- حديثنا الفكري لهذا الأسبوع سنخصّصه للإنتاج الفكري والعلمي لعلاّمتنا أحمد الصّبيحي، والمتجلّي في مؤلفاته وكتاباته وتقييداته، وكذلك إسهاماته الأدبية والمتمثّلة في أشعاره وقصائده، حيث كانت له-رحمه الله-مشاركات في التأليف والكتابة تنوّعت اتجاهاتها، وتعدّدت موضوعاتها، فشملت الحديث واللغة والأدب والتاريخ، إضافة إلى كنانيش خاصّة ثرّة ومفيدة، كما كانت له مشاركات أدبية وقصائد شعرية ينثرها في مناسبات مختلفة ولأغراض متعدّدة.
- لم تكن المهامّ والوظائف التي أسندت إلى علاّمتنا الصبيحي حاجزاً أو عائقاً له عن الاشتغال بالعلم والتّهمم به، والتأليف فيه والرّحلة من أجله، فقد كان ” إلى جانب الأعباء الإدارية المنوطة به نشيطاً في الميدان العلمي، ويبحث ويحاضر ويكتب في الصّحف، ويناقش المستشرقين، ويؤلف في مختلف الموضوعات اللّغوية والأدبية”. يقول عنه العلاّمة المرحوم عبد الله الجراري في «التأليف ونهضته بالمغرب»: ” أبو العبّاس أحمد الصبيحي من الكتّاب المرموقين، كان يتوفّر على مشاركة أدبية جعلته ينشط للبحث والتأليف في شتّى الميادين الثّقافية خاصّة الأدب واللّغة، فقد أحصى له من التقاييد والتآليف ما يدنو من العشرين كتاباً، أكثرها في الأدب”.
- نبدأ بذكر أولى مؤلفاته من تلك الرّحلة العلميّة التي قصد بها الدّيار المصرية للاطلاع على بعض المؤلفات الخاصّة بموضوع الدّارجة أو اللّغة العاميّة بهدف إرجاع أصلها إلى اللغة العربيّة وتحرير تأليف في ذلك، فزار دار الكتب المصرية، ولقي أحد رموز الفكر والأدب حينها وهو أحمد زكي باشا لإفادته، فكان أن توّج هذه الرّحلة العلمية بكتاب: «معجم إرجاع الدّارج في المغرب إلى حظيرته العربيّة»، وسيكون لنا وقفة مع هذا الكتاب في الحديث القادم بحول الله.
- ومن طرائف مؤلفاته المرتبطة بالموضوع السابق تأليفه لكتاب سمّاه: «أمثال العجائز»، وهو الكتاب الذي يقول عنه المرحوم الجراري: ” ضمّنه ثلاثمائة مثل يحتوي أغلبها أخلاقا واعظة تبثّ لا محالة وعياً ويقظة يخلقان في دارسها هدوءاً وانشراحاً على عادة المثل وما تهدي إليه مضامينه من مرامي وغايات كما في الفصيح من الأمثال”، ويقول عنه عبد المالك البغليثي مبدياً إعجابه بهذا النوع من الـتآليف التي تبرز جانبا مهما من الثقافة الاجتماعية المغربية الأصيلة:
- كان -رحمه الله-مولعاً بتنقيح اللغة الدّارجة وردّها إلى أصلها العربي وجمع الأمثال الواردة فيها، حتّى أنّه ألّف فيها كتابا سمّاه: «أمثال العجائز»، والحقيقة وهي أمثال مغربية وليس العجائز هنّ اللائي كوّنتها بحقّ حِكم وأمثال خلقتها تجاريب العجائز وغيرهن من المغاربة وصقلتها الأيام والممارسات فيه لا تخطئ مضربها، بل من مميّزاتها أنّها تساير الأيام والأزمان المتقدّمة التي قيلت فيها، وكذلك الأزمان الحالية والآتية شأن الأمثال العربية الفصيحة لأنّها مبنية على تجارب الأيام وتعامل الإنسان مع أخيه الإنسان والزّمان مع بنيه المحتكّين به”، وقد ترجمت هذه الأمثال للغة الفرنسية من طرف صديق له يدعى ابن شهيدة الجزائري، وعلّق عليها، واستدل على صحة بعضها وأصالته بالشّعر الحِكمي العربي الفصيح، وطبعت سنة: 1930م.
- ارتباط الفقيه العلاّمة أحمد الصّبيحي بالهويّة المغربية دفعته لأن يؤلف كتاب آخر يهمّ العادات والتّقاليد المغربيّة، سمّاه: «في بعض العادات المغربية» من قبيل عادات الزّواج والولائم والمواسم والسّياحة، يقول في مطلعه وعن الغاية من تأليفه: ” ما رأيته للعادات من الدخل العظيم في الدّلالة على ترقية الناشئة ولا سيما في طور تلاطم أمواج القديم والحديث، والسير في منهاج التمدّن والحضارة والسير الحثيث، وإنّ من العوائد المغربية الحالية ما هو حسن في نفسه ينبغي المحافظة عليه احتفاظاً بالقومية، وتمييزاً بها بين باقي الشعوب الشرقية والغربية، ومنها ما ينبغي تحسينه وتلطيفه وتليينه جرياً على سنن الترقي في كلّ شيء، ومنها ما ينبغي نبذه بالكليّة، وإخراجه من سلك العوائد في فصول يتلو بعضها بعضاً، راجياً من إخواني المغاربة أن يمعنوا النّظر فيما حرّرته بشأنها حتّى يأخذوا من العوائد بأحسنها”.
- ومما يتعلّق بالجانب الأدبي في كتاباته، كتابه المسمى: «الكشكول»، والمكون من خمسة أجزاء، سمّى الأول: الفالوذج، والثاني: الدّرر، والثالث: الرّوض، والرابع: مسك دارين، والخامس: نسيم السّحر، وهذه الأجزاء كما يقول محمّد حجّي: عبارة عن كنّاشات علميّة متنوّعة الموضوعات في مختلف الفنون، إضافة إلى إجازات وقصائد مطولّة ومقطّعات مختارة لشعراء قدماء ومعاصرين ووفيات بعض أعلام المغرب. أمّا في التاريخ فقد كتب عن مدينة آسفي لـمّا كان مزاولاً لوظيف رئيس مكتب الأوقاف بها، سمّاه: «باكورة الزّبدة في تاريخ آسفي وعبدة».
8.وإذا خرجنا من الجانب الثقافي والأدبي والتّاريخي في مؤلفات العلاّمة الصّبيحي وبحثنا عن جوانب أخرى في اهتماماته فسنجد له مؤلفات أخرى تخصّ الجانب الشّرعي، منها: «رسالة في صلاة الضحى»، وأخرى في «حكم الدّفن بالمساجد»، كما ألّف مؤلّفاً في الحديث النّبوي سمّاه: «المقتطف اليانع من روض الحديث الجامع»، هذا الكتاب جمع فيه نحواً من سبعمائة حديث، انتقاها ورتّبها على حروف المعجم وجرى فيه على وتيرة «الجامع الصّغير» للسيوطي، [ت. 911هـ].
- وقد نظم الكتاب في خمس مقاصد، هي كالتالي:
– في حِكم جامعة، وآداب نبوية ساطعة.
-فيما كان من الأحاديث دالاًّ على آداب شرعية سايرتها العادة من غير علم بسندها.
– ما دلّ الحديث على ردّ ما جرت العادة به بحجّة تقوم على تجنبه، وبامتثال ذلك يثاب المؤمن.
– ما دلّ الحديث على محدثات أو حوادث ستقع بعده صلى الله عليه وسلم، ووقع جلّها كما أخبر، فكان هذا موجبا لتصديقه في الباقي وداعياً بالطبع لزيادة الإيمان به في كلّ ما أخبر به صلوات الله وسلامه عليه.
– في بيان رتبة بعض المهمّ من الأحاديث الشّائعة والآثار الذّائعة.
- ومن أهمّ ما ألّفه العلاّمة الصّبيحي كتابه المسمّى: «أصول أسباب الرقي الحقيقيّ»، الكتاب الذي يعدّ في صنف الكتابات الإصلاحية ومن المتون الهامّة في هذا الباب، والذي سنخصّه بالدّراسة والحديث في القادم من الأسابيع بحول الله، غير أنّه من المهمّ في هذه المناسبة أن أورد ما قاله أحد أعلام الفكر المغربي وهو الأستاذ الكبير عباس الجراري عن هذا الكتاب وعن سياق تأليفه حيث يقول عنه:” عرف المغرب في النّصف الأوّل من القرن الماضي تحوّلاً كبيراً بسبب الرّجة التي أحدثها دخول الحماية عام اثني عشر وتسعمائة وألف 1912م، ممّا جعله يستيقظ من سباته الذي عانى ويلاته طوال قرون منذ تسرّب إليه الضعف، وغدا الخطر الخارجي يداهمه ويهدّده…
11.وفي هذا السياق ظهرت محاولات للإصلاح بدءاً بمراجعة أحوال الواقع في مختلف مجالاته، فكان أن أخذ العلماء والأدباء من كتّاب وشعراء يتناولون بعض قضايا هذا الواقع في سعي إلى مراجعته وتصحيحه، بقصد التّحرر من الاستعمار، وفي تطلّع إلى التطوير والتجديد بما يتلاءم ومتطلبات العصر أملاً في اللّحاق بركب المجتمعات المتقدّمة، ومن بين السّبّاقين إلى هذا التّناول برز اسم أحمد بن محمّد الصّبيحي السّلوي الذي حرّر في وقت مبكّر-وبالضّبط في آخر العقد الثاني من القرن المذكور -هذا الكتاب الذي يسعدني التقديم له”.
- وعنه يقول العلّامة المرحوم أحمد بن المأمون البلغيثي [ت.1348هـ]:
أصول أسباب الرّقي** بها احتفظ لترتــــــــــــــــــــــــقي
يا سعد من بها اقتدى** فكَــــــــــــم فَلاَحاً قد لقي
يا بُعد من عنها انزوى**قد ضلّ حقـــــــــــــّاً وشقي
لقد بدت زاهرة** تحكي ذُكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاءَ الأفق
من فكر حبرٍ ناصح **يهدي لأهدى الطّــــرق
أثــــــــــــــــــــــــــــــــــــــابه الله بما** به أثـــــــــــــــــــــــــــــــاب المتّــــــــــــــقي
يـــــــــــــــــــــــــــــــا قومُ قوموا وابتغوا** أصول أسباب الرّقي
د. محمد شابو