- ما تبقّى من الحديث عن الجانب المتعلق بشخصية الفقيه أحمد الصبيحي هو الحديث عنه شاعراً وبيان إسهاماته في هذا الفنّ الأدبي، فقد كان الصبيحي مشاركا في قول الشعر وينظم القصائد لأغراض مختلفة، وقد أورد له محمّد بن العباس القباج في «الأدب العربي في المغرب الأقصى» نماذج من شعره، وكذلك عبد المالك البلغيثي في: «المنار» مختارات من الشعر المغربي في بداية القرن 14/ 20.
- ويهمنا في هذا الحديث أن نورد شيئا من شعره مُنيخين بحديثنا الفكري إلى استراحة أدبية مع فقيهنا الصبيحي، وتاركين لأهل الاختصاص من الأدباء والنقاد قراءة هذا الشعر وتقييمه ونقده. فمن نمادج شعره قصيدته التي يشير فيها إلى أسباب الرقي والتقدم، والتي أجملها في الدين والعلم والفلاحة والتجارة والصناعة، حاثّاً بني وطنه على التمسك بها والعضّ بالنواجذ عليها، يقول:
بني وطني كفاكم من رقـــــــــــــــــــــــــــــــــاد ** وجدّوا في المعاش والمعــــــــــــــــــــاد
إلى الدين القويم أخ المعالــــــــــــــــــــــي** إلى العلم المبلّغ للرشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاد
إلى ســـعي بذي الدنيا لكســــب** تزاحَــــــم فيه أقدام العبــــــــــــــــــــــــــــــــــاد
فلاحٌ في الفلاحة لاح لكـــــن**بعـــــــــــــــــــــــــلم واختبـــــــــــار واجتهــــــــــــــــــاد
ولا تنسوا اتجاراً واصطناعـــــــاً** ونهجـــــــاً في مناهـــــــــــــــج الاقتصــــــــــــــاد
فذي أسبــــاب حـــــــقّ في ترقّ**إلى مرقى السعادة في البـــــــــــــــــــــــــــــــــــلاد
عليها بالنواجـــــــــــــذ فلتعــــــَــــــــــضوا** لكيلا تسطوا بين الوهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاد
وسيروا في مراقي العـــــــــــــزّ عزمــــــــــــــــــــا**لكيما تبلغوا أقصى المـــــــــــــــــــــــــــــراد
- وفي قصيدة له يجيب بها أحد معارفه وقد هنأه بترشحه لخطة الحسبة:
أبا المســــــــــــــــــــك الذي قد طــــاب أصلا**وطابق نظمه فصـــــــــــــــلا ووصــــــــــــــــــــــلا
سمعت بما يقال عن احتســـــــــــــــــــــــــــــــــــــاب ** أحمل فيه عبئاً لـــــــــــــــــــيس ســــــــــــــــــــــــــهلا
فعجــــــــــــــــــــلت الهنــــــــــــاء لصــــــــــــــــــــفو ودّ**وظنٍّ أنّ ذاك أصــــــاب أهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلا
فهنّئتم بما ترجــــــــــــــــــــون دومـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاً **وبلّغتم مرامكـــــــــــــــــــــــــــــــــــم وأعلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى
فأمّا ما رغبتـــــــــــــــم من محـــــــــــــــــــــــــــــــــــبّ** بلطف في السّيـــــــــــــــــــــــــــــــــاق يـــروق شكـــــــلا
فلـــــستُ بآكل عنــــكم سمـــــــــــــــــــــــــيناً**فطبْ نفساً بـــــــــــــــــــــــذا لـمّــــــــــــــــا أولـــّــــــــــــــــــــــــــــــــــــى
وأريــــــــــــــك في الخلافة خـــــــــــــــير رأي**فمــــــــن تعنـــــــــــــــــــي أحـــــــقّ بهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا وأولـــى
عســـــــــى المولى ينيل الكـــــــــــــــلّ منا**سداد الرّأي والتوفيــــــــــــــــــــــــــق فضــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلا
ويجعل سعينا سعيــــــــــــــــــاً حميـــــــــداً**بجاه محمّد من ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــاد كُــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلاّ
عليه صلاة ربّي كـــــــــــــــــــــــــــــــــلّ حيــــــــــــن**ومادام الخــــــــــــــــــــليل يجيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــب خــــــلاّ
- كان أحمد الصبيحي مولعا بالألغاز الشعرية فما إن تأتيه قصدية بلغز حتى يتصدّى للإجابة عنه، ومن ذلك ما بعث له أحمد البلغيثي ملغزا في الحجر الأسود قائلا:
ألا هل تدري شيئـــــــــــــــــا نفيــــــــــــــــــــساً** تراه الآن عينك ذا وجــــــــــــــــــــــــود
وقد مسّتـــــــــــــــــــه قطعـــــــــاً دون ريـــب**يمين المصطفى خيـــــــــــر الوجــــــود
وما قدر الملوك على اقتــــــــــــــــــــــناء **له مع أنّه ســــــــــهل الوجــــــــــــــــــــــــــــــود
فأجابه الصبيحي قائلا:
ألا يا أوحد الأدباء حــــــــــــــــــــــــــــــــقّاً**وأحمدهم لــــــــــــــــــــدى ســـــــــــبك القصيـــــد
عنيتم بالنّفيس الأســــــــــــــــــــــــــــــعد اسمـا**ومعنى ليس يلقى بالبعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيد
فإنّ الله شرّفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه وأسمى**مكانـــــــــــــــــــــته لتذكـــــــــــــــــــــــــــــــــار مَجيـــــــــــــــــــــــــــــــــــد
وخصّصه بزينــــــــــــــــــــــــــــة خير بيت**عـــــــــــــــــــموماً للملوك أو العـــــبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد
فيا سعد الألى قــــــد عايــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــنوه**وفازوا منه باللئيم السعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيد
لقد قصدوا الوفاء لـــــــــــــركن ديـــــــــــــــــــــــــــن**فيا لله من قصـــــــــــــــــــــــــــد ســـــــــــــــــــديد
فخــــــــــــــذه أيها المولـــــــى جــــــــــــــــــــــــــــــــــواباً**للغز جـــــــــــا بأسعد من ســـــــــــــــــــــــــــــعيد
ودمت الدهر ملحوظــــــــــــــــــــــاً مـــعافى**قـــرير العين في عمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر مــــــديد
- في بعض شعر أحمد الصبيحي خروج عن المعهود من أغراض الشعر المعروفة، وهو بذلك كما يقول عنه عبد المالك البلغيثي في «المنار» ” يميل إلى التجديد والتطوير خاصة في مواضيع شعرنا العربي وإخراجها من حيّزها القديم: المدح والتهاني والإخوانيات… إلى أغراض جديدة شيّقة”، من ذلك قوله في كرة القدم:
وميـــــــــــــدان حرب عــــــــوان لــــــــــــــــــــــــــدى**أحبّة صـــــــــــــــدق وهمُ كالعـــــــدا
قد انقــــسمـــــــوا قســـــــــــمتين بـــــــــــه**وشمّـــــــــــــــــــــــرا كلّ فــــــــــــــــــــــريق يـــــــــــــــــــدا
يناضل بالرّجل عن غــــــــــــــــــــــــرض**يريد اكتساباً له في المــــــــــــــــــــــــــــدى
ولكـــــــــــــــــنّه غــــــــــــــــــرضٌ يتطـــــــــــا**ير، بينهـــــــمُ ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرمدا
وكـــــــم من طــــــــــــــــــريح يسيــــل له **دمٌ ليس يـــــــــــلزم فــــــــــــــــــيه فدا
وقد بــــــــــــــــرز النّاس من كلّ صنف**يرون بأعينهــــــــــــــم ذا الرّدى
وهــــــــــــــــــــــــــــم في ابتهاج وشرح صدور**وفرط سرور بما قــــــــــــــــد بدا
لهـــــــــــــــــــــــــــــــم في الفـــــــــــــــــــضاء هتـــــــــــــــاف إذا**فريق بمقصده انفردا
إلى أن يتـــــــــــــــــــــــــــــــــــمّ انتـــــــــــــــــصارٌ له**فكلّ لتمجيـــــــــــــــــــــــــده ردّدا
وعانق كلّ فريق فـــــــــــــــــــريقا**ومــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدّ له بالسّلام اليدا
د. محمّد شابو