نوقشت بآداب تطوان أطروحة الطالب عبد الإله بلمعلم أحدو في موضوع : «أبو القاسم بن خـجو الحسانـي الـخلوفي (ت956هـ): دراسة في تراثه الفكري» بإشراف الأستاذين الدكتورين أحمد هاشم الريسوني والطيب الوزاني الشاهدي وعضوية الدكاترة محمد كنون الحسني وأحمد بوعود ومحمد الفهري. وبعد المناقشة العلمية والمداولة، مُنحت للطالب عبد الإله بلمعلم أحدو درجة دكتوراه بميزة مشرف جدا، وهذا ملخص تقرير صاحبها :
“بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
السادة أعضاء اللجنة العلمية الموقرة:
الحضور الكريم :
يسعدني ويشرفني أن أقدم بين أيديكم تقريرا عن منجز عملي في هذه الأطروحة وإذ أجدد لكم شكري المسبق على ما بذلتموه في قراءة وتقويم هذه الأطروحة، وأؤكد لكم أن ملاحظاتكم العلمية والمنهجية ستكون فرصة نفيسة لتصويب ما لم أتمكن من القيام به
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على الرسول الصادق الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى من تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين.
وبعد، فنزولا عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “من لم يشكر الناس لم يشكر الله“، اسمحوا لي بداية أن آخذ من وقتكم دقائق معدودات قبل تقديم عرض موجز عن الدراسة البحثية التي عكفت عن إنجازها خلال الأعوام الأخيرة ، أن أتقدم بأسمى عبارات الشكر والامتنان لأستاذي المشرف فضيلة الدكتور الطيب الوزاني الشاهدي، الذي أكيل له الثناء العظيم والعرفان الجزيل لحسن إشرافه وسديد توجيهاته وجميل عنايته، وأولى الناس بالشكر بعده وأجدرهم بالتقدير، أستاذي القدير فضيلة الدكتور سيدي أحمد هاشم الريسوني، الذي أكمل معي رحلة الإشراف، بعدما تعذر ذلك على الأستاذ الطيب الوزاني الشاهدي، فلهما مني جزيل الشكر والامتنان، وعظيم الثناء والعرفان، راجيا من المولى عز وجل أن يديم عليهما لباس العافية وموفور الصحة، هو ولي ذلك والقادر عليه.
كما أتقدم بخالص شكري وتقديري إلى أصحاب الفضيلة أعضاء اللجنة العلمية الموقرة، كل باسمه بدءا برئيسها فضيلة الدكتور سيدي محمد كنون الحسني حفظه الله والأستاذ الدكتور سيدي أحمد بوعود والدكتور سيدي محمد الفهري جزاهما الله خير الجزاء، الذين عهدتهم أساتذة متمرسين في العلم والمعرفة، والذين تفضلوا بقبول مناقشة وقراءة وتقويم هذه الأطروحة، وما تجشموه في ذلك من مشقة وجهد…
كما لا يفوتني في هذه المناسبة أن نترحم على روح أستاذنا وشيخنا قيدوم الأدب المغربي، فضيلة الدكتور العلامة سيدي عبدالله المرابط الترغي، الذي آنس معي تيه بداية البحث بالتوجيهات والنصائح، فعلى روحه الطاهرة المغفرة والرحمة.
كما أخص بالشكر والتقدير، الأستاذ الفاضل والشيخ المربي، فضيلة الدكتور سيدي عبداللطيف شهبون، فقد كان لي شرف التتلمذ على يديه من أيام دراسة الماستر، وفي فترة الإعداد للدكتوراه بفضل الندوات والملتقيات التكوينية النافعة التي كان يشرف على إدارتها بين الفينة والأخرى، الذي شمل عطفه جميع طلبته دون استثناء، عبر النصح والتوجيه، اللذين كان من نصيب هذا البحث، حيث شكلت توجيهاته في بداية البحث، شراعا متينا جعل سفينة البحث تأخذ مسارا كان الأفضل والأيسر، جعل الله عمله هذا في ميزان حسناته، سائلا المولى سبحانه له عمرا مديدا وعطاء منه غير مجذوذ، وأن يمتعه دائما وأبدا بالصحة والعافية.
وختاما أشكر كل من ساهم من قريب أو من بعيد في إنجاز هذه الأطروحة، أهلي وزوجتي التي أنارت لي الطريق، وأساتذتي الذين تعلمت منهم وزملائي وأصدقائي ومعارفي، فلكم مني كل الشكر والتقدير والاحترام والعرفان.
وإليكم أيها السادة الكرام، موجزا عن الأطروحة، فأقول وبالله التوفيق:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيد الخلق أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد :
إن الحديث عن الأخبار من الرجال والخيرات من النساء وإحياء سيرهم وتذكير الأجيال بأفضالهم يقوي بالصالحين الصلة ، ويستنزل الرحمة ، ويحيي القلوب الميتة ، قال سفيان بن عيينة : كان يقال : عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة »(). وكان بشر بن الحارث () يقول : حسبك أن أقواما موتی تحيا القلوب بذكرهم ، وأن أقواما أحياء تقسو القلوب برؤيتهم ». وقد خطت لنا أنامل السابقين بعضا من أخبار أولئك الأخيار العلماء العباد الزهاد ، والخيرين من العلماء العالمين ؛ حيث كان لهؤلاء العظاء قدم راسخة في حمل أمانة الدين وبناء صرح الفكر والروح ، وكان لهم عبر التاريخ إسهام كبير في إغناء الحركة الفكرية والتربية الروحية ، وفي إقامة أسس الحضارة الإسلامية المشرقة ، وإزاء التخلف الحضاري الذي عرفه المجتمع بصفة عامة ، والمجتمع الإسلامي بصفة خاصة منذ قرون ، ظهر في المجتمع علماء ومفكرون حاولوا إحياء ما اندرس من معالم الدين في نفوس المسلمين ، والعودة بهم إلى المنابع الصافية (الكتاب والسنة في الالتزام بمبادئ الدين على أكمل وجه، وبحسب طاقتهم البشرية.
وإذا كانت هذه المحاولات قد ترددت بين النجاح والفشل ، فإنه في استحضارها واعتبارها ما يصر بقواعد التغيير ، والمسالك الآمنة من الوقوع في المزالق .
وباعتبار المغرب مكانا من الأماكن الخصبة ، التي عرفت عمليات الإصلاح على مر تاريخها الطويل ؛ فقد ظهرت فيها شخصيات حملت على عاتقها القيام بمهمة الإصلاح ، إيمانا منها بالمسؤولية العظمى التي تتطلبها هذه المهمة ، ومن هذه الشخصيات – ولاسيما في القرن العاشر الهجري (16م) كالشيخ “عبد الله الهبطي ” ـ وابن عرضون الغماري.- والشيخ “أبي القاسم بن خجو“، الذي ينتمي لأسرة علمية عريقة.
اخترت لهذه الأطروحة شخصية من الشخصيات المغربية ، الجبلية ، العالمة ، ألا وهي شخصية “أبي القاسم بن خجو الحسني (ت956ه)”، لدراسة بعض أفكاره الإصلاحية في المجالات الدينية ، أو العلمية ، أو الاجتماعية وتحقيق بعض مخطوطاته التي ظلت دفينة في رفوف الخزانات دون التقرب منها من لدن الدارسين والمهتمين حتى قيض الله لنا الاعتكاف على تحقيق تراثه والاهتمام بتراث الجهة التي ننتمي إليها، وجعلت ذلك تحت عنوان : ( أبو القاسم بن خجو الحساني الخلوفي (ت956ه) دراسة وتحليل لتراثه الفكري).
وهكذا كانت أولى إسهاماتي بدراسة الفكر الإصلاحي المغربي ، متخذا من الشخصية العالمة أبي القاسم بن خجو أنموذجا لهذه الأطروحة، تلبية لحاجات نفسية أولها رغبتي الأكيدة في معرفة الفكر الإصلاحي السائد في هذه المرحلة ، وثانيها حبي الشديد لمعرفة مضامين مكتوبات مؤلف “ضياء النهار ” لذيوع صيته وانتشار صوته وإطراء كثير من العلماء على صاحبه ، وثالثها تبوء ابن خجو مقاما سامقا جمع بين الولاء للوطن والولاء للشريعة ولدفاع عن حياض التصوف ، مما شجعني أكثر وأسهم في بلورة هذا الاختيار الحصار المضروب على فكر الرجل .
بعض المكونات الإشكالية:
كيف يكون علم من أعلام المغرب الكبار مغمورا إلى هذا الحد ، وهو الذي عاصر أحداثا مفصلية في تاريخ المغرب الفكري والسياسي ، وشارك فيها مشاركة فاعلة .؟
ما هي أبرز محاور فکر ابن خجو الإصلاحي وأساسه المنهجي غي مشروعه الإصلاحي؟
هل كان لفكره الإصلاحي تأثير على مجتمعه ؟.
إذا كانت الأمة في وقتنا المعاصر في أمس الحاجة إلى الإصلاح من كل جوانبه فما أحوجنا الى النهل ممن سبقونا في تجربتهم الإصىلاحية.؟
كيف كانت تدخلاته على مستوى مقاومة أشكال الفساد المستشرية في مجتمعه بشمال المغرب ؟
وإذا كانت هناك تیارات متعددة في العصر الحديث تحاول أن تنشر دور علماء الغرب الإسلامي في قضايا الإصلاح وخاصة القدامى منهم .
– هناك من ينتسب للإسلام ويشكك في قدرة علماء الإسلام على مسايرة عصرهم ومعالجة أحداثه المتجددة .
– يعتبر الشيخ أبو القاسم ابن خجو من العلماء الذين أسهموا في عملية الإصلاح ، ولكنه لا أحد حاول بيان فكره الإصلاحي، وهي مشكلة تقتضي البحث والتنقيب في تراثه الفكري .
غايات ومقاصد الأطروحة
– العمل على التعريف بتراث أبي القاسم بن خجو، وبيان حقيقته ومنهجه في الفكر الإسلامي
– التعرف على الأسباب والدواعي التي جعلته يقوم بالدور الطلائعي في عملية الإصلاح .
– التطرق إلى كل الجوانب التي شغلت الفكر الاصلاحي عند الشيخ أبي القاسم بن خجو.
– التنقيب على هذه الشخصية الفذة من أجل الإسهام في تعريف الباحثين بها،
– التذكير بأهمية غمارة وبلاد الهبط في تاريخنا الفكري لكي لا ننسى ما أنجبه هذا الجبل المبارك من أفذاذ وعلماء وصلحاء ، ومجاهدين رفعوا رأس المغرب عاليا ..
– إثارة اهتمام الباحثين لعلم من علماء الجبل الغماري، عاش فترة صعبة ، عاصر فيها أمراء بني راشد في شفشاون، وتحقيق تراثه.
أهمية الأطروحة:
لهذه الأطروحة أهمية كبرى وخاصة في وقتنا الذي كثر فيه الكلام عن قضية الإصلاح ، حتى وجدنا تيارات تعمل على استنساخ الفكر الغربي وجعله الأصل في إصلاح فكر الأمة الإسلامية ، معللين ذلك بأوهام، ومنها : أن أعلام الأمة الإسلامية ليس لهم رؤية إصلاحية ولا يستطيعون تكوينها؛ لأن أصولهم هاوية لا تقدر على ذلك ، وللأسف وجدت أفكارهم ساحة فارغة ، مما تسبب في حصول الانبهار بفكرهم لدى طائفة من المثقفين الذين غيبوا عن ثقافتهم الدينية بأوهام و شبه لا علمية ، فهمشوا آراء وأفكار أعلامهم الإصلاحية، دون أن ينظروا فيها ويعلموا حقيقتها، وأنها لو طبقت لحصل تغيير جذري للأمة الإسلامية ومن إسهام الباحثين في الإصلاح هو إخراج تراث الأسلاف إلى النور والنهل من معينه لأنه يخدم هويتنا الدينية والثقافية والتعريف بهم من صميم الإحياء .
دوافع الاختيار :
– إن مواجهة التحدي الكبير الذي تعيشه الأمة لابد من الرجوع فيه إلى الرواد الأوائل ، الذين بذلوا جهود الإصلاح وتحديد فكر الأمة الإسلامية ، ومنهم: الشيخ أبي القاسم بن خجو.
– الإصلاح سبيل إلى التقدم والازدهار، مع الحفاظ على أصالة وهوية الأمة الإسلامية ، فلا تقدم ولا ازدهار بدون إصلاح وتحديد للفكر الإسلامي .
– بيان أن علماء الغرب الإسلامي لا يقلون أهمية على غيرهم في ريادة المجال الإصلاحي للأمة ، وهذا البحث سيبين حقيقة هذه الريادة _ إن شاء الله .
أهداف البحث :
– التعريف بشخصية أبي القاسم بن خجو رحمه الله .
– جمع ما تفرق من أفكار أبي القاسم بن خجو ضمن الإطار المحدد للبحث : التربوي، الثقافي، الاجتماعي، والسياسي .
– التعرف على مدى إسهامات أبي القاسم بن خجو في إثراء الفكر الإصلاحي في المغرب .
– التأكيد على أن للمغرب رجالات في الإصلاح .
تحقيق تراث الإمام ابن خجو غير المطبوع .
دراسات سابقة
لم أعثر حتى اللحظة على كتاب خصص للفكر الإصلاحي عند الشيخ أبي القاسم بن خجو، باستثناء بعض المقالات . لكن الحديث عنه وعن فكره ودوره الإصلاحي مبثوث في العديد من كتب علماء المغرب ، ومنها :
– دوحة الناشر محاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر : محمد بن عسكر الحسني الشفشاوني.
– مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن : لمحمد العربي الفاسي الفهري .
– درة الحجال في غرة أسماء الرجال : لأحمد بن محمد المكناسي ، الشهير بابن القاضي.
– شجرة النور الزكية في طبقات المالكية : لمحمد بن محمد بن عمر بن قاسم مخلوف.
– الاستقصا في تاريخ المغرب الأقصى : الأحمد بن خالد الناصري .
– صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر : لمحمد بن الحاج بن محمد بن عبد الله الصغير الإفراني.
– ومن الدراسات الحديثة التي تحدثت عن شخصية أبي القاسم بن خجو “مظاهر من الحياة الاجتماعية ببلاد غمارة من خلال الألفية السنية “، للدكتور محمد ياسين الهبطي، وهذه الدراسة في الأصل رسالة دبلوم الدراسات المعمقة، منجزة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، شعبة التاريخ ، /1994، وموجودة بخزانة هذه الكلية تحت رقم : 24. وهذه الدراسة اهتمت بإبراز فكر عبد الله الهبطي الإصلاحي في المجال الاجتماعي من خلال منظومته “الألفية السنية “.
– وممن تناول أبا القاسم بن خجو وفكره ، الدكتور: عبد القادر العافية ، في رسالته للدكتوراه: “الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية بشفشاون وأحوازها خلال القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)” بدار الحديث الحسنية بالرباط ، عند حديثه عن مثقفي منطقة شفشاون. وهذه الدراسة تناولت فكره وفكر غيره من علماء منطقة شفشاون.
بعض المصادر والمراجع المعتمدة في الأطروحة
– القرآن الكريم والسنة النبوية .
– كتب الفكر الإسلامي التي اهتمت بالإصلاح .
– مخطوطات أبي القاسم بن خجو.
– المجلات والدوريات بمختلف أنواعها
موجهات منهجية:
من نافلة القول أن الفقيه ابن خجو شخصية جمعت ما تفرق في غيرها، فهو الفقيه ، والأديب، والسياسي ، والمؤرخ والمفتي والأصولي والداعية والشيخ المربي ..كذا شخصية تتعدد واجهاتها الفكرية والتربوية، وتتعدد حركيتها الميدانية في حقبة تاريخية حرجة ، فإنه يصعب حصر مقاربتها بمنهج واحد، لذلك تعددت المناهج المعتمدة في هذه الدراسة .
فقد تم التوسل بالمنهج التاريخي في البح، لأنه منهج يمنح إمكانات رصد مسار التحولات الفكرية التي عرفتها تصورات ابن خجو الإصلاحية، ناهيك أن الوقوف عند شخصية ابن خجو هو توقف عند شاهد على مرحلة تاريخية غنية بمفاصلها ومنعرجاتها، والتي تركت بصماتها على التاريخ المغربي في تطوراته اللاحقة ، فالمنهج يعمل بذلك على إبراز الظروف التاريخية والاجتماعية التي أنتج فيها الفقيه ابن خجو نصوصه ، دون أن يغفل المستويات الدلالية المتنوعة التي تكشف عنها هذه النصوص ذاتها، وتفاعلها الإيجابي أو السلبي مع المحيط الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي تولدت عنه وولدت فيه .
وبناء على أن طبيعة الموضوع تتحكم في أغلب الأحيان إلى حد بعيد في نوع المنهج الذي ينبغي اتباعه في البحث ، فإنني سأستخدم المنهج التاريخي ، وذلك عندما سأتطرق لعصر الإمام يبن خجو” وحياته ؛ قصد التعرف على الأطر الزمانية والمكانية التي أثرت في فكر الرجل ، وبجانب هذا المنهج التاريخي سأستخدم المنهج الاستقرائي، وذلك عندما يتعلق الأمر بدراسة أفكار الإمام “ابن خجو” وتحليلها.
معالم بنية الأطروحة:
جعلت هذا البحث في قسمين: قسم للدراسة وقسم للتحقيق . قسم الدراسة يتكون من فصلين الفصل الأول : التعريف بعصر المؤلف والفصل الثاني التعريف بابي القسام بن خجو وبتراثه الفكري
الفصل الثاني : دراسة وتحقيق لكتاب «ضياء النهار ” لأبي القاسم بن علي بن خجو: وتحته مباحث : المبحث الأول : عصر أبي القاسم بن خجو. المبحث الثاني : حياة أبي القاسم بن خجو. المبحث الثالث : فقه أبي القاسم بن خجو. المبحث الرابع : فكر أبي القاسم بن خجو الإصلاحي. المبحث الخامس : فكر أبي القاسم بن خجو السياسي . المبحث السادس : فكر أبي القاسم بن خجو الصوفي .
وأما الشق الثاني، فيدور الحديث فيه عن الفكر الإصلاحي من منظور الإمام ابن خجو؛ وقد تناولت فيه فكر ابن خجو الإصلاحي في مجالات مختلفة ؛ دينية ، واجتماعية، وثقافية، لكن أبرز المجالات التي كان يركز عليها ابن هجو في بث فكره الإصلاحي هو المجال الديني ، لاسيما العقدي منه والصوفي خصوصا.
صعوبات الإنجاز :
أول ما أراه عائقا أمام أي محقق يطلب الكمال أو قريبا منه لـ «تحقيق » النص الذي يعمل عليه ، هو تحصیل نسخ المخطوط الكافية لعمل كفيل ، فإنه في حالة عدم اعتماد نسخة المؤلف أو النسخة المقابلة والمصححة عليها، قد لا تكفي النسختان ولا الثلاث كما لمسته في عملي على كتاب (ضياء النهار )، حيث اعتمدت نسختين من ضياء النهار ، ومع ذلك أرى أنه لا يزال بحاجة إلى نسخة أو نسخ أخرى تزيده تصحيا وضباء، فقد وجدت في إحدى النسخ التي اعتمدتها زيادة جمل وأوقعتني في حيرة من أمري والإشارة إلى ذلك في الهامش ، ثم وقع لي الجزم آخرا بأنها مقحمة من الناسخ ، أثبته في محله ، ثم صعوبة التوفر على بعض المصادر خصوصا وأنا الفترة التي مررنا بها مع هذا الوباء حتمت على المكتبات العامة إغلاق الخدمات وتوقفها مع الطلبة الباحثين حتى لا ينتشر أكثر هذا الوباء رفعه الله عنا قريبا.
استنتاجات
كانت وقفات مع علم وإمام من الأئمة المغاربة المصلحين ، الذين عرفهم القرن العاشر الهجري (16م). وقد لاحظت أنه كان رجلا منصفا، وعادلا في أحكامه ، ملتزما بمبادئ الدين الإسلامي السمحة، يقول الحق ولا يخاف في ذلك لومة لائم ، يذم كل البدع والخرافات التي كانت منتشرة في عصره ؛ وعليه ، فإني أوجز فيما يلي أهم الخلاصات والنتائج التي توصلت إليها في هذا العمل المتواضع ، وذلك على النحو التالي :
–إن عصر ابن خجو عرف مظاهر متعددة على مستويات مختلفة ؛ سياسيا ، واجتماعيا، وعلميا أو ثقافيا.
– من أهم المظاهر التي عرفها الجانب السياسي ، الصراع الذي كان بين الوطاسيين والسعديين، ومرور الدولة السعدية بثلاثة أطوار أساسية: طور النشوء ، وطور العظمة مع المنصور الذهبي ، ثم طور الضعف، والذي كان السبب فيه عدة عوامل ، منها : – مشاكل العرش – الاعتماد على العلوج في الجيش – التدخل الأجنبي – الحركات الاستقلالية – السياسة المالية .
– أما الجانب العلمي ، فقد كانت من أهم مظاهره ؛ ازدهار الحياة العلمية ؛ حيث تم اعتماد مجموعة من العلوم ، ومن أهمها : العلوم الشرعية علوم الأدب علوم البلاغة –علم التاريخ – العلوم الكونية .
ومن أهم مظاهره كذلك ؛ الاعتماد في التدريس على ثلاثة مراكز : المساجد – الزوايا – المدارس .
– وأما بالنسبة للجانب الاجتماعي، فقد عرف بدوره عدة مظاهر ، ومن أهمها : طبيعة السكان ، الذين لم يكونوا من أبناء المجتمع المغربي فقط ؛ بل كانت فيهم عناصر دخيلة من الجنسيات الأخرى . –طبيعة اللباس . – الولائم والحفلات، ولاسيما الاحتفال بعيد المولد النبوي ..
عاش ابن خجو حياة طبيعية ؛ کما اعتمد ابن خجو في دراسته على الرحلة في طلب العلم ؛ حيث إنه سافر إلى فاس ، وأخذ عن ثلة من شيوخها وعلمائها الكبار ؛ كالشيخ الزقاق ، والشيخ أحمد العبادي ..هذا في المجال العلمي ، أما في مجال التربية الصوفية ، فقد أخذ الطريقة الجزولية الشاذلية عن شيخه عبد الله الغزواني.
– مارس الشيخ ابن خجو مهنة التدريس في عدة معاهد ، منها : “معهد المواهب “، الذي أسسه بنفسه ، وكذا “معهد تلمبوط “()، وغيرهما .. وكان من ضمن من تتلمذ عليه ابنه محمد الصغير ، وغيره .
– احتل ابن خجو مكانة مرموقة ضمن الدعاة والمصلحين في عصره ، مما جعل كثيرا من العلماء والمؤرخين والباحثين يثنون عليه الثناء الجميل .
–ترك الشيخ ابن خجو مؤلفات متعددة ، دلت على ثقافته وسعة اطلاعه ، إلا أنها في مجملها تصب في المجال العقدي والاجتماعي والدفاع عن التصوف ، ومن أهمها : ضياء النهار وفتاويه التي هي موزعة في التوازل العلمي وشرحه لعلي ابن جماعة “، و“مؤلفات أخرى سترى النور قريبا نعكتف على تحقيقها وجمعها.
کان من أهم القضايا التي ركز عليها أبي القاسم بن خجو في مجال الإصلاح الديني ؛ إصلاح العقيدة ؛ باعتبارها المنزع اللطيف في إخراج الناس من ظلمات الجهل ، والخرافات التي كان يعج بها المجتمع المغربي عموما، والغماري خصوصا خلال القرن العاشر الهجري .
وتعتبر من أهم القضايا التي تلفت النظر هنا هي أن ابي القاسم بن خجو رغم أنه من مناصري التصوف وشيوخه ، إلا أنه انتقد ادعاء الكرامات ، وذم مدعي التصوف ذما لاذعا.
– من أهم الأساليب التي اعتمدها ابي القاسم بن خجو في بث فكره الإصلاحي في المجال العلمي تأسيس “المعاهد في البوادي وانخراطه في اصلاح التعليم ولو بم اكتسبه من شيوخه ” بشمال المغرب عموما وبقبائل بغمارة خصوصا، والذي كان يسمى في البداية ب “المسيد“؛ حيث كان يدرس فيه هو وزوجته ، هو في جناح الرجال ، والعالمة الصالحة آمنة في جناح النساء . وقد تخرج على يديه عدة قضاة ، وفقهاء ، وغيرهم ومن أشهرهم المؤرخ ابن عسكر صاحب دوحة الناشر.
– عمد أبي القاسم بن خجو في بث فكره الإصلاحي في المجال الاجتماعي إلى فئتين من الناس : فئة العامة ، وفئة الخاصة بالنسبة للعامة ذم عليهم تلك العادات والتقاليد والأعراف التي كانت شائعة في عهد ، وبجبال غمارة خصوصا؛ كما هو الشأن في الحفلات والولائم ، ولا سيما الأعراس ، التي كانت تعرف الاختلاط ، وانعدام الحشمة ، وحضور الرفان (الرقاص ).. أما بالنسبة لفئة الخاصة ، فقد ركز على الفقهاء ، والامراء؛ بالنسبة للفقهاء أنكر عليهم أخذهم للرشوة ، والتزلف للحكام ، وعدم قيامهم بواجبهم، وترك الناس على الضلال ، واتباعهم لأهوائهم وشهواتهم . وأما بالنسبة للأمراء عاب عليهم جورهم وظلمهم للرعية، وعدم قيامهم بواجبهم الديني في الحفاظ على المجتمع الذي يحكمونه.
وهكذا يمكن تلخيص أهم النتائج التي توصلنا إليها من خلال تحقيق مخطوط ضياء النهار المجلي لغمام الأبصار في نصرة أهل السنة والفقراء الأخيار ودراستها كالتالي :
– أن الشيخ أبو القاسم بن علي ابن خجو هو أحد الفقهاء الصوفية الذين ألفوا في التصوف في المغرب الأقصى، ومخطوطته هذه تحت عنوان “ضياء النهار ” تعتبر من أهم ما صنف في التصوف والدفاع عن أهله في زمانه .
– يعد كتاب “ضياء النهار ” ذا قيمة فكرية كبيرة ؛ لأنه عبر عن أفكار وآراء ومعارف صوفية وإشارات لعلوم عقلية ونقلية لتدلنا بكل وضوح على المكانة العلمية التي كانت للشيخ ابن خجو، واطلاعه الكبير على ميادين المعرفة التي انتشرت في عصره ، لكونه متحدثا عن الصوفية بلسان الفقيه المفتي.
– أعطت هذه المخطوطة صورة واضحة عن شخصية المتصوف في القرن العاشر الهجري بالمغرب ، وهي شخصية متميزة ، أظهرت عمق التربية الصوفية لأهل السنة والجماعة ، كما أن هذه الرسالة تعبر أيضا عن مرحلة هامة من مراحل حياة الشيخ ابن خجو، وهي مرحلة انتمائه للتصوف بعد أن أنكره في بداية الأمر، ثم تحول إلى ناصر الفقراء الصوفية والمدافع عنهم .
– تعد هذه المخطوطة ذات قيمة تاريخية حيث إنها أشارت إلى الصراع الذي اشتد بين بعض الفقهاء المفتين والعامة التابعين لهم وبين المتصوفة ، وتضييق أولئك على هؤلاء ، كما تشير إلى الجو السياسي العام الذي اتسم بتعاظم سلطة الفقهاء المفتين وانقياد العامة لهم .
لذلك يبدو أن المشروع السياسي والاجتماعي والثقافي الذي حمله رواد الحركة الوطنية، والإصلاحية المغربية لم يلق تحققا تاريخيا حتى يتم الادعاء بعدم الحاجة إلى استئنافه ، وهو ما يبدو مدعاة إلى ضرورة إعادة قراءة تراث الأعلام أمثال الفقيه أبي القاسم بن خجو على اعتباره مشروعا للاستئناف ، مع ما يستوجبه من تقييم وتقويم دائمين مع العناية بما دونوه ، وهو ما كان من أهم انشغالات هذه الأطروحة، والحمد لله رب العالمين –
ونحن بذلك نرجو أن تكون هذه الأطروحة مساهمة فعالة في البحث التاريخي والأدبي، كما نرجو من المولى عز وجل أن يعيننا مستقبلا على استكمالها والتوسع فيها بحثا ودراسة، مجددين ومؤطرين ذلك وفق ثلاث إشكاليات استشرافية، توجنا بها خاتمة البحث، أولها: كيف يستطيع ابن خجو التأثير في الحركة الفكرية ونشاطها؟ ثانيها: ما هي معالم وملامح التأثير والتأثر في فكر أسلافنا؟ ثالثها: كيف تتحدد طبيعة العلاقة الجدلية التي تربط العقيدة والفكر بالتصوف في تراث الإمام بن خجو؟ كوننا لا ندعي أن هذه الأطروحة قد أحاطت بهذا الموضوع من كل جوانبه.
وفي نهاية هذا التقرير، أعترف مرة أخرى أنني مهما أوتيت من بلاغة القول زلفا، وأفنيت بحر النطق نظما ونثرا، أجدني مقصرا معترفا بالعجز عن واجب الشكر والامتنان لكل من ساند استكمال مباحث هذا العمل وتقويمه وتوجيهه.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”