إضاءة:
هذه باقة أحلام بيئية صادقة، موجهة – خصيصا – إلى البراعم المتفتقة في تربة طيبة؛ أحلم أن أبث – عبرها – في خلدها حب محيطها البيئي والطبيعي لتنعم بحياة هنية؛ نقية الهواء، عذبة الماء، دانية القطوف؛ حياة قوامها: التعارف، والود، والائتلاف، والرحمة.
– أنا المدرسة –
كنت وسأبقى، مذ عرف الإنسان فضل العلم، قبلة طلاب التعليم.
كنت، وما زلت ولا زلت، الضوء الذي يخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور العلم.
أنا فخورة اليوم بمكانتي في كل المجتمعات؛
فما أن تنتهي العطلة الصيفية حتى ترى الآباء والأمهات يتقاطرون على رحابي ابتغاء تسجيل فلذات الأكباد.
أعيش فرحة عيد كبرى مع إشراقة كل موسم دراسي، لأني أستقبل براعم جديدة، وأجدد الصلة بأعزاء كانوا ضمن حجراتي في الموسم المنصرم،
لذلك أبذل قصارى جهدي رغم محدودية إمكاناتي لتجديد صباغة جدراني، وتشذيب أغصان شجرات ساحتي، وترميم سبوراتي وزجاج حجراتي، وإغناء مكتبتي، وإصلاح أعطاب مرافقي…
حتى إذا انطلق الموسم الدراسي، ووقف التلاميذ بنظام وانتظام يؤدون تحية العلم على أنغام النشيد الوطني، أحسست بقدر كبير من الفخر بأبناء بلادي.
سعادتي لما أرى تلاميذي يواظبون بجد ونشاط على حضور دروسهم؛
وسعادتي أعظم لما أراهم متحابين ومتوادين، ومتعاونين على التحصيل بإخلاص وتفان؛
ومقبلين على تلقي دروسهم بجد وشغف.
وأسعد أكثر لما أحس بصدق المودة، وصفاء العلاقة بين المعلمين والمتعلمين.
عندئذ؛ تغمرني الطمأنينة والراحة لأن براعمي موكولة ليد أمينة، تسهر على ري نبات تربة التربية بقطرات ماء الصدق، والنبل، والطهر، والعفة.
أحس بالانتشاء لما أرى تلاميذي وتلميذاتي ملتزمين بالانضباط في الدخول والخروج، متحلين بآداب التعلم والدراسة؛
وأحس بالفخر لما أنظر إليهم منخرطين بروح جماعية في أنشطة الثقافة، والرياضة، والرسم، والمسرح…
***
سعادتي الكبرى لما أرى فوجا تلو فوج من تلاميذي يحصل على أطيب النتائج، ويحقق أرقى المعدلات، ثم ينطلق وثابا نحو آفاق أرحب في عالم التحصيل العالي في الجامعات والمعاهد، داخل الوطن وخارجه.
لما أرى تلاميذي ذكرانا وإناثا وهم يرتقون أسمى المراتب، أستحضر بيت الشاعر الخالد في المعلم:
قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
وأستحضر بفخر واعتزاز بركة الأم وأفضالها على أبنائها، ودورها في تربيتهم ودفعهم نحو النجاح والفلاح في بيت الشاعر الثمين:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
***
إن كان لي من عتاب فهو عتاب أم مشفقة على أبنائها؛
عتاب للذين يقومون في لحظات شرود بما يندمون على فعله عند عودتهم إلى رشدهم؛
عتابي موجه لمن يعبث بمحتويات الفصول؛
أو يلطخ بياض الجدران بكلام مشين؛
أو لا يلقي بالا لما يخدش به طاولات الفصل من كتابات يمجها الذوق السليم، ويرفضها العقل المستنير؛
أو يلقي بلا مبالاة وكيفما اتفق قصاصات الأوراق خارج سلة المهملات!
أملي أن يبقى تلامذتي أحرص الناس علي؛
وأن يكونوا خير سفراء لي في بيوتهم ومجتمعاتهم؛
وأن يكونوا دوما يدا واحدة على من أراد بي سوءا؛
وأن يظلوا أوفياء للأوقات السعيدة التي مكثوها في حضني؛
وأن يمحضوا النصح لخلفهم حتى يكونوا خير خلف لخير سلف.
***
حلمي أن أرى تلامذتي يجتازون اختباراتهم باطمئنان، متجردين من عقدة “الامتحان”!
حلمي أن أراهم، في المنتديات والمحافل الدولية، يذودون عني بالعلم النافع، وبالخلق القويم، والسلوك السوي.
حلمي أن يبقى حبل المودة ممدودا بيني وبين جميع أفواج تلاميذي؛
وأن يحفظ الرواد منهم العهد الذي نسجناه سويا بخيوط العلم المتينة حتى أمسى عروة وثقى لا انفصام لها؛
وأن يتحول فضائي إلى ملتقى يشع عزما وأملا؛
وأن يبقى منارة علم وخلق، ومنبعا للسؤدد والعلا.
***
حلمي الأسمى أن يتضاعف إنشاء مدارس نموذجية في كل قرى بلادي؛
وأن تختار لرفع قواعدها أماكن آمنة؛
مزودة بالماء والكهرباء؛
مكرمة بمطعم ومرافق صحية؛
متوفرة على ملاعب رياضية ومكتبة مدرسية.
***
أنا لا أحلم بمطلب عصي على الإنجاز !
إنما أحلم بما عليه القلوب مجمعة، ليقينها أن طلب العلم فريضة؛
وأن التعلم حق مكفول لكل مواطن ومواطنة؛
وأن توفير ظروف التعلم في مدارس مجهزة بأحدث الوسائل التربوية؛
ومسيرة بطاقات شابة مؤهلة، ذات عقليات متفتحة؛
ومجهزة بأحدث الوسائل التربوية، سبيل تفضي إلى التقدم والازدهار؛
سبيل الذين يسعون سعيا، ليكونوا أهلا للانتساب لخير أمة أخرجت للناس؛
أمة (اقرأ باسم ربك الذي خلق).
د.محمد محمد المعلمي