… لم يعد هناك حكم ذات قيمة في هذا المجتمع “اليوتوبيا” ، في البلاد التي أصبحت تتشدَّق بحرية التعبير ، وهي التي تكيل بمكيالين . الكتاب يحمل عنوان :
- مسار مُحارب ، مثل الأب مثل الإبن (بالفرنسية) . غلاف الكتاب من النوع الجيّد ، يعلوه العنوان بالبند العريض و باللوْن الأحمر تعبيرا عن التطرُّف و العنف ، و الخطر و الغضب ، و المغامرة التي أقدم عليها الكاتب . وسط الصفحة العلم الفرنسي بثلاثية الألوان الباهتة ، الأحمر و الأزرق و الأبيض الغير الناصع في شكل مكسور ، أمَّا “لا تور إيفيل” ، لعلّ ظلها الشاحب ، له أكثر من معنى !
-
بين دفتيْ الكتاب مائة و اثنان و ثمانين صفحة من القطع المتوسط ، لمؤلفه الشاب أحمد المالطي ، الذي تابع دراسته العليا بالقطر الفرنسي ، و توَزَعتهُ تبعات عدَّة ، فذاق من الصعاب من عنصرية مقيتة ، في بلاد أرض الأحلام ؟ ثمَّ بدا له من سفره هذا وجهٌ آخر . على هذا الوجه يمكن تصنيفه من آداب الرحلات مستوحاة من ذاكرة شاب ، بحثاً عن العلم ، لقول رسول لله –صلعم- في الحديث الشريف : اطلبوا العلم ولو في الصين .
يذكر الكاتب في سيرته الذاتية بعد وصف طبيعة شخصه ، أنَّ والده الذي كان عسكريا في الجيش الفرنسي أيام الاستعمار ، قد نصحه بمتابعة دراسته العليا بفرنسا ، دولة حقوق الإنسان ، لسرْد قصة من الواقع لكفاح أبيه في تحرير فرنسا من النازية ثم في بدايتها كان يحكي عن المراحل التي مرَّ منها إبَّان رحلته ، انطلاقاً من تطوان مسقط رأسه ، و التي يصفها بالحمامة البيضاء . و قد نسج عبارات أدبية فاتنة للحاضرة المغربية ذي الطابع الأندلسي ، ليوَثق فيها خصوصيات مجتمع تطواني يتعايش فيه مسلم عربي و مختلف العناصر البشرية ، لإيضاح المعالم الحضرية العربية الإسلامية ، التي حافظت عليها العوائل من أصول أندلسية ، وهي التي تفرَّدتْ بها الأسر التطوانية بعد سقوط غرناطة سنة 888/889 للهجرة النبوية الموافق لم1492م ميلادية . وقد تكوَّنتْ بها اللحمة المغربية بتوصيفها المعماري الجميل . تطوان التسامح و مكان لأداء شعائر جميع الديانات السماوية .
– كان عمر المؤلف سبعة عشر سنة بعد نجاحه بامتياز في شهادة البكالوريا “شعبة الرياضيات” و هي السنة التي أحرزت فيها فرنسا على كأس العالم في كرة القدم . فأرْدف “الحكواتي” من أجل القارئ مدَه بقيمة مضافة ، ألا وهي أنَّ الفريق الفرنسي المكوَّن أيضا من غير “الكولوا” (السكان الأصليين الفرنسيين) ، مثل زيدان ، و التخلص من “إيريك كانتونا ” . هذه الاستراتيجية الغير العنصرية ، و قد تكون الأولى من نوعها للمنتخب ، الذي توج بالكأس لأوَّل مرَّة في حياته . باستثناء التسامح لفترة كأس العالم ، مع الأجناس من أصول الغير الفرنسية ، عاد المجتمع الفرنسي أو معظمه إلى العنصرية مع كل من يحمل أسماء عربية ، ثم (عادت حليمة إلى عادتها القديمة) .
– ينسج الكاتب مستقبله بحكايات عن هذه الهجرة التي تحثهُ على إعادة سرْد ذاكرته و توثيقها حتى لا تنهار في النسيان ، و في محاولة لكسر الطابوهات الفرنسية . هو قد عرف كيفية منحها المصداقية . وهو يتحدث عن طفولته من الحضانة إلى الإبتدائي و الثانوي ، إلى غاية شهر يونيو 1998م تاريخ حصوله على البكالوريا ، الذي تزامن مع مشاكل أسرية ، لسوء الحظ . و تكون قد أثرتْ على معنوياته النفسية لينتج عنها “خلل في التوازن” الذي ربما تمخض عن صدح نسبي “مدى الحياة” .
– هل الحقيقي و الغير الواقعي يندمجان في المجتمعات الأروبية ، بما في ذلك الميز العنصري كاستراتيجية الدول الغربية ؟ و يعرضون ذلك من خلال الكتب و المقالات عن الإسلام و المسلمين ، و الذين يزعمون أنهم يشكلون تهديدا “مميتاً” على الحضارة الغربية ، و خطر و ترويع وجودي على شعوبها ! يظنون أنَّ انتصار الإسلام قد يكون سبباً لتدمير الثقافة الغربية ، و استبدال “الجنس الأبيض” ( العنصرية الفرنسية على منوال الحزب “لوبان” بالحزب الوطني الفرنسي ) ، من قبل المهاجرين عن طريق تكاثر المهاجرين الذين يمتازون بنمو ديمغرافي سريع ، و أنَّ الإسلام غير متوافق مع النظام العلماني الفرنسي . و أنَّ الأصول الدينية و العرقية هي التي تحدّد طريقة تفكير هؤلاء العرب و الأفارقة التي يُطلقون عليهم (الغرب عامة ، والفرنسيين خاصة)، “الإسلاموفوبيا” !
– ممّا زاد الطين بلة تفجير مجلة “شارلي إيبدو” ، وهي عملية إرهابية لشخصين اقتحما مقر المجلة لإبادة إحدى عشر موظفاً (13/11/2015) و إطلاق النار على الشرطي “المرابط” فأردوه قتيلا . ثم إنَّ عملية احتجاز الرهائن من “سوق ممتاز” أودتْ بحياة أربع ضحايا ، و أخيراً إستيراد النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني إلى فرنسا هو خطر من كل الأخطار . و لحسن الحظ هناك من الناس الأذكياء من لا يسقطون في هذا الفخ ! هذان الشخصان يحمّلون اللوْم على المجلة التي نشرت الرسوم الازدرائية على محمد رسول الله –ص- ، على حدّ قوْل الإرهابيان اللذان يتحملان مسؤولية جرائمهم ، و لا يجوز تعميمها على المسلمين أوْ الإسلام الذي يحرّم القتل (و لا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلا بالحق ) . و إنْ كان ازدراء أي من نبيّ أوْ عقيدة فهو اعتداء على الشرائع الدينية .
- فإذا به (الغرب) يتغاضى على أنَّ الأنظمة الديمقراطية و مؤسساتها تعتمد على فصل السلط ، التنفيذي و القضائي و التشريعي ، و من هنا جاءت منظومة حقوق الإنسان و الحريات العامة، التي هي حكر فقط على الفرنسيين ، و ليس من حق مواطني العالم الثالث ،الذين يعتبرونهم ككائنات أدنى.
– يقول المثل الفرنسي :الأفضل أنْ نخدم أنفسنا بأنفسنا ، و لن يخدمنا أحدٌ أبداً .
– حتى لو كان عدد قليل من الفرنسيين يستخدمون حسابات جوْفاء باليمين العنصري مثل “صحيح سياسياً” أوْ “الإسلام اليساري” ، وهي الأسلحة التي تمَّ استخدامها أولاً من قبل المتعصبين البيض الأمريكيين لهجماتهم الإيديولوجية ، و خاصة نبذ كراهية الأقلية السوْداء . دائماً للوصم لكي تظهر أنَّ بعض الأقليات المسلمة هي تهديدات مميتة . – “الكوكتيل” هو نفسه دائماً أيْ استهداف عدوّ زائف من الداخل ، و استخدام الخوْف لإعداد الآراء للأسوأ ، ثمَّ في نهاية المطاف المخيمات .
– و خلاصة القول ، إنَّ المجتمع الفرنسي عامة ، له “فوبيا” من الإسلام الذي يجهلون عنه كل شيء .
– يؤكد الكاتب أنَّ أفضل و أسعد يوما كان له بفرنسا ،هو يوم ازدان فراش بيته ب “ماريان” ابنته التي اختار لها هذا الإسم ، وهو من أصول عربية-يهودية ، ليعبر عن المساواة بين جميع الأناسي على الرغم من اختلافاتهم ، فالمهم أنْ يتعايش البشر في أمن و سلام .
– و يختم الكاتب في سيرته الذاتية ، بقوله ، إنه فرنسيٌّ . و لقوْل الحقيقة ، هذا التجنس لم يأت من فراغ ، فقد يسمح له بتجنب المحن التي ذاق منها الحنضل لسنوات عديدة ، منذ أن أطاءتْ قدماه الأراضي الفرنسية . و قد منحته الجمهورية الفرنسية جنسيتها ، وهو فخور بذلك ، و دون أنْ يفقد جنسيته المغربية ..
عبد المجيد الإدريسي .