سرعان ما لاقت نجاحا باهرا، جعل من انتشارها أمرا أكيدا، لتصل فكرة التعليم عبر المذياع إلى كافة أنحاء العالم، ليسجل النظام التعليمي انضمام مدرسة تعليمية جديدة بعناصر مبتكرة.
ومع نهاية التسعينيات وبداية ثورة الانترنيت، ودخوله لجوانب متعددة من حياة الأفراد، وجدت البرامج التعليمية مكانها الجديد لتزرع بذورا نمت مع الوقت، وشكلت ثمارا ناضجة من كافة النواحي لتعود بالفائدة الكبيرة على الطلبة.
1.2عناصر التعليم عن بعد:
يمكن استخلاص العناصر الأساسية في عملية التعليم عن بعد فيما يلي:
- العلاقة بين المعلم والمتعلم هي علاقة غير مباشرة يتباعد فيها الطرفان وتقوم على الإرشاد والتوجيه والتقويم غير المباشر؛
- المادة العلمية قد تكون مكتوبة أو مسجلة على شرائط مسموعة أو مرئية، وأن تكون مبسطة وتتناسب مع احتياجات الدارسين، وتقوم بهذه المهمة المؤسسة التعليمية مع المتابعة المستمرة لها؛
- الدور الفعال لوسائل الإعلام والاتصال الحديثة، حيث تتعدد هذه الوسائل من حاسب آلي وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة.
- التعليم عن بعد: خصائصه ومميزاته وفوائده:
2.1 فوائد التعليم عن بعد
يساعد التعليم الإلكتروني بشكل واضح وكبير في الرفع من جودة التعليم وضمان استمراريته، إذ إنه يقدم بدائل للأشخاص غير القادرين على الذهاب إلى مؤسسات تعليمية لظرف ما يمنعهم عن ذلك كما الحال مع جائحة كورونا، حيث تعمل هذه الطريقة على توظيف قدرات الأشخاص بل وتنميتها بدلا من إهدارها وضياعها، إلى جانب أن هذه الطريقة في عملية التعلم تساعد وبشكل كبير جدا على زيادة المتعلم من اعتماده على نفسه، مما يؤدي إلى زيادة تمكنه من المعلومات التي يدرسها ويطلع عليها أثناء رحلته التعليمة. ناهيك على أنه “يكسب مهارات التعامل مع التقنيات الحديثة في الاتصال والمعلومات التي أصبحت ضرورية في هذا العصر ومقياسا لتطور الأمم …” كما أنه يتيح العديد من الوسائل التعليمية أمام المتعلمين على عكس الطرق التقليدية في التعليم.
ومنه فإن النظام التعليمي عن بعد يستحوذ على عدد من الإيجابيات، نلخصها فيما يلي:
- المرونة: تعتبر المرونة من أبرز فوائد التعليم عن بعد، إذ يسمح نظام التعليم عن بعد للمتعلمين بتنسيق مع مدرسيهم من اختيار الوقت الأنسب والطريقة الفضلى والوسيلة الممكنة لعملية التعلم.
- الانضباط الذاتي: يعمل نظام التعليم عن بعد على تعزيز ودعم الانضباط الذاتي لدى المتعلمين، إذ يتعين عليهم توجيه أنفسهم إلى الطريق الصحيح لإتمام العملية الدراسية.
- حس مسؤولية عالي: تقع مسؤولية الدراسة في المقام الأول على عاتق المتعلم ومدى التزامه أكثر في التعليم عن بعد منه في التعليم الحضوري الذي يكون فيه الأستاذ هو المسؤول الأول، لذا يتعلم الطالب في التعليم عن بعد حس المسؤولية.
- تطوير مهارات الطلاب الفكرية: أثبتت الدراسات أن الاعتماد على التعليم الإلكتروني يجعل المتعلم يتمتع بمهارات فكرية عالية، وقدرة على التوصل للحلول في أسرع وقت ممكن، إذ عند مواجهته لأي مشكلة متعلقة بالمنهاج يتبع المتعلم شتى الطرق ويستعين بمختلف الوسائل للوصول إلى الحل، مما يدعم لديه مهارات التفكير.
- التفاعل الإيجابي:يتيح نظام التعليم عن بعد زيادة التفاعل بين المدرس والمتعلمين، وخصوصا أولئك المتعلمين الذين يخجلون من طرح الأسئلة والاستفسارات أمام زملائهم، كما يتيح إمكانية تلبية المحاضر لاحتياجات دارس معين دون علم بقية زملائه.
- توفير فرص الدراسة والتعلم المستمر: لمن لا تسمح لهم قدراتهم او إمكاناتهم بمواصلة التعلم لأسباب اجتماعية (ذوي الاحتياجات الخاصة…) أو اقتصادية أو موضوعية مثل: الاكتظاظ أو نقص في الاطر التربوية أو الادارية…
- التعليم عن بعد في زمن كورونا
3.1 إكراهات التعليم عن بعد في زمن الجائحة
ألقت أزمة فيروس كورونا بظلالها على قطاع التعليم، إذ دفعت المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية لإغلاق أبوابها تقليلا من فرص انتشاره، وهو ما أثار قلقا كبيرا لدى المنتسبين لهذا القطاع، مما دفع النظام التعليمي للتحول إلى التعلم الإلكتروني، كبديل طال الحديث عنه والجدل حول ضرورة دمجه في العملية التعليمية.
ورغم إيجابيات التعلم الإلكتروني عن بعد فإن أسئلة كثيرة تطرح نفسها عن فعاليته كبديل كلي للطرق التقليدية ومدى الاستعداد لذلك؟ وما هي التحديات التي تواجه التعليم الإلكتروني؟
- توفر التكنولوجيا: يعد توفر التكنولوجيا عاملا مهما لنجاح فكرة التعليم الإلكتروني، فبدونه سيغدو الأمر مجرد حلم، وهناك مستويات مختلفة لهذا التحدي، فتوفر الأجهزة وشبكة الإنترنت وسرعة الإنترنت، كل منها يُعد تحديا بذاته أو مجتمعا مع الأخريات. فقد يتوفر للمتعلم (أو حتى المعلم) على الجهاز، إلا أنه قد لا تتوفر لديه خدمة الأنترنت أساسا، وإن توفرت فقد تكون بطيئة، أو ربما بسرعة غير كافية لتغطية عروض الفيديو والمواد ذات الحجم الكبير، وهذا الإشكال يطرح نفسه بقوة أكثر في العالم القروي الذي يقع في الخانة السوداء من عالم التكنولوجيا.
وقد شهدت شبكات الإنترنت اكتظاظا كبيرا بسبب مكوث غالبية المواطنين في بيوتهم ولجوئهم للشبكة العنكبوتية بكثرة للعمل أو التعلم أو التسلية مما أدى إلى بطئه وتعذر اتصال التلاميذ أحيانا بمنصات الدروس الافتراضية والتواصل المباشر مع المعلمين عبر التواصل بواسطة الفيديو. وقد كشفت ضرورة التعلم عن بعد في وقتنا الراهن عن تفاوت اجتماعي بين التلاميذ. فكثيرون لا يتوفر لديهم كمبيوتر شخصي، ويجدون أنفسهم مضطرين لتقاسم ساعات الدراسة مع أوليائهم الذين قد يستعملونه بدورهم للعمل عن بعد.
- جاهزية استخدام التكنولوجيا: خاصة بالنسبة للمدرسين الذين لم يعتادوا على استخدامها وألفوا الطرق التقليدية في التدريس، وبعضهم يعيشون حالة من الإنكار والتجاهل لكل هذه المتغيرات، فلم يعمدوا إلى استخدام التكنولوجيا بشكل مناسب في السابق، وكان من هؤلاء من استشعر أهمية الالتحاق بركبها فتعلمها واستخدمها، ومنهم من ظن أنه في غنى عنها. إلا أن طغيان التكنولوجيا، وشغف الأجيال بها، والوعي البيئي بضرورة التقليل من استخدام الأوراق، إلى غيرها من العوامل، أدت إلى التحول التدريجي والكبير نحو التكنولوجيا، مما شكل صدمة لهذه الفئة التي غدت الآن تحت أمر واقع يحتم عليها استخدام التكنولوجيا، وبتفصيل يتعدى تحميل ملفات ومشاركتها إلى ما هو أبعد من ذلك.
- الوسائل التعليمية: فاختيار الوسائل التعليمية يشكل تحديا أساسيا في التصميم التعليمي التقليدي والإلكتروني، إلا أنه في هذا الأخير أكبر، لاسيما مع الحاجة الماسة لتوظيف التعلم التفاعلي الذي يزيد انتباه الطلبة بإشراكهم المباشر كمساهمين لا كمتلقين، وهذا سيزيد من عامل التحفيز وسيحقق نتائج أفضل. وهنا يجب أن يبذل المعلم جهداً معتبرا لتحديد الوسائل التفاعلية المناسبة لكل هدف، فعملية إشراك المتعلمين الموجودين في أماكن مختلفة، والمحافظة على انتباههم عبر الأجهزة، ليست بالأمر اليسير أو الهين.
- العدالة الاجتماعية: مجموعة من الأسئلة تطرح نفسها حول جدلية التعليم عن بعد والفوارق الاجتماعية، فهل كل الأسر مجهزة بما يكفي من الأجهزة الإلكترونية (أجهزة كومبيوتر – أجهزة لوحية– هواتف ذكية..) للاعتماد عليها في التعليم عن بعد؟
هل جميع الأسر لديها اتصال انترنيت قوي بما فيه الكفاية تمكنهم من الوصول والاستفادة من الدروس والبرامج التي تبثها القنوات الخاصة بالتعليم الرقمي عن بعد؟
هل جميع الأسر في البوادي والمناطق النائية تصلها تغطية شبكة الانترنيت القوية وقبل الحديث عن ذلك هل تملك أصلا هذه الأجهزة الرقمية؟ هل لدى كل متعلم غرفة خاصة توفر له جو التعلم بعيدا عن الحياة العائلية وضوضائها…؟ - ضعف انخراط المتعلمين في العملية التعليمية عن بعد: فعلى اعتبار أن الأمر يتم عن بعد ومعه ينتفي عامل الإجبارية، ما سيجعل عددا من التلاميذ لا يسايرون الدروس المقررة بالجدية المطلوبة، ناهيك عن التفاوت في قدرة المتعلمين على الاستيعاب والتحصيل المعرفي للدروس عن بعد.
- الجهد المضاعف: التدريس بأسلوب التعلم عن بعد يحتاج من المعلم الكثير من الوقت والجهد في إعداد الدروس، والتوصيف الدقيق لها، وتجهيز كافة الوسائط المساندة التي سيعتمد في التدريس.
- غياب البعد الإنساني: القدوة والتأثر بالمعلم في هذا النوع من التعليم يكون ضعيفا وينتج عنه ضعف في العلاقات الاجتماعية الروحية التي تجمع المعلم بالمتعلم وبالتالي غياب تام للجانب العلاقاتي.
- غياب اعتماد الطرق البيداغوجية في التدريس: عملية التعليم داخل الفصل الدراسي يلجأ فيها المدرس إلى تطبيق مجموعة من التقنيات والطرق والبيداغوجيا لتحقيق أهداف التعلم، بخلاف التعليم عن بعد نجد المتعلم يكتفي بطريقة التلقي، وهي من الطرق التقليدية الكلاسيكية (خاصة في مراحل التعليم الابتدائي والثانوي بسلكيه) · كما أن عملية التواصل التربوي في التعليم عن بعد لا تتحقق بطريقة سليمة، بخلاف الفصل الدراسي الذي يبدع فيه المدرس والمتعلم لتمر هذه العملية في جو يسوده التواصل الفعال والنقاش الحوار البناء.
قرر المغرب على غرار باقي دول العالم، تعليق الدراسة في المؤسسات التعليمة لمنع تفشي فيروس كورونا في البلاد، وتعويض ذلك القرار بقرار أخر ينص على استمرار الدراسة عن بعد لجميع الطلبة والتلاميذ، بالاستعانة بوسائل التواصل الحديثة، كالتلفاز والأجهزة الإلكترونية التي تشتغل بالأنترنيت.
وفور الإعلان على استمرار الدراسة عن بعد، أقدمت هيئات التدريس في المغرب، على القيام بعدة مبادرات من أجل تقريب الدروس من الطلبة والتلاميذ المغاربة، سواء عبر فيديوهات مصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو عبر المواقع التعليمية التي خصصتها وزارة التربية، أو عبر قناة الرابعة المغربية.
بيد أن ضعف التهييء لها بشكل قبلي بوقت كاف، وتأهيل الطلبة والتلاميذ المغاربة للتعامل مع هذه الطريقة الجديدة في التدريس التي فرضها بشكل عاجل فيرس كورونا المستجد أثر على سيرورة العملية بالشكل المناسب وأحدث ارتباكا كبيرا خاصة في بدايات التجربة، إذ أن الطالب والتلميذ المغربي، لازال يواجه صعوبات في التعامل مع وسائل التواصل الحديثة، كما أنه لم يستوعب بعد التعلم عن بعد كممارسة يجب أخذها بعين الاعتبار وبشكل جدي، الأمر الذي يرفع من احتمالية فشل هذه الطريقة.
كما أن عددا من التلاميذ المغاربة، خاصة الذين يوجدون في العالم القروي، لا تتوفر نسبة هامة من بواديهم على تغطية شبكة الأنترنيت، ومنهم من لا يتوفر على التلفاز أو بالأحرى يجد صعوبة في التقاط قناة الرابعة، وبالتالي فإن طريقة التعليم عن بعد في القرى المغربية هي طريقة محكوم عليها بالفشل بشكل كبير.
ويعتقد المهتمون بقضية التعليم عن بعد، بأن المغرب يجب أن يستثمر التجربة الحالية لمسايرة التطور الحاصل في مختلف بلدان العالم، حيث أصبحت منصات التعليم على الانترنيت تلقى اهتماما واسعا يوما بعد يوم، وبالتالي أصبح لزاما على المغرب مواكبة هذه التغييرات، ليكون في طليعة البلدان في مسألة التعليم عن بعد.
آفاق التعليم عن بعد ما بعد أزمة كورونا
إن تجربة التعليم عن بعد في ظل هذه الجائحة أتاحت للنظام التعليمي التعرف على أبعاد هذا النوع من التعليم، كما أتاحت من جهة أخرى للدارسين وصناع القرار في مجال التعليم الخوض في تجربة حقيقية للتعليم عن بعد، بما أسهم في زيادة إبداعهم في تصميم حلول إبداعية لخوض هذه التجربة.
لقد أصبح التطور التكنولوجي الهائل يفرض على المجتمعات تطوير أساليبها التعليمية ومسايرة هذا التطور الذي يشهده العالم بأنماط تعليمية مبتكرة وأخد التعليم عن بعد كمبادرة وليس كرد فعل وذلك بتجهيز كافة الوسائل المساعدة من خلال سد القصور التشريعي وسن قانون يعتني بالتعليم عن بعد، فهل سيصبح التدريس عن بعد ثقافة مجتمعية قائمة بذاتها؟ وهل يصير التعليم عن بعد ليس فقط بديل عن التعليم النظامي وقت الأزمات بل مساعدا ومساندا له؟
لعل هذه الأزمة سوف تغير مسار التعليم التقليدي القائم على المدرس والقاعة والتلقين إلى دمج فعلي للتقنية في العملية التعليمية، وانتقال مسؤولية التعلم من المدرس إلى المتعلم، ليتحول دور المدرس إلى الإرشاد والدعم. وهذا سيؤدي لخلق جيل جديد ذاتي التعلم قادر على التطور الوظيفي والحياتي، كما أن هذه الأزمة سوف تقوي المؤسسات التعليمية لإجبارها الاعتماد على التعليم عن بعد باعتباره آلية تكاملية مع طرق التعليم العادية، وسترسخ لمفهوم التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد باعتباره أحد الآليات التي تتكامل مع أنماط التعليم التقليدية و التفكير الآن يتجه إلى ما يعرف بالتعليم المزدوج وسيتعين على المؤسسات التعليمية تطوير محتوى وتجارب ودراسات ملائمة للتطبيقات التكنولوجية للتعليم عن بعد وهذا ينطبق أيضا على أنماط التقييم التي تستجيب لهذه البيئة الجديدة و تقديم كل أنماط التعليم ومزجها معا في منظومة تؤدي إلى تراكم معرفي ومهاري لدى المتعلمين.
ولعل هذه فرصة مناسبة تغير فيها المنظومة التعليمية فكرتها ونهجها والتوجه نحو دمج الوسائل الالكترونية والتعليم المدمج والتعلم الإلكتروني ضمن طرق تدريسها الذي أضحى متطلباً لمختلف صروح التعليم في العالم الآن، إضافة إلى أنه “لم يعد من المقبول الركون لوسائل التعليم التقليدية في ظل هذا الزخم من المعطيات الحضارية في مجال التعليم سواء في الظرف العادي أو الاستثنائي، التعلم عن بعد ربما كشف العديد من الحقائق بما في ذلك العيوب التي تعاني منها طرق التعليم الحالية. ومع ذلك، فإن نظام التعليم عن بعد بدون شك، له مزاياه وعيوبه ويمكن أن يعتمد على مادة الموضوع ولكن ليس لإلقاء اللوم عليه في المشاكل المعروفة في طرق التدريس والتعليم الحالية. في العديد من الجامعات”.
د. محمد التويرة