إضاءة:
هذه باقة أحلام بيئية صادقة، موجهة – خصيصا – إلى البراعم المتفتقة في تربة طيبة؛ أحلم أن أبث – عبرها – في خلدها حب محيطها البيئي والطبيعي لتنعم بحياة هنية؛ نقية الهواء، عذبة الماء، دانية القطوف؛ حياة قوامها: التعارف، والود، والائتلاف، والرحمة.
– أنا الشارع –
أنا الشارع؛
مهدت وعبدت ورصفت وأنرت، ثم جعلت مثابة للناس، والسيارات، والدراجات…
زينت بأضواء مختلفة الألوان والأحجام والأشكال…
تصطف على جنباتي سيارات، تعددت أنواعها وأعمارها، وتفاوتت قيمتها…
تروح وتغدو على أرصفتي أفواج المتبضعين، والمتسوقين، والمتجولين، والمتسولين، والمتسكعين، من أعمار وأجناس شتى !
تقام في ساحاتي احتفالات الأعياد الوطنية، ووقفات المطالب الاجتماعية؛
وتلتئم في فضائي مهرجانات الحملات الانتخابية؛
وتمر عبري استعراضات الطبقة العمالية…
***
تكون بهجتي غامرة، لما أرى زواري ومستعملي جادتي يسيرون الهوينى بنظام وانتظام؛
وأبتهج لما أراهم يغدون ويمسون في أمن وأمان؛
وتكون فرحتي عظيمة، لما أنظر إلى سائقي السيارات، ذكرانا وإناثا، وهم يحترمون قوانين المرور وحق الأسبقية؛
وتكون سعادتي أكبر، لما أرى الناس حريصين على نظافتي، وحمايتي من منتهكي حرمة البيئة؛
أنشرح لما تزين جنباتي بأشجار وارفة الظلال، وأصص أبدعتها أنامل تعشق الجمال؛
أطرب لما تكرمني السماء بماء منهمر فيزيح عن أديمي ما تراكم من تراب وغبار …
***
أنا الشارع؛
تتملكني الحسرة والامتنان في آن، لما أرى عمال النظافة يعملون جاهدين بوسائل بسيطة على جمع ما شتته العابثون من نفايات وقمامات، خارج أوقات وضعها في الصناديق المعدة لها؛
وأمتعض من أولئك الذين يبعثرون صناديق القمامة بعد نبشها، وانتزاع مرادهم منها!
ويشتد غيظي وغضبي لما أرى طائشين يخلعون بهمجية نبتة فتية من تربتها الزكية!
وأتأفف لما أصادف شراذم تجسر على تخريب إشارات المرور، وأعمدة مصابيح الإنارة العمومية! واقتلاع أغطية قنوات الصرف الصحي الحديدية!
ينتابني الهلع، لما يتخذني ذوو عاهات مكانا لعرض أعطابهم الخلقية أو المصطنعة، بغية استدرار العطف بأساليب تمويهية!!!
وأتحسر لمنظر نساء في مقتبل العمر، مزنرات بصبية زغب الحواصل، وقد افترشن قارعة الطريق جنب أبواب أماكن حساسة للتسول؛
كلما رأيتهن، استعادت ذاكرتي صورة الأرملة المرضعة التي خلدها الشاعر العراقي معروف الرصافي في قصيدته التي مطلعها:
لقيتها ليتني ما كنت ألقاها !
تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها
أتفطر ألما لشيب وشباب، ألجأتهم الفاقة إلى امتهان مسح أحذية المارة، لكسب قوت عيالهم بمرارة!
وأتفطر حزنا، لما ينتشر على صعيدي من يعرض بإلحاح بيع سجائر بالتقسيط!
أشمئز من كل مظاهر التفسخ الخادشة للحياء؛
وأتقزز من أولئك الذين اتخذوا أركاني في جنح الليل فضاء مفضلا لقضاء حاجتهم!
وأضيق ذرعا بالذين احتلوا جوانبي بغير حق، فعرقلوا انسياب المرور بكراسي المقاهي، وفائض معروضات المتاجر!
***
أناالشارع؛
رغم وطأة الحسرة والألم والحزن، أشد بحرارة على اليد النظيفة الأمينة التي تعمل بالليل والنهار، لأظل نظيفا طاهرا نقيا؛
وأشد بقوة على السواعد القوية التي لا تتوانى في حماية الممتلكات العامة، لتبقى بمنأى عن التخريب والتدمير والتلويث…
وأشيد بالعين الساهرة على استتباب الأمن.
***
أنا الشارع؛
أعلن بملء في، وأصيح بأعلى صوتي، وأنادي مع كل الأصوات الشجاعة الغيورة على طهري:
خلصوني من جحافل المشردين؛
جردوني من أسراب المعتوهين؛
احموني من مخربي المعالم الجميلة؛
أبعدوا عني ملوثي البيئة.
***
أنا الشارع؛
أضم صوتي إلى كل من يقول:
نعم لكل سعي مشكور في سبيل أن أكون شارعا فسيح الأرجاء؛
نظيف الجوانب؛
وضاء المصابيح.
نعم لكل مبادرة تجعلني شارعا تتجلى فيه جمالية المكان وطيبوبة الإنسان!
أملي أن أكون أهلا لحمل أسماء الرجال
الجامعة بين جمال المكان وبهاء الحال!
كما جمع التفاح حسنا ونضرة
ورائحة محبوبة ومذاقا!
***
أنا الشارع؛
منتهى أملي أن يبقى اسمي يذكر بببطولات الأمجاد الخالدة في تاريخ الآباء والأجداد؛
فهل تفلح أنت أيها الإنسان في تدشين شوارع مدينتك وفق ما اختير لها من أسماء حسان؟!
يوم تحقق ذلك، ستغدو مدينتك قبلة يؤمها السياح من مختلف الأوطان؛
وسيضحى اسمها يخترق الآفاق ويتردد في الأكوان عاليا كالأذان !
د.محمد محمد المعلمي